|
نتائج خطيرة لدراسة ميدانية مهداة للنخبة الحاكمة والمحكومة:«الاستبيان» رقم واحد
سعد هجرس
الحوار المتمدن-العدد: 2845 - 2009 / 12 / 1 - 14:15
المحور:
الادارة و الاقتصاد
لسنوات طويلة ظلت بلدان كثيرة تنام وتصحو فى انتظار «البيان رقم واحد»، الذى يلقيه متحدث باسم عدد يزيد أو يقل من كبار صغار وصغار كبار الضباط بعد قيامهم بالانقلاب على نظام الحكم والاستيلاء على السلطة.
ودرجت العادة على أن يكون «البيان رقم واحد» حافلاً بالوعود المعسولة، التى لا تتحقق فى الأغلب الأعم.
الآن.. وبعد أن أصبحت الانقلابات العسكرية أسلوباً عفا عليه الزمن.. اختفى «البيان رقم واحد»، وظهرت آليات عصرية متعددة تنسجم مع متطلبات التنافس السياسى السلمى من أجل تداول السلطة بالاحتكام إلى صناديق الاقتراع فى انتخابات حرة ونزيهة.
وبدلاً من «البيان رقم واحد واثنين وثلاثة» أصبحت هناك ــ فى الدول الديمقراطية ــ أدوات حديثة مثل «الاستبيان»، حيث يتم استطلاع رأى الناس فى قضية ما بهدف وضع نتائج هذا الاستبيان أمام صانع القرار، وأمام القوى السياسية المختلفة من «الموالاة» و«المعارضة» على حد سواء للاسترشاد بها فى وضع سياساتها، وكذلك أمام الباحثين للاستعانة بهذه النتائج فى دراساتهم وتحليلاتهم للحاضر والمستقبل.
ولأننا ما زلنا نعانى من «الاحتباس الديمقراطى» ــ رغم ما تحقق من تطور كبير نسبيا فى مساحة حرية التعبير ــ فإن هذه الآليات التى تقيس مدركات الرأى العام ومتطلباته واحتياجاته وخياراته مازالت مقيدة إلى حد بعيد.
ومع ذلك فإن الفترة الأخيرة شهدت تقدماً ملموساً بهذا الصدد، حيث ظهرت لدينا عدة استبيانات بالغة الأهمية، ربما كان أخطرها ذلك الاستبيان، الذى قام به فريق من الباحثين بقيادة عالم الاجتماع المرموق الدكتور أحمد زايد عن «الأطر الثقافية الحاكمة لسلوك المصريين واختياراتهم»، وكان هذا الاستبيان هو الأول من نوعه فى مصر والشرق الأوسط من حيث تناول الموضوع، ومن حيث المنهجية ومن حيث الحجم، على حد تعبير الدكتور أحمد درويش وزير الدولة للتنمية الإدارية، الذى قامت وزارته برعاية هذا الاستبيان فى إطار جهود لجنة الشفافية والنزاهة ومكافحة الفساد، وكانت النتائج مذهلة وخطيرة بالفعل، ويكفى أن نشير فقط إلى أن إحدى هذه النتائج قد أكدت أن ٦٤.٣% من المصريين، أى حوالى الثلثين، يخافون من المستقبل.
أما الاستبيان الذى نريد التنويه عنه فى هذه العجالة فهو بمثابة دراسة ميدانية لاتجاهات المواطنين تجاه الشفافية والفساد وخبراتهم معهما وإداركهم لهما، وقد قام بهذه الدراسة الميدانية فريق من الباحثين المتميزين من برنامج دراسات الرأى العام بمركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام بقيادة الدكتور جمال عبدالجواد.
ومن خلال هذه الدراسة الميدانية يستنتج التقرير، الذى بين أيدينا، أن رؤية المصريين للأوضاع فى مصر تتسم بعدد من السمات أهمها:
ــ غلبة الاهتمامات والأولويات الاقتصادية.
ــ تأتى المشكلات المتعلقة بالمرافق والخدمات العامة، مثل السكن والمواصلات والمياه والصرف فى مرتبة ثانية.
كنتيجة منطقية مترتبة على ما سبق فإن القضايا المتعلقة بالإصلاح السياسى، وأيضاً تلك المتعلقة بتحقيق درجة أعلى من الشفافية والنزاهة فى إدارة الشؤون العامة لا تحتل سوى مرتبة متأخرة على جدول أعمال المواطنين.
ــ يذهب الاتجاه الغالب بقوة فى أوساط المصريين إلى تفضيل نظام اقتصادى يقوم على دور كبير للدولة والقطاع العام، وهو الاختيار الذى تفضله نسبة تصل إلى ٦١% من المواطنين. وتشير هذه البيانات إلى أنه بعد أكثر من ثلاثين عاماً على الشروع فى تغيير اتجاه الاقتصاد المصرى باتجاه الأخذ باقتصاد السوق ما زال القسم الأكبر من المصريين يفضل نموذجا اقتصاديا يقوم على دور أكبر للحكومة والقطاع العام، الأمر الذى ينطوى إما على الإخفاق فى تطبيق التحول نحو اقتصاديات السوق، وأما إخفاق نخبة صنع القرار فى الترويج لاختياراتها الاقتصادية بين المواطنين، أو الأمرين معا.
ــ الشريحة الأكبر من المصريين تفضل الإبقاء على المستوى الراهن من الانفتاح على العالم.
غير أن النزعة المحافظة تعاود الظهور بقوة فى إجابة المواطنين عن السؤال المتعلق بالبلد الذى يمكن اعتباره نموذجا لمصر لكى تحتذى به، حيث تذهب الشريحة الأكبر من المواطنين المصريين لاعتبار المملكة العربية السعودية النموذج الذى يجب لمصر الاحتذاء به.
وقد لاحظ «المجلس الاستشارى لمشروع النزاهة والشفافية ومحاربة الفساد فى مجال الاعمال» تراجع الديمقراطية والاصلاح السياسى فى ذيل مشاكل مصر من وجهة نظر الاستبيان (٠.١%). حيث يؤكد هذا التوجه تدنى الوعى السياسى وعدم إدراك المواطنين أن مشاكل البطالة وارتفاع الأسعار والفقر التى يطالبون بإعطائها أولوية فى المعالجة إنما تعود أساسا إلى سياسات الحكومة، وأنها لا يمكن أن تحل ما لم تتحقق الديمقراطية والاصلاح السياسى الذى يتيح للشعب اختيار حكامه وتغييرهم بإرادته الحرة، وزيادة تأثير الرأى العام على السياسات الحكومية، وتتحمل الأحزاب السياسية المسؤولية الكبرى عن هذا التدنى فى الوعى السياسى لدى المواطنين.
كما يطالب بالمجلس الاستشارى – فى قراءته النقدية لنتائج الاستبيان - بوقفة طويلة لمعرفة الأسباب التى تجعل ٣٨.٧% من أفراد العينة يتخذون السعودية نموذجا. هل يرجع ذلك إلى أن نسبة كبيرة من أفراد العينة سافروا إلى السعودية ودول الخليج، أم يعود لانتشار التشدد الدينى الشكلى فى المجتمع المصرى فى السنوات الأخيرة فى تقليد للنموذج السعودى، أم يعود إلى تدهور الثقافة السائدة فى مصر، أم يعود إلى أسباب أخرى.
وبالعودة إلى الاستبيان فى معرض محاولة التعرف على إدراك المصريين لأسباب انتشار الفساد ترى الأغلبية الساحقة أن أهم أسباب الفساد هى انخفاض المرتبات (٨٩.٥%) وضعف أداء الأجهزة الرقابية (٨٩.٣) وعدم قيام مجلس الشعب بجهد كاف لمراقبة الحكومة (%٨٤.٩) ونقص المعلومات الصحيحة (٧٥%) وتضارب وتعدد القوانين والاختصاصات (٧٤.١%) وضعف المشاركة السياسية (٧١.٤).
وفيما يتعلق بالموقف من مشاركة رجال الاعمال فى العمل العام تشير نتائج الاستبيان إلى عدم الرضا عن تواجد رجال الاعمال فى مجلس الشعب وتوليهم مناصب وزارية، حيث يوافق ٨٠.١% على أن عضوية رجال الاعمال فى مجلس الشعب تزيد فرص الفساد، كما يرى ٨٢% أن تولى رجال الاعمال مناصب وزارية يثير مشكلة تعارض المصالح، ويرى ٦٢.٣% أن توليهم مناصب وزارية لا يساهم فى تطوير الأداء الحكومى.
■ ■ ■
والواضح أن هذا الاستبيان ينطوى على مؤشرات بالغة الأهمية ينبغى على صناع القرار السياسى، والنخبة السياسية والاقتصادية عموما، وضعها فى الاعتبار:
فالواضح أن غالبية الشعب المصرى تطالب بدور اكبر للدولة فى السياسة والاقتصاد وهذه رسالة موجهة ليس للحكومة فقط وإنما أيضاً إلى القطاع الخاص الذى ينبغى أن يقرأ هذه الرسالة جيداً بحثاً عن الأسباب القريبة والبعيدة التى تنفر الناس منه حتى الآن، رغم مرور أكثر من ثلاثين عاماً على «التمكين» الذى يحظى به.
والواضح كذلك أن غالبية الشعب المصرى ترفض تولى رجال الاعمال مناصب وزارية او برلمانية فى ظل عدم وجود آليات جادة تضمن منع تعارض المصالح وتقيم حدودا فاصلة وواضحة بين المال الخاص والمال العام.
والواضح أيضاً أن الطلب على الديمقراطية من غالبية الشعب المصرى مازال منحفضا جداً، حيث لم يطرح هذه المطالب سوى واحد فى الألف. وهذه مسألة يجب أن تقلق النخبة جداً جداً.
والواضح كذلك أن الحديث الكثير عن «ريادة» مصر يحتاج إلى التروى، بدليل أن مصر فى رأى الغالبية لم تعد النموذج والقدوة، بل إن السعودية أصبحت هى «الملهم» لأغلب المصريين فى ظل إعلام «الريادة» وغير ذلك من شعارات جوفاء.
تأملوا هذه النتائج.. واستخلصوا منها الاستنتاجات الصحيحة حتى نتقدم ولو خطوة واحدة للأمام.
#سعد_هجرس (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
السائرون نياماً .. على أرض -المريخ-؟!
-
درس من أوباما فى مسئولية الدولة عن صحة أبنائها
-
هل يتساوى الشهيد الذى ضحى بحياته مع لاعب الكرة الذى سيتقاضى
...
-
إنها مجرد لعبة.. فلماذا كل هذا الصخب؟!
-
قطار -الخصخصة- وصل إلى تاريخ الحركة الوطنية!
-
كنيسة -الوطن-.. أم حائط مبكى -الطائفة-؟!
-
نريدها دولة -طبيعية-.. هل هذا كثير؟!
-
التهمة هي انتهاك الحق في الصحة والحق في الحياة
-
مستقبل مصر: إلهام التاريخ وكوابح الحاضر
-
تبرع يا مسلم لبناء إنسان
-
لماذا يخاف 48 مليون مصرى من المستقبل؟!
-
محمد السيد سعيد: وكل هذا الحب.. وأكثر
-
موقعة ذات النقاب .. أهم من حرب 6 أكتوبر
-
صحافة الفضائح .. وفضائح الصحافة
-
حديث ليس فى الرياضة: الأولمبياد يسبح فى »نهر يناير« البرازيل
...
-
اختفاء النصف السفلي لإنسان!
-
نظرية -المؤامرة- فى تفسير -نكسة- موقعة اليونسكو!
-
زيارة السفير الإسرائيلي.. بداية أم نهاية؟̷
...
-
العالم يتغير.. ونحن نائمون فى العسل!
-
يا دكتور حاتم الجبلى.. تكلم!
المزيد.....
-
-خفض التكاليف وتسريح العمال-.. أزمات اقتصادية تضرب شركات الس
...
-
أرامكو السعودية تتجه لزيادة الديون و توزيعات الأرباح
-
أسعار النفط عند أعلى مستوى في نحو 10 أيام
-
قطر تطلق مشروعا سياحيا بـ3 مليارات دولار
-
السودان يعقد أول مؤتمر اقتصادي لزيادة الإيرادات في زمن الحرب
...
-
نائبة رئيس وزراء بلجيكا تدعو الاتحاد الأوروبي إلى فرض عقوبات
...
-
اقتصادي: التعداد سيؤدي لزيادة حصة بعض المحافظات من تنمية الأ
...
-
تركيا تضخ ملايين إضافية في الاقتصاد المصري
-
للمرة الثانية في يوم واحد.. -البيتكوين- تواصل صعودها وتسجل م
...
-
مصر تخسر 70% من إيرادات قناة السويس بسبب توترات البحر الأحمر
...
المزيد.....
-
الاقتصاد المصري في نصف قرن.. منذ ثورة يوليو حتى نهاية الألفي
...
/ مجدى عبد الهادى
-
الاقتصاد الإفريقي في سياق التنافس الدولي.. الواقع والآفاق
/ مجدى عبد الهادى
-
الإشكالات التكوينية في برامج صندوق النقد المصرية.. قراءة اقت
...
/ مجدى عبد الهادى
-
ثمن الاستبداد.. في الاقتصاد السياسي لانهيار الجنيه المصري
/ مجدى عبد الهادى
-
تنمية الوعى الاقتصادى لطلاب مدارس التعليم الثانوى الفنى بمصر
...
/ محمد امين حسن عثمان
-
إشكالات الضريبة العقارية في مصر.. بين حاجات التمويل والتنمية
...
/ مجدى عبد الهادى
-
التنمية العربية الممنوعة_علي القادري، ترجمة مجدي عبد الهادي
/ مجدى عبد الهادى
-
نظرية القيمة في عصر الرأسمالية الاحتكارية_سمير أمين، ترجمة م
...
/ مجدى عبد الهادى
-
دور ادارة الموارد البشرية في تعزيز اسس المواطنة التنظيمية في
...
/ سمية سعيد صديق جبارة
-
الطبقات الهيكلية للتضخم في اقتصاد ريعي تابع.. إيران أنموذجًا
/ مجدى عبد الهادى
المزيد.....
|