سعيد العريف
الحوار المتمدن-العدد: 2847 - 2009 / 12 / 3 - 23:26
المحور:
الصحافة والاعلام
لربما منذ الآن وحتى وقت قريب ، سوف تترسخ لغة ( القنادر ) لتصبح ميزة واضحة ومتفردة من مزايا الصحافة البائسة في العراق ، عن قرينتها العربية أو العالمية المتمدنة ، بعد أن نجح ( الزيدي ) في أجتراحها بشكل عشائري ممجوج ، ينم عن ضعف الوعي ،عقب طول تفكير واجتهاد .
إن الجهل بالأسس المهنية ، والقصور الثقافي الفاضح ، والإنحياز السياسي المسبق , وسوء استغلال السلطة الرابعة في أجواء من الديمقراطية الحقة ، لهي أمور كفيلة بتشويه قسمات وجه الصحافة العراقية الناصع ، وتقوم بتعقيم المهنة ونضوب رحمها ، بعد طول عطاء زاخر بالأسماء اللامعة التي أهدتها هذه المهنة إلى الشعب والأمة العربية ـ يوم كانت توصف بأنها أمة ـ وجعلت الأسماء الحالية بعيدة عن الشهرة والتعريف ، اللهم إلا ّ إذا برز فارس آخر ( بقندرته ) إلى ميدان الخطوب !. إن ( الدون كيشوت ) تمكن من جلب الشهرة رغم مؤخرته العجفاء . ليس مقبول بأي حال من الأحوال تحويل الصحافة إلى مسرح سيرك متحرك ، تمارس على خشبته ألعاب الأكروباتيك والبهلوانيات للمراهقين .
اليوم ، وبعد أكثر من ست سنوات على تحرير العراق ، تراجعت الصحافة العراقية ، بالرغم من فعل الحراك الصحفي ، لتفقد الكثير من بريقها ، والكثير الكثير من مصداقيتها . إن التراجع الخطير في قراءة الصحف المحلية وقلة الإقبال على شرائها مؤشر واضح لا يحتمل الشك ولا النقاش !..
من نكد الدنيا أن أرى أحد الأساتذة يحمل صحيفة ، بينما يأخذ بقية الأساتذة ـ في المعهد الدراسي – بمشاكسته والتندر منه ومن الصحف ...
بات العراقيون يدركون أن أغلب الأحزاب السياسية والصحف المحلية والفضائيات التي لا تعد إنما هي محض دكاكين سمسرة سياسية لا غير ، لم تتقدم ولو بخطوة واحدة نحو دعم الجهود الرامية لبناء دولة المؤسسات القانونية وردم الهوّة بين القوى المتصارعة والوقوف بشكل صريح سدا ً أمام قوى الظلام والإرهاب والتخريب المتعمد . إن إطلالة سريعة على المنجز الصحفي في مختلف وسائل الإعلام يبين بما لا لبس فيه أن هنالك معارضة واسعة بين صفوف الصحفيين لنظام الحكم الديمقراطي المنتخب الحالي في العراق ، إن كتاباتهم طافحة بكيل التهم والدس والأباطيل ، إن لم أقل طافحة بالسباب والشتائم للحكومة ، بالأستفادة من فسحة الديمقراطية ومشاغل الحكومة الجسيمة !..
إنني لا أنسى أبدا ً ذلك الصحفي المتدرع بثياب الحرب ، والذي وقف قريبا ً مني يطلب من عناصر المليشيات أن يتسلقوا المدرعة العسكرية المعطوبة التي غنمتها هذه المليشيات خلال مواجهاتها مع الجيش العراقي ، ليقوم بتصويرهم بهيئة المنتصرين ، ثم ما لبث أن أمرهم ب ( الهوسات ) بصوت عال ٍ ... إن هذا المشهد المسرحي الهزيل نموذج لانحطاط مهني صارخ .
لا غرو في هذا المشهد إذا ما عرفنا أن رعيلا ً لا يــُقلل من شأنه هم من خريجي مدرسة صدام الصحفية . هم جيل الثمانينيات والتسعينيات ، ومع تقديري لبعض الأقلام الشريفة ، هم جيل الطبالين والمزمرين والمصفقين والمغنين بصنف دم العراق الذي هو صنف دم صدام حسين !!!. أنهم جيل الكتابة السهلة والمجزية برخاء ما بعده رخاء .
وعلى إفتراض أنهم كتبوا في ذلك الزمن لكي يعيشوا .. كتبوا مراءاة ًً ونفاقا ً ودجلا ً ، فكيف يمكن أن نتقبل الحقائق من الأقلام ذاتها في يومنا العويص هذا ؟..
في تقديري أن هذا الرعيل يشكل سكينا ً في خاصرة الدولة العراقية اليوم ، بل سكينا ً في خاصرة الشعب العراقي أيضا ً ،وطرح نفسه كعقبة كأداء من العقبات التي تواجه وحدة العراقيين وبسط الأمن والنظام . إقرأ وشاهد واسمع ما يقولونه ، أنهم يستميتون من أجل إطلاق سراح السجناء ، دون أن يتشرف أي منهم بالمطالبة بمعاقبة القتلة واللصوص والمختطفين وزارعي العبوات ورماة الصواريخ العشوائية على الناس الأبرياء .
في تقديري المتواضع ، ينبغي على الحكومة العراقية إحتواء هؤلاء الصحفيين ، ومن ثم إعادة تأهيلهم . ودمجهم ضمن الواقع العراقي الحالي ، وإشعارهم بأنهم جزء لا يتجزأ من العراق ، وتقع عليهم مسؤولية الدفاع عنه والحفاظ على أمنه ونظامه ووحدته ، وإقناعهم بأن نظام صدام سقط وأنتهى إلى الأبد ، وأن العرب هم أشقاؤنا وليسوا سادتنا ، ومن يتلقى الأوامر والأموال منهم هو خائن للعراق وشعبه .
إنني وحين أقول هذا لعلمي بالبون الواسع المدى الذي يفصل بين الصحافة من طرف وبين الحكومة العراقية من طرف آخر ، ولعل أفضل دليل على صدودهم عن بعضهم البعض هو السعي المثابر الحثيث للصحفيين ونقابتهم من أجل دفع الحكومة لتشريع قوانين حمايتهم !..
إن هذا الأمر برمته يدعوني إلى التساؤل بحيرة ( هل نحن بحاجة إلى دروس جديدة في التربية الوطنية والاخلاص إلى الشعب ؟ ) .
إن الجراح ليست بحاجة إلى من يصورها ويعرضها على الملأ .. ليست بحاجة إلى الرثاء وسكب الدموع .. جراح الوطن بحاجة إلى أبر وخيوط .. بحاجة إلى رجال شرفاء يتولون رتقها وإلى تخفيف الآلام عنها. وإن المتاجرة بهذه الجراح ظاهرة مشخصة ومرفوضة بكل أشكالها . إن الصحفي الوطني هو من يمد كلمة العون لا كلمة الفتنة .. هو من يقول كلمة الحق للحق والباطل للباطل ، لا أن يلوي كلماته لوبا ً شيطانيا ً فيلجأ إلى كلمة الحق ليريد بها باطلا ً ، أو كلمة باطلة يريد بها حقا ً.. هذا إن لم يستعمل حذاءه للتعبير عن دواخله ! ..
#سعيد_العريف (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟