|
الى أنون بيرسون رد على رد
حسين شبّر
الحوار المتمدن-العدد: 2850 - 2009 / 12 / 6 - 15:43
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
عزيزي أيها الكاتب المؤمن المدافع عن مسيحيته أرجو ان يتسع صدرك لما سأقوله لك، ومن خلالك الى كل المؤمنين الذين يعتقدون بوجود رب خالق مدبر حكيم صانع قادر ملهم، يتكون من أقنوم واحد أو من ثلاثة أقانييم لا فرق ، اريد عزيزي انون أن أرفع مستوى الحوار الى حدوده القصوى التي يمكن أن تستوعبها. كما أنني لا أريد أن أقوم بعملية تدمير منهجي لأفكار مؤمن مسكين يعتقد أن حدود الممكن هي تلك الحدود التي استقر عليها وعيه، وآمن بها ، ثم استكانت بها ومن خلالها نفسه القلقة التي تبحث عن مستقرلها في الخلد والنعيم والحياة الأبدية..على أية حال انا استطيع أن أجمل كل تلك الجمل التي صففتها على شاكلة مقال يخلو من الحبك والسبك والتداخل والتشابك ، الى تلك الحجة الأخلاقية التي استبطنت لا شعورك المؤمن .... في أن الله هو خير ومحبة وصلاح ورأفة.... الخ، سأعالج مسألة وجود ربكم من هذه الزاوية الممتعة لكم والتي رحت تضرب على أوتار قيثارتها المهترئة على مدار مقالك هذا والذي أزعجني من زوايا عديدة منها: الهجوم الغير مبرر على الإسلام والمدح الغير منهجي للمسيحية ،علما أن الدينين ينبعان من ذات المشكاة أو من ذات المصدر اليهودي الذي هوبدورة كان قد سطا على تراث واساطيرالأمم السابقةعليه كالبابليين والسومريين والفراعنة والفرس والإغريق وغيرهم ، ثم راح يجذر كل هذا الإرث الحضاري القديم على أنه منتج يهودي لاهوتي .. ومن المآخذ أيضا يا عزيزي أنون عدم الترابط بين افكارك حيث أنك تنتقل من فكرة الى أخرى دونما داعي أو مبرر ثم تصل في بعض الأحيان الى حد التناقض والتضاد .. إضافة الى توظيفك لخطاب ديني دعوّي أو تبشيرّي ..أي أنك تدعو أو تبشر ملحدا بأن يؤمن بربك هذا أو دينك القويم بحسب رأيك ..ثم استشهادك بفيلسوف الملحدين برتاندرسل لم يكن له ما يبرره فهذا الفيلسوف هو أحد أأمتي الكبار والذي شكل واحدا من المعاول التي هدمت أسس الدين برمته . هذه ملاحظات أردت أن أسجلها قبل الدخول الى هذه الحوارية الممتعة مع قس جميل ورائع من أمثالك ...لكن أعذريني فالفكر عندنا أرباب العقول لا يعرف المهادنة ولا يصلح لها ...نحن لا نؤمن بدين المحبة ولا بمحبة الدين ...إذ الدين طارئ بشري والمحبة خلق وجودي إنساني ..والربط بينهما في دينكم أو أي دين هي من قبيل العبث الفكري أو التسطيح المعرفي .. عزيزي أنون ... بات عند المتدينين أمر الدفاع عن الله هو أمر أساسي بل هو واجب إيماني يمليه عليهم دينهم، كما أنه متأصل في نفوسهم وعقولهم وطبيعة إيمانهم . لقد تعددت طرقهم في ذلك وفي كل مرة يظهر لنا المؤمنون بحلة جديدة من الأدلة فتارةً يوردون الحجة الغائية التي تقول بأن الكون خلق لغاية وهو سائر بإتجاه هذه الغاية التي حددها الخالق له ..وهذا يعني إن وجود الإله هو أفضل تفسير للنظام الكوني هذا النظام الذي يُعتبر من أعقد المشكلات التي واجهت الإنسان ،حيث أن الإنسان بقي فترة طويلة يؤمن بـ بالآله فيلحق كل شيء في الطبيعة لم يستطيع تفسيرا له بإله مستقل ..وهكذا قد ظهر عنده إله للريح كون الإنسان القديم لا يعلم ما هو سر تفسير الرياح ومن أين تأتي وكيف تنشأ ؟ وإله للماء وإله للشمس، وإله للقمر ..وإله للأنهار والبحار .. والواقع أنه لا دليل على أن هذا النظام قد قام به مصمم ذكي وخارق وأن بوسعنا تفسير الكون من خلال الفيزياء في الوقت الراهن ... ثم تحدث المؤمنون عن الحجة الكونية التي تقول بأن الله واجب الوجود وهو العلة الأولى للكون لأن الكون لا يمكن أن يكون علة نفسه، ووجهت انتقادات واسعة لفرضية العلة الأولى أو السبب الأول أو المحرك الأول.... منها على سبيل المثال أنه لا يوجد لدينا مبرر لافتراض ضرورة وجود علة من هذا القبيل... لأننا سندخل في دور العلة والمعلول .. الذي لا ينتهي الى نتيجة عقلية ..كما أنه إن وجدت تلك العلة الأولى للكون فليس من الواضح السبب الذي يدفعنا إلى افتراض أن هذه العلة هي الله...... قد تكون أية قوة أخرى أنبثق الكون من خلالها .. ولما ان سقطت كل تلك الفرضيات والحلول النظرية الإيمانية. طرحوا لنا فرضية أخرى جديدة كانت أكثر توازنا في رأيهم هي الحجة الأخلاقية على وجود الله, كما راح صاحبنا الكاتب يوظفها هنا في مقالته ... إذ أنهم يرون أن الدليل على وجود الله ، هو أن وجود الأخلاق مستحيل بدون وجود الله ، ولكن بدت انتقادات كثيرة كانت قد وجهت إلى الحجة الأخلاقية لم يحسب حسابها الدينيين. من تلك الانتقادات ما تحدث عنه برتراند راسل في " لماذا لست مسيحياً " بقوله : أن الله لا يكترث بالتفريق بين الخير والشر. ذلك أنه لو كان موجودا لكان التفريق بينهما لازما .. بمعنى أن وجود الأخلاق في الطبيعة البشرية لا يقوم حجة على وجود الله ذلك أن وجود الخير والشر سابق على وجود الأديان بالمفهوم الذي وصلنا . .. ثم وجود الله بهذا المعني لا يقوم دليلا على وجود الأخلاق بمفهومها النسبي..... وفي جمهورية أفلاطون ثمة حوار بالغ الدلالة في ما يخص المشكلة الأخلاقية حيث أن أفلاطون وضع حجة مقنعة جداً بأن الأخلاق لا تعتمد على الإله وذلك في حوار يدعى حوار الحجة الأخلاقية... وحجته هنا بسيطة جداً تقوم على الأجوبة الممكنة عن سؤال بسيط: أيختارالإله ما هو صالح لأنه صالح أم أن الصالح صالح لأن الإله يختاره.... ؟ إذا كان الصالح هو فقط ما يختاره الإله ، فيبدو أن التفريق بين الصالح والطالح هو تفريق قسري، فما الذي يمنع الإله أن يقرر أن القتل صالح والرأفة طالحة مثلاً....؟ وإذا كان الصالح والطالح قسريين بهذه الصورة، فإنهما إذن يفقدان قوتهما الأخلاقية . من المؤكد إذن أن الخيار الأول هو الذي يجب أن يصح. أي أن الله يختار الصالح لأنه صالح .. اذن الصالح سابق على وجود الله وهذا أوقع المؤمنين في ورطة كبيرة لا حل لها .. الأمر الذي يجعلنا نقرر أن الأخلاق منفصلة تماماً عن فكرة امكانية وجود الله تماما ................. لقد أثارت فكرة افلاطون هذه ضجة كبيرة في الأوساط الثقافية على مدار التاريخ إذ عد الكثيرون هذه الحجة حاسمة في هدم الحجة الأخلاقية .. حاول بعض فلاسفة الإيمان الرد فقالوا إن الإله هو الصلاح المطلق .. والإله يختار ما هو صالح،لأن الإله هو ذاته صالح ...لكن تظل المعضلة الأساسية قائمة : هل الإله صالح لأن الصالح هو الإله تماماً مهما كان وكيفما كان وبرغم وجود الشر في العالم ؟ وهل الصلاح ذاته متجسد في الله ذاته بحيث لا يصدر عنه سوى ما هوصالح ؟ اذن كيف نفسر وجود الشر مرة اخرى ؟ إن الأجوبة مهما حاولنا صرفها عن مستويات دلالاته الممكنة تقود إلى النتيجة ذاتها: إذا كان الصلاح غير قسري فإن صلاح الإله يجب أن يعكس طبيعة الصلاح ذاتها الأمرالذي يعني أن مفهوم الصلاح قابل للانفصال عن مفهوم الإله وهنا تكم الخطورة في تهدم صرح الحجة الأخلاقية .... إذا كان المؤمنين قد حاولوا الرد على هذا للتخلص من المعضلة بإدعائهم بأن الله هو الصلاح بقيت فرضية ارتباط الأخلاق بالله أمر مثير للشك والريبة وتطرح إستفهامات عديدة .. بل أكثرمن ذلك هناك من قد قال بأن ( الله هو الشر... .) أي بأن الله هو الظلمة القصوى والعدو الذي يجب محاربته. على حد رأي برودن ... فكرة فيها من المفارقة ما يجعلنا لا نعلم إن كان ينبغي اعتبارها أساسا يمكن البناء عليه, لم يجرؤ أحدٌ قبل برودن أن يفكر في قلب افتراض الحس السليم المقبول منذ قرون والذي يعتبر أن الله هو الخير نظراً لأن الشر يعود لإبليس أو للخطيئة. بعد كل ذلك من النقاشات المطروحة لدينا بعض الأسئلة التي يحق لنا أن نطرحها عليك أخي أنون المحترم....... هل الله حقاً هو خيّرأوكلي المحبة – كما ترى و يرى المسيحيون وعلم اللاهوت ؟ هل سألتم أنفسكم .. يا تُرى هل الله يستحق الصفات الحميدة التي ننعته بها؟ كيف يكون الله كلي الرحمة والمغفرة والحنان والشر موجود في العالم والزلازل والبراكين تقتل آلاف الناس بدون تمييز بين صغير أو كبير بين عاجز أو امرأة ... من المسؤول عن الطبيعة الأساسي في المفهوم الديني؟ ... الجواب هو الله... إذاً لماذا يفعل الله ذلك طالما هو كلي الرحمة والمحبة؟ يقودنا ذلك إلى قول أبيقور في انتقاد رحمة وقدرة الله المزعومة بقوله: ( هل يريد الله أن يمنع الشر, لكنه لا يقدر؟ حينئذ هو ليس كلي القدرة هل يقدر لكنه لا يريد ؟ حينئذ هو شرير؟ ) وهكذا لم يخطأ بردون بمقولته (الله هو الشر) ... وأستطيع أيضاً من خلال أطروحة أبيقور ومقولة برودن أن أنشأ هذه القضية المنطقية ذات المقدمات والنتائج: اذا كان الله موجوداً فإنه ذو قدرة عظيمة. اذا كان الله موجوداً فإنه خيّر ومحب. يوجد شر في العالم. النتيجة الحتمية : الله الخير والمقتدر لن يسمح بوجود الشر لأنه خير... الله - الكلي القدرة والكلي الرحمة - لم يستطع إزالة الشر من مملكته إذن الله لا يمكن أن يكون موجود لأنه ليس كلي القدرة ولأن الشر بقي موجود في العالم. نستنتج:إما أن يكون الله ليس كلي القدرة لأن الشر بقي موجود أو أن الله هو شرير ولا يستحق أن يكون رحيماً لأنه يرى الشر ولا يمنعه...... أخي أنون العزيز,لا أعلم كيف كنت ملحدا وقارئا لبرتاندرسل الذي تستشهد به في مقالتك ثم تنحرف عن هذه الفضاء الرائع وتسقط في أتون الإيمان المهلك الذي سيحيلك الى رماد تذروه الرياح في زوايا الكون ..لم تخبرنا كيف كانت رحلتك بين الإحاد والإيمان؟ كيف انتقلت من الضد الى الضد ...وأرجو أن لا تفسر ذلك بأن المسيح لمس قلبك ..... وتقبل تحياتي ... الى حوار آخر
#حسين_شبّر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
قراءة تحليلة في رؤيا يوحنا-7- ثلث الملائكة شياطين
-
قراءة تحليلة في رؤيا يوحنا- 6 -الشواذ جنسيا
-
يوحنا- 5 - ملائكة سبعة امام الله يبوقون وملاك اخر معه مبخرة
-
قراءة تحليلة في رؤيا يوحنا- 4 – يصور الله على شكل دجاجة
-
قراءة تحليلة في رؤيا يوحنا 3
-
قراءة تحليلة في رؤيا يوحنا 2
-
قراءة تحليلة في رؤيا يوحنا 1
-
كيف حجرت الكنيسة على العقل ولا زالت
-
المسيحية دين لا يعرف المحبة.. جِئْتُ لأُلْقِيَ عَلَى الأَرْض
...
-
مهزلة تجسد الإله في الأديان الثلاث
-
رد على ردود المسيحيين في الحوار المتمدن
-
الثقافة السمعية القصاصون فى المساجد
-
خرافة الفداء في المسيحية
-
نبؤة المسيح عن نهاية الكون وزال الحياة !!!!!
-
موقف علي الخفي في مقتل عثمان بن عفان
-
السؤال المحرم هل تمت خلافة ابي بكر بالنص أم بالأختيار وهل تم
...
-
أزمة الحوار بين المثقفين
-
نظرية الانفجار العظيم بين العلم و الدين والفلسفة
-
أعذرني أيها السومري سلام طه فأنا لم أفهمك
-
اللامرجوع عنه في وعي المثقفين العرب
المزيد.....
-
خلي طفلك ينبسط بكل جديد ومفيد.. طريقة تثبيت قناة طيور الجنة
...
-
الدفاع المدني السوري: انفجار سيارة مفخخة أمام المسجد الكبير
...
-
عاجل | الدفاع المدني السوري: انفجار سيارة مفخخة أمام المسجد
...
-
“صار عنا بيبي صغير”.. استقبل الآن تردد قناة طيور الجنة الجدي
...
-
ابسطي أولادك ونزلي لهم تردد قناة طيور الجنة الجديد 2025 بخطو
...
-
ما ما جابت نونو صغير.. تردد قناة طيور الجنة على النايل سات و
...
-
نقيب الأشراف: اقتحام وزير إسرائيلي المسجد الأقصى عمل إجرامي
...
-
عصا السنوار وجد روح الروح وفوانيس غزة .. «الشروق» تستعرض أبر
...
-
العالم يحتفل بعيد الميلاد ليلة الـ24 من ديسمبر.. هل تعلم أن
...
-
“صار عندنا بيبي جميل” بخطوة بسيطة اضبط الآن تردد قناة طيور ا
...
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|