|
تردي حالة البيئه في دول الشرق الاوسط وشمال افرقيا .. إلى أين ؟؟
حامد حمودي عباس
الحوار المتمدن-العدد: 2856 - 2009 / 12 / 12 - 13:20
المحور:
الطبيعة, التلوث , وحماية البيئة ونشاط حركات الخضر
تداعت الدول الكبرى لحضور مؤتمر كوبنهاكن للبحث في شؤون المناخ ، سعيا نحو تقصي ما يمكن فعله للوقوف بوجه مصادر التلوث في العالم ، ونقلت لنا الاخبار بأن تلك الدول تبدو جادة كعهدها في التصدي للمشاكل البيئية المهددة لحياة شعوبها ، حيث حضرت بكل ثقلها العلمي والاداري كي تتوصل الى ما يحجم منافذ الاعتداء على البيئه ، وبالطرق التي تحفظ لصناعاتها سمة الاستمرارية ، ولاقتصاداها الوطني سيطرته على السوق .
في حين إنشغلت اوساطنا العربية ، كرد فعل على ذلك المؤتمر ، بالبحث عن مبررات لالقاء التهم على العالم الصناعي بكونه هو السبب الرئيسي في التلوث وتعكير الاجواء على الكرة الارضيه ، وبالتالي فان هذا العالم عليه ان ينحني لنا معترفا بذنبه لنكتفي بالرضا ومغادرة المكان ، دون ان يكسبنا لقاء كوبنهاكن طاقة جديدة للتطلع لما نحن فيه من مأساة تجعل محيطنا البيئي لا يصلح لعيش الحيوانات فضلا عن البشر.
إن التعامل مع البيئة كسلوك حضاري بلغته بقية الشعوب المتقدمة وبأرقى درجاته ، لا زال ضمن اعرافنا السائدة كترف لسنا بالحاجة اليه وسط ما يعم مجتمعاتنا من تخلف في كل شيء ، ولا زال المواطن العربي عموما يحمل مضادات مزمنة ضد طريقة التعامل مع مسببات التلوث البيئي ، سواء من خلال ممارساته اليومية لحياته الاعتياديه ، أو من خلال نظرته لإي نشاط ، رسمي كان أو شعبي ، لخلق وعي بيئي متطور .. فليس فقط في البلدان التي سادتها الحروب والاوضاع الاستثنائيه كالعراق مثلا ، يجري الاستهتار بالبيئة وقوانينها ، بل إن ذلك سائد في جميع البلدان العربية دون استثناء ، وذلك من خلال عدم الاكتراث كليا بالقوانين الطبيعية المعتدى عليها من قبل الفرد والمجتمع ككل ، ويساعد في تفشي هذا الامر المشين عدم اكتراث الجهات الرسمية بما يجري من خرق لتلك القوانين ، وجعل الامور تسير بشكل سائب وبدون اية رقابة تذكر .
إنني ، وفي كثير من الاحيان ، لا أعتد كثيرا بلغة الارقام والاحصاءات المعتمدة في تبيان حجم التلوث الحاصل في البيئه ، خاصة في بلداننا العربيه ، وإن كانت تلك الارقام لها أهميتها في رصد ظاهرة التلوث ، غير أنها لا ترقى إلى الحقائق المبنية على المشاهدات اليومية لطبيعة السلوك العام والذي يستهين بالمباديء الاساسية للنظافة في عموم اركانه .. وكمثال واضح على هذه الاستهانة الفاضحه ، فلقد كنت وفي زمن ما ، وبحكم وظيفتي المهنية داخل بلدي العراق ، أرى وبأم عيني كيف تتصرف الدوائر الخدمية والمختصه بشؤون المياه والمجاري حين تقوم بقذف المياه الملوثة الثقيله في نهر الفرات ، حيث ظهر فعلها هذا وكأنه رسمي لا إعتراض عليه ، ولم تقم وعلى حد علمي أية جهة تعنى بالصحة العامه بايقاف العمل بهذا الاجراء المخل بالذوق والمتلف لحياة البشر في آن . . وقد قرأت في مصادر كثيرة بأن نهر النيل في مصر هو الاخر أصبح ضحية لذات الظاهرة من التلوث ، بسبب عدم احترام شروط الحفاظ على السلامة العامه .. ناهيكم عن العشرات بل المئات من صور السلوك المجتمعي المبني على أسس الجهل بقوانين الطبيعة ، والذي أضحى قدرا محتوما تتفشى معالمه في كل ركن من اركان بلادنا الموبوءة . هذا في الوقت الذي ينبه البنك الدولي من خلال موقعه على الانترنيت الى أن ( نصيب الفرد السنوي من موارد المياه المتجدده في منطقة الشرق الاوسط وشمال افرقيا سينخفض من مستويات عام 1997 والتي بلغت 1045 مترا مكعبا الى 740 متر مكعب عند حلول عام 2015 ) . وقد ساهمت منذ زمن ليس بالقصير حالات الجفاف الحاصله في بلدان المنطقه الى زحف ظاهرة التصحر وتقلص الرقعة الزراعية حتى بلغت نسب متدنية جدا .
إن القدرة الاقتصادية لبعض دول المنطقه تجعل من الممكن جدا أن يتم الاعتماد على القروض المقدمة من قبلها للدول الفقيره ، لكي يتم وباشتراك الجميع تطبيق برنامج مكثف هدفه حماية المنطقة من تردي العناصر البيئية المختلفه ، ولو لاحظنا التقديرات التي وضعتها مصادر التمويل الاوربية للإصلاح البيئي في المنطقة والتي قدرت ب 60 مليون دولار، لعلمنا مدى الامكانية لدى دول المنطقه على توفير الظروف الملائمة لتطبيق برامجها بهذا الاتجاه ، دون أن يكون لمصادر الاقراض الاجنبية أن تضع لها شروطا مجحفة وضارة بالخطة التنموية المحلية للبلدان المستفيده . ولقد حددت الدراسات المتعلقة بطبيعة البرامج التطويرية للجانب البيئي في بلدان الشرق الاوسط على أنها تشمل ثلاث ركائز ، الاول هو ما يتعلق بادارة نوعية المياه ، ومياه الفضلات والمناطق الساحليه ، والثاني هو إدارة البلديات والفضلات الخطره ، والثالث له علاقة بادوات السياسة والتشريع . . وما اعتقده من جانبي فان البند الثالث هو الاكثر أهمية بالنسبة لمنطقتنا حيث أن السياسة والتشريع هما العضد الرئيسي لتوفير سبل النجاح في تطبيق أي مشروع يعد لخدمة وتطوير العناصر الصديقة للبيئه .
من خلال نظرة سريعة لدرجة احتمال سعة شوارع مدننا الكبيرة لعدد السيارات السائرة فيها ، نستطيع تخيل كم هي درجة التلوث الحاصل من حولنا .. وكم هي كميات الغازات المنبعثة من عوادم هذه السيارات تدخل يوميا الى الاقفاص الصدرية لاطفالنا الابرياء ، حيث بدت ملامح أحد الخبراء الغربيين وهو يشرح نتائج إحدى زياراته الاستكشافية للعراق مؤخرا ، موحية بالتعجب كيف يعيش الناس هناك وسط كم هائل من مولدات الكهرباء نصف العاطله ، وهي تنفث سمومها اللحظية في وجوههم وتسبب لهم شتى الامراض التنفسية والسرطانية .
لقد كانت الحيرة تلفني ومن خلال تجوالي الاعتيادي في احدى الشوارع العامة ضمن بلدة لا تبعد كثيرا عن عاصمة دولة عربية قدر لي ان اقوم بزيارتها ، وأنا أرى كيف أن الحلاقين في ذلك الشارع تعودوا على القاء مخلفات الشعر بعد الحلاقه في عرض الرصيف المقابل لمحلاتهم ، وكانت الرطوبة الناتجة عن تسرب مياه المجاري تختلط بتلك المخلفات ، مكونة مزيجا مقرفا يثير الدهشه . وفي الجانب المقابل تتكدس اكوام القمامة بشكل عشوائي لا ينم الا عن الهمجية في التعامل مع الظروف البيئية ومباديء الذوق العام . . وكيف أن الاجهزة البلديه حينما قررت ، ولاسباب لم أقدرها في حينها ، تنظيف المدينه ، إختفت هذه الظاهرة نهائيا مع اختفاء القمامة وتسربات المياه ، لتعود الحالة برمتها بعد حين ، ولاسباب هي الاخرى مجهوله ..
يقينا بأنه ليس من المفيد والحالة هذه أن نبقى في دائرة كيل الاتهامات للغير ، وتكرار أن الدول الصناعية هي المتسبب الرئيسي في كوارثنا الطبيعية والمتعلقة بالتلوث البيئي ، بل إننا الان مطالبون بالتحرك صوب خلق سلوك مجتمعي حضاري مبني على أسس تفضي لأحترام البيئه ، ولبلوغ هذا الهدف مهما كان بعيدا ، لابد لنا من البدء باتخاذ الخطوات العملية ، منطلقين من وضع تشريعات جاده لحماية الطبيعة وتوفير عناصر ديمومتها ومقاومة دواعي الاضرار بها ، وسوف لن تنفع تلك التشريعات مهما بلغت من الرقي ، إن لم يجري التمهيد لها ومصاحبتها بالعمل على سيادة المفاهيم الحضارية لدا الفرد ، ابتداءا من الاطفال في المدارس ، كي نعزز مستقبلا سبل خلق مجتمع يفهم معنى الحفاظ على بيئته نظيفة ، وان يحيا في عالم جميل .
#حامد_حمودي_عباس (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
متى يصار الى دعوة أفذاذ العراق وتكريمهم في بلدهم كما يستحقون
...
-
قول في العيد الثامن لتأسيس الحوار المتمدن
-
متى لهذا العراق أن يستريح ؟؟
-
من بقايا الزمن الجميل .. عبد العزيز المعموري إنموذجا
-
مهلا .. لقد إكتشفنا مؤخرا ما يحميكم من ( انفلونزا الخنازير )
...
-
من يحمي النساء المتزوجات من ( عرب ) في البلدان الاوروبيه ؟؟
...
-
عن أي مسرح نتحدث ، والمواطن في بلادنا تأكله أرضة الفقر ؟؟
-
لتتوحد كافة الأصوات الوطنية والتقدمية في بلادنا من أجل نصرة
...
-
بين هموم النخبة الثقافية ، ومعاناة الجماهير .. مسافات لا زال
...
-
ألبغاء .. وحياء المجتمع .
-
صوتها من داخل الطائره
-
لتتوقف جميع دعاوى التصدي الرجعي للمفكر والكاتب التقدمي سيد ا
...
-
حملة من أجل إطلاق سراح الملكين المحجوزين بأرض بابل
-
ألقطيعة بين قمة الثقافة العربية وقاعدتها .. أزمة تبحث لها عن
...
-
ترى .. من يحمي بناتي من أجلاف البشر ودعاة أعراف الموت ؟؟
-
ما ألمانع من خلق جبهة تتوحد فيها قوى التحرر القومي والوطني ا
...
-
هذيان اللحظة الأخيره
-
صرخة ألم في فضاء عذابات المرأة العراقية .. بائعات الملح يبصق
...
-
عشق ما بعد الستين
-
إعتذار
المزيد.....
-
هل يعارض ماسك الدستور بسبب حملة ميزانية الحكومة التي يقودها
...
-
-بينها قاعدة تبعد 150 كلم وأخرى تستهدف للمرة الأولى-..-حزب
...
-
حافلة تسقط من ارتفاع 12 مترا في حادث مروع ومميت في فلاديفو
...
-
بوتين يتوعد.. سنضرب داعمي أوكرانيا بالسلاح
-
الكشف عن التاكسي الطائر الكهربائي في معرض أبوظبي للطيران
-
مسيرات روسية اختبارية تدمر مركبات مدرعة أوكرانية في اتجاه كو
...
-
مات غيتز يتخلى عن ترشحه لمنصب وزير العدل في إدارة ترامب المق
...
-
أوكامبو: على العرب الضغط على واشنطن لعدم تعطيل عمل الجنائية
...
-
حاكم تكساس يوجه وكالات الولاية لسحب الاستثمارات من الصين
-
تونس.. عبير موسي تواجه تهما تصل عقوبتها للإعدام
المزيد.....
-
-;-وقود الهيدروجين: لا تساعدك مجموعة تعزيز وقود الهيدر
...
/ هيثم الفقى
-
la cigogne blanche de la ville des marguerites
/ جدو جبريل
-
قبل فوات الأوان - النداء الأخير قبل دخول الكارثة البيئية الك
...
/ مصعب قاسم عزاوي
-
نحن والطاقة النووية - 1
/ محمد منير مجاهد
-
ظاهرةالاحتباس الحراري و-الحق في الماء
/ حسن العمراوي
-
التغيرات المناخية العالمية وتأثيراتها على السكان في مصر
/ خالد السيد حسن
-
انذار بالكارثة ما العمل في مواجهة التدمير الارادي لوحدة الان
...
/ عبد السلام أديب
-
الجغرافية العامة لمصر
/ محمد عادل زكى
-
تقييم عقود التراخيص ومدى تأثيرها على المجتمعات المحلية
/ حمزة الجواهري
-
الملامح المميزة لمشاكل البيئة في عالمنا المعاصر مع نظرة على
...
/ هاشم نعمة
المزيد.....
|