أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - علاء اللامي - حساب الإيجابيات والسلبيات في -إعلان شيعة العراق - : آليات التفتيت الطائفي والموقف الوطني الديموقراطي منها .















المزيد.....



حساب الإيجابيات والسلبيات في -إعلان شيعة العراق - : آليات التفتيت الطائفي والموقف الوطني الديموقراطي منها .


علاء اللامي

الحوار المتمدن-العدد: 175 - 2002 / 6 / 29 - 10:06
المحور: اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
    


( النص الأصلي للجزء الأول )

                                                                             علاء اللامي

ليست مصادفات :

  قبل فترة قصيرة أعاد الحزب الوطني الآشوري، ومقره  بمدينة دهوك في إقليم كردستان العراقي ،  نشر وثيقة كان قد أصدرها سنة 1996 تحت عنوان " رؤية آشورية لمستقبل العراق " . ولما لم يكن الحزب المذكور قد شُكل بعد في تلك السنة  فقد وقع البيان باسم " نخبة من المثقفين الآشوريين " . وبعد ذلك بأيام قليلة وخلال شهر حزيران الجاري 2002 صدرت وثيقة سياسية جديدة تحمل اسم " إعلان شيعة العراق " وقع عليها  مائة واثنان وعشرون  شخصا وتحمل تاريخ صدور يعود الى 17 كانون الثاني /يناير 2002 . وحتى لو فارق القارئ طوعا "عقلية المؤامرة" التي أضحت تهمة جاهزة على كل شفة ولسان واعتقدَ أن الأمر يتعلق بمصادفة سياسية محضة فإن من الصعب جدا على ذلك القارئ وعلى المراقب المحايد، وأصعب من ذلك على من يتبنى الموقف الوطني الديموقراطي ، الاقتناع بأن هطول هذه البرامج والوثائق السياسية لا علاقة له بجعجعة السلاح الأمريكي المتصاعدة هذه الأيام  واقتراب  موعد غزو العراق بهدف كاذب معلن هو إسقاط النظام الشمولي فيه ، وهدف آخر حقيقي مضمر هو احتلاله على الطريقة الأفغانية ، وفتح الطريق رحبا، لاحبا، أمام  العصر الأمريكي الصهيوني الشرق أوسطي ومصادرة إرادة ومستقبل و ثروات العراق شعبا ووطنا  . من الصعب حقا حتى على كُتّاب الروايات  البوليسية  الموهوبين وذوي الخيال الخصب  الركون الى المصادفات البريئة في ما يحدث عراقيا وفي هذا التوقيت الملتبس بالذات .

ولما كنّا قد توقفنا عند بعض ما أثارته الوثيقة الآشورية  في مقالة آخرى بعنوان " عروبة العراق وحقوق الأقليات " نشرت على صفحات "الزمان " عدد 26/6/2002 ، فسوف نطيل الوقوف عند "إعلان شيعية العراق  " في هذه المقالة مع العودة الى البيان الآخر  لأغراض التحليل المقارن  .

مصادرة إرادة ملايين الشيعة :

  بنظرة سريعة الى عنوان الوثيقة الآشورية نرى إن مصدريها  أحسنوا صُنعا حين وقعوا عليها  بعبارة " نخبة من المثقفين الآشوريين " وليس باسم "الأمة الآشورية " أو الطائفة المسيحية العراقية  .. الخ . ولكننا نسجل بمنتهى الاستغراب والقلق خلو اسم  وثيقة " الرؤية الآشورية" وكذلك اسم الحزب الذي يقف خلفها أي "الحزب الوطني الآشوري " من النسبة  الى العراق كانتماء وطني أو حتى من عبارة التحديد الجغرافي " في العراق " ونأمل أن يكون الأمر متعلقا بخطأ تقني أو مطبعي وليس بموقف انعزالي  معاد لعروبة العراق والأغلبية الساحقة من شعبه.

  أما عنوان  الوثيقة الثانية " إعلان شيعة العراق " فقد صادر فورا وعلنا  وبجرة قلم إرادة  ملايين العراقيات والعراقيين ممن ينتمون الى الطائفة الشيعية بحكم الولادة أو البيئة  أو بموجب  الانتماء المذهبي وانتحلوا اسمهم وتمثيلهم جميعا بعبارة " إعلان شيعة العراق " وهذه – كما لا يخفى على كل متابع للصحافة والكتابات السياسية  - مناورةٌ مخططٌ لها   تؤكد العقلية  الشمولية والاستحواذية  للذين يقفون خلف هذه الوثيقة مهما حَسُنَت النوايا وطالت اللحى وكبرت العمائم  . هنا بالضبط ، في مصادرة تمثيل وإرادة ملايين الناس برغبة إرادوية وذاتية محضة لنفر من المثقفين وحملة الشهادات العليا ذوي النوايا الحسنة  الى جانب عدد من  أدعياء  الثقافة ورجال العشائر والسياسيين المغمورين ،  نضع أيدينا على أول آليات التفتيت الطائفي المغلف بالشعارات  الدستورية الجميلة  والكلام المنمق عن حقوق الإنسان والديموقراطية النيابية ..الخ  ولكنه يزخر في أعماقه بالمعاني والتوجهات الطائفية  القائمة على الإقصاء والشطب  لكل ما هو مختلف أو مخالف أو متميز و القيام بمحاولات  تَمَيّز على الآخرين حتى لو تعلق الأمر  بالكثرة العددية والسكانية إن لم يكن بغيرها .

  إن إدعاء تمثيل طائفة من الناس الذين يعدون بالملايين لأهداف سياسية وذاتية لا يخلو من رائحة المتاجرة بمعاناتهم  و لا يمكن تبريره أبدا بأية حجة، وهو بمثابة القاعدة الماكنة التي سيشاد عليها البرنامج الطائفي الشمولي ، ومنها تستمد  آلياته العملية طاقتها ومادتها الدافعة . إن الاستيلاء عنوة على تمثيل شيعة العراق ودون أية مسوغات سوى العواطف والرغبات الذاتية المحضة المؤججة بشهوة السلطة والتسلط  لا يختلف من حيث الجوهر والمعاني عن استيلاء النظام الشمولي الحاكم في العراق  على تمثيل الشعب العراقي و تزوير  إرادته الجماعية وطموحاته السياسية والاجتماعية عبر أكذوبة الاستفتاء ذي التسعات الأربع 99,99  بل هو  لا  يختلف عن إدعاء الأحزاب الستالينية قديما تمثيل " ومصادرة " إرادة الطبقة العاملة  أو عن مصادرة السلفيين والأصوليين  في الأحزاب والتنظيمات الإسلامية السنية لإرادة   " الأمة الإسلامية " و أحيانا لدين الإسلام  برمته .  إنها أشكال مختلفة لذات الفعل الشمولي اللاديموقراطي القادم من العصور الوسطى و مجاهيل التخلف الحضاري والذي لا يقيم أدنى اعتبار لإرادة وكرامة وعقل  الإنسان العام ( الملايين )  بل لرغباته هو كفرد أو كمجموعة أفراد  ولطموحاته الذاتية وحساباته المادية . 

    سنغض الطرف عن الركاكة و الأخطاء  اللغوية التي حكمت  هذه الوثيقة من ألفها الى يائها ،كما سنصرف النظر عن التفكك المنهجي والأسلوبي الذي أراد من خلاله نفر من الناس ، لا يختلفون عن غيرهم في شيء، وليست لديهم أية صكوك غفران أو شجرة أنساب تصلهم بجنس الملائكة ، النطق باسم ملايين العراقيين  الذين لا يجمعهم بهم  إلا  الانتماء الى طائفة دينية واحدة فطرحوا برنامجا سياسيا طائفيا من حيث الجوهر والمغزى الأهداف معطين الأولوية في الولاء – و قد ولجنا  القرن الواحد والعشرين منذ أكثر من عامين  – للطائفة الدينية  وليس للوطن أو  لهويته  العربية الإسلامية ، ولسوف نركز تحليلنا على المرتكزات الفكرية لهذه الوثيقة الخطيرة  .إنها باختصار قراءة نقدية لهذه الوثيقة من وجهة نظر تزعم الانتماء الى الموقف الوطني الديموقراطي العراقي . ونسجل - بالمناسبة  - استهجاننا للصمت المطبق وللتبريرات الجبانة التي سادت  أوساطا وأحزابا وشخصيات عراقية طالما تفاخرت بمزاعم الانتماء الى الديموقراطية والتقدم الاجتماعي والحداثة  والثقافة التنويرية والأدب الطليعي والفن الملتزم  ..الخ ونعتبر أن هذا الصمت وتلك التبريرات مساهمة لا جدال فيها في  تشغيل آليات التفتيت الطائفي للوطن  والشعب وتشجيعا غير مباشر للطائفيين والانعزاليين والمتطرفين  على التمادي في مشاريعهم  .إن الصمت وانتظار  مرور العاصفة لكي تطل علينا هذه الأطراف " البهية " فيما بعد مستأسدة  وبطولية أضحى  تقليدا " نضاليا " بائسا سئمه الجميع  .

  إذن ، فقد صادر أصحاب " إعلان شيعة العراق " إرادة ملايين العراقيين وأعطوا  لأنفسهم حق النطق باسم تلك الملايين  وليس  باسم مجموعة   الموقعين عليه ثم  راحوا  يفصلون ويخيطون المشاريع السياسية والحقوق والمبادئ على هواهم ووفق أمزجتهم وهذا أول أمر يجب إدانته بحزم لسبب بسيط  هو إن هذه العقلية الشمولية المتعطشة الى السلطة هي الرافعة التي بواسطتها سيعاد إنتاج الفاشية في العراق مستقبلا  ، والفاشية هي الفاشية فلا فرق بين فاشية معممة بعمامات سوداء أو بيضاء أو خضراء وفاشية  أخرى حاسرة الرأس وثالثة بقبعة جنرال طالما كان الإنسان هو الضحية والمستهدف .

التمييز الطائفي :

  قبل الدخول في تفاصيل " إعلان شيعة العراق " المضمونية نود الإشارة الى أن هذا الإعلان  ليس جديدا تماما إذْ  تحدثت  أوساط إسلامية عراقية  تصف نفسها بأنها "غير طائفية " عن أن الخطوط العريضة  لمشروع " إعلان شيعة العراق " كانت قد طرحت قبل بضعة أشهر من عدوان " ثعلب الصحراء "سنة 1998 من قبل سياسي عراقي معروف كان  من المقربين من قيادة حزب المؤتمر " بقيادة الجلبي "  ومن الإدارة الأمريكية و لا يمكننا ذكر اسمه في الوقت الحاضر  طالما يتعلق الأمر  بأحاديث ومعلومات عامة وليس بحدث موثق بأدلة  غير أن  من الطريف والغريب أن تذكر تلك الأوساط أن الشخص الذي يعتبر نفسه اليوم المحور العملي في حركة "إعلان شيعة العراق " والذي يبذل حاليا  جهودا خارقة حقا للاتصال بالعراقيين " الشيعة " والجهات الدولية والمنظمات الرسمية و غير الرسمية لتمشية المشروع ورفع ثمنه السياسي وهو نفسه  الذي عارض وعادى قبل  عدوان " ثعلب الصحراء " هذا  المشروع في طبعته الأصلية واتهم من يقف وراءه بالطائفية ومحاولة تمزيق الوحدة الوطنية ! هذا على الأقل ما ذكرته لنا شخصية إسلامية شيعية مستقلة وتحمل شهادة علمية كبيرة  ومعروفة بنزاهتها وثبات وقوة  مواقفها المعادية للنظام الشمولي وللعدوان الأمريكي على بلادنا  . ثم إن الإعلان يعترف جزئيا بهذه الحقيقة وإنْ مواربة حين يقول في تصديره أن عمر الإعلان أكثر من عامين .

   يجعل  " إعلان شيعة العراق " معالجة التمييز الطائفي من أول أهدافه ومهماته .وهو يقصد - إذا ما توخينا التبسيط والتوضيح  - إزالة التمييز الطائفي الذي يمارسه الحكم السني ضد الأغلبية الشيعية . صحيح إن الإعلان يعترف بعدم وجود اضطهاد اجتماعي  أو عداء تمارسه الطائفة السنية ضد الطائفة الشيعية في العراق ولكنه ولأغراض سياسية ، ولجهله بآليات اشتغال الظاهرة الوطنية العراقية الحديثة طوال ثلاثة قرون مضت ، وبآليات نشوء الظاهرة  الطائفية قبل أكثر من ألف عام ،  وبالبون الشاسع بين التجليات المختلفة لهذه الظاهرة في العراق وبين طبيعتها  وتجلياتها الأخرى في بلدان أخرى كلبنان أو البحرين أو إيران  .. الخ .صحيح أن "الإعلان"  يعترف بعدم وجود اضطهاد من الطائفة السنية ضد الطائفة الشيعية  ولكنه يرتكب خطأين كبيرين في سياق كلامه حول الموضوع  . الأول : هو اعتباره النظام الحاكم اليوم  في العراق نظاما طائفيا سنيا معاديا للشيعة وهذا غير صحيح ,فالنظام الحاكم اليوم هو ذو  طبيعة شمولية دكتاتورية يضطهد جميع فئات وطوائف وطبقات المجتمع وليس طائفة واحدة . ومع ذلك يمكن الإتيان بأدلة كثيرة من تاريخ وتفاصيل  قمع واضطهاد النظام على وجود "نزعة طائفية معادية للشيعة"  لدى بعض أركانه كما يمكن الإتيان بأدلة وأسماء تؤكد على وجود غبن وحيف حلاّ بالطائفة الشيعية منذ استيلاد المملكة العراقية الهاشمية  في 1921 وحتى اليوم ،ولكن من غير الممكن نظريا وممارساتيا وصم النظام بالطائفية واعتباره هو أو أي نظام سبقه منذ تشكيل الدولة العراقية المعاصرة نظاما طائفيا . إن وصم النظام، أي نظام ، بالطائفية أي اعتباره " نظام طائفي ناجز  ومكتمل الصفات والمكونات " وليس بالنظام ذي النزوع الطائفي ، وبين التعبيرين فرق شاسع لن يدركه بسهولة السادة  هواة السياسة وصك البيانات الإنشائية، إن هذا الوصم  يتطلب على الصعيد السوسيولوجي والسياسي العلمي أمرين لا وجود لهما على أرض واقع الحال  . الأول، هو  وجود دستور طائفي  أو على الأقل مرتكزات وشبكة قوانين مصاغة على أساس طائفي وهذا أمر لا وجود له بتاتا  في حال العراق . فالدستور العراقي والوثائق الرسمية المشابهة لا أحلى ولا أجمل و لله الحمد! بل هي  أكثر توازنا وديموقراطية من الناحية اللفظية أحيانا من ديموقراطية " الإنكليز "  !  أما في الممارسة السياسية العملية فنحن إزاء  تشكيلات حزبية  فاشية تسيطر على دولة غنية ومسلحة حتى الأسنان وهذه الدولة  تلتهم المجتمع التهاما ولا تستند في أدائها الى أي قانون أو كتاب سماوي أو أرضي . وببساطة أكثر نسأل أصحاب الإعلان الشيعي : هل خص النظام بقمعه واضطهاده الطائفة الشيعية  وجعله محكورا عليها فقط ؟ هل مارس هذا النظام  التمييز الطائفي بالدرجة الأولى أو التمييز الحزبي " البعثي " فكان الضحايا من السنة والشيعة والمسيحيين غير البعثيين وكان  الجلادون من السنة والشيعة والمسيحيين البعثيين ؟

   الأمثلة العملية والتاريخية لممارسات النظام كثيرة ويعرفها العراقيون  وتؤيد ما ذهبنا إليه، وهذا الذي ذهبنا إليه لا ينفي الحيف الذي لحق بالشيعة ولا يعني إنكار وجود التمييز الطائفي ضدهم ، وأحيانا ضد المسيحيين ، ولكن السؤال هو : لأي تمييز ينبغي أن نعطي الأولوية وقوة الحضور، للتمييز الناتج عن نزعة طائفية محدودة أم للتمييز السياسي الحزبي الناتج عن شمولية النظام الحاكم ودكتاتوريته ؟ نترك الإجابة على هذا السؤال للقارئ الذي يعرف التفاصيل  و ننتقل الى مناقشة الخطأ الثاني وهو إن أصحاب "إعلان شيعة العراق" الساعين الى إلغاء التمييز الطائفي يمارسون هذا التَمْييز أو للدقة التَمَيّز  الطائفي ويدعون إليه في أحد بنود إعلانهم ، وضمن الحقوق السياسية، حين يقولون بوجوب أن ( ينص الدستور العراقي على أن أغلبية الشعب العراقي هي من الشيعة ) إذا لم يكن هذا الفعل  تمييزا طائفيا فهل يمكن اعتباره تمييزا طبقيا  أو فلكلوريا  أو زراعيا ؟ ولماذا الإشارة الى كون الشيعة أغلبية فقط ؟ أعني ، لماذا لا يشار الى أن العراقيين العرب يشكلون أغلبية أكبر من تلك المنتسبة الى الولاء الطائفي ؟ أليس الانتماء القومي هو ما يحدد هوية الوطن والشعب في جميع أرجاء العالم  ؟ ولماذا لا يشار الى أن السنة أقلية وأبناء الديانات الأخرى الذين لا تتجاوز نسبتهم مجتمعين الخمسة بالمائة ؟ أليست المساواة بذكر نسب جميع الطوائف جميعا  أفضل من  الاكتفاء بنسبة الطائفة الدينية  الغالبة و " تمييزها " عن سواها ؟ وهل يعقل إن إعلان وتثبيت  الأغلبية الشيعية دستوريا جاء عفويا  هكذا لوجه العدالة وفعل الخير وما ثمة خلفه مآرب أخرى ؟ فإن كانت الإجابة بالنفي وجب ذكر تلك المآرب دون لف أو دوران ، أما إذا كانت الإجابة بالإيجاب وجب حذف هذا المطلب على اعتبار أنه نافل ولا ضرورة له إن لم يكن استعادة عملية للتمييز والتمايز الطائفي نفسه .

من هو الشيعي :

يعرف أصحاب " إعلان شيعة العراق " الشيعي بالقول أنه ( كل فرد له ولاء أو انتماء الى مذهب آل البيت ) والواقع فإن هذا التعريف لا علاقة له من قريب أو بعيد بأي نوع من العلوم الاجتماعية والسياسية .. فما معنى ولاء أو انتماء وأي شيء يقصدون بهاتين الكلمتين ؟ وأين يقع الولاء لمذهب ديني طائفي لمواطن معاصر ضمن سلسلة الولاءات وشبكة العلاقات الاجتماعية المعقدة و ما ترتيب وأهمية هذا الولاء الطائفي، هل يأتي قبل أو بعد الولاء للوطن أو الأمة أو المدينة أو القبيلة  أو الحقيقة أو الذات الفردية العميقة ؟ وإذا ما حدث تناقض أو تصادم بين مصلحة الوطن ومصلحة الطائفة وهذا ممكن جدا وجائز الحدوث فكيف ينبغي على الفرد أن يتصرف ؟ لا نعتقد أن أسئلة محددة كهذه قد خطرت ببال محرري بيان الشيعة لهذا "خصموا"  المسألة بالانتماء والولاء لمذهب آل البيت وانتهى الأمر . إن أبسط تعريف  ذي محتوى علمي يمكن لنا أن نعرف به الشيعي  كأي عضو في طائفة دينية يمكن أن يقول أنه المواطن المشمول  بعضوية الطائفة الشيعية الإمامية ( تمييزا له عن الشيعي الزيدي  أو الشيعي الإسماعيلي أو الدرزي أو العلوي ) بفعل الولادة أو البيئة أو الانتقال الإيماني من مذهب الى آخر . وقد يكون الشيعي شخصا مؤمنا مؤديا للفرائض والطقوس الدينية الطائفية وقد لا يكون، وقد يكون واعيا لكونه عضوا في الطائفة فيكون " شيعيا لذاته" وأمثاله أقلية  وقد لا يكون فيصبح شيعيا " في ذاته " وأمثاله أكثرية، وقد يكون الشيعي إقطاعيا  صادرت ثورة 14 تموز 1958  بعض أراضيه فعاداها وعادى زعيمها عبد الكريم  قاسم،  وقد يكون الشيعي فلاحا مدقعا أعادت له حكومة قاسم بعضا من حقوقه وكرامته الإنسانية فأيدها وضحى من أجلها .

   باختصار، يمكننا القول أن الشيعي ليس معطىً منتهيا وجامدا ومن بعد واحد ،حاملا لصفات ثابتة وأبدية ، بل هو  إنسان مشروط بتاريخيته وحياته الحقيقية وظروفه المادية والمعنوية فلا يمكن اعتباره كائنا شيعيا فقط لا غير . أما  الأكثر بلبلة وفقدانا للعلمية فنجده في قول أصحاب الإعلان (أن الاضطهاد الذي مارسته الأنظمة الطائفية ساهم في تحول الشيعة الى كيان اجتماعي له خصوصياته .. ) أي معنى أو محتوى لهذا الكلام ؟ كيف يمكن للاضطهاد أي ينشئ أو يكون كيانا اجتماعيا هو الطائفة ؟وهل يمكن التعامل مع الظواهر المجتمعية بهذه الخفة وهذا الاستسهال الذي يتقنه محررو البيانات السياسية وأصحاب الصفقات والمشاريع الحزبية الطائفية ؟  لقد تم تناول الظاهرة الطائفية في دراسات علمية متخصصة كثيرة وقد  ساهم كاتب هذه السطور بالاشتراك مع المفكر العراقي الراحل هادي العلوي  في واحدة منها هي ( الظاهرة الطائفية في العالم العربي العراق أنموذجا نشرت أجزاء منها في كتاب / المرئي واللامرئي  في الأدب والسياسة . ) حيث توصلنا عن طريق التحليل التاريخي المجتمعي الإمبريقي  الى أن الطائفة الشيعية والظاهرة الطائفية  في العراق لم تنشأ حديثا وبفعل اضطهاد الأنظمة المتعاقبة في العهدين الملكي والجمهوري لقد تبلورت الظاهرة الطائفية ومرادفاتها من أشكال الاضطهاد والرموز الاجتماعية خلال قرون طويلة رصدنا بداياتها منذ الخليفة المتوكل العباسي و شاعره الطائفي علي بن الجهم . واعتبرنا أن سيرورة نشوء الطائفة الشيعية الإمامية مرت بأطوار مختلفة العمق والمديات وأنها حين تكرست أخيرا فقد كانت تختلف عن شكلها ومحتواها في بلدان أخرى. بكلمات  أخرى ، فإن الطائفة الشيعية في العراق تختلف نوعيا عن الطائفة الشيعية في لبنان أو البحرين أو إيران   . لقد مارست آليات تشكل الكيانية " الوطنية " العراقية خلال القرون الثلاثة الماضية تأثيرا خاصا عليها، جعلها تأخذ شكل الهامش إزاء النص الوطني والانتماء العربي العراقي إلا لدى أقلية من ذوي الأصول والولاءات الفارسية الذين لا يعتد بوزنهم السياسي  . وعلى هذا، وبسببه ، فإن الكلام عن اندماج طائفي وتمركز للخصوصيات الكيانية المجتمعية بفعل الاضطهاد السلطوي كما يذهب أهل "الإعلان الشيعي " لا يمكن القطع بصحته  ومغزاه التاريخيين  .كما إن من الأمور التي يجهلها  أغلب العراقيين السنة والكثيرون من الشيعة هي أن المخاوف من هيمنة إيرانية بمساعدة العامل الطائفي على الحالة الشيعية العراقية أمر خاطئ جملة وتفصيلا . ويبدو أن هذا الخطأ قد تحول الى نوع من الفولكلور الصحافي لدى بعض الصحافيين العرب ومثال ذلك نجده في مقالة للصحافي اللبناني فيصل جلول نشرتها جريدة " النهار " عدد 26/6/2002 كرر فيه تلك المعزوفة العقيمة عن الهيمنة الإيرانية والنفوذ الشديد الذي تحتفظ به إيران  على  الجنوب العراقي " الشيعي ". فتاريخيا لم يكن العراق هو المنفعل بالعامل الإيراني بل العكس هو الصحيح .

 

وللحديث صلة .



#علاء_اللامي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عروبة العراق وحقوق الأقليات :حول التناقض المفتعل بين هوية ال ...
- الى موقع عراق نت والمسؤولين عنه
- باقر الصراف وجماعة - التحالف الوطني- : محاولات بائسة لتشويه ...
- ردا على كوردة أمين :حول الابتزاز باسم العداء للكرد والشيعة : ...
- النزعة العراقوية من الجاحظ إلى عبد الكريم قاسم .
- كركوك والموصل في الكعكة السياسية : حين تتحول الأوهام الشوفين ...
- توجان الفيصل ..سلاما !
- ثقافة المقاومة في مواجهة ثقافة العبودية :قراءة في رسالة مفتو ...
- ثقافة الذبح العشائرية : و نقتل الأكراد مجانا..!!
- لتكن "كركوك" أنموذجا لعراق المستقبل والسلام والمواطنة الحقة
- بعد السماح للعراق باستيراد الفؤوس والرماح : هل سينتهي العراق ...
- الإسلامي "عبد الله نمر درويش " والتنازل عن حق العودة :لمصلحة ...
- حول دعوة وفيق السامرائي لتوطين الفلسطينيين في العراق: الهاجس ...
- هل يبحث صدام عن الشهرة حقا؟
- أخلاقيات العمل المقاوم واستهداف المدنيين الأبرياء .
- جلاد مقاديشو هل يصنع السلام في فلسطين ؟
- هوامش على دفتر المذبحة
- الحوار الكردي الفلسطيني
- لم يبقَ إلا مطالبة شارون بقطع العلاقات مع الدول العربية !
- الهاتف الرئاسي العربي بمواجهة دبابة مركافاه الصهيونية


المزيد.....




- أين بوعلام صنصال؟.. اختفاء كاتب جزائري مؤيد لإسرائيل ومعاد ل ...
- في خطوة تثير التساؤلات.. أمين عام الناتو يزور ترامب في فلوري ...
- ألم الظهر - قلق صامت يؤثر على حياتك اليومية
- كاميرا مراقبة توثق لقطة درامية لأم تطلق كلبها نحو لصوص حاولو ...
- هَنا وسرور.. مبادرة لتوثيق التراث الترفيهي في مصر
- خبير عسكري: اعتماد الاحتلال إستراتيجية -التدمير والسحق- يسته ...
- عاجل | نيويورك تايمز: بدء تبلور ملامح اتفاق محتمل بين إسرائي ...
- الطريقة المثلى لتنظيف الأحذية الرياضية بـ3 مكونات منزلية
- حزب الله يبث مشاهد استهداف قاعدة عسكرية إسرائيلية بصواريخ -ن ...
- أفغانستان بوتين.. لماذا يريد الروس حسم الحرب هذا العام؟


المزيد.....

- الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات / صباح كنجي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل ... / الحزب الشيوعي العراقي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو ... / الحزب الشيوعي العراقي
- المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت ... / ثامر عباس
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11 / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3 / كاظم حبيب


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - علاء اللامي - حساب الإيجابيات والسلبيات في -إعلان شيعة العراق - : آليات التفتيت الطائفي والموقف الوطني الديموقراطي منها .