|
سيد محمود القمني : بلادنا لم تعرف نظام الدولة العلمانية منذ فجرتاريخنا و حتى اليوم
مازن لطيف علي
الحوار المتمدن-العدد: 2850 - 2009 / 12 / 6 - 12:45
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
لاتزال كتب الدكتور سيد محمود القمني ضمن قائمة الممنوعات في أغلب الدول العربية بعد ان احدثت كتبه وافكاره إشكالية بين رجال الدين.. خاض القمني في تاريخ الاسلام وفتح الطريق للباحثين بكشف خفايا لايمكن المساس بها كونها من المحرمات التي لايمكن التطرق والحديث اليها.... تناولت معظم اعماله الأكاديمية منطقة شائكة في التأريخ الإسلامي. في حوارنا معه يذكر القمني ان العلمانية تعلي من قيمة الإنسان الفرد و كرامته إلى أقصى مدى ، و أن مصلحته فوق كل اعتبار بما فيها أمنه و سلامته و حقه فيما يعتقد و يقول ، و حريته الكاملة بما لا يخالف العقد الإجتماعي الحقوقي المقبول من الجميع ، فإن الفصيل الديكتاتوري العسكري أو العائلي ، والفصيل الإسلامي ، يتفقان على مشترك لا مساومة عليه تعلى من قيمة الجماعة الأمة على حساب الفرد و كرامته و حريته و حقوقه ، فالهدف الأعظم هو الجماعة الأمة أمام أعداء موجودين باستمرار ، وأن لم يوجدوا فإنه يتم خلقهم خلقاً . و بسبيل ذلك تم إهدار كرامة المواطن و الخوض في دمه و عرضه و عقله ، فهو لا يريد و لا يفكر و لا يرى بل و لا يوجد إلا من خلال الجماعة و بموافقتها. صدر له العديد من الكتب منها: 1_ لإسلاميات ، و يحوي ثلاثة أجزاء : الحزب الهاشمي ، حروب دولة الرسول ، النسخ في الوحي – النبي موسى و آخر أيام تل العمارنة ، أربعة أجزاء – الأسطورة و التراث – شكراً بن لادن – أهل الدين و الديموقراطية – قصة الخلق – رب الثورة – رب الزمان – السؤال الآخر – الفاشيون و الوطن – النبي إبراهيم و التاريخ المجهول إضافة إلى كتاباته بالدوريات العربية الورقية و الإلكترونية.. كان معنا في هذا الحوار:
كيف نستطيع فك التلازم الذهني بين العلمانية و الأنظمة الدكتاتورية العربية التي حكمت باسم العلمانية ؟ إن التلازم بين العلمانية و الدكتاتوريات العربية ليس تلازماً ذهنياً إنما هو من قبيل الشعارات الكاذبة التي يطلقها السلفيون على العلمانية ، لتكون هي التجربة الماثلة أمامنا كتجربة علمانية ، و عادة ما يضيفون أننا قد جربنا النظام الديموقراطي الليبرالي في بعض البلاد العربية مثل مصر قبل سنة 1952 ، و كان نظاماً فاسداً و لم يردع الأسرة المالكة عن الفساد و بيع الوطن أحياناً ، و جربنا النظام الاشتراكي في الزمن الناصري و لم يجر علينا سوى الخراب ، و جربنا نظام الإنفتاح الإقتصادي السوقي فتحولت البلاد إلى مرتع لكل ألوان الفساد ، و عليه لا يبقى سوى اللجوء للحل السماوي الذي وضعه خالقنا و يعلم بشئوننا أفضل منا ، لا يبقى سوى أن يكون الإسلام هو الحل ، و هو الشعار الأكذب من أخيه الأول الذي يقول أن الأنظمة الديكتاتورية القائمة هي أنظمة علمانية ، كان الموجود طوال الوقت هو فريسة تتنازعها ديكتاتوريتان ، دكتاتورية العسكر و الأنظمة المستبدة ملكية أو جمهورية ، و ديكتاتورية رجال الدين . إن التمييز و الفصل بين رجل الدين و رجل الحكم ليس كافياً ليكون النظام علمانياً ، و عدم تطبيق الجز و السلخ باسم الشريعة لا يعني العلمانية ، لأن الشريعة تنص على الجز و السلخ ، و لأن الحكومات تطبق الجز و السلخ ، و هو مشروع عند كليهما و إن كان عند أهل الدين يستمد مشروعيته من السماء ، و عند العسكر يستمد مشروعيته من منطق القوة الخليفي الغاشم الذي لا تقبل إرادته رداً . إنما لابد أن يكون رجل الدين و الدين نفسه خارج المجال الاجتماعي العام المشترك بين أبناء جميع الملل و النحل و العناصر و الأعراق و الألوان . أي أن ما يجمع المجال العام و يحدد له عقده الإجتماعي و نظامه السياسي و الحقوقي هو الصالح العام لأبناء المجتمع كله . بينما الحادث في البلدان العربية المزعوم أنها علمانية ، أن رئيس الدولة و الوزراء لا يلبسون الزي الديني و لا يرفعون شعارات دينية ، بينما الواقع أننا نعيش ذات النظام السياسي الخليفي ( من الخلافة ) ممتداً حتى اليوم ، و هو اللا نظام نفسه ، فكان يمكن أن ينتقل العرش للأخ و ليس للابن أو لابن العم أو لأى متغلب بالقوة ، لم تكن هناك قاعدة واحدة ، فهناك تبادل السلطة بالسم و بالخنجر و بالسيف و بالانقلاب و بالتوافق و بالبيع و الصفقات و المقاصات الاقتصادية بين مجموع المنتفعين ، و أحياناً باختراع مذهب جديد يكون ديناً يعيد تجربة الإسلام الأول ، و يقيم دولته حيثما يمكن ، كما كان عند الفاطميين و الأخشيديين و الأيوبيين و القرامطة و الإسماعيلية و الشيعة و السنة و ..... إلخ . و عندما فرق معاوية في فجر الإمبراطورية بين إقامة الصلاة و بين الرئاسة / الخلافة ، و ترك إمامة المسجد للشيخ ، لم يقم دولة علمانية ، و إنما أنشأ بهذا الفصل المبكر شعرة معاوية بين الطرفين ، فكلاهما طرف صراعي مع الآخر لكن مصالحهما مرتبطة بتواجد أحدهما في السلطة الرسمية الدنيوية ، مستمداً مشروعيته من الإمام أو السلطة الدينية . و كلما استقوى أحدهما أراد نزع مزيد من الأوراق من يد الآخر ، لكنهما أبدً لا يستغنيان عن بعضهما البعض ، بل أن احتمالات اندماجهما عبر التاريخ كانت هي الأرجح من أى انفصال ، بل أن كلاهما لا وجود له دون الآخر ، و لعل أبرز نماذج ما يسمونه تجربة علمانية اشتراكية كان النموذج الناصري ، و بنظرة سريعة ستجد جماعة الضباط الأحرار الذين قاموا بانقلاب يوليو 1952 هي بالأساس ذات منشأ إخواني ، فكان معظم الضباط أعضاء في الجماعة ، و عندما كانت جماعة الضباط تحت قيادة عزيز المصري عين عبد المنعم عبد الرؤوف ضابطاً للاتصال بين الإخوان المسلمين و الضباط الأحرار كعضو متوافق عليه في الجماعتين العسكرية والدينية ، و معلوم ما جرى من تنسيق بين السادات و حسن البنا في عام 1942 لللتوافق على تأييد النازية الألمانية و الفاشية الإيطالية ، و معلوم أيضاً أن جمال عبد الناصر اتهم بتدريبت كوادر إخوانية لحمل السلاح و الاشتراك في جرائم اغتيال و لم تثبت عليه التهمة . في الوقت الذي كان فيه صالح أبو رقيق الزعيم الإخواني ينقل بسماعدة عبد الناصر الأسلحة المهربة من معسكرات الجيش إلى عزبة القيادي الإخواني حسن العشماوي بالشرقية ، و معلوم أيضاً أن الفريق الوحيد الذي تمت إحاطته بموعد قيام الضباط بالانقلاب على الملك كان الفريق الإخواني ، و تم ذلك في مقابلة بين ( أبو رقيق ) و جمال عبد الناصر و كمال الدين حسين . و بعد نجاح الانقلاب تم حل جميع الأحزاب الشرعية مع استثناء جماعة الإخوان من الحل ، و تم اشتراك ثلاثة من قيادات الإخوان في حكومة يوليو بزعامة محمد نجيب . قرر الإخوان تجربة جس نبض بتوتير شعرة معاوية ، عندما اشترطت الحكومة الجديدة على جمعية الإخوان الاقتصار على الدعوة الدينية دون التدخل في شئون السياسة ، فكان أن شد الإخوان شعرة معاوية بطلب يؤكد وجوب عرض أى قرار للحكومة على مكتب المرشد العام لأخذ الموافقة عليه من عدمه . و لم يخل مبدأ شعره معاوية من أدواته التاريخية من عمليات اغتيال و اعتقال و تصفية بين الأطراف المتصارعة المتحالفة ، كما حدث في محاولة اغتيال ناصر في المنشية . استمر الإرخاء و الجذب من كلا الطرفين حتى استقوت السلطة الدينية بما أصبحت تملكه السلطة العسكرية من أدوات توجيه الرأى العام ، نتيجة للهزيمة الماحقة للنظم العسكرية القومية المحيطة باسرائيل ، فكان أن سلمت السلطة المهزومة أدوات توجيه الرأى العام لأهل الدين الأزاهرة و كلهم إخوان ، من أجل تهدئة الخواطر و صرف الجماهير عن السياسة إلى شئون الحجاب و الحيض و النفاس . فكانت الفرصة المثلى التي انتظرها الإمام طويلا ، فكان أن تحول الشارع إلى هذيان أصولي مفجع ، حتى بات واضحاً أن الخليفة خليفة ، لأنه بأمان طالما الإمام راض عنه ، لتفرض وجودها و تفرز نظاماً موازياً بالكامل في شكل حكومة ظل تصدر التشريعات و الفتاوي و تأمر بالقتال و تجيش الجيوش و تحارب دولاً أخرى ، و لولا ضربة سبتمبر 2001 ضد أمريكا و إفاقة العالم على الكارثة التي شارك في صنعها ، لربما ظل سوء الظن بأى مستقبل قائماً و مستسلماً لقدره الأحمق . و بينما العلمانية تعلي من قيمة الإنسان الفرد و كرامته إلى أقصى مدى ، و أن مصلحته فوق كل اعتبار بما فيها أمنه و سلامته و حقه فيما يعتقد و يقول ، و حريته الكاملة بما لا يخالف العقد الإجتماعي الحقوقي المقبول من الجميع ، فإن الفصيل الديكتاتوري العسكري أو العائلي ، والفصيل الإسلامي ، يتفقان على مشترك لا مساومة عليه تعلى من قيمة الجماعة الأمة على حساب الفرد و كرامته و حريته و حقوقه ، فالهدف الأعظم هو الجماعة الأمة أمام أعداء موجودين باستمرار ، و أن لم يوجدوا فإنه يتم خلقهم خلقاً . و بسبيل ذلك تم إهدار كرامة المواطن و الخوض في دمه و عرضه و عقله ، فهو لا يريد و لا يفكر و لا يرى بل و لا يوجد إلا من خلال الجماعة و بموافقتها . و على الجميع اعتناق عقيدة الأمة المتميزة بلسانها و دينها و رسالتها الخالدة ، و أن يقبل و يعمل بتشريع سلطتين كاملتي الديكتاتورية ( سلطة الخليفة و سلطة الإمام ) حتى و لو تناقضتا أو تصارعتا ، ففي كل الحالين علينا التسليم بأن دورنا التاريخي يظل هو دور الفريسة ، التي حتى لو قدر لها يوماً أن تختار فلن تجد في سوقنا السياسي معروضاً سوى إحدى الدكتاتوريتين ، و أحلاهما مر ، بعد أن تعاظم دورهما بفضل التقدم العلمي في وسائل الإعلام و الاتصال الذي أصبح سلاحاً هائلاً في توجيه الرأي العام حتى لو ضد مصالحه ، و السيطرة على عقل المواطن و روحه ، و هو سلاح يجعل انتظار صحوة شعوبنا على حالها و وعيها بما يجرى لتؤدي دورها . انتظاراً طويلاً ، بعد أن أمكن تحريك الناس ضد مصالحها ، و بعد أن قام الشباب يفجرون أنفسهم وسط أهلهم في بطن وطنهم ، بعد أن أصبح الناس يتظاهرون من أجل فلسطين و ضد الاحتلال الأمريكي للعراق ، و لا يتظاهرون من أجل كرامتهم المهدورة ، و حقوقهم الإنسانية ، و قوتهم و عرقهم المسلوب من ممثلي السماء خلفاء و أئمة . لأنهم مسكونون بعقيدة الأمة والجماعة ، و هي عقيدة كانت لازمة في زمانها الذي ذهب و ولى ، لكن الخليفة و الإمام و ما بيدهما من وسائل توجيه و تعليم و إعلام يضعون تلك العقيدة على أول درجة في سلم القيم كلها . لأنها أثبتت جدارتها الاستبدادية ، أما أصولها التاريخية فتعود إلى سبب واضح فصيح و هو أن الإمبراطورية العربية الأولى قامت على احتلال دول المحيط و تعريبها ثقافة و لغة و ديناً ما أمكن . و لأن لهذه البلاد مباينة ، فقد تم ترسيخ عقيدة الأمة التي هي فوق جميع الأفراد ، كالقبيلة تماماً ، خروج أى فرد منها يعني تمزيقها ، و المروق على سلطتها خيانة عظمى ، و مطالبة المواطن بحقوقه فتنة تهدد وحدة القبيلة ، ناهيك عما تفتحه النزعات الحرة من تفتيت وحدة الأمة و تشرذمها و ضعفها ، لذلك هي لون من الشعوبية الملعونة من الخليفة و الإمام و الأزهر و الإخوان و الناصريون و كل الأطياف القومية العربية و المؤمنون و المؤمنات و الله و ملائكته من بعد ذلك ظهيراً . و بسبيل الحرص على عدم الفتنة و وحدة الجماعة ، فإن الدرس التاريخي للخلافة يقول أن سيادة عنصر على بقية عناصر المواطنين و سيادة طائفة على بقية طوائف المواطنين ، كان ثقيلاً طوال التاريخ بالهدوء النسبي و عدم القلاقل ، فالأقلية مقموعة بالأكثرية ، و الأكثرية مقموعة بالخليفة و الإمام ، حتى تنام الفتنة ، لعن الله من أيقظها ، و إذا كانت حكومات الاستبداد في بلادنا علمانية ، و ليكن نموذجنا الناصرية ، ففي زمن عبد الناصر تم الانتصار لطائفة العرب المسلمين ، فوضعت وزارة الأوقاف الإسلامية يدها على الأوقاف المسيحية للصرف منها على الأزهر الذي أصبح مسئولاً بقرارات رئاسية عن الإسلام و الأمة ورقيباً عليها و حليفاً لخليفتها ، مع تحويله إلى جامعة للعلوم الوضعية إلى جوارالعلوم اللاهوتية في خطوة تبدو علمانية ، لكن مع قرار بمادة رقم 111 من الباب الخامس لقانون الأزهر يقصر دخول كلياته على المسلمين وحدهم ، مع ملاحظة أشد بروزاً و هي أن أعضاء جماعة الضباط الأحرار لم تضم مسيحياً واحداً . و أصبحت مشيخة الأزهر تتم بتعيين بقرار جمهوري ، و تم منح كبير المشايخ لقب ( الإمام الأكبر ) فأصبح الإمام فوق كل إمام . و قبل يوليو 1952 لم يكن في مصر كلها سوى مدارس ابتدائية و ثانوية تتبع الأزهر ، فتم تفخيم هذه المدارس مع الثورة المباركة و أصبحت معاهد أزهرية وصل عددها إلى حوالى عشرة آلاف معهد ، و أقام القوميون في كل بلدانهم إذاعات للقرآن و التفسير ، و أقاموا رابطة العالم الإسلامي ، و عندما كان الشأن يصل إلى نقطة حرجة كان التحالف يبرز واضحاً ، فيذهب عبد الناصر ليعلن من عليّ منبر الجامع الأزهر الحرب على العدوان الثلاثي . هذه نماذج و عينات و أمثلة منها بحر زاخر اكتفينا منه بهذا المدد لتأكيد أن بلادنا لم تعرف نظام الدولة العلمانية منذ فجرتاريخنا و حتى اليوم عدا حالات كانت تعد شذوذاً على القاعدة و خروجاً عن السائد و المؤلف ، بل و خروجاً على قوانين زمننا الراكد المختلف تماماً أزمنة بقية شعوب العالم .
ما سبب إبتعاد الاستاذ القمني عن الاعلام والمهرجانات الثقافية؟ معك حق فأنا شديد الإقلال في قبول دعوات كثيرة لمنتديات محترمة أجلها ، و أيضاً مقل بشدة في قبول الدعوات بالأجهزة الإعلامية ، رغم ما أعلمه أن الميديا اليوم هي السبيل الأمثل للتثقيف العام ، لكني مع الأسف مضطر إضطراراً إلي تكرار مسألة ظروفي الصحية التي أداريها في بيتي و أكتب وقتما تسمح به هذه الظروف ، بعكس المنتديات و التليفاز فأي إنهاك بسيط يؤدي بي إلى غيبوبة و هو الأمر غير المرغوب في المنتديات العامة أو الشاشة الصغيرة ، و لكن ما يعزيني إني أستطيع أن أشحذ هذه الصحة بين فترة و أخرى و عادة ما تكون اللقاءات ساخنة و هامة وحميمية أو متوترة ، لكنها في النهاية تؤدي إلى نجاحات في وصول صوتنا إلى أصحاب المصلحة فيه ، يعزيني أيضاً أن أرى أفكاري تطرح على الشاشة وأحياناً من قبل أعداء أيديولوجيين ، أعادوا النظر في شأنهم و راجعوا أفكارهم وفق طروحاتي التي حاربوني عليها و كفروني بها قبلاً و لتنظري إلى مراجعات الجماعة الإسلامية و مراجعات جماعة الجهاد للسيد فضل ، و هي كلها عودة لقراءة تراثنا كما سبق و قدمت فى أعمالى من اقتراحات و نماذج شكلت قاعدة لهذه التراجعات ، و أحياناً بذات الشروحات و نفس التفاصيل ، رغم أن هذه المراجعات التى يقدمونها لنا هذة الأيام لازالت بحاجة إلى مراجعات أخرى ، و لا يشغلني إن تم ذكري هنا من عدمه ، فما يشغلني أن الفكرة قد وجدت من يتبناها و ينافح عنها ، بل و تبناها من كانوا يوما ألد أعدائها ، و هنا المكسب العظيم و الحقيقي ، لأنه مكسب للوطن أجمع .
يُكَفِر العديد من رجال الدين الاستاذ القمني ، برأيك ماهو سبب هذا التكفير؟
لإن هؤلاء المتشددين لا يقرأون لنا عادة ، لأنهم على يقين أن شخصاً مثلى هو بالضرورة بلا أخلاق أولاً و بداية ، على اعتقاد أن السمو الأخلاقي يرتبط بالتقوى الدينية تحديداً ، و أن غير الأتقياء يتم تحديدهم و تعريفهم بمدى مخالفتهم للسائد المأثور حتى لو كان هذا المأثور باطل الأباطل و قبض الريح ، فتحول الدين إلى عادات و تقاليد مأثوره تعود إلى اجتهادات دون اجتهادات أخرى ، و هي في النهاية كلها اجتهادات غير مقدسة ، لأن الوحي لم ينزل مع جبريل عليهم فقد وقفت الأقلام و جفت الصحف ، لذلك فأي اجتهاد هو بشري يصيب و يخطئ ، لا يتمتع بأي قدسية فهو كاجتهادنا في التشريع المدني لأنفسنا بقوانين و ضعية تناسب ظروفنا و مصالحنا اليوم ، لأن كل الاجتهادات في النهاية وضعية جميعاًُ كأي فكر وضعي آخر . هم لا يقرأون لنا بحسباننا نحمل سموماً فكرية سرية سحرية تتسرب إلى عقله فتربكه ، و أننا بذلك نمارس فعلاً شيطانياً بدأه ابن سبأ زمن الخليفة عثمان ، و لا زال مستمر فينا نحن العلمانيين . و مادمنا نطلب الأخذ بأساليب التمدين الغربي في بلادنا تأسيساً على ثبوت نجاحها أينما طبقت ، فإن ذلك إنما يعني من جهة أخرى أنناعملاء لهذا الغرب و نتربح منه الأموال لترويج أفكاره الهدامة في بلادنا . من هذا المنطق لا يقرأون لنا إلا إذا ركبت الحمية أحداً ممن تصادف و قرأ ليقدم به بلاغاً للنيابة أو لمركز البحوث الأزهري ، هنا ينتبهون و يقومون بتقييم الموقف حسب رؤية مذهبية أحادية شديدة الضيق و شديدة الارتكان إلى المظهر و التقليد مع إدانة المخبر و أي تجديد . إستقالتك التي قلت فيها " اعلن استقالتي ليس من القلم وحسب ، بل ومن الفكر ايضاً" هل وجه لحضرتك تهديد لكي تعلن استاقلتك وتبرأتك من كتبك وافكارك؟ وما سبب عودتك للكتابة مرة ثانية ؟
أولاً أنا لم أعلن أني سأتوقف عن التفكير أو الكتابة ، إنما أعلنت التوقف عن النشر تحت وطأة التهديد بالقتل خلال أسبوع من إرسال الإنذار القاتل . و لا أتصور أن من يقرأ عن أعمالي يمكنه تصديق بياني بالتوقف عن النشر ، ولم يكن بيانا بالتوقف عن التفكير و عن العمل ، لقد حمل بياني بداخله كل مشاعر الاحتجاج و إبراز الشعور بالإكراه و أنه قد تمت كتابته تحت ضغوط إرهابية . لذلك أعتبرت بياني جرعة تهدئة و تسكين للموقف حتى أتمكن من أعادة ترتيب أوضاعي بشكل أكثر أمناً لأولادي الذين لا ناقة لهم و لا جمل في المسألة ، و لا ذنب لهم سوى كونهم عيالي . و بدأت البحث عن مخرج للعودة للكتابة و جربت العيش في المهجر و لم تساعدني صحتي على الإستمرار ، ناهيك عن بعدي عن الوطن و أوجاعه التي هي السبب و الدافع وراء كتابة ما أكتب ، لذلك عدت للوطن بقرار العودة للكتابة و النشر حتى لو قتلوني ، و هو امر لا أخشاه و لا أفكر فيه ، فالموت هو الحقيقة الوحيدة في حياتنا ، و هو أيضاً الأمر الوحيد الذي لا حيلة لنا فيه و لا معه ، لذلك هو عندي محل استسلام و تسليم تام ، اللهم إلا إذا مس الأمر الأبرياء من عيالي ، و هم الأشد إعتراضاً على عودتي للكتابة بعد أن سمحوا لي تحت وطأة الاكتئاب الذي أصابني بعد التوقف عن النشر ، و علينا ألا نخون قضيتنا خوفاً أو طمعاً ، لذلك عدت لأثبت أننا لا نقل شجاعة عمن يقتلون أنفسهم فطيس بوهم الخلود في الفراديس ، و لأثبت أني لم أخن قضيتي بدليل عدم انتقالي في ظرف شديد المناسبة إلي الموقع النقيض رغم ما بذلوه من ترغيب عظيم بنعيم في الدنيا ، و قصر من زبرجد و ياقوت يطل على نهر الكوثر بجنة رضوان في الآخرة ، أو بتعبير الدكتور عبد الصبور شاهين على قناة دريم 2 : نعم المال الصالح للرجل الصالح .
#مازن_لطيف_علي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مروة كريدية: المعارضة لا تعني الطمع بالسلطة لان مفهوم الدولة
...
-
غادا فؤاد السمان : خالفت العُرف والمألوف والمُعتاد الذي تدخل
...
-
يهود اليمن
-
الفنان التشكيلي سيروان شاكر عقرواي : الفن التشكيلي العراقي ك
...
-
جمهورية مهاباد الكردية .. نجاحها وفشلها
-
النشاط الاقتصادي ليهود العراق 1917_1952
-
د. عبد الخالق حسين : الجهات المعادية للعلمانية هي المهيمنة ع
...
-
الصحف اليهودية العراقية في ثلاثينيات القرن العشرين
-
الشاعرة المغربية فاطمة الزهراء بنيس :لا شعر بدون حدس و خيال
...
-
الشاعر صلاح حسن: الشعر يخاطب الأحاسيس والرواية تخاطب العقل
-
القاص والروائي سعد محمد رحيم: المثقف الآن هو فاعل اجتماعي يد
...
-
رشيد الخيون : هناك أكثر من سبعين آية قرآنية أشارت إلى العلما
...
-
الروائي المبدع برهان الخطيب:المثقف يغني في غابة سبطانات
-
سلامة كيلة : في الوطن العربي لازال -العقل الماركسي- يلوك مخز
...
-
العراق بين الحربين .. رسائل ضابط انكليزي
-
الجنابي وكتابه (هادي العلوي – المثقف المتمرد!)
-
أحمد عبد الحسين .. شكراً لك ياصديقي لأنك جمعتنا في موقف واحد
-
الحقيقة والسراب .. قراءة في البعد الصوفي عند أدونيس
-
يهود كُردستان
-
قاسم محمد الرجب.. شيخ الكتبيين العراقيين
المزيد.....
-
المقاومة الإسلامية في العراق تعلن مهاجتمها جنوب الأراضي المح
...
-
أغاني للأطفال 24 ساعة .. عبر تردد قناة طيور الجنة الجديد 202
...
-
طلع الزين من الحمام… استقبل الآن تردد طيور الجنة اغاني أطفال
...
-
آموس هوكشتاين.. قبعة أميركية تُخفي قلنسوة يهودية
-
دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه
...
-
في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا
...
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|