عبدالله الداخل
الحوار المتمدن-العدد: 2856 - 2009 / 12 / 12 - 23:53
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
ملاحظات في الكتابة عن الدين (2)
في العلمانية
أ- محاولة في فهم أوسع للعلمزيف (العلم المزيف، العلوم الزائفة، وله أسماء أخرى)
An Attempt of an Addition to the Definitions of Pseudoscience
العلمزيف (العلم المزيف)*
في محاولتنا فهم ما يريد ان يقوله لنا هذا الكاتب "العلماني" أو ذاك، ينبغي أن نحاول أولاً تشخيص سمة معاصرة، مهمة جداً في رأيي، من سمات العلمزيف الحديث. ولا يتضح هذا التشخيص دون إلقاء نظرة حذرة ليس فقط على ما يكتبه هؤلاء "العلمانيون"، وليس فقط على مصادر تعاريف العلمزيف المتوفرة في اللغات الأخرى، الانكليزية خصوصاً(ملاحظة1 أدناه)، ولمن بالضبط تعود ملكية هذه المصادر، وإنما أيضاً بدراسة ما يقوله المتظاهرون بالعلمانية من الكتاب الغربيين ممن يوصفون في أوساطهم بـ"المحافظين"، حيث يمكن ترجمة هذه الكلمة، "المحافظين"، بكون هؤلاء الكتاب الرجعيين يقفون في الصدارة من كتاب العلمزيف، خدم الرأسمالية المعاصرة.
إن مصادر تعاريف العلمزيف هي نفس الجهات المسؤولة عن "تسويقه" في وسائل الإعلام الغربية والعالمية، وهي خليط من جهات دينية مسيحية-يهودية-إسلامية، وشركات أميركية-أوربية-عربية وغيرها، وهي ذات علاقة وثيقة بالجهات التي تحاول كبح جماح التقدم العلمي عالمياً وذلك بسبب الصلة الوثيقة التي لا مفر منها بين التطور العلمي، رغم توجيه مساراته، الصناعية خاصة، في خدمة الرأسمالية، وبين وضوح الضرورة القصوى في تحقيق عدالة عالمية تشمل جميع البشر في كل القارات، عدالة تعني القضاء على الفقر والمرض والجهل وتسير يداً بيد مع المحافظة على البيئة ووجوب إجراء تغييرات أساسية في طبيعة وأهداف الصناعات الرأسمالية في عصر سيادة الرأسمالية سياسياً واقتصادياً، مع الاهتمام بانتقال مراكز هذه الصناعة من أماكن إلى أخرى.
إذن لا يتوقف فهم علاقة العلمزيف بـ"العلمانية" العربية الحديثة على مراجعة كافة تعاريف العلمزيف، وليس فقط بالإجابة على الأسئلة الستة عشر في تشخيص الفوارق بين العلم والعلمزيف (ملاحظة 2)، كما أن التوقف عند حدود تلكم التعاريف لن يساعدنا على تشخيص تلك السمة المهمة، لأن إحدى أهم مشاكل تعريف العلمزيف في رأيي هي المحاولات المتواصلة في تشويه التعاريف الأكثر علمية له، فلا بد أن تكون تلك الجهات قد عملت على تشويه التعاريف ونشرها مشوهة ًبسبب إمتلاكها أيضاً وسائل الاعلام التي تقوم على نشر تلك التعاريف، ومن الطبيعي أن يكون تشويه أي تعريف لكل من العلم والعلمزيف جزءاً لا يتجزأ من العلمزيف ذاته، حيث يزداد العلمزيف مراوغة وتعقيداً بمرور الزمن.
لم يعد تشخيص الفوارق بين العلم والعلمزيف وحده كافياً لمعرفة الطبيعة الحقيقية للعلمزيف، لأن هذا التشخيص أضحى أمراً تقليدياً ومبدأياً معروفاً، وهو مبني على الحقائق الظاهرة للعيان فقط، ولا يليق بالمراحل الأكاديمية الأولى، وحتى بما قبلها، رغم كون هذا التشخيص دقيقاً ومفصلاً وصائباً.
مما يؤسف له ان كَرازيانو، مثلاً، في تعريفه للعلمزيف يلقي باللائمة على الناس العاديين في تشويه العلم فيصف العلمزيف بأنه
Popular distortion of scientific knowledge, etc(3)
وهو بهذا يحوّل العلمزيف من المصدر إلى المتلقي.
وعلى الأسس أعلاه لا بد، بالطبع، من عدم الاعتماد الكلي على التعاريف التي كان سائدة حتى أوائل القرن الحالي في كثير من الجامعات.
فما الجديد الذي ينبغي إضافته الى معلوماتنا التقليدية بصدد العلمزيف؟ وكيف سيفيدنا هذا الجديد في الموقف من كتابات كثير من العلمانيين العرب؟
1- العلمزيف هو بدائل العلم التي تسعى الطبقات العليا في المجتمع الطبقي تقديمها في مواجهة تقدم العقل البشري نحو العدالة الاجتماعية.
2- كل الكتابات الدينية ذات العلاقة تقع ضمن دائرة العلمزيف الواسعة، لكن ينبغي تحديد أهدافها الطبقية.
3- عصر انتصار الرأسمالية هو عصر انتصار العلمزيف، وهذا ينعكس في الإعلام الرأسمالي (وينعكس عندنا في الإعلام العربي.)
4- الرأسمالية الغربية كانت وما زالت تستخدم العلم الحقيقي في الصناعة ووسائل السيطرة بأشكالها، ولكنها تستخدم العلمزيف (بدءاً من الدراسات اليهودية-المسيحية ذات الطابع العلمي الى تزوير التقارير العلمية والتأثير السياسي وغيره على المسيرة العلمية بشتى الأشكال).
بعبارة أخرى: كان وما زال إستخدام الرأسمالية للعلم استخداماً أنانياً مجرماً وكارثياً في الصناعة والتلويث الناتج عنها دون اعتبار لمستقبل الكوكب، وكذلك في التسليح والتجسس والاعتداء والتزييف.
5- ينبغي إذن أن يكون كفاح الكتاب ضد العلمزيف مرافقاً (وليس سابقاً) لكفاح الطبقات الواطئة لحل مشكلة الطبقات.
وهذا ما سيقودنا الى القسم الثالث من هذه الملاحظات.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* الطامة اللغوية التي ابتلينا بها في العربية في الخلط بين مفهومَيْ العلوم و"العلوم" الدينية (والعلماء و"علماء" الدين) ليست موضوع هذا البحث، رغم أهمية ودائمية هذه الكارثة اللغوية الواسعة الضاربة أطنابها في عمق تأريخ العرب الوسيط والحديث وانتشارها في كل مكان، في الشارع والمكتبات العربية ووسائل الإعلام.
المشكلة الأخرى - يبدو أن شركات ياهو وكَوكَل وغيرهما تحمل نفس حرص الرأسمالية الغربية وبعض الجهات في العالم العربي على عدم التوفر السريع للمعلومات المفصلة الخاصة بالعلمزيف في الانترنت.
(1) http://physics.syr.edu/courses/modules/PSEUDO/pseudo_main.html
(2) The following is copied from an adapted article by Lee Moller
1. Has the subject shown progress?
2. Does the discipline use technical words such as "vibration" or "energy" without clearly defining what they mean?
3. Would accepting the tenets of a claim require you to abandon any well established physical laws?
4. Are popular articles on the subject lacking in references?
5. Is the only evidence offered anecdotal in nature?
6. Does the proponent of the subject claim that "air-tight" experiments have been performed that prove the truth of the subject matter, and that cheating would have been impossible?
7. Are the results of the aforementioned experiments successfully repeated by other researchers?
8. Does the proponent of the subject claim to be overly or unfairly criticized?
9. Is the subject taught only in non-credit institutions?
10. Are the best texts on the subject decades old?
11. Does the proponent of the claim use what one writer has called "factuals" - statements that are a largely or wholly true but unrelated to the claim?
12. When criticized, do the defenders of the claim attack the critic rather than the criticism?
13. Does the proponent make appeals to history (i.e. it has been around a long time, so it must be true)?
14. Does the subject display the "shyness effect" (sometimes it works, sometimes it doesn t)?
15. Does the proponent use the appeal to ignorance argument ("there are more things under heaven … than are dreamed of in your philosophy …")?
16. Does the proponent use alleged expertise in other areas to lend weight to the claim?
(3)
فيما يلي تعريف كَرازيانو للعلمزيف في كتابه المنهجي "طرق البحث"
*Research Methods, Anthony M. Graziano & Michael L. Raulin, Allyn&Bacon, 2000, 4th Edition p. 430:
Popular distortion of scientific knowledge and procedures that appear on the surface to be scientific but lack critical scientific procedures. Some fields, such as astrology, extrasensory perception, the study of alien abduction, and medical quackery, have traditionally relied on pseudoscience to make them appear legitimate.
لا بد من التوقف هنا عند الكلمة الأولى، popular، ثم الكلمة الثانية distortion، لأنّ من يدرس تأريخ العلمزيف
(4)
التعاريف التقليدية للعلم المزيف في الوكيبيديا
http://en.wikipedia.org/wiki/Pseudoscience
• Pseudoscience, per Sokal, designates "any body of thought [...] that:
a. makes assertions about real or alleged phenomena and/or real or alleged causal relations that mainstream science justifiably considers to be utterly implausible, and
b. attempts to support these assertions through types of argumentation or evidence that fall far short of the logical and evidentiary standards of mainstream science."
He notes several other common traits, but emphasizes that they are "optional".
• "What pseudoscience utterly lacks, however, is the critical spirit and the robust empirical support that are characteristic of genuine science. Examples of pseudoscience are astrology, homeopathy, creation science , Judaism, Christianity, Islam, and Hinduism."
من الصعب جداً تغطية كافة جوانب موضوع العلمزيف لكني سأحاول ذلك مستقبلاً أيضاً. إن تعريف العلم المزيف لابد أن يبدأ بتعريف ما هو العلم (وطرق البحث العلمي) أولاً.
#عبدالله_الداخل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟