|
أخبار مملكة الخوف الشعب السعودي بين الاستبداد والإرهاب
هويدا طه
الحوار المتمدن-العدد: 864 - 2004 / 6 / 14 - 04:30
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
ليس بالضرورة أن تكون سعوديا حتى تهتم بأمر السعودية، فتأثير تلك المملكة على محيطها من القوة بحيث يتضرر أو يستفيد من سياساتها وما يجري على أرضها جميع المواطنين العرب، من مواطني الصومال إلى مواطني المغرب ومن بينهما شمالا وجنوبا، يتأثرون ربما منذ عشرات القرون، سلبا وإيجابا، تنافرا وانجذابا، حتى قبل ظهور الإسلام ثم انتشاره وإلى العصر الحديث، يتأثر الناس مباشرة أو تتأثر سياسات الدول المحيطة- لاسيما العربية منها- بالتطورات في الجزيرة العربية وفي القلب منها مملكة آل سعود، يحق لنا إذن أن نتابع باهتمام وترقب الأحداث الأخيرة في السعودية، ولأن آل سعود جعلوا من قلب الجزيرة العربية مملكة مرعبة واختاروا السيف رمزا لدولتهم، فإن أخبار السعودية تصلك بصعوبة إن لم تبحث عنها بكل السبل، ليس فقط بالتنقيب في أعماق التاريخ أو بالإنصات إلى المتواتر من الحديث الذي يدلي به بعض أهلها أو زوارها أو أعدائها أو حلفاءها، بل حتى بقياس ما يجري في بلدك انعكاسا لتأثير تلك المملكة عليه، وخلافا للجرائد والكتب والأحاديث المتواترة كمصدر للمعلومات عن المملكة المغلقة على أهليها، فإن الفضائيات(التي يمول أغلبها سعوديون أثرياء قريبون من الأسرة السعودية الحاكمة)تقارب أخبار المملكة بحذر، كمن يتحسس طريقه على جسر من الشوك، فبينما لا تجد الفضائيات العربية غضاضة في تفكيك- وربما تمزيق- أحوال الآخرين، فإنك تشعر عندما تستمع إلى أي خبر يخص السعودية أنه أجهد من صاغه حتى لا يغضب آل سعود، لكن هذه السطوة لم تدم طويلا، فسرعان ما انقلب السحر على الساحر، وبدأ النظام السعودي يذوق من نفس الكأس- كأس الإرهاب- الذي سممت مرارته شعوبا أخرى طوال عقد التسعينات بالذات، وكان سعوديون- بعضهم معلوم وبعضهم يلعب في الخفاء- وراء تمويل تلك العمليات في بلد كمصر وغيرها، ولم تعد الفضائيات قادرة على تحسس الأمر من بعيد، ولم يعد ممكنا كتمان الأمر داخل المملكة المغلقة- خاصة بعد أن بدأت الولايات المتحدة الحليف الأكبر الداعم للأسرة السعودية في إعلان غضبها بشكل علني على القمع داخل المملكة- وأقصى ما أمكنهم فعله هو منح بعض الفضائيات الأقرب إليهم حقوق تصوير مواقع العمليات دون غيرها من الفضائيات(المعادية)، وإذا بنا نشاهد على شاشات التليفزيون قسطا من حروب تدور في شوارع الرياض والدمام وجدة وغيرها من كبريات مدن المملكة، دماء وقتلى وجرحى، ورهائن وسيارات محترقة ومبان منهارة، وعسكر ومخازن أسلحة مكتشفة، وضحايا أبرياء من العرب والأجانب، وكلما شاهدت ما يجري هناك مندهشا متعجبا متأملا، كلما قال المراقبون أن ما ترونه هو قمة جبل الجليد، هناك الأبشع تحت الرماد، هناك ما لا تستطيع نقله كاميرات الفضائيات - الصديقة والمعادية-، ورغم المشاعر المتناقضة التي تختلج بها نفوس بعض المواطنين العرب من غير أبناء المملكة المنكوبين، ورغم أن هناك من لا يرى الأمر إلا من خلال منظار(ذوقوا ما أذقتمونا)، فإن الشعب السعودي الذي لم يكن له يد فيما فعل نظامه وبعض أفراده بالآخرين، وليس له حيلة فيما يفعل به الآن، شعب يستحق أن تمد له يد المساعدة، فسكان مملكة الخوف هذه – وعوضا عن نكبتهم الطبيعية بمناخ قاس لعين- يتعرضون لظلم وقهر قل أن يوجد مثله على سطح هذا الكوكب، فكيف بشعب- عرف عنه تاريخيا إعلاءه لكرامته- أن يعاني من هذا القمع والاستبداد لأكثر من مائة عام متواصلة دون أن يجرؤ على الصراخ؟ أي شعب هذا الذي تقهر المرأة فيه إلى هذا الحد؟ شعب تكالبت عليه تقاليد اجتماعية قمعية، ورثها من جذور قبلية لم تتطور أبدا ولم تمت ثقافتها القهرية، وتكالب عليه حكم مستبد متغطرس ظن أن نحو ثمانية عشر مليونا من البشر هم عبيده الذين وهبتهم لهم الطبيعة حتى أنه أسماهم جميعا باسمه، وتكالب عليه من بين أضلعه فئة تظن أنه- يا للعجب- شعب مدلل! ينبغي عليه أن يدع ما هو فيه من(كفر)ويعود إلى حظيرة إيمان صارم- أو أكثر صرامة- صنعت صورته في رؤوسهم هم وحدهم، وراحت تضرب فيه يمينا وشمالا باسم الله، فصار الشعب(السعودي)يضرب بعصا غليظة من جهتين تدعي كل منهما أنها موكلة من الله، لم يعد المواطن السعودي إذن هو ذلك العربي الثري ذو الدشداشة – كما عرف في سبعينات وثمانينات القرن الماضي- الذي يبحث في بلدان الفقراء بما يطاله من أموال النفط عن اللذة المحرمة أو المشتراة بأبخس الأسعار، لقد صار يعاني من الفقر وقسوة الطبقية والظلم والتطرف وآلام السجن الكبير، وصرنا نحن بكل ما نكبنا به من فقر وسرقة لأموال أوطاننا، واستبداد أقام أسوار جمهورية لا مملكة، صرنا في وضع يعتبر بالنسبة للسعوديين رفاهية ودلالا! فعلى الأقل أستطيع أن أتنفس وأضحك وأغني وأقود سيارة! أما المواطن السعودي فرقبته صارت مزادا لمن يسبق من السيفين، سيف جعلته دولته المستبدة رمزا لها، وسيف آخر أشد قسوة يأتي بغير إنذار وفي الظلام،.... السعوديون خلف أسوار مملكتكم الرهيبة... أعانكم الله ! ** تقرير في برنامج أوبرا يثير سؤالا: من تراها خير أمة أخرجت للناس؟! كثيرا ما تساءلت كلما سمعت خطابا لرئيس أو ملك أو أمير عربي، مستهلا كلمته قائلا:"أيها الشعب العظيم.."، طالما أن كل شعب يرى نفسه الأعظم، فأين إذن ذلك الشعب غير العظيم؟! وكلما شاهدت التليفزيون تساءلت: لماذا تحب وسائل إعلامنا إظهار الأمة العربية دائما باعتبارها شهيدة لهؤلاء(الوحوش)الغربيين؟ بل لماذا علمتنا مدارسنا منذ مرحلة الحضانة أننا الأمة الأروع بين الأمم؟ وأننا الأكثر شهامة وشجاعة وإنكارا للذات؟ لماذا نحب الكذب على أنفسنا ونحب من يكذب علينا؟ قد يتساءل البعض لماذا هذا التساؤل الآن؟ بالطبع إنه زمن تكنولوجيا الاتصالات والإنترنت والفضائيات! لم تعد مدارسنا وحدها ولا برامجنا وحدها ما يصل إلى آذاننا وعقولنا، تذكرت هذا التساؤل الدائم عندما شاهدت إحدى حلقات برنامج(أوبرا)الذي تعرضه قناة(إم بي سي الثانية)، وعرض فيه تقرير عن طبيبة أسترالية ذهبت في مطلع شبابها هي وزوجها إلى إثيوبيا، لمعالجة البنات الصغيرات اللاتي تزوجهن أسرهن في سن صغير، وقبل اكتمال نمو أجهزتهن التناسلية، فيصبن إثر الحمل المبكر بثقب في الرحم ينتج عنه ثقوب أخرى، تجعل الأمهات الصغيرات البائسات يفقدن التحكم بالبول، فيستمر بولهن في التساقط رغما عنهن طوال اليوم، ويعاملن بازدراء جراء رائحتهن الكريهة وغير ذلك من المآسي، ظلت هذه الطبيبة تحاول جمع التبرعات من شتى أنحاء بلدها والعالم من أجل هؤلاء البائسات ضحايا الثقافة الذكورية البشعة، واستطاعت أن تقيم مستشفى صغيرا في أقاصي قرى إثيوبيا يعالجهن مجانا(دون أن تكون لها أنشطة سياسية أو تبشيرية كما اعتاد بعض مشايخنا أن يتهموا مثل هذه الطبيبة)، واستمرت تخدم بقناعة تامة هذا الهدف الإنساني أربعين عاما، ومثل هذه الطبيبة يوجد آلاف من أبناء الحضارة الغربية(العلمانية)ينظرون إلى الإنسان باعتباره إنسانا لا باعتباره من أبناء(قبيلة غير قبيلتنا)، ولم تأت هذه النظرة من فراغ، وإنما من ثقافة(علمانية إنسانية)تجاوزت القبلية الكريهة، بناها رواد عبر قرون، ورغم جشع وسطوة الأنظمة الغربية التي تريد أن تستحوذ على العالم وموارده، فإن التفرقة بين محاولتها الدائمة للهيمنة على العالم وبين الثقافة العلمانية الغربية الإنسانية، هي ضرورة لنا كي نخرج من ثقافتنا القبلية القبيحة، ونتخلص من إغراقنا في ذاتنا العربية أو الإسلامية، ذلك الإغراق الذي فصلنا عن حركة التطور الإنسانية العامة، وجعلنا أنانيين عنصريين، نتهم عنصرية الآخرين تجاهنا ونتجاهل أننا أصحاب الثقافة الأكثر عنصرية في العالم، حتى فيما بيننا وبين قبائلنا نفسها، أبناء الثقافة الغربية العلمانية يتظاهرون في شوارع مدنهم الأنيقة كل يوم ضد حكوماتهم من أجلنا، بينما نحن نستمع في كل زقاق لأشرطة كاسيت موبوءة، تقسم العالم إلى فسطاطي إيمان وكفر، وتحرض الناس على كراهية(الأغيار)وتدعي بلا خجل أننا(خير أمة أخرجت للناس)! الخوف أن يستمر هذا الوهم في رؤوسنا، حتى نجد أنفسنا- أقل من- أن نوصف بخير أمة... أخرجت للجرذان! ** شخصية فضائية مروان البرغوثي ذلك الرجل الذي كانت تنقل الفضائيات صوره وهو يقود المظاهرات في مطلع الانتفاضة، كان رجلا بسيطا يرتدي قميصا عاديا كذلك الذي نرتديه نحن، ويحكي بلهجة شعبية كتلك التي نحكي بها نحن، حكمت عليه محاكم إسرائيل قبل أيام بالسجن لعشرات السنين، رغم أنه لم يكن يدعو إلى محو إسرائيل وتحرير فلسطين من النهر إلى البحر، بل كان يوصف بالاعتدال، وكان يدعو إلى دولة فلسطينية إلى جوار تلك الإسرائيلية التي نكبنا بها ولم يعد لنا حيلة أمام قوتها، وإن كانت إسرائيل لا زالت تذل مصر كل يوم، وتساومها في أعقد القضايا من أجل الإفراج عن جاسوسها(عزام عزام)، الذي يقضي عقوبة سجن في مصر، فمن يا ترى يمكن أن يفاوض إسرائيل من أجل الإفراج عن البرغوثي؟! بل على أي شيء سيساومها من أجل الإفراج عنه؟! هل بقى شيء نساوم عليه؟!..
#هويدا_طه (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
استجابة الفضائيات للهوس الديني بين الواحد القهار وأبينا الذي
...
-
مصر التائهة بين مبادرة أمريكية للهيمنة ومبادرة مباركية لمزيد
...
-
مصر قوة هائلة كامنة فأين توارت؟ المقاومة العراقية هدية للشعب
...
-
سوق الفتاوي وفتاوي السوق في دولة الأزهر!
-
الحساسية تجاه مناقشة قضايانا دليل علي افلاس سياسي
-
هل يفلح مشروع مستقبلي منفرد لدولة عربية بمعزل عن المحيط الجغ
...
-
امريكا تهدد دول العالم بالعقوبات اذا لم تفتح اسواقها لها بين
...
-
حول موقع مصر في المشروع الاميركي لدمقرطة العرب: المسألة القب
...
-
المثقف المصري وأوان المواجهة الشاملة مع العائلة الحاكمة في م
...
المزيد.....
-
دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه
...
-
في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا
...
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
-
ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات
...
-
الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
-
نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله
...
-
الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|