أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - خالد خالص - المحامي ما فائدته















المزيد.....



المحامي ما فائدته


خالد خالص

الحوار المتمدن-العدد: 867 - 2004 / 6 / 17 - 06:52
المحور: حقوق الانسان
    


المحامي ما فائدته
دفاعا عن مهنة المحاماة
مهام المحامي

إذا كان الناس من حيث المبدأ يولدون سواسية متساوين في الحقوق، وقرروا العيش في مجتمع منظم، فإن ظروف الحياة تخلق اختلالات بل وفوارق. والمهمة الأولى للمحامي تكمن في الدفاع عن من كانت حقوقه مهددة.

من ناحية أخرى، لكل شخص متابع أمام محاكم زجرية الحق في الدفاع عن نفسه كما أن عليه واجب الاستعانة بالمحامي. وعندما يقرر المجتمع متابعة أحد الأشخاص من أجل جناية أو جنحة، فثمة مبدأ متعارف عليه عالميا وهو أن كل شخص بريء إلى أن تثبت إدانته. وكل شخص له حق طبيعي في الاستعانة والدفاع عن نفسه بواسطة تقني مستقل، ونعني بذلك المحامي. وينطبق الشئ نفسه على الطرف المدني، ضحية الفعل الموصوف بالجرم.

هذه هي الفكرة الضيقة التي تروج عند عامة الناس حول دور المحامي : فهو يدافع ويرافع أمام المحاكم الزجرية أو هو " المحامي المتخصص في الجنايات " . وذلك ليس إلا الجانب " الاستعراضي من المهنة". لكن الحقيقة في أيامنا هذه مخالفة تماما ومجال تدخل المحامي أوسع من ذلك. إذا " ليس ثمة حدث سياسي أو اقتصادي أو اجتماعي أو أدبي أو علمي أو حتى ديني لا يكون له حكم وصدى في قاعات المحاكم ". (أندري جينيس " الحقيقة وحدها تجرح").

علاوة على ذلك، تخضع حاليا الأنشطة الاقتصادية كيفما كانت طبيعتها لنصوص متعددة ومتشعبة في الغالب وقليل من يعرفها - وهذا طبيعي - لدى المقاولين بشكل عام.

من جهة أخرى، إن تحرير المبادرة المقاولاتية يولد، بالإضافة إلى المنافسة الشرسة التي لاتخضع في بعض الحالات إلى القواعد الأخلاقية، صعوبات في العلاقات قد تكون لها آثار وخيمة على ديمومة كل مقاولة.

وثمة أيضا التطورات في التشريع الاجتماعي والضريبي والبنكي والمالي وغيرها والقرارات التي يثمرها الاجتهاد القضائي في كل مادة وغيرها من الوقائع القانونية التي تؤدي إلى تأويلات متضاربة قد تضر في بعض الحالات بالتنمية المنسجمة للنشاط المعني.

وأسوأ من ذلك، نجد مشاكل الاختصاص (الاختصاص الترابي أو النوعي) ومشاكل تقادم الحقوق أو آجال الطعن (التي تتغير حسب نوع كل قضية) والتي ينتج عن إهمالها فقدان المتقاضين حقوق مؤكدة.

ومن خلال هذه الأمثلة، يمكن أن نستشف مدى تعقد ما يصفه البعض " بالأدغال القانونية " .

من الأكيد أن كل الأشخاص وكل المقاولات قد لاتجد بالضرورة نفسها وسط هذه "الأدغال ". بل يظهر أن ممارسة الحقوق من لدن أغلب الناس والمقاولات لا تشوبها نزاعات وبالتالي ليست ثمة حاجة إلى إقامة دعاوى. ففي معظم الأحوال، تقام العلاقات وتنفصم بالتراضي. غير أن الطابع الاقتصادي للمادة القانونية والذي لامفر منه (كل قرار اقتصادي واجتماعي له جانب قانوني) لا يضمن لأي شخص بأن يكون في منأى عن أي نزاع قد يكون مصدرا لإضاعة الوقت وهدر الطاقات.

ولمواجهة مثل هذه الاحتمالات، سعت طرائق التدبير الحديثة إلى الاستعانة بمستشار مختص : أي المحامي. فبعد أن كان المحامي يعتبر لزمن طويل من لدن المقاولات كشر لابد منه (يجب ألا يستشار إلا قليلا قدر الإمكان) بدل اعتباره بشير خير، أصبح المحامي - المستشار في أيامنا هذه المساعد الذي لا مندوحة عنه بالنسبة إلى أغلبية المقاولات في البلدان المتقدمة. وقد فهمت كل من الولايات المتحدة واليابان وبلدان الاتحاد الأروبي ضرورة إدماج مهنة المحاماة في استراتيجياتها الاقتصادية و التجارية.

حقا، بالنظر إلى التحولات الاقتصادية والتكنولوجية والاجتماعية التي يواجهها يوميا كل شخص طبيعي أو معنوي، وإلى التحديات الشخصية أو المهنية التي قد يرفعها هذا الشخص، يظهر المحامي عمليا كالشريك القانوني الوحيد الصالح الذي قد يمنح الضمانات الضرورية من حيث السرية والكفاءة والاستقلالية والمسؤولية.

ولم يعد المحامي من الكماليات بل أصبح ضروريا. فهو الأداة القانونية التي لاغنى عنها في الوقت الراهن بالنسبة إلى مقاولة ذات هياكل منظمة. وإذا كان القانون اليوم يدخل شيئا فشيئا في قلب استراتيجية المقاولة، فالمحامي هو محرك هذا القانون.

وكل يوم يمر إلا ويأتي معه، بالنسبة إلى الخواص و المقاولات، بنصيبه من النصوص التشريعية أو التنظيمية والدوريات الإدارية أو القرارات الاجتهادية. وباستثناء المختصين في القانون، تصعب عادة على عامة الناس قراءة وتأويل هذه النصوص وهذه الاجتهادات.

ويتمثل دور المحامي في إخبار زبونه عن القوانين المطبقة على كل حالة وقد يكون الوحيد الذي باستطاعته الإبحار في هذا البحر من النصوص التي تعود إلى سنة 1912. ونظرا إلى أن المحامي يتابع يوميا تطورات النصوص (صدورها وتغييرها ونسخها...إلخ) والاجتهاد القضائي (بما يعرفه من تحولات)، فهو القادر على إخبار المقاولة عن القانون المطبق وعن اتجاه الاجتهاد القضائي. ويخبر المحامي زبناءه ليس فقط عن حقوقهم ولكن أيضا عن واجباتهم.

وإلى جانب المعلومات التي قد يزود بها المقاولة أو الخواص، يضطلع المحامي بدور ثان يتمثل في الاستشارة. وهو يلعب في هذه الحالة دور المحامي - المستشار. ولهذا الغرض، يقوم بدراسة كيفية إنجاز مشروع ما في إطار الاحترام التام للقانون بجميع أصنافه (قانون الاعمال والقانون الضريبي وقانون النقل والتعمير والبيئة والأبناك والشغل إلخ). ومن جهة آخرى، يتمثل دور المحامي – المستشار، قبل كل شيء، في تفادي المساطر بالتدخل على سبيل الوقاية. وقد تكون الاستشارة شفوية أو مكتوبة. ويرتبط دور المستشار القانوني والضريبي هذا بالتحديات الاقتصادية وبمعرفة مخاطر النزاعات. ولممارسة دور المستشار بمهارة، لاتغني كل ديبلومات العالم عن " الحاسة القانونية " إذا كانت مفقودة لدى المحامي. وإذا كان لكل شخص عادة خمس حواس، فالمحامي من جهته لابد أن يتوفر على حاسة سادسة. إنها " الحاسة السادسة القانونية " .

وقد يقوم كذلك بمساعدة المقاولة في إبرام اتفاق ما ومحاولة إيجاد حل متفاوض عليه أمام احتمال وقوع نزاع، متفاديا بالتالي غرق المؤسسة في النزاع وما ينتج عن ذلك من دعوى وهدر للوقت والمال.

وعلاوة على دور الإخبار والاستشارة والمساعدة، يقوم المحامي بتحرير جميع الوثائق وجميع العقود وفقا للنصوص التنظيمية الجاري بها العمل وحسب مصالح زبونه. والوثائق التي يمكن أن يحررها المحامي متعددة : الأنظمة الأساسية للشركات والجمعيات وعقود الايجار التجاري والمهني والقروي... وعقود الشغل والبيع وتقديم الخدمات والسلفات، وعقود الترخيص وتفويت الأصول التجارية والتدبير الحر والرهن وبيع الأسهم أو حصص الشركة إلخ. والمحامي النبيه، عندما يقوم بتحرير العقد بنفسه أو أي وثيقة آخرى، لايضع في حسبانه فقط مصلحة الزبناء ولكن أيضا وسائل الدفاع التي قد يعتد بها طرف ما تجاه الآخر في حالة وقوع نزاع. وعلى العموم، يكون العقد أو الوثيقة التي يحررها المحامي المتخصص دقيقا وواضحا ويتطرق إلى جميع النقط التي يحتمل أن تثير اللبس أو حتى النزاع. بل يجب على الموثق نفسه أن يستشير المحامي قبل تحرير بعض أنواع العقود.

ويمكن كذلك للمحامي أن ينوب على طرف ما في إبرام أحد العقود ولكن بموجب توكيل خاص.

وإذا كان الدور السادس للمحامي هو الدفاع عن الزبون، سواء كان مدعيا أو مدعى عليه، أمام محاكم المملكة، المدنية منها أو التجارية أو الادارية أو الجنائية أو التأديبية إلخ، وإذا كان بمقدوره أيضا القيام بذلك الدفاع أمام محاكم البلدان الأجنبية التي أبرمت اتفاقية قضائية مع المغرب، فثمة دور هام ملقى على عاتق المحامي والذي يمكن أن يسمى بدور "الأمل " . إذ إن الشخص الذي يطلب عون المحامي لايقوم بذلك عادة لهوا ولكن لكونه مرغما ولأن جميع الأبواب قد سدت في وجهه فصار يحس بالضياع. وعندما يستقبل المحامي هذا الزبون الضائع المنهك أو حتى الحائر، فدوره يتمثل في تهدئته وإشعاره بالأمل. فالمحامي يقوم هنا بدور الطبيب النفسي. وكم مرة رأينا بعض المتقاضين يبدون معنويات ضعيفة عند دخولهم إلى مكتب أحد المحامين ثم يخرجون منه بعد ذلك وقد عادت الثقة إليهم والبسمة مرسومة على محياهم. وللنجاح في هذا الدور، يتعين على المحامي أن يكتسب ما قد نسميه "بفن الإصغاء " . وهذا الفن لايكتسب على مدرجات كليات الحقوق ولافي أي مكان آخر. إنه موهبة يمكن تطويرها بمرور السنوات.

ويضطلع المحامي بدور آخر لايقل أهمية وهو دور " مخفف الصدمات " في حالة صدور قرار قضائي لايتماشى مع متمنيات الزبون. وهو الدور الذي ينبع من واجبه الالتزام بالمعاملة اللطيفة. إذا على المحامي فعلا أن يظهر كثيرا من العناية وقت النطق بالقرار. ويجهل القضاة الدور الكبير للمحامي في تلك المرحلة، لأنه بدون محامين مرهفين ومتعاطفين مع موكليهم، يمنحونهم أملا جديدا عندما يقترحون رفع النزاع إلى نظر محكمة ذات درجة أعلى، قد يتعرض العديد من القضاة للإهانة أو حتى للاعتداء...؟

ويجب ألا ننسى هنا الدور التقليدي للمحامي في الدفاع ليس فقط عن الزبون ولكن بالخصوص في سعيه الدؤوب حرصا على حسن سير دواليب العدالة. وقد جاء في قرار لمحكمة النقض المصرية بتاريخ 16 أبريل 1970 أن " هدف المشرع في إرساء وظيفة المحامي هي في الوقت نفسه حماية للمنفعة العامة وتحقيق للمنفعة الخاصة " . ويعتبر الفقه الفرنسي أن المحامي يشكل بمفرده مصلحة عامة...(حول الدور التقليدي للمحامي والذي يضطلع به بكفاءة، راجع مختلف الدراسات في مجلة المحاماة عدد 27 ، سنة 1987 ومختلف المجلات المتخصصة التي تصدرها الهيئات ). غير أن هذا الجانب من دور المحامي تم التطرق إليه بإسهاب من لدن زملاء آخرين بحيث من غير المجدي إعادة تكراره هنا.

من ناحية آخرى، يمكن للمحامي أن يقوم بدور الحكم سواء داخل إحدى المؤسسات المتخصصة أو ببساطة لأن طرفين قد احتكما إليه. وإذا أصدر حكمه بينهما، فمن البديهي أنه لا يمكنه تنصيب نفسه مدافعا عن واحد منهما في حالة وقوع نزاع.

وبجانب " المحامي الجنائي " و " محامي الأعمال "، يجدر أن نذكر هنا دور "المحامي السياسي" الذي يناضل يوميا (داخل وخارج القاعات) من أجل الدفاع عن حقوق الإنسان عامة ومن أجل الإرساء الفعلي للفصل بين السلط داخل مجتمع يتميز بخصاصه الديموقراطي وسياسته الزجرية والخلط بين مختلف سلطه التشريعية والقضائية والسياسية. وهذا المحامي حاضر في كل مكان : داخل الأحزاب السياسية وفي البرلمان وفي جمعيات الدفاع عن حقوق الانسان وفي العديد من المنظمات غير الحكومية الآخرى.

أكيد أن التخصص لم يدخل بعد في أذهان المحامين المغاربة، وأمام انعدام نصوص تشريعية، لاشيء يمنع المحامي من الاهتمام والممارسة في مختلف الميادين : السياسية والجنائية والاستشارية وفي الأعمال إلخ.

وبما أن عدد المحاكم سواء داخل المغرب أو في البلدان التي أبرمت اتفاقية قضائية معه عدد هائل، فإن أول مشكل سيواجهه المحامي هو مشكل اختصاص كل محكمة. فكيف يتم الاختيار وكيف يتم التوافق بين الاختصاص النوعي والاختصاص الترابي أو المكاني؟

وسيواجه المحامي بعد ذلك متاهة الإجراءات القضائية أو غير القضائية التي قد يضطر إلى متابعتها. وعلى العموم، المحامي هو الذي يفهم معنى محضر معيانة أو إنذار استفساري أو استجوابي أو أمر بالأداء أو خبرة أو حجز تحفظي أو حجز ما للمدين لدى الغير أو حجز وصفي أو إنذار عقاري أو بيع إجمالي لأصل تجاري أو دعوى الحيازة أو دعوى الملكية أو استئناف فرعي، مع أنني لم أذكر سوى المصطلحات البسيطة دون الإشارة إلى أقليات النقض ودعوى بطلان أو حل الشركة أو التسوية القضائية أوالإفلاس أو المسؤولية الجنائية للأشخاص المعنويين أو غيرهم.

ولا يقوم المحامي فقط بدراسة المشاكل التي يطرحها تقادم مختلف الحقوق (التي تعد بالمئات) ولكن أيضا تلك المتعلقة بطرق وآجال الطعن. وإذا كانت بعض الآجال (الكثيرة جدا والمتنوعة) تسري ابتداء من تاريخ تبليغ القرار، ثمة أخرى على عكس ذلك تسري ابتداء من تاريخ النطق بالحكم. وهناك آجال من 8 أيام و10 أيام و15... و30 يوما على سبيل الذكر. وعدم احترام هذه الآجال يسقط حقوق المتقاضين.

والمحامي وحده هو الذي يستطيع " السباحة " في هذا البحر اللجي والمظلم. وكي يقوم بذلك، على المحامي أن يتوفر على بنية تحتية فعالة : مكاتب ومكتبات وآلات للنسخ وقاعة للاجتماعات ومصلحة للأرشيف وحواسيب وآلات طابعة وآلات ماسحة وأجهزة مودم وأجهزة صوتية وانترنيت ومركز للهاتف وهواتف محمولة وجهاز فاكس وسيارات. ويحتاج أيضا إلى الاطلاع على آخر ما جد في الميدان القانوني : الاشتراك في الجريدة الرسمية وفي المجلات المتخصصة والاشتراك للولوج إلى مختلف أبناك المعلومات القانونية الموجودة في البلد (أرتيميس ومسناوي مازار إلخ) أو الأجنبية (جوستيل وكريدوك وجوديت إلخ) وإحداث بنك للمعطيات خاص بالمكتب وشراء الكتب المختلفة إلخ.

وقبل إرساء قواعده، يتعين على المحامي الذي يريد تسجيل نفسه في تمرين بهيئة الرباط أن يؤدي في يوم كتابة هذا المقال لمجلس هيئة المحامين مبلغ 35.000.00 درهم إذا جاء مباشرة من الجامعة و70000.00 درهم إذا سبق له العمل في القطاع الخاص أو العام. ولمجلس الهيئة وحده فقط سلطة تقدير مبلغ حقوق تسجيل المرشح. أما القاضي فليس له أي حق لمراقبة التعاريف التي يحددها مجلس الهيئة (محكمة الاستئناف بالرباط، 24/01/2001 G.T.M رقم 88 صفحة 155 ).

ويجب أن يتوفر المحامي في المغرب على الأقل على شهادة الباكالوريا زائد 8 سنوات من الدراسة وتفصيلها كما يلي : إجازة في الحقوق : 4 سنوات (الفقرة 3 من المادة 5 من الظهير الشريف الصادر في 10/09/1993 ) زائد شهادة الأهلية (نفس المادة، الفقرة 4 منها) لممارسة مهنة المحاماة زائد على الأقل سنة واحدة في معهد جهوي للتكوين (معهد نص عليه نفس الظهير الشريف في مادته السادسة لكن مرسومه التطبيقي لم يتخذ بعد، أي منذ نحو 10 سنوات ، وهذا المعهد هو الذي سيمنح مبدئيا شهادة الأهلية لممارسة مهنة المحاماة ) زائد 3 سنوات من التدريب في مكتب أحد المحامين المسجلين بجدول الهيئة.

أما المحامي المقبول لدى المجلس الأعلى، فيتوفر على شهادة الباكالوريا زائد 18 سنة على الأقل. إذا للقبول في المجلس، يفرض المشرع الممارسة الفعلية للمهنة لمدة 10 سنوات (دون احتساب مدة التدريب - المادة 34 من ظهير 1993).

وبعد الحصول على الشهادات وتجهيز مكتبه، وفق الشروط المشار إليها أعلاه، على المحامي أن يواجه أيضا تكاليف أخرى دائمة : الكراء والماء والكهرباء والهاتف والفاكس والأنترنيت وأدوات المكتب (ورق آلات الطبع وورق آلات النسخ والمحبرة والخرطوشات إلخ...)

ويجب على المحامي أن يدفع أيضا اشتراكات إلى مجلس هيئة المحامين وكذا تكاليف الخدمات التي تقدمها الهيئة والصويرات والطوابع وغيرها. فمثلا يكلف ملف تحديد الأتعاب 400 درهم في هيئة المحامين بالرباط.

ومن جهة آخرى، تفرض على المحامي عدة أنواع من التأمينات. فعلاوة على تأمين السيارات (أو صويرات هذه الأخيرة)، يجب على المحامي أن يبرم تأمينا ضد المسؤولية المدنية وحوادث الشغل والحريق والفيضان والسرقة...، وهناك أيضا الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي الذي يطالب باشتراكاته، وقليل هم المحامون الذين يدفعون اشتراكات للصندوق الوطني للتقاعد نظرا إلى قلة الموارد.

كما أن المحامي لايمكنه العمل وحده أمام العدد الهائل من المحاكم الموجودة بالرباط، على سبيل المثال، دون الحديث عن المحاكم الموجودة بالمدن الآخرى أو في البلدان الآخرى خارج المغرب. فهو بحاجة إذن إلى شركاء ذوي مسؤولية ومحامين مساعدين ومحامين متدربين وكاتبات لهن خبرة قانونية وأعوان للخدمة ومراسلين في المدن الآخرى. وإذا تعلق الأمر بمكتب متخصص، يستعين المحامي بعض المرات بأشخاص خارج المكتب مثل الدكاترة الجامعيين أو متخصصين في المجال الضريبى للقيام بأبحاث في نقطة معينة من القانون.

وبمعنى آخر، يشكل مكتب المحامي بمفرده في هذه الأيام مقاولة حقيقية تحتاج من أجل حسن سيرها إلى هيكلة جيدة وتتألف من أشخاص أكفاء، ابتداء من المحامين أنفسهم الذين يتعين عليهم دوما وأبدا استكمال التكوين، مرورا بالمساعدين والكاتبات القانونيات إلخ.

كل هؤلاء الناس، مع أنه لم يتم ذكر سوى الأشخاص الضروريين، يجب آداء أجورهم، وأداؤها بسخاء، حتى يتمكنوا من القيام جيدا بالمهام التي يونطون بها سواء داخل المدينة التي يوجد بها المكتب أو خارجها بين مختلف المحاكم أو بين مختلف الإدارات.

ويمكن أن تكون وضعية الرباط لوحدها موضع دراسة خاصة ستبين ليس فقط الارتجال ونقص التخطيط الذي تظهره وزارة العدل (كان من الأجدر تسميتها " وزارة الشؤون القضائية "؟ إذا تنم التسمية الحالية عن شيء من المبالغة؟)، فهذه الوزارة لا تستطيع التحكم، رغم المجهودات المبذولة منذ سنوات، لا في شكل الشأن القانوني ولا في موضوعه وذلك رغم المجهودات الكبيرة المبذولة في السنوات الأخيرة، ولكن كذلك وبالخصوص المجهودات الجبارة المبذولة يوميا من طرف المحامين في هيئة الرباط.

ونرى فعلا أن مقرات المحاكم مشتتة وموزعة على مختلف أحياء المدينة. وعلى سبيل المثال، نجد المجلس الأعلى في حي الرياض والمحكمة الإدارية في حي السويسي (زنقة زرهون) والمحكمة الابتدائية في حي المحيط ومحكمة الاستئناف بوسط المدينة والمحكمة العسكرية في حي أكدال ومحكمة العدل الخاصة في حي صومعة حسان والمحكمة التجارية في ساحة بيتري سابقا ومحكمة الاستئناف التجارية بالدار البيضاء والمحكمة الشرعية بشارع النصر والمجلس الدستوري داخل البرلمان ومستقبلا في باب لعلو... (10 محاكم). وسيتم إحداث محاكم آخرى في القريب العاجل ولاسيما محكمة العائلة. وثمة أيضا حديث عن " المحكمة المالية" و "المحكمة العقارية ". دون أن نتكلم عن مختلف الإدارات الموزعة هنا وهناك في أرجاء المدينة. ويتبين بسرعة لمن يقطن الرباط أو لمن يتوفر على مجرد خريطة لها مدى قساوة الشروط التي يكد فيها المحامون. ونظرا إلى هذا التشتت الذي تعرفه المحاكم والظروف السيئة التي يعمل فيها المحامي، أصبح هذا الأخير رجلا « منخورا " ومشتتا و " منهكا " ليس لديه الوقت ليحضر جيدا ملفاته ولا ليستقبل زبنائه ويخبرهم عن تطور ملفاتهم.

ألا تستطيع هذه الوزارة التفكير في تشييد قصر عدالة حقيقي لتجميع كل هذه المحاكم التي تستحفظ داخله بمميزاتها الخاصة واختصاصاتها، فيسهل بالتالي على كل من المتقاضين ودفاعاتهم الولوج إلى العدالة؟ أليس هذا التشتت للمقرات مضرا بميزانية الدولة نفسها ؟

وحسب الوتيرة التي تسير بها المحاكم، يجب على المحامي أن ينظم نفسه بحيث يظل محافظا على هيبته وعلو كعبه ومثاله الأعلى. ويظل التخصص وشركة المحامين الحل الوحيد لإخراجه من هذا الفخ. وقد حاول بعض الزملاء إنشاء الشركة، غير أنه نظرا إلى أن روح الشراكة لم تتجذر بعد لدينا، تحولت شركتهم بعد بضع سنوات (أو حتى بضعة أشهر) إلى مجرد تعايش ومساكنة انتهى في الأخير إلى افتراق ليس إلا. فهل المحامون واعوان بالمخاطر التي تتهددهم مع بزوغ هذه العولمة التي تم فرضها علينا وبخطر مكاتب المحامين الأجانب التي بدأت تتخذ مقرات لها بالمغرب ؟ (واحد بالدار البيضاء وآخر قد قدم طلبه بالرباط). لايمكنني إلا أن أدق ناقوس الخطر حول المخاطر التي قد تنتج عن هذا التسرب على مستقبل المحامي الكلاسيكي أو المحامي التقليدي الذي لازال المحامي المغربي يتقمص شخصيته، بالرغم من الفرق في الوسائل التي تستخدمها هذه الشركات الجديدة والتي لا يمكن مقارنتها بالوسائل الهزيلة المتوفرة لدى مكاتب المحامين المغاربة. ودون التطرق إلى اندماجها ومهاراتها في مجال الأعمال، تتعدد المشاكل التي ستطرح مستقبلا. أولها في الواقع هو كونها شركات وليدة كثيرة العدد يوجد مقرها الرئيسي على بعد آلاف الأميال من هنا ومن ثم فهي لاتخضع لأية مراقبة. والخطر الثاني الذي ليس بالهين هو أن هذه الشركات تمول برؤوس أموال تأتي من خارج مهنة المحاماة. ويستطيع أصحاب رؤوس الأموال هذه استعمال المحامين لجذب زبناء يحتكرونهم بعد ذلك. ويتمثل الخطر الثالث في عدم التوازن بين المكاتب التقليدية وهذه الشركات متعددة الجنسيات بحيث يتم وضع اليد على مكتب المحامي التقليدي الذي لن يكون أمامه خيار آخر سوى العمل كأجير. بل أكثر من ذلك، إذا عليه قبل ذلك أن يستجيب للشروط التي تضعها رؤوس الأموال الأجنبية.

وبعد بيع ماء المغربي وكهربائه وهاتفه... وحتى أزباله، سيأتي يوم سيرى فيه بيع مكاتب محامييه (أو لنقل إقفالها) ولنقلها دون خوف، سيتم بيع استقلالية هؤلاء المحامين. وقد يأتي يوم كذلك سنضطر فيه إلى بيع منازلنا والعمل فيها كحراس.

ويجب على مختلف هيئات المحامين بالمغرب وعلى رأسها جمعيتها أن تأخد هذه المخاطر بجدية وتنظم اجتماعات وندوات ومؤتمرات حول هذه المسألة بدلا من إضاعة وقت كثير في مشاكل سياسية سياسوية أو مسائل قبلية أو حتى عرقية والتي لا تؤدي سوى إلى دفع هذه المهنة إلى الهاوية، إن لم تكن تتخبط فيها منذ الآن. وعلى نقيب المحامين أو عضو في مجلس هيئة المحامين وكذا على كل عضو في هيئة المحامين أن ينسى انتماءه إلى هذا الحزب السياسي أو ذاك أو إلى هذه القبيلة أوتلك أو هذا العرق أوذاك، فبذلة المحامي واحدة بالنسبة إلى الجميع، وعليهم اتباع هذا النهج. والاتحاد هو الذي سيشد من عضدهم وليس العكس. وباتباع هذه الشروط وحدها فقط يمكن للمحامين العمل والتعايش فيما بينهم. ويتعين على الأشخاص القائمين على هذه المهنة أن يفكروا في تغيير جذري لقانون 1993 وللقوانين الداخلية الخاصة بكل هيئة التي أكل عليها الدهر وشرب قبل حتى إصدارها والتي لاتحمي لا المحامي ولا زبونه.

هذا المحامي المشتت اليوم والمنهك والمنخور، والمحتلة قواعده عما قريب، ليست هذه هي نهاية متاعبه، وأفضل ألا أتكلم عن العقليات والمستوى الناقص جدا لجزء كبير من الناس العاملين في القضاء الذين على المحامي " مقارعتهم " (والكلمة ليس فيها إفراط) طوال اليوم (في كل الأقسام) للدفاع عن حقوق زبونه. ويشتغل المحامي في المغرب في ظروف قاسية وتحت الضغط. وثمة أيضا بعض القضاة الذين تم تلقينهم مسبقا بعض الأفكار الجاهزة حول المحامي والذين لا يسهلون عليه مهمته. وتشوب سلوكهم تجاه بعض المحامين الشباب كثير من النقائص. فبدلا من مد اليد إليهم وتوجيهم ونصحهم، يتميز هؤلاء القضاة، والحمد لله على قلتهم، بشكوكهم وعدائيتهم وتهديدهم. علما أن المحامين هم الذين يصنعون القاضي وليس العكس. ألم تسمع بمقولة : " المحامي يولد محاميا بينما القاضي تصنعه الأيام " ؟ بل أكثر من ذلك، هؤلاء القضاة لايجدون عادة ملجأ إلا لدى المحامين للدفاع عنهم أو الدفاع عن ذويهم ولنشر أبحاثهم العلمية في مختلف المجلات التي تصدرها هيئات المحامين في المغرب ولفتح أبواب المهنة أمامهم على مصراعيها عندما يقررون ترك هيئة القضاء ليصبحوا محامين. ومن أجل ضمان خدمة قضائية جيدة، يجب على المحامين والقضاة أن يتعايشوا في مناخ هادئ تعمه المسؤولية والاحترام المتبادل. ويؤدي غياب هذا المناخ إلى فقدان مصداقية هؤلاء وأولئك أمام المتقاضين ويلحق الضرر بكل من هيئة المحامين وهيئة القضاة.

ومن ناحية آخرى، فإن الاخفاقات اليومية للمحامي مع بعض مصالح كتابة الضبط قد تجعل أشد المواطنين شكيمة وصبرا " يضع سلاحه مستسلما " منذ أول شهر لتردده عليها. ومجرد الذهاب في زيارة إلى مصلحة السجل التجاري بالرباط يعطي فكرة عما يعيشه المحامي. ويمكن أن ينطبق مثال هذه المصلحة على أغلبية المصالح الآخرى لكتابة الضبط في المحاكم الآخرى. إن قلة الوسائل ونقص المستخدمين في هذه المصالح وضيق المحلات تجعل من عمل كتابة الضبط وبالتالي عمل المحامي صعبا للغاية.

وأخير لاننسى أن الزيون بإعطاء ملفه للمحامي "يلقي بحمله" على هذا الأخير ومن ثم فالمحامي هو الذي " يعيش مشكلته " مع ما يواكب ذلك من توتر يصعب تصوره. أما جزاؤه الوحيد فيكون غالبا ذا طابع معنوي : ربح قضية كافح من أجلها كثيرا وانتظر طويلا وكان أمله فيها كبيرا. ويكون ألمه غير ظاهر عندما يصدر حكم برفض مطالب زبونه في قضية واضحة كان قد دقق في تفاصيلها أيما تدقيق والتي تدخلت فيها اعتبارات آخرى غير ذات صلة بإحقاق العدالة.

ونلاحظ أنه رغم الدور الرئيسي للمحامي في المجال القانوني والقضائي، نجد هذا الرجل لايحظى بحب الوسط القضائي ولاحتى بحب المتقاضين. وهذا الوضع يستحق كذلك القيام بدراسة خاصة ولكن يجب التأكيد على أن المسؤولية في هذا الوضع لاتعود فقط إلى كل محام ولكن أيضا وبالخصوص إلى مختلف مجالس هيئات المحامين التي لم تقم بتاتا بأي شيء للتعريف بأهمية القانون في المجتمع والدور الذي يقوم به المحامي كمحرك لهذا القانون. وبدون قانون، يصبح المجتمع غابة. أما الشخص الذي قرر العيش وحيدا فوق جزيرة ما فلا حاجة له إلى قوانين. ولايمكن تصور القانون إلا في محيط اجتماعي (جان جاك روسو) يتألف من عدة أشخاص تتعارض مصالحهم ويتدخل القانون لتنظيم حقوقهم وواجباتهم ابتداء من حياتهم العائلية. وهدف القانون هو ضمان حماية الفرد وتنظيم المجتمع. ولا يمكن أن يتصور أحد مدينتي الدار البيضاء والرباط دون أضواء وعلامات المرور على سبيل المثال. إنه قانون المرور. وذاك هو شأن مجالات الحياة الآخرى في المجتمع : السياسية والاقتصادية والرياضية والعائلية... والتي لا يمكن ذكرها كلها هنا. وبدون المحامي، سيضل القانون جامدا ودون روح. ومن ثم لا يمكن للمجتمع بأكمله أن يستغني عن المحامين.



#خالد_خالص (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- القيادي في حماس خليل الحية: لماذا يجب علينا إعادة الأسرى في ...
- شاهد.. حصيلة قتلى موظفي الإغاثة بعام 2024 وأغلبهم بغزة
- السفير عمرو حلمي يكتب: المحكمة الجنائية الدولية وتحديات اعتق ...
- -بحوادث متفرقة-.. الداخلية السعودية تعلن اعتقال 7 أشخاص من 4 ...
- فنلندا تعيد استقبال اللاجئين لعام 2025 بعد اتهامات بالتمييز ...
- عشرات آلاف اليمنيين يتظاهرون تنديدا بالعدوان على غزة ولبنان ...
- أوامر اعتقال نتنياهو وغالانت.. تباين غربي وترحيب عربي
- سويسرا وسلوفينيا تعلنان التزامهما بقرار المحكمة الجنائية الد ...
- ألمانيا.. سندرس بعناية مذكرتي الجنائية الدولية حول اعتقال نت ...
- الأمم المتحدة.. 2024 الأكثر دموية للعاملين في مجال الإغاثة


المزيد.....

- مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي / عبد الحسين شعبان
- حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة / زهير الخويلدي
- المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا ... / يسار محمد سلمان حسن
- الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نطاق الشامل لحقوق الانسان / أشرف المجدول
- تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية / نزيهة التركى
- الكمائن الرمادية / مركز اريج لحقوق الانسان
- على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - خالد خالص - المحامي ما فائدته