|
فوق أشلاء الثلاثاء تبدأ الجولة الأخيرة من المنازلة الانتخابية الحمراء
حسين الحسيني
شاعر وكاتب سياسي من العراق
(Husssein Al Husseini)
الحوار المتمدن-العدد: 2854 - 2009 / 12 / 10 - 11:32
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
لم يزل باعة الوهم و تجّار السياسة في العراق يزايدون على جراح شعب الثورات و الانتفاضات و الانقلابات و الحروب، و الذي بات منهكاً هذا اليوم أكثر من أي وقت مضى، في معركته الأشرس التي يخوضها ضده "الأخوة الأعداء"، مستغلين طيبته و كرمه و سخائه حتى بتقديم دمائه رخيصةً، عرفاناً منه بالانتماء للأرض و قرباناً للحرية تارة و للسلام تارة أخرى و لدرء المفاسد و المخاطر حتى تتبين له خيوط الفجر الذهبي، فجينات سومر لم تتقاعس حتى هذه اللحظة عن مغازلة الغبش، سواء كان ملوناً بالدم أم مبشِّراً بالعاصفة !
كسابقاتها سوف تمر تفجيرات يوم أمس الثلاثاء 8-12-2009، كمقطورة محملة بلعب الموت لتلتحق بعربتي الأربعاء و الأحد و ما سبقهما خلال السنوات الأخيرة التي تلت "التحرير- الغزو- الاحتلال".
الدلائل تجاه لا مبالاة الساسة العراقيين باتت ثوابت غير قابلة لإثبات العكس، فلا أحد جلس في سرادق الشهداء و أخذ العزاء بإخوته الذين سقطوا كنتيجة مباشرة لمسميات تراوحت معانيها ما بين التقصير و الإهمال و الترهل و الخيانة في بعض الأحيان.
المسؤول المنتشي بفتوحاته حين ميسرة، هو نفسه المتملّص حين تنكَّس الرايات و يتعالى صوت العويل، لتطغى شراهة اللونين الأحمر و الأسود في سارية البلاد و لا يبقى من البياض غير أكفان للموتى و عبارة "الله اكبر" بخطها الكوفي الجديد شاهدة على الكبرياء الجريحة، تلك التي لا تليق إلا بفُرسان روايات السلف الصالح !
بدأت ردود فعل المسؤولين تستجيب لضغوطات الصحافة الحرة و أصوات الجماهير الغاضبة التي بات يسمع أزيز غليانها ضد السلطة و الفساد، فها هو رئيس الوزراء القائد العام للقوات المسلحة، يصدر أمراً ديوانياً بإقالة قائد عمليات بغداد الفريق أول ركن عبود كنبر ونقله إلى منصب معاون رئيس أركان الجيش للعمليات وتعيين الفريق الركن احمد هاشم سلطان بمنصب قائد عمليات بغداد، بعد أن ركزت التقارير الصحفية و الإعلامية خلال الفترة الماضية من حملتها ضد قيادة عمليات بغداد و تحمليها المسؤولية المباشرة، لتقصيرها و إهمالها في الحفاظ على الأمن داخل العاصمة بغداد.
كما بات واضحاً تأثير الصحافة على ذائقة المسؤولين، خاصة بعد الكتابات و المقالات المكثفة و الموجهة ضد رجالات الحكومة في بغداد و مطالبتهم الكف عن إصدار بيانات التنديد و الاستنكار و التعزية الباهتة، بعد كل عملية إرهابية يسقط فيها المئات بين قتيل و جريح، حتى أصبحت الموضة الدارجة الآن بعد كل انفجار تتمثل بتراشق الاتهامات و التلويح بتفجير الاحتياطي من المستور، أو القذف بكرة المسؤولية و التقصير تجاه هدف الخصم الانتخابي الأبرز، و مع أن هذه "الصرعة" الجديدة تبدو خليعة و غير محببة و لا تتناسب مع العرف الاجتماعي العراقي، إلا أنها استجابة محسوسة لصالح "صاحبة الجلالة" و خطوة نحو التغيير !
و رب سائل يقول: هل أن إقالة "كنبر" من قبل المالكي، جاءت للتقليل من غليان الشارع و التملّص من ضغط السلطة الرابعة، أم إن حقيقة الأمر تتمثل بإرضاء وزير الداخلية العراقي جواد البولاني، بعد تهديدات الأخير بكشف المستور داخل قبة البرلمان خلال جلسة اشترط بان تكون علنية !
عين السخط تبدي مساوئ البولاني و عين الرضا كليلةٌ عن المالكي و الوائلي
لم يغير أعضاء حزب الدعوة و قائمة "ائتلاف دولة القانون" من تكتيكهم في حرب التصريحات الإعلامية، فبعد تفجيرات الأحد الماضية صدح محافظ بغداد و مجلسه، مطالبين بإقالة وزير الداخلية البولاني، و يتكرر نفس الحال اليوم بعد تفجيرات الثلاثاء، و لكن على لسان السيدة صفية السهيل القيادية في قائمة رئيس الوزراء نوري المالكي، التي طالبت بإقالة البولاني، متهمة إياه بالتقصير في أداء واجبه الأمني و الانشغال بحملته الانتخابية، مستندة على نفس المسببات القائلة بعدم جواز ممارسة المسؤول الأمني لأي نشاط سياسي.
السيدة السهيل بكل تأكيد لم تنظر إلى زميلها في ائتلاف دولة القانون السيد شيروان الوائلي وزير الأمن الوطني، رأس تلك المؤسسة غير الدستورية و الذي يعتبر من أهم قياديي حزب الدعوة و كذلك الحال مع القائد العام للقوات المسلحة كمثال أبرز و الذي يشغل في الوقت نفسه زعامة حزب الدعوة الإسلامية، مسجلة بذلك نقطة ضد شفافية الموقف، و نقطة لصالح قائمتها التي يبدو أنها بدأت حملتها الإعلامية مبكراً ضد قائمة "ائتلاف وحدة العراق" التي لم يخرج أحد من قيادييها بتصريح مؤازر لموقف رئيسها البولاني حتى هذه اللحظة !
لكن وزير الداخلية يبدو عليه بأنه سيخلع معطف هدوءه و يضرب الطاولة بملفات لمّح عنها مكتبه، بالقول "أن الوزارة تملك معلومات وملفات عن تحركات بعض الأحزاب والجهات السياسية المتطورة في أعمال العنف وتنفيذ أجندات دولية وإقليمية في العراق" ، مؤكدا استعداده للحضور أمام البرلمان وعقد جلسة علنية لعرض هذه الملفات أمام أعضاء البرلمان و أبناء الشعب العراقي لمعرفة من المتسبب بأعمال العنف والإرهاب ومن تلك الجهات التي تدعم المجاميع الإرهابية ".
وبين أن جهاز استخبارات وزارة الداخلية كان قد ابلغ قيادة بغداد بمعلومات عن تهيؤ إرهابيين لتفجير مناطق مختارة من بغداد، مؤكداً أن "عمليات بغداد" هي المسؤولة عن أمن العاصمة و وزارة الداخلية تنحصر مسؤوليتها بتقديم الدعم اللوجستي فحسب.
المالكي بدوره استجاب بسرعةٍ لتهديدات البولاني، وقال في كلمة مُتلفزة وجهها إلى العراقيين الأربعاء 9-12-2009 "أن هذا الهيكل إذا سقط فسوف يسقط على الجميع ولن تستفيد كتلة أو قائمة انتخابية" على حد تعبيره، محذراً مما اسماه " مغبة استغلال التداعيات الأمنية".
و باتت ردود أفعال البرلمانيين و المسؤولين العراقيين تجاه منتقديهم توصف بغير المتزنة و كثيراً ما تحمل في جعبتها نفس الإجابة المجانية الجاهزة "إنها مجرد دعاية انتخابية"، حتى أن "فزّة" البعض تجاه الانتقادات أصبحت علامة فارقة تدل على درجة الإعاقة في استيعاب الضغوط مع بداية النهاية و نفاذ الوقت دون لمح بارقة أمل نحو ضمان الكرسي الذي من خلاله سيحكم عراق ما بعد العقد الأول من القرن الحادي و العشرين.
و تهجم أسراب من جراد الأسئلة على رؤوس العراقيين، لتقضي على ما تبقى لهم من سكينة خضراء، و لسان حال حقول تأملاتهم يقول: هل يكتفي المالكي بإقالة كنبر بعد أن هدد بإقالة البولاني معه؟ و هل تكتفي أُسر الضحايا و محبيهم و ذويهم من أبناء الشعب بإقالة كنبر من منصبه و إسناد منصب آخر له لا يقل أهمية عن الأول؟ هل من حق رئيس الوزراء منع وزير الداخلية من عرض ملفات تثبت تورط جهات سياسية بالموضوع؟ و هل سيَقدم وزير الداخلية على الإفصاح عن الجهات المتورطة دون استجواب البرلمان و دون أخذ الإذن من رئيسه المباشر السيد المالكي؟
يبدو أن بُصيلات المنافسة الانتخابية التي تم زرعها بعد حرث الأرض بالتفجيرات الأخيرة، ستزهر قريباً بوجوه لا تشبه إلا نفسها و لا تفوح منها غير رائحة المصالح الحزبية الضيقة، في الوقت الذي تظل فيه الجرّافات مُجدةً في كشط بقايا الأشلاء من على أرصفة الحزن الوطني !
*رئيس تحرير "اتجاهات حرة"
10-12- 2009
[email protected]
www.itjahathurra.com
#حسين_الحسيني (هاشتاغ)
Husssein_Al_Husseini#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
أصابع تتمرّد على علب الحبر البنفسجي
-
عماد العبادي يموت قرب مقرات حكومة المنطقة الخضراء.. فَلْتسخر
...
-
مِنَصّات البلوار*
-
قصيدة فيسبوكية
-
ضِدّ أو مَع البَعث، شعارات طائفيةٌ مُبطّنة لخوض معركة الانتخ
...
-
مكامن الفتنة الطائفية مازالت مُتّقِدَة تحت رماد إستقرار كاذب
...
المزيد.....
-
هل يعارض ماسك الدستور بسبب حملة ميزانية الحكومة التي يقودها
...
-
-بينها قاعدة تبعد 150 كلم وأخرى تستهدف للمرة الأولى-..-حزب
...
-
حافلة تسقط من ارتفاع 12 مترا في حادث مروع ومميت في فلاديفو
...
-
بوتين يتوعد.. سنضرب داعمي أوكرانيا بالسلاح
-
الكشف عن التاكسي الطائر الكهربائي في معرض أبوظبي للطيران
-
مسيرات روسية اختبارية تدمر مركبات مدرعة أوكرانية في اتجاه كو
...
-
مات غيتز يتخلى عن ترشحه لمنصب وزير العدل في إدارة ترامب المق
...
-
أوكامبو: على العرب الضغط على واشنطن لعدم تعطيل عمل الجنائية
...
-
حاكم تكساس يوجه وكالات الولاية لسحب الاستثمارات من الصين
-
تونس.. عبير موسي تواجه تهما تصل عقوبتها للإعدام
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|