صاحب الربيعي
الحوار المتمدن-العدد: 865 - 2004 / 6 / 15 - 07:58
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
أعلن الشيخ قيس الخزعلي بتاريخ 13/6/2004 وكيل السيد مقتدى الصدر عن عزم التيار الصدري لتشكيل حزباً سياسياً يخوض الانتخابات المزمع إجراءها في بداية العام القادم أسوة بالأحزاب العراقية الأخرى وعدم اعتماد الكفاح المسلح كخيار وحيد لطرد المحتلين، كما أعلن عن رغبة السيد مقتدى الصدر اعتزال العمل السياسي.
بالوقت الذي نثمن هذه الخطوة باعتبارها خطوة بالاتجاه الصحيح التي سبق أن طالبنا بها التيار الصدري منذ مدة طويلة حقناً لدماء الأبرياء وحفاظاً على الممتلكات العامة، ونناشد التيار الصدري ثانية بالاستجابة لنداءات الأحزاب السياسية والدولة العراقية الجديدة بضرورة حل مليشيات المهدي أو انخراطها في صفوف القوات المسلحة والشرطة للحفاظ على أمن المواطن والمساهمة في إعادة البناء.
السيد مقتدى الصدر والعمل السياسي:
لعمري أن الخطوة التي اتخذها السيد مقتدى الصدر باعتزاله العمل السياسي عين الصواب، لأنه لا يجيد ألف..باء السياسة والأفضل له وللجميع التفرغ لاستكمال علومه الدينية بعيداً عن الشؤون السياسية. وينسحب هذا الأمر على كافة رجال الدين (أصحاب العمائم) لأن لباسهم الديني يمثل سلطة دينية وليست سلطة سياسية. فالعمل السياسي، يمارس به كل الموبقات والعهر السياسي والتآمر ولا يليق بمن وضع العمامة على رأسه ممثلاً للدين أن يخوض في تلك المياه الآسنة في عالم السياسة.
فهل يجوز مثلاً أن تدخل راقصة بزيها المهني في المسجد؟ كذلك لا يجوز لزي رجل الدين أن يدخل ذاك المعترك، ومن لديه الرغبة في خوض تلك التجربة عليه أولاً التخلي عن العمامة وزي رجل الدين. والإشكالية ليست بالزي الديني، بل لكونه يمثل القيم الأخلاقية واللاهوتية ولا يجوز إقحامه في أماكن العهر السياسي.
واعتقد أن رجل الدين قادر على تقديم خدمة كبيرة للمجتمع في مجال النصح والعلوم الاجتماعية يعجز عن تقديمها السياسي في عشرات السنيين. قال الأمام جعفر الصادق (ع) خير الناس أكثرهم خدمة للناس.
السيد مقتدى الصدر وطموحه في القيادة:
هناك العديد من الأسباب التي دفعت السيد مقتدى الصدر للاعتقاد أنه قد يكون قائداً لهذه الأمة منها: أرث الشهيدان والده السيد محمد صادق الصدر وعمه السيد باقر الصدر؛ والحشد الغفير من الطبقات المسحوقة وبينهم جموع من الرعاع تهتف بحياته؛ والفضائيات العربية والصحافة المغرضة التي أوهمته بأنه رجل المرحلة؛ وأعوان النظام المباد الذين خططوا لاتخاذ السيد مقتدى الصدر جسراً للعودة للسلطة ثانية..وغيرها.
تلك الأسباب.. وغيرها جعلت من السيد مقتدى الصدر ضحية الوقوع في الوهم بأنه قائد المرحلة خاصة بعد أوغلوا الأنذال في نفسه للعمل على طرد المرجعيات الدينية من العراق مرة باعتبارها غير عربية ومرة أخرى غير ناطقة، والحقيقية هي دعوة للانفراد بالساحة السياسية-الدينية من خلال فرض الأمر الواقع بقوة السلاح.
نقل عن الأمام جعفر الصادق (ع) عن الرسول الكريم محمد (ص) قوله: من ضرب بسيفه ودعاهم إلى نفسه، وفي المسلمين من هو أعلم منه فهو ضال متكلف.
وبهذا فأن السيد مقتدى الصدر، عمد إلى سابقة خطيرة من خلال تجاوزه للمرجعية الدينية خاصة كونه رجل دين وأبن مرجع سابق. وسار ومعه تلك الجموع الذي طالهم الجوع والفقر والتجهيل على مدى 35 عاماً من الحكم الفاشي لملاقاة العدو بغير بصيرة وهدى، فسقط من سقط في معارك كارثية دون أن يقدم حلاً أو يصل إلى نتيجة منشودة.
قال الأمام جعفر الصادق(ع) العامل على غير بصيرة كالسائر على غير الطريق، لا تزيده سرعة السير إلا بعداً.
فلم يعطِ السيد مقتدى الصدر أذاناً صاغية لأحد، وركبه الغرور وهو يرى تلك الجموع من الفقراء والرعاع تهتف باسمه وترفع صوره، ومن جهة أخرى يدفعه التيار السلفي للهلاك وارتكاب المعاصي وإثارة الفتنة في الوسط الشيعي، وكذلك تلك الأقلام المأجورة التي تدعو للإرهاب بحجة المقاومة وهي بعيدة آلاف الأميال عن مكان الحدث ولا تمتلك شجاعة بقدر كعب حذاء ذاك البائس الفقير الذي يزج بمعركة غير متكافئة، فقط تحقيقاً لمركب النقص الذي يعانيه والمتمثل بالجبن، وعلى تلك الأقلام الجبانة أن تذهب وتقاوم الاحتلال لا أن تحرض عليه الفقراء والبائسين.
حتى بات يعتقد أنه يمتلك الحقيقية ويقف إلى جانب الحق والآخرين مجرد شياطين يساندوا الشر. ورفض جميع اللقاءات والاجتماعات التي دعي إليها مع المرجعيات بغرض حثه على الرجوع عن الخطأ.
قال الأمام جعفر الصادق (ع) ثلاثة يستدل بهن على إصابة الرأي: حسن اللقاء، وحسن الاستماع، وحسن الجواب.
وبذلك ارتكب السيد مقتدى الصدر الخطأ بحق نفسه وجلب على الآخرين الويلات والكوارث، نتيجة عبث أنصاره بممتلكات الناس واتخاذ المناطق المأهولة بالمدنيين مكاناً لمحاربة قوات الاحتلال حتى صاح الناس في المدن المقدسة الغيث منهم.
والأحزاب السياسية ذات التوجه الديني تحلت بالروية السياسية من التصرفات غير المسؤولة للتيار الصدري، وصبرت المرجعيات الدينية (صبر الجمال) على جهالة السيد مقتدى الصدر وأنصاره، ولم تجيد نفعاً معه كل النصائح والآراء السديدة خاصة بشأن عدم تعريض المدن المقدسة للدمار والحفاظ على أرواح المسلمين وممتلكاتهم حتى بعد أن ذهب مئات من الضحايا الأبرياء نتيجة معارك غير متكافئة!!.
ويجد الأمام جعفر الصادق (ع) أنه من أخلاق الجاهل الإجابة قبل أن يسمع، والمعارضة قبل أن يفهم، والحكم بما لا يعلم.
لم كتفِ السيد مقتدى الصدر بالمضي قدماً في إثارة الفتنة في الوسط الشيعي والخروج على المرجعيات الدينية والسياسية، وإنما أخذ على عاتقه التحريض بالخطب في صلاة الجمعة على المرجعيات الدينية ويصفها (بالجبن) خاصة مرجعية السيد علي السستاني كونها لم تقف إلى جانب قراره المنفرد بمحاربة قوات الاحتلال.
وهو لا يعي خطورة الموقف ولا توقيته الحرج والخاطئ للخروج لملاقاة العدو، كما تعيه المرجعيات الدينية. ولو امتلك السيد مقتدى الصدر قدراً من الحلم والخبرة السياسية والفقه الديني لوجد أن موقف المرجعية في معارضة قوات الاحتلال بشكل سلمي (على الأقل في الوقت الحاضر) موقفاً سليماً ومدروساً ويخضع لحسابات متعددة تصب في صالح الأمة، وأن اللجوء للسلاح في الوقت الراهن يضعف الأمة ويقلل من فرص حصد النتائج والحفاظ على أرواح الأبرياء وتحشيد قوى الأمة لخوض المعركة الكبرى.
واعتقد أن موقف المرجعية الدينية من وجود قوات الاحتلال ومناهضته بشكل سلمي، مستلهم من الخبرة المحنكة بشؤون السياسة والدراية بشؤون الدين. فهذا الموقف المتعارض بين السيد مقتدى الصدر والمرجعية الدينية بشأن الخروج لملاقاة العدو مشابهاً لموقف الأمام جعفر الصادق (ع) والزيدية الذي خرجوا لمقارعة العباسين ورفضه الأمام.
قال عبد الملك بن عمرو للأمام جعفر الصادق (ع) إن الزيدية يقولون ليس بينا وبين الصادق خلاف إلا إنه لا يرى الجهاد. فقال الأمام: أنا لا أرى الجهاد؟ بلى والله أراه لكني أكره أن أدع حلمي إلى جهلهم.
فهل توصل السيد مقتدى الصدر إلى قناعة بارتكابه الآثم والتسبب في إراقة دماء الأبرياء من المسلمين؟ لذا اعتزل العمل السياسي وانضوى من جديد تحت لواء المرجعية الدينية مسترشداً بآرائها ونصحها بالحق، أم أنه انحنى للعاصفة ليعيد نشاطه من جديد!!.
الخلاصة: يتوجب على السيد مقتدى الصدر في حال تبني تياره الصدري العمل السياسي السلمي لخوض الانتخابات المنشودة، أن يشرع بشكل عاجل لاتخاذ عدداً من الخطوات الهامة منها: طرد العناصر المشبوهة من أعوان النظام المباد من تياره الصدري؛ والعمل بشكل حثيث على نشر التعليم ومكافحة الجهل والتجهيل في صفوف أنصاره؛ وإزالة جميع صوره من الشوارع والساحات والأماكن العامة؛ ومنع من يريد من عناصر ممارسة العمل السياسي من ارتداء زي رجل الدين؛ وحث أنصاره على عدم التدخل في شؤون الناس الخاصة من فرض الحجاب وتفجير دور السينما ومحلات الخمور؛ وحل مليشياته المسلحة استجابة لنداء الدولة الجديدة أو انخراطهم في صفوف القوات المسلحة والشرطة للمساعدة في الحفاظ على أمن المواطن.
إما في الجانب الفقهي الذي لا امتلك باعاً كبيراً به، لكني ادعي لدي إطلاع واسع على بعض جوانبه. لذا أجد أن يجهد السيد مقتدى الصدر نفسه في استكمال علومه الدينية والتركيز على دراسة علوم شخصيتان لهم باع كبير في الإسلام والفقه هما: الأمام علي (ع) والأمام جعفر الصادق (ع) فكلاهما لديه من علوم الإسلام والفقه ما يكفي لتعليم أمة بكاملها. وليغفر الله له الفتنة والتسبب في زهق أرواح الأبرياء وتعطيل مصالح المسلمين.
ستوكهولم بتاريخ 14/6/2004.
#صاحب_الربيعي (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟