|
الإسلام والغرب : الترهيب المتبادل
ثائر الناشف
كاتب وروائي
(Thaer Alsalmou Alnashef)
الحوار المتمدن-العدد: 2848 - 2009 / 12 / 4 - 12:50
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
ظلت العلاقة بين الغرب والعالم الإسلامي ، مشوبة بالقلق والتوجس ، فأوروبا كجزء مكون من مكونات العالم الغربي ، تسعى ما استطاعت الحفاظ على هويتها الثقافية وموقعها السياسي المتقدم في عالم اليوم ، تنظر بعين من الشك والريبة نحو كل من هو غير غربي ، وقد يذهب البعض في الاتجاه المعاكس من ذوي النزعات الدينية للقول ، نحو كل من هو غير مسيحي . وأياً كانت النظرة الغربية نحو الإسلام ، ونظرة الإسلاميين نحو الغرب ، لا بد لنا من التفريق بين نظرة المسلمين ونظرة الإسلاميين ، فالنظرة الأولى ، تتصف بالشمولية ، حيث لا يوجد أدنى تمايز أو تحزب في نظرتها غير الإيديولوجية ، وإذا جاز التعبير ، يمكن لنا وصفها بالنظرة المحايدة ، بعكس النظرة الثانية ، أي نظرة الإسلاميين ، التي تشربت بالايدولوجيا السياسية ، أكثر مما تشربت بايدولوجيا الدين ، وشكلت لاحقاً تياراتها وجماعاتها الدينية - السياسية ، كردة فعل مباشرة على الأنظمة السياسية القائمة في معظم الدول العربية والإسلامية ، وغير مباشرة على الغرب الأوروبي الذي نعتته ولا زالت برأس الأفعى أو قلب المؤامرة ، التي حلت عليها وعلى مشروعها الشمولي ، مشروع الخلافة الإسلامية ، نتيجة سنوات الاحتلال والاستعمار ، حيث وأدت تلك السنوات مشروعها التاريخي المتمثل في إعادة إحياء الخلافة من جديد ، بعدما غربت عنها الشمس في اسطنبول . وبأي حال ، يمكن لنا أن نصف نظرة الإسلاميين ، بالنظرة الملتبسة ، فهي لا تعي طبيعة أهدافها النهائية ، وهو ما أدى بدوره إلى خلق حالة من الالتباس سكنت في دوائر عقل الغربي ، وقد ظهر هذا الالتباس في صور وأشكال عدة ، بعضها جاء على هيئة رسوم كاريكاتيرية ( أزمة الرسوم الدينماركية ) أو على شاكلة أفلام تسجيلية ( فيلم النائب الهولندي غيرت فيلدزر) أو من خلال الاستفساء على حظر بناء المآذن في سويسرا . هذا عن نظرة الإسلاميين نحو الغرب ، لكن بالمقابل ، ماذا عن نظرة الغرب نحو الإسلاميين ؟ الجواب قد نجده لدى بعض النظم العربية ، التي حمّلت الغرب وحده مسؤولية النفخ في قربة الإسلاميين ، عن طريق احتضانهم وإيوائهم في أكبر عواصم الغرب ، وفتح الباب أمامهم ليقولوا ويفعلوا ما يشاءوا تحت يافطة حقوق الإنسان وحماية الحريات العامة ، قد تكون هذه النظرة صائبة في بعض وجوهها ، غير أن الجزء الأكبر من المشكلة يقع على عاتق النظم العربية التي لم تنجح حتى الآن في احتواء ظاهرة الإسلاميين الآخذة في التزايد والتصاعد على حساب الظواهر الاجتماعية الأخرى . فالمحصلة التي وصلنا إليها اليوم ، نتيجة العلاقة غير السوية بين الإسلاميين من جهة والنظم العربية والغرب من جهة أخرى ، تنذر بمزيد من التباعد بين الشرق والغرب ، وبذات الوقت توسع دوائر الصراع والصدام إلى أقصى درجة يمكن أن تصل إليها ، والخاسر الأكبر في هذا الصراع الأجوف ، المجتمعات الشرقية التي دفعت ولازالت تدفع أثمان هذا الصراع من كيانها الثقافي والسياسي ، الذي أصبح مطية للإسلاميين وادعاءاتهم بالدفاع عنه . إن التبعثر القائم في أهداف الإسلاميين ، ألحق مزيداً من الضرر في واقع مجتمعاتهم التي انطلقوا منها ، أكثر مما ألحقته النظم السياسية المستبدة ، وأكثر مما حاكه أو يحيكه الغرب ( بحسب تعبير الإسلاميين ) وذلك حفاظاً على مصالحه الحيوية ، فلا يعرف الإسلاميون في أي طريق يتجهون ، الشيء الوحيد الذي يعرفونه أنهم ونتيجة التباعد العميق بين أفكارهم ومجتمعاتهم ، يتجهون نحو المجهول في نظر مجتمعاتهم ، ونحو التطرف في نظر الغرب . فإذا كانت الخلافة الإسلامية أسمى أهدافهم ، فهل من المعقول أن الغرب الذي صنفها ضمن أخطر دراساته للمسألة الشرقية ، التي أخذت وقتاً وجهداً طويلين من قدراته حتى تمكن أخيراً من احتوائها ، أن يعمل اليوم على إعادة إحياءها ؟. ما يسعنا التأكيد عليه في هذا المقام ، أن الإسلاميين فقدوا البوصلة في منتصف الطريق وليس في نهايته ، مما يضفي على المسألة مزيداً من التعقيد والتشابك ، فليست مشاريعهم ما يتناسب مع طبيعة مجتمعاتهم التي تسعى إلى المزاوجة الدائمة بين الأصالة والمعاصرة ، ولا مع تحولات الحاضر ومتطلبات المستقبل ، وإذا ما استمر هذا الالتباس بينهم وبين الآخر ، فإننا قد نكون أمام تساؤلات عدة ، أهمها سؤال الغرب ، ماذا يفعل الإسلاميون لدينا ، أو بصيغة أخرى ، ماذا فعلوا ؟ . حينها سنكون أمام فعلين متعاكسين في الاتجاه ، لا أحد يستطيع تقدير تداعياتهما على مستقبل العلاقة بين الإسلام والغرب ، ولعل ما يعزز من إمكانيات طرح مثل هكذا أسئلة مصيرية ، اشتداد ساعد اليمين الغربي ، بالتوازي مع اشتداد تجاهل الإسلاميين لخصوصية المجتمعات الغربية ، الحاضن الأكبر لهم ، فإننا سنجد أنفسنا في نهاية المطاف ، أمام إرهابين متبادلين في نفس المقدار والاتجاه . http://thaaer-thaaeralnashef.blogspot.com/
#ثائر_الناشف (هاشتاغ)
Thaer_Alsalmou_Alnashef#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الديكتاتور 19 ( الإعدام )
-
الديكتاتور 18 ( النفي )
-
الديكتاتور 17 ( فرمانات)
-
أهلة التطرف الإسلامي
-
الديكتاتور 16 ( الشاهد )
-
مأسسة الطائفية في سورية
-
شيوخ الإرهاب في دمشق
-
الديكتاتور 15 ( الحِداد )
-
الديكتاتور 14 ( الانقلاب )
-
الديكتاتور 13 (صحوة الزعيم)
-
نقد رعاعية النظام السوري
-
الديكتاتور 12 (معسكر الجيش)
-
هيثم المالح ... الحق لا يوهن الأمة
-
الديكتاتور 11 (المؤامرة)
-
الإسلام بين الاستبداد والديمقراطية
-
الديكتاتور 10 (مرض الزعيم)
-
الديكتاتور 9 ( المواجهة )
-
النظام السوري : القمع خبز الثورة
-
الديكتاتور 8 (الاستعداد للمواجهة)
-
إخوانية حماس : عبث الإسلام السياسي
المزيد.....
-
طلع الزين من الحمام… استقبل الآن تردد طيور الجنة اغاني أطفال
...
-
آموس هوكشتاين.. قبعة أميركية تُخفي قلنسوة يهودية
-
دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه
...
-
في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا
...
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
-
ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات
...
-
الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|