عبد الكريم البدري
الحوار المتمدن-العدد: 2856 - 2009 / 12 / 12 - 01:06
المحور:
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
في انتخابات مجالس البلديات التي جرت في الآونة الأخيرة تم رفع شعار "دولة القانون", وان اصحاب هذا الشعار ينتمون الى حزب تم تأسيسه على وفق قواعد ومعاييراسلامية مستمدة من المذهب الجعفري الأثنى عشري بهدف تجسيد اهداف الأمة الأسلامية وتحقيق وحدة المسلمين. ووفق هذا المذهب, فان الفقيه عندهم هو الدولة والقانون والتشريع والسياسة والحرب والفتوى في الأمورالدينية والدنيوية وهذه السلطات الغيرالمحدودة, والتي يتمتع بها, لايقابلها وجود مؤسسات شعبية تحاسب هذا الفقيه او تناقشه كي تعزله او تبقي عليه. ويعتقدون في ولاية الفقيه الذي هو نائب المهدي المنتظران تكون بين يديه السلطات المخولة للأمام (أطيعوا الله واطيعوا الرسول واولي الأمرمنكم) النساء/59 كما يشترط فيه العلم بالأحكام والمسائل الشرعية الفرعية من الأدلة المناسبة لها كالقرآن وسنة نبيه وخلفائه في الفعل والقول والعقل والعلم والعدالة واذا حاز على هذه الشروط واجمع عليه العلماء حين ذاك يصبح قائد الأمة ويتمتع بسلطات هائلة لا حصرلها.
اذا كانت بعض الحركات الأسلامية ذات الطابع الأصولي الكلاسيكي تعتقد امكانية تنقية المجتمع( العربي الأسلامي) مما لايتفق والقرآن والسنة النبوية, فأن اصحاب هذا الشعاروفق مفاهيمهم, كونهم ليس فقط يؤمنون بتطبيق الشريعة على جميع مجالات الحياة الآنسانية بهدف الأتساق مع النظام األألهي والسعي لأقامة الدولة الأسلامية, والجهاد من اجل نشراحكام الشريعة الألهية في العالم,لتشكيل ألأمة ألأسلامية العالمية الواحدة (أن هذه أمتكم, أمة واحدة وأنا ربكم فأعبدون), فأنهم يتخذون موقف العداء (وان كان خجولا بعض الأحيان) ضد كل من يعتنق أفكار تتبنى المشاريع الوطنية اوالتيارات العلمانية واللبرالية وحتى القومية, متهمين اياها بالكفرتارة والعمالة للغرب الأستعماري (ألأستكبارالعالمي) تارة اخرى. ويبررون هذا المنطق على ان هذه الأحزاب او الحركات أو التيارات انما تستمد تشريعاتها من اوربا الصليبية, كونها لاتلتقي مع الأسلام على اسس واحدة مطلقا. وان هذه الدعوات موغلة بالعلمانية وتتبنى نظاما وضعيا مستوردا.
وألآن دعونا نتحقق عن مدى تطابق هذه القناعات الفكرية ومدى انسجامها مع الشعار المطروح اعلاه؟
الحقيقة الثابتة لدينا أن الغرب الكافرهذا, هو الذي رفع شعار"دولة القانون" وذلك في اعقاب الثورة الفرنسية , بعد ان مهدت له كتابات مفكرين كبارأمثال: مونتيسكو و جان جاك روسو والشعارهذا جاء كبديل او كنقيض للدولة التي كانت قائمة على كبت الحياة السياسية وألأقتصادية وألأجتماعية بأستخدامها القوة المفرطة ألأعتباطية. وفي ظل نظاما قائما على علاقات اجتماعية اقتصادية اقطاعية, حيث كانت الملكية مطلقة لامساس بها, وان المالك له كامل الحرية في التصرف بما يملكه حتى لوكانت عقوبة ألأعدام. كما ان القانون الطبيعي الذي ساد اوربا في العصورالوسطى كان يقوم على فكرة قانونية مبهمة خالية من اي أساس واقعي أو تأريخي يقع خارج او أعلى من المجتمع له صلة وثيقة بما كان يعرف ب"الحق الألهي المقدس". وقد اشارلهذا انجلس في كتابه الشهير"اصل العائلة والملكية الخاصة والدولة"وجاء في تحليله للعلم القانوني الذي كان يسود اوربا خلال القرون الوسطى القائم على قاعدة "القانون الطبيعي" وبعض الأفكار القانونيةالتي تتعلق "بالحق الألهي المقدس للملوك" حيث ربط بين تطورالملكية من جهة وأشكال الدولة من جهة اخرى, خلال التطورالتأريخي للمجتمع منذ عهد المشاعية البدائية مرورا بالتطورالأقطاعي ثم التطورالرأسمالي. وفي المحصلة انك تتلمس المعادلة التي تقول : الموعظة الحسنة تجسدها الكنيسة والمجابهة بالعنف تمثله شرطة السلطة. وبالتالي تكون الدولة أقطاعية- ثيوقراطية من جهة وقمعية من جهة اخرى. ان التطورالذي لحق بالمجتمع الأوربي, وخاصة بنظام العلاقات الأجتماعية الأقتصادية ألأقطاعية باتجاه الرأسمالية التجارية ومن ثم الصناعية كل هذا أدى الى خلق وصياغة نظريات وأفكاردستورية وقانونية جديدة وهو موضوعنا الذي نحن بصدده.
اما في الدولة العربية ألأسلامية فالواقع يشيرالى غير ذلك ومختلف كليا فالنظام يقوم على اتحاد شكلي مابين السلطتين الدينية والدنيوية في يد الخليفة, وهنا لابد الأشارة الى القول بأن الفقه السني على العموم لم يضفي طابع القداسة على الخليفة. وخصوصا في بداية العهود الباكرة التي تلزم البيعة للدولة العربية الأسلامية, حيث كان يشارك في هذا الأختيارصفوة "أهل الحل والعقد" والذي تسبب لاحقا في انقسام المسلمين الى فرق كثيرة. ان من يرغب قراءة التأريخ الحضاري للدولة الأسلامية قراءة متمعنة يجد ان الدين الأسلامي كان عاملا موحدا ليس الا. ولم يتمكن من النجاح في القضاء على عامل التنافس القبلي ذو الدوافع الأقتصادية كما حدث في حالة "المؤلفة قلوبهم" للنيل بحصة من فيء معلوم منه. لقد كان المجتمع قائما على"الريع التجاري" ذي المصادرالأقتصادية غيرالمعلومة( كالفيء والغنائم....الخ). ناهيك عن صرامة سريان التقاليد القبلية والعشائرية والعصبية لغاية كتابة هذه السطورالمتمثلة بالهيمنة البطريكية/الخليفة/السلطان/الوالي/شيخ القبيلة/الأب, كما يقول الآستاذ علي فهمي. كما ان الميل الى التشتت والتشرذم والخروج على السلطان المركزي للدولة مع استخدام بعض المقولات الدينية في مواجهة الرعية. هكذا نشأت وتطورت "الدولة العربية الأسلامية".لهذا يمكن القول بأن الدولة العربية الآسلامية تعيش حالة منفردة خاصة دون غيرها من الدول الأخرى . فهي منذ نشأتها وتطورها تغلب عليها الصفات الواردة انفا. فمن جهة تكتسي طابعا بدويا قبليا مع فرض الهيمنة في تغليب عناصرالعصبية والقرابة ومن جهة اخرى تتمثل في حماية المصالح للفئات التجارية ذات الطابع الريعي يضاف الى ذلك ان طبيعة الشخصية البدوية تكون قائمة على الأستحواذ وهي على عكس الشخصية الحضرية(اهل المدن) القائمة على الأنتاج. ومن المؤسف حقا نجد في كثيرمن الأحيان ردود افعال هذه الدولة سواءا أكانت خارجية او داخلية فهي تتسم في اغلبها بالأنفعالية وخالية من اي نظام عقلاني يستند على المعلوماتية وهذه الصفات كلها تتطابق مع صفات البدوي والقبلي ولامكانة ابدا لشيء اسمه القانون. فهل ينسجم هذا الشعار مع واقع مجتمعنا(العربي ألأسلامي) الذي نعيشه ام مع مجتمع اوربا( الكافرة) حسب مفهوم اصحاب هذا الشعار؟ فأي قانون هذا الذي يرفعوه؟ واين موقعه اذا؟ ولكن اذا ما تحولت المجتمعات (العربية الأسلامية) من نمط واخلاق البداوة الى نمط الحياة الحضرية بعد ان فرض نموذج الحياة الأوربية نفسه على كل ارجاء هذا الكوكب ونحن جزء منه, حين ذاك يمكن رفع مثل هذا الشعاردون دجل.
عبد الكريم البدري
#عبد_الكريم_البدري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟