أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - هوشنك بروكا - القذافي فاتحاً للجنّة















المزيد.....

القذافي فاتحاً للجنّة


هوشنك بروكا

الحوار المتمدن-العدد: 2853 - 2009 / 12 / 9 - 20:34
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


على خلفية المبادرة الشعبية الأخيرة، التي صوّت فيها السويسريون بنسبة 57.5 لصالح تعديل دستوري على المادة 72 يقضي ب"منع بناء المآذن"، أطلق "الفاتح" معمّر القذافي كعادته، تصريحاً نارياً، "مسّخ" فيه الغرب كله، بفوقه وتحته، بماضيه وحاضره، بأرضه وسمائه، إلى مجرد "مكان وحشي"، تمشي عليه الحشرات، مثلها مثل "العنكبوت والنمل والنحل".

القذافي، الذي يعتبر نفسه "خليفة الله" أو ظله على الأرض(كما تشي بذلك كل خطاباته المطّعمة بآيات من القرآن الكريم)، شنّ هجوماً كلامياً كبيراً على الغرب، واصفاً ناسه ب"اللابشر"، و"الحشرات المجتهدة"، وحياتهم ب"عديمة القيمة"، بقوله: "هؤلاء الناس متقدمون جداً في العلوم المادية والتقنيات العصرية، وتقدموا جداً في الفضاء وفي الطب والعلوم التطبيقية، وحققوا تقدماً مذهلاً، لكنهم صفر من الناحية الإنسانية، ولا شيء من الناحية الاجتماعية، ذلك أن حياتهم ليست لها أي قيمة(...) يمكن المقارنة بينهم وبين الحيوانات.. إن العنكبوت والنمل والنحل، هذه الحشرات واصلة إلى درجة عالية جداً من التقدم والتقنية، فالهندسة التي عند النحل، والإنشاء والبناء في بيت العنكبوت، حاجة مذهلة جداً، ومع هذا هي ليست إنساناً فهي حشرة".

هذا ما قاله رئيس دولة عربية مسلمة، وصاحب ما تسمى ب"النظرية العالمية الثالثة"(المطروحة كنظرية بديلة عن الرأسمالية والشيوعية) التي تضمنها الكتاب الأخضر، والمعروف بفتحه لأبواب ليبيبا على إفريقيا، وجهوده الحثيثة التي بذلها لتحويل "منظمة الوحدة الإفريقية" إلى "الإتحاد الإفريقي"، وذلك في القمة الإفريقية المعروفة بقمة 9.9.1999 التي صدر عنها إعلان سرت التاريخي الشهير.

وكي يمرر القذافي كلامه الخارج على كل العقل(أو يشرّع مروره)، إلى عقل الجمهور المؤمن، استغل "المقدس" ومناسبته، فربط اكتشافه لأوروبا "الحشرات" بالإستفتاء السويسري الأخير، منتقداً نتيجة التصويت الأخير على حظر المآذن، بقوله: "نحن لا نميز الجامع عن مستودع السيارات أو عن الدكان وعن المنزل، إذا كانت لا توجد فيه مئذنة".

لا شك، أنّ الكثير من الجمهور المؤمن المسلم البسيط سيصدق "نظرية" القذافي الجديدة، التي تقول ب"تحوّل" الأوروبيين إلى "حشرات آدمية"، وذلك بمجرد اختبائه وراء المقدس(أو امتطائه لصهوته)، عبر دفاعه المستميت عن المئذنة، بإعتبارها جزءاً لا يتجزء من قدس المكان، أو في كونها تساوي الجامع أو المصلّى كله، وتُرمز إلى "قدس المكان"، من أوله إلى آخره.

الجمهور المؤمن المسكين المغلوب على أمره، سيصدق كلام القذافي بالفعل، على أنه "كلام في المقدس"، وكتاب الله، ومكانه وزمانه، أكثر مما يكون كلاماً في السياسة ومدنساتها ومقامراتها وشطحاتها، كما هو حال الكثير من كلامه "الكبير"، بمناسبة أو بدونها.

هذا الجمهور الكاره للتاريخ(الفاعل على أية حال) والخارج عنه، والذي لا يرَ تاريخاً خارج تاريخ المقدس، لن يعود لا إلى القريب من التاريخ ولا إلى البعيد منه، ولن يتذكر بالطبع غضب القذافي على سويسرا، قبل أن تمنع المآذن بأكثر من 17 شهراً، وذلك على خلفية أزمة احتجاز سلطات الأمن في مدينة جنيف السويسرية في يوليو 2008، لـ«هنيبعل»، أصغر أنجال القذافي، وزوجته بتهمة الاعتداء على خادمين لهما.
حينها لم تكن سويسرا قد منعت المآذن، بل كانت قد "منعت" نجل القذافي الأصغر من الإعتداء على خدَمه، على أراضيها، وتحت سلطة قوانينها.

أزمتئذٍ، فجّر القذافي غضبته، داعياً إلى "تفكيك" سويسرا، وتقسيمها بين ألمانيا وإيطاليا وفرنسا، واصفاً إياها بأنها "مافيا دولية، ومنبع للإرهاب المادي، "، فقط لأن سلطاتها قامت بإحتجاز نجله وزوجته، بناءً على شكوى تقدم بها خادمان بتهمة ضربهما".

حينها لم تكن هناك لا أزمة بناء مآذن ولا هم يحزنون.

والآن، حان للقذافي، وقت "الثأر الصحيح" من سويسرا الصحيحة، ليخرج علينا ب"خطابه الناري" هذا، ليثأر بدين الله لدنيا نجله، وليحرق بكلامه المرفوع على "مناراتٍ ممنوعة"، كل الغرب و"حشراته الأوروبيين"، بحجة "الدفاع عن الله"، وأن سويسرا منعت "بناء المآذن"، أو منعت على المسلمين دينهم.

هنا نسى "فاتح" ليبيا، أو تناسى، أن في قاع ديكتاتوريته شعب أمازيغي مسلم أعزل، أكثر من مظلوم، يريد أن يعيش على أرضه التاريخية بهويته وثقافته ولغته، ككل خلق الله، ولكنه ممنوع من الصرف، ليبياً، برسم قراره، لا بل "سيسحق كل من يقول أنه أمازيغي"، على حد قول الديكتاتور.

فاتح "الجماهيرية العظمى" لم يحجب عن الغربيين في الدنيا صفة "الإنسانية" فحسب، وإنما حجب عنهم في الآخرة نعمة العبور إلى الجنة أيضاً، وكأن به يذكّر العالم و"يحذرهم"، بإنسانه و"حشراته"، بأنه "فاتح" الجنة الأول والأخير، وبيده مفاتيحها، ليُدخِل إليها من الناس من يشاء، ويمنعها على من يشاء. لهذا نراه يتمنى على أن "لاتكون سويسرا مسلمة، حتى لا تدخل الجنة، ولا يرضى عنها الله.. ويحب أن تظل في وثنيتها إلى يوم القيامة وتدخل النار".

هذا ما أراده رئيس عربي مسلم، في عصر الثورة الرقمية، حيث بات الكون كله قرية صغيرة واحدة، لشعبٍ طالما كان سباقاً في صناعته لدرر الصكوك والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان.
سويسرا التي كانت السباقة في صناعة الإنسان وحقوقه، هي الآن وشعبها لا يستحقان سوى نار جهنم وبئس المصير، حسب "مواثيق" القذافي، المستندة إلى شرعية دفاعه عن دين الله، كما يريد أن يقنعنا، ويأكل الحلاوة بعقلنا وعقل الجمهور المؤمن الساذج.

لاشك أنّ التعبير عن الرأي، حق مشروع ومقدس لكل البشر، بغض النظر عن لونه، أو دينه، أو عقيدته، أو فكره. ولكن أن يصل الأمر في هذا الزمان المفتوح، وهذا العالم المتطور جداً، برئيس دولة عربية مسلمة، يدّعي الدفاع عن روح الإسلام ومقدساته، إلى أن يصف شعوب عالم بأكمله(العالم الغربي) ب"الحشرات" ال"عديمة القيمة"، وب"الصفر المعطّل" على شمال الإنسانية، ويكفّر شعوباً بأكملها، ويرميها كما تشاء إرادته، في الجحيم، فهذا أمرٌ يحتاج إلى أكثر من تساؤل، وأكثر من مساءلة للعقل العربي، الذي يعيش تاريخاً يموت، أكثر من عيشه لراهنٍ يحيا.

والطامة الكبرى، هي أنّ القذافي هنا ليس واحداً، وإنما هو كثير جداً، أو هو "مفرد بصيغة الجمع"(على حد تعبير الكبير أدونيس). فهو "مفردٌ كثير جداً" ممّن يرتكبون "العقل العربي"، عن سابق إصرار وترصد، ويقدمونه للعالم بإعتباره "نموذجاً" يُحتذى به، جماهيرياً، لآخر ما توصل إليه العرب من عقل و"عبقرية".

فالقذافي لم يقل كلمته ليمشي فحسب، وإنما قالها ليُسكت عليها، ثم ل"تُشرّع"، عربياً بخاصة وإسلامياً بعامة، لتصبح بالتالي مثالاً ل"درر" الكلام و"خيره". لهذا لن نسمع(لا الآن ولا غداً ولا بعده، كما علّمنا التاريخ الراكد منذ 1400 سنة) داعيةً، أو مرجعاً إسلامياً، أو منظمةً إسلاميةً، أو مؤسسةً لها شأنها كالأزهر مثلاً، ترد على كلام القذافي أو تصححه في الأقل، وتضعه في المسار الصحيح، بما فيه خدمة الشعوب الإسلامية قاطبةً، كما فعل الفاتيكان مثلاً، في موقفه الأخير من تصويت السويسريين لصالح حظر المآذن في بلادهم، واصفاً إياه بأنه "ضربة قاسية لحرية المعتقد".

فالموقف الذي جاء على المستوى السياسي، "صحيحاً" و "مشروعاً" بالنسبة للسويسريين، كما أثبتت نتيجة التصويت، لم يمنع الفاتيكان من الوقوف بعكس التيار، و"تصحيح" الموقف من وجهة نظر الكنيسة، علماً أن حوالي 41.8 من الشعب السويسري يعتنقون المذهب الكاثوليكي.

هذا الموقف البابوي، خلق، دون أدنى شك، ارتياحاً كبيراً لدى العالم الإسلامي، وربما كان السبب الأساس في امتصاص غضب الشوارع الإسلامية هذه المرة، وذلك على خلاف كل المناسبات السابقة، التي أقام فيها المسلمون الدنيا ولم يقعدوها.

لست هنا، بصدد الدفاع عن دين ضد دين آخر، أو إقامة دين على أنقاض دين آخر. أبداً. فكل الدين من عداه، هو عندي سواء بسواء.
ولكن كل دين أو عكسه، لا يؤدي إلى الحرية في الإنسان، أو إلى الإنسان في حريته، هو "سجن مقدس" يحرسه طابور من "الشيوخ المقدسين".

كل إنسان حرٌّ، مثلما خلقه الله حراً، في أن يعبد ما يشاء، كما يشاء، ف"من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر"(الكهف:29). من هنا ليس من حق أحدٍ(أياً كان هذا الأحد) أن يفتي ب"تكفير" الآخر أو خروجه على الله، كما "أفتى" القذافي ب"وثنية" الغرب، مكفّراً "حشراته الآدمية"، لأن الله، أعلم بشئون خلقه وأعظم من أن ينوب عنه إنسان، فيقوم بفتح أبواب جهنم لمن يشاء، ويغلقها على من يشاء.






#هوشنك_بروكا (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ما وراء منع المآذن
- نوبل أوباما -الشاعر-
- -فوضى- نوال السعدواي الخلاقة
- أكراد الشمال: بين فرضية الدولة والدولة المفترضة
- سوريا: تقتل العراق وتمشي في جنازته
- جلببة العلم على -سنّة- حماس
- عاشت سوريا -الضرورة-..يسقط لبنان!
- خروج أبطحي على -المخمل-
- ما لن يتغيّر في كردستان!
- كُتاب -التربية الوطنية-
- عندما يصبح الفكر -زبالة-: دفاعاً عن عقل القمني
- سلوك سوريا -الثابت-
- أمريكا المتحوّلة والمسلمون الثابتون
- صدام مات..فيما العراق بسلوكه حيٌّ يرزق
- كردستان الإنتخابات: خرافة تمثيل الأقليات
- مشكلة الموصل: بين مطرقة بغداد وسندان هولير
- موسم الهجرة إلى البرلمان
- هل رأس كردستان هو رأس الفساد؟ (2/2)
- هل رأس كردستان هو رأس الفساد(1/2)
- ثقافة الزعيم، كردياً


المزيد.....




- قائد الثورة الاسلامية يستقبل حشدا من التعبويين اليوم الاثنين ...
- 144 مستعمرا يقتحمون المسجد الأقصى
- المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية: مذكرة اعتقال نتنياهو بارقة ...
- ثبتها الآن.. تردد قناة طيور الجنة الجديد 2025 علي كافة الأقم ...
- عبد الإله بنكيران: الحركة الإسلامية تطلب مُلْكَ أبيها!
- المقاومة الإسلامية العراقية تهاجم هدفا حيويا في جنوب الأراضي ...
- المقاومة الإسلامية العراقية تهاجم هدفا حيويا في جنوب الاراضي ...
- المقاومة الاسلامية العراقية تهاجم هدفا حيويا في جنوب الاراضي ...
- ماذا نعرف عن الحاخام اليهودي الذي عُثر على جثته في الإمارات ...
- الاتحاد المسيحي الديمقراطي: لن نؤيد القرار حول تقديم صواريخ ...


المزيد.....

- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - هوشنك بروكا - القذافي فاتحاً للجنّة