|
دفاعاً عن الحقيقة... دفاعاً عن اليسار
سمير محمد غزة
الحوار المتمدن-العدد: 2852 - 2009 / 12 / 8 - 16:17
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
شعرت وأنا أتصفح مقال "أزمة اليسار الفلسطيني وأسباب إخفاقه" بقلم الكاتب حسني شيلو في موقع أمد للإعلام بتاريخ 4/12/2009 أن المستهدف من هذه المقالة فصائل فلسطينية مشهود دورها التاريخي وفي المقدمة الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين بوجه خاص، وأحزاب اليسار الفلسطيني والعربي بوجه عام، لذلك وجدت أنه من واجبي الدفاع عن الحقيقة والجبهة واليسار. إن نكبة عام 1948، وقيام دولة إسرائيل على جزء من التراب الوطني الفلسطيني، كانت سبباً مباشراً في سقوط برامج النظم الإقطاعية ونشوء النظم البرجوازية الوطنية (سقوط نظام الملك فاروق وقيام ثورة 23 يوليو بقيادة الزعيم الراحل جمال عبد الناصر في مصر)، ولعدم تمكن البرجوازيات الوطنية من إنجاز مهام الثورات الوطنية الديمقراطية في بلدانها، وهزيمة جيوشها في حرب حزيران 1967، أدى إلى سقوط برامج النظم البرجوازية الحاكمة، وانطلاق الثورة الفلسطينية المعاصرة. وضمن هذا السياق التاريخي وبعد مخاض فكري وجغرافي في حركة القوميين العرب، انطلقت الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين في شباط 1969 كحزب ديمقراطي ثوري مقاتل يشق طريقه في التحول إلى حزب ماركسي ديمقراطي باتحاد طوعي بين العمال والفلاحين والمثقفين والثوريين، ويمثل أحد الفصائل الطليعية للطبقة العاملة الفلسطينية مسترشداً بفكر الطبقة العاملة (الاشتراكية العلمية) في مجتمع فلسطيني ما زال في طور التكوين نصفه داخل فلسطين التاريخية والنصف الآخر موزع في أقطار اللجوء والشتات. أي أن الجبهة حزب ديمقراطي ثوري يناضل من أجل إنجاز مهام التحرر الوطني والديمقراطي في مجتمع في طور التكوين يؤثر ويتأثر كثيراً بمراكز القرار القومي والإقليمي والدولي في المنطقة العربية والعالم ويتأثر بالمال السياسي الذي يتم إغداقه على قطبي الصراع الراهن في الضفة والقطاع والذي يوظف في توسيع القاعدة الاجتماعية لليمين الوطني (فتح) واليمين الأصولي (حماس) ويحجب عن قوى اليسار الفلسطيني مما يؤثر سلباً على حجم القاعدة الاجتماعية لهذه القوى. وضمن هذه التعقيدات شقت الجبهة طريقها وساهم مجموع أعضائها في وضع برامجها وانتخاب قيادتها من خلال المؤتمرات الحزبية. فأي "شمولية" يزعمها شيلو في ذلك وخصوصاً وأننا حزب في مرحلة التحرر الوطني الديمقراطي، شقت الجبهة طريقها، ووضعت بصماتها البينة، وصاغت برامجها، وفي المقدمة البرنامج الوطني المرحلي الجيد للثورة والشعب ومنظمة التحرير، واليوم الصراع لدمقرطة كل مؤسسات المجتمع والسلطة ومنظمة التحرير بقوانين انتخابية بالتمثيل النسبي الكامل، والذي للجبهة الديمقراطية شرف المبادرة في طرح هذا على الحوار الوطني الشامل في القاهرة (آذار/ مارس 2005) وحتى يومنا لإنهاء الانقسام وإعادة بناء الوحدة الوطنية، واجترحت سياساتها الصائبة، تجاه الوضع الفلسطيني الأشد تعقيداً من أي بقعة في العالم، في مواجهة احتلال استيطاني كولينيالي شرس، يدعي الملكية الكاملة لأرض فلسطين استناداً إلى ادعاءات توراتية ليس لها سند من الواقع والتاريخ. والجبهة كما سبق وأن أسلفنا هي اتحاد طوعي اختياري بين العمال والفلاحين والمثقفين الثوريين تناضل من أجل تحقيق أهداف وطنية وطبقية من خلال برامج يساهم مجموع القاعدة الحزبية في صياغتها من خلال المؤتمرات الحزبية والحق في الانتخاب والترشح لهيئاتها القيادية بالترشيح الفردي والانتخاب السري، المؤتمنة على تنفيذ برامجها وتحقيق أهدافها الوطنية والطبقية. والباب مفتوح على مصراعيه لعضوية المثقفين الثوريين، أما المثقفين الذين يغادرون صفوف الأحزاب اليسارية بسبب استبداد قيادتها (كما يدعي الكاتب)، فهم مثقفين برجوازيين يلتحقون بأحزاب السلطة واليمين يغادرون صفوف الأحزاب اليسارية بسبب نزعتهم النرجسية وميلهم إلى التحرر من قيود الحزب بحجة أن الحرية تؤدي إلى الإبداع، لذلك لا يوجد قيود على الإبداع الملتزم للمثقفين الثوريين في صفوف الحزب. ويجب أن نسلط الضوء على أبرز المحطات الرئيسية في حياة الجبهة ونضالاتها المشهودة المتعددة، لتطور الثورة والمقاومة ومؤسسات المجتمع ومؤسسات المجتمع والسلطة ومنظمة التحرير، ومنها على سبيل المثال: • تحويل برنامج النقاط العشرة.. برنامج العودة وتقرير المصير والدولة المستقلة وعاصمتها القدس من برنامج للجبهة إلى برنامج للثورة والشعب الفلسطيني بعد أن تم إقراره في المجلس الوطني الفلسطيني في القاهرة عام 1974، وهذا البرنامج ليس برنامج للتسوية السياسية وإنما برنامج تصادمي مع السياسات الإسرائيلية القائمة على الاستيطان وسلب الأراضي والإلحاق الاقتصادي وتهويد القدس وطمس الهوية الوطنية المستقلة، واجتراح سياسات لتعبئة الشعب واستنهاض نضاله وتطويره إلى مواجهة شعبية شاملة مع الاحتلال، مترافقاً مع مهمة الدفاع عن الحقوق المدنية والاجتماعية للفلسطينيين في أقطار اللجوء والشتات. وبهذا البرنامج خرجت م. ت. ف. من عنق الزجاجة على أثر حرب أكتوبر 1973 إلى الفضاء الخارجي والدولي، وأثبتت المنظمة أنها طرف في الصراع وطرف في الحل بما يضمن الحقوق الثابتة للشعب الفلسطيني في العودة وتقرير المصير والدولة المستقلة. • لم تصنف الجبهة نفسها كحزب طليعي للطبقة العاملة الفلسطينية، وإنما أدرجت نفسها كأحد الفصائل الطليعية للطبقة العاملة، لأن الطبقة العاملة ما زالت تنقسم (في مجتمع في طور التكوين) إلى شرائح تتفاوت في مزاياها، ونمط حياتها، وتتباين في مصالحها ودرجة وعيها، وهذا يشكل بالضرورة أساساً مادياً لتعدد أحزابها، وأن سمة الطليعة بحاجة إلى نضال دؤوب من أجل اكتسابها والحفاظ عليها، وهذا يتطلب تحسيناً مضطرداً للتكوين الفكري والطبقي والكفاحي للحزب وجدارة قيادته، وضمن هذا السياق يمكن فهم انقسام الحزب اليساري الواحد على نفسه التي أوردها الكاتب في مقاله. بينما الحزب الأوحد اليساري في أي بلد هو "الشمولية" ومصادرة التعددية في المجتمع وفي صف التيارات اليسارية. • وبالنسبة لتبعية الأحزاب اليسارية الفلسطينية للحزب الشيوعي السوفيتي سابقاً، فلم تأخذ الجبهة بمقولة (إذا أمطرت السماء في موسكو يجب فتح المظلات في الدول العربية)، حيث أن علاقة الجبهة مع الحزب الشيوعي السوفيتي (سابقاً) كانت تقوم على قاعد النقد والتضامن العلني، ولم يتم بناء العلاقات إلاّ بعد عام 1973 بينما أحزاب شيوعية وغير يسارية لها علاقات مع السوفييتية منذ النشأة تقريباً. وأن الجبهة من الأحزاب اليسارية القليلة التي قدمت دراسة علمية نقدية لما حدث من تفكك في الاتحاد السوفيتي وانهيار المعسكر الاشتراكي، وعزته إلى الامتيازات المادية والروحية التي قدمتها الدولة السوفيتية لأعضاء الهيئات القيادية للحزب (على اعتبار أنه الفصيلة الطليعية للطبقة العاملة) بدلاً من تقديمها للطبقة العاملة نفسها صاحبة المصلحة الحقيقية في التطبيق الاشتراكي، هذا التناقض عجل من التفكك والانهيار للنموذج السوفيتي في التطبيق الاشتراكي. وأن الجبهة من أحزاب اليسار القليلة في المنطقة العربية التي لم تتأثر سلباً سواء من الناحية الأيديولوجية أو التنظيمية بتفكك وانهيار النموذج السوفيتي في التطبيق الاشتراكي. • أما ما يخص العلاقات الداخلية مع فصائل اليسار الفلسطيني بشكل خاص وفصائل العمل الوطني والإسلامي بشكل عام، فقد غلبت الجبهة دوماً التناقض الرئيسي مع العدو على التناقضات الثانوية، انطلاقاً من كون اليسار الأحرص على توحيد طبقات الشعب وفصائله الوطنية والإسلامية في وجه العدو. وناضلت الجبهة وبمبادرات من الجبهة دوماً من أجل توحيد فصائل اليسار في الساحة ليكون الطليعة لجبهة وطنية متحدة، بدءاً من تجربة القيادة المشتركة مع الجبهة الشعبية، حتى جبهة اليسار بمبادرة تشرين الثاني/ نوفمبر 2007 ثم نيسان/ إبريل 2008 وحتى يومنا مع الجبهة الشعبية وحزب الشعب الفلسطيني، لأن الجبهة أدركت مبكراً وما زالت تدرك بأن الوحدة الوطنية هي أقصر الطرق للانتصار الحاسم على العدو. • منذ بدأ الصراع في الساحة الفلسطينية بين الثنائية القطبية فتح وحماس الأولى ممثلة لليمين الوطني والثانية ممثلة لليمين السلفي الماضوي الأصولي والذي توج بالانقلاب العسكري لحماس في قطاع غزة، قدمت الجبهة متفردة، ومع قوى أخرى العديد من المبادرات لرأب الصدع في الساحة الفلسطينية دون جدوى وذلك بفعل المال السياسي المتدفق على طرفي الصراع الذي عمق الانقسام ونتائجه الكارثية على مختلف مناحي الحياة في الضفة والقطاع، حيث ثبت بالملموس أن المستفيد الأول من هذا الصراع هو العدو الإسرائيلي وحلفاؤه، وكانت ولا زالت المقاومة والوحدة الوطنية أولى ضحايا الانقسام العبثي المدمّر، وفي هذا الصراع تم تغليب الأجندات الإقليمية على الأجندة الوطنية. وما زلنا نعتقد أن وثيقة الوفاق الوطني (وثيقة الأسرى) تمثل أرضية صالحة وتعطي مخرج وطني شامل ينهي حالة الانقسام خصوصاً بعد أن تم المصادقة عليها من مختلف القوى وشخصيات المجتمع المدني. حيث أكدت هذا الوثيقة على الثوابت الوطنية وكرست حق شعبنا في المقاومة المسلحة في وجه الاحتلال، وطالبت بإجراء انتخابات رئاسية وتشريعية مترافقة مع انتخابات المجلس الوطني بقانون تمثيل نسبي كامل وبنسبة حسم لا تتجاوز 1.5%. لذلك لا بد من فتح ملف الحوار الوطني الشامل على قاعدة هذه الوثيقة من أجل الوصول إلى قواسم مشتركة تؤكد على الثوابت وتحفظ حق المقاومة ويكرس قانون التمثيل النسبي الكامل لأي انتخابات رئاسية أو تشريعية وللمجلس الوطني الفلسطيني، لأن الشعب هو المصدر الرئيسي لكل السلطات في النظام السياسي الفلسطيني.
* كاتب فلسطيني/ غزة
#سمير_محمد__غزة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الجيش اللبناني يعلن تسلمه 3 معسكرات تابعة لفصائل فلسطينية لب
...
-
منظر مذهل في تركيا.. تجمد جزئي لبحيرة في فان يخلق لوحة طبيعي
...
-
إندونيسيا تحيي الذكرى العشرين لكارثة تسونامي المأساوية التي
...
-
ألمانيا تكشف هوية منفذ هجوم سوق الميلاد في ماغديبورغ، وتتوعد
...
-
إصابات في إسرائيل بعد فشل اعتراض صاروخ حوثي
-
شولتس يتفقد مكان اعتداء الدهس في ماغديبورغ (فيديو+ صور)
-
السفارة السورية في الأردن تمنح السوريين تذكرة عودة مجانية إل
...
-
الدفاع المدني بغزة: القوات الإسرائيلية تعمد إلى قتل المدنيين
...
-
الجيش الروسي يدمر مدرعة عربية الصنع
-
-حماس- و-الجهاد- و-الشعبية- تبحث في القاهرة الحرب على غزة وت
...
المزيد.....
-
المسألة الإسرائيلية كمسألة عربية
/ ياسين الحاج صالح
-
قيم الحرية والتعددية في الشرق العربي
/ رائد قاسم
-
اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية
/ ياسين الحاج صالح
-
جدل ألوطنية والشيوعية في العراق
/ لبيب سلطان
-
حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة
/ لبيب سلطان
-
موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي
/ لبيب سلطان
-
الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق
...
/ علي أسعد وطفة
-
في نقد العقلية العربية
/ علي أسعد وطفة
-
نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار
/ ياسين الحاج صالح
-
في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد
/ ياسين الحاج صالح
المزيد.....
|