صلاح يوسف
الحوار المتمدن-العدد: 2844 - 2009 / 11 / 30 - 18:11
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
لقد تمكنت الشعوب الغربية من إدراك مفهوم العمل الجماعي وقوة التنظيم منذ بدايات النهضة الأوروبية، فنشأت النقابات المهنية والحرفية شديدة التنظيم والالتزام لتقوم بواجبها في تحويل القوة العددية الضخمة لفئة أو طبقة من الناس إلى فائدة اقتصادية تعود بالنفع على المجموع. فمثلاً لا يستطيع أي مرشح رئاسي في إيطاليا أن يتجاهل اتحاد نقابات العمال، فأصواتهم الانتخابية تعد بالملايين. في كل حملة انتخابية يقوم المرشحون بلقاء ممثلي هذه النقابات للتفاوض معهم بشأن سلة المطالب المعيشية والتحسينات التي يجب إدخالها في حال فوز هذا المرشح أو ذاك. هذا الأمر يحدث في جميع الدول الصناعية الكبرى بلا استثناء. هذه النقابات حققت مطلباً ذهبياً في معظم تلك الدول، وهو دفع مستحقات العلاوة على الراتب أو أجرة ساعة العمل في حالة تم تخفيض قيمة العملة المحلية مقابل الدولار. التضخم لا يجب أن يؤثر سلباً على سلة المعيشة للطبقات المسحوقة والفقيرة. المواد الأساسية تعتبر من المحرمات الممنوعة من المساس، فأي زيادة في سعر مادة استهلاكية لابد وأن يقابلها علاوة موازية في الراتب.
أكثر من ذلك، بل لقد تنامت وتصاعدت قدرة الشعوب الغربية على التنظيم بصورة مدهشة بعد أن وفرت الإنترنت وسائل الاتصال العجيبة، فمثلاً، يوجد جروب ( تنظيم أو جماعة ) على الفيس بوك، بلغ تعداد أعضاءه أكثر من 11 مليون عضواً من كل من كندا وأستراليا وأمريكا وبريطانيا، والهدف من هذا الجروب هو الضغط على تلك الحكومات لكي تعلن قانون يحظر صيد أنواع من الحيتان المهددة بالانقراض بصرف النظر عن العوائد المالية الضخمة الناجمة عن صيد تلك الحيتان، وقد نجحوا في ذلك في كندا وأستراليا حتى الآن. جروب آخر بريطاني بلغ تعداد أعضائه أقل بقليل من 4 ملايين نسمة، يعلن أن هدفه هو إلغاء مادة معينة في المقررات الدراسية لطلبة الابتدائي على اعتبار أن تلك المادة تحرض على الكراهية والعنصرية، وللعلم فإن تلك المادة تستعرض فقط تاريخ علماء بريطانيين ساهموا بقوة في اكتشافات وابتكارات النهضة الأوروبية، وكل مآخذ العقلانيين عليها أن النهضة كانت شاملة وساهم فيها الألمان والطليان والأمريكان واليابانيون والصينيون حتى وإن حظيت بريطانيا بنصيب كبير في عدد العلماء آنذاك.
أحزاب الحفاظ على البيئة لها وزن مميز في الدول الغربية وقد نجحوا في انتزاع قرارات تؤدي إلى الحفاظ على البيئة، مثل حرمان المصانع من رمي مخلفاتها في محيط المدن وإجبارهم على اتخاذ خطوات مكلفة للتخلص من النفايات الكيمائية. كذلك في كل دولة نجد أحزاب تأسست لأجل الحفاظ على مكتسبات الضمان الاجتماعي وحقوق الأطفال وهي من الأحزاب القوية والمنافسة للأحزاب الحاكمة، والملاحظ هنا، أن الأحزاب الكبرى، مثل الجمهوري والديمقراطي في أمريكا، تحاول الالتفاف على تلك الأحزاب لتقويضها عبر طرح شعارات تحسين مستوى الخدمة الاجتماعية في برامجها الانتخابية.
مجموع الأحزاب والنقابات والمؤسسات الخيرية تشكل معاً مراكز ضغط تهدف إلى الحفاظ على المكتسبات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية لتلك الشعوب، عبر امتلاك كل منها وسيلة الإعلام الخاصة به والتي تمكنه من مخاطبة أعضائه بسهولة ويسر.
ما يهمنا من كل ما سبق هو تلك الهشاشة والضعف المخزي الذي نعاني منه كعرب في احترام قيم العمل الجماعي، فلا أحزاب حقيقية ولا نقابات ولا يحزنون.
كيف ومتى نبدأ في احترام قيم العمل الجماعي ؟
هل العمل الجماعي والعقل الجماعي مجرد مفاهيم مغيبة من مناهجنا الدراسية، أم هناك أعمال جماعية تحل محلها وتكون بديلاً عنها ؟
الدين يشكل ويصوغ عدة قيم عمل جماعي كالصيام والصلاة والحج، بماذا تفيد المجتمع وقضايا الناس كل تلك الممارسات ؟؟؟
إن القدرة على تنظيم الناس في مجموعات طبقاً لأهداف اقتصادية ومعيشية أو ثقافية أو اجتماعية أو سياسية، هي في الواقع أزمة ناتجة وليست سبباً. تهشم تلك القدرة على احترام العمل الاجتماعي وعدم تفهم مزاياه الحقيقية يحول الناس إلى مجرد قطيع من الرعاع في يد السلطة الحاكمة، وهو ما حدث في البلاد الإسلامية منذ 1400 عام، أين الخلل إذن ؟؟؟
هل يمكننا صياغة المعادلة التالية ؟ الناس يهتمون بالآخرة على حساب حياتهم ؟؟ على حساب مصالحهم ؟؟ على حساب أقواتهم وحصولهم على سكن وعلى خدمة اجتماعية وصحية لائقة ؟؟؟ ما الحل إذن ؟؟؟
لا يمكن امتلاك أي فكرة تسعى لتنظيم الناس ضمن قوى المجتمع المدني، إلا بعد إيمان الناس بهذا المجتمع وهذه بديهية. كيف يؤمن الناس بأنفسهم وقوتهم الجماعية وإمكاناتهم الخلاّقة وهم يتسابقون فقط لأداء الصلاة وبعدها ينكبون على وجوههم فرادى، لا يجمعهم فكر، ولا يوحدهم مطلب أو هدف ؟؟؟
إن الافتراض القديم القائل بأن العرب والمسلمين ليس لديهم قدرة على العمل الجماعي المنظم هي مجرد وهم، بل لو لم يكن هناك عمل منظم بل وشديد التنظيم بهذه الصورة لكان الوضع أفضل بما لا يقاس. إن التنظيم الشديد للمسلمين في حضور اجتماع منظم بدقة متناهية خمس مرات في اليوم هو الكارثة الحقيقية، فلو أن هذه الجحافل قد تلقت دعوة لحضور اجتماع لمناقشة أسعار المواد الأساسية فلن يحضر منهم أحد، أما عن الصلاة فلن يتأخر منهم أحد !!
إن الاجتماع اليومي للمسلمين خمس مرات في اليوم بلا أي فائدة حقيقية سوى التحضير للحياة الثانية البرزخية، وللهروب من عذاب القبر ولسعات وضربات ناكر ونكير، تدمر لدى هؤلاء الناس أي إحساس بالحياة التي يعيشونها، وتفقدهم أي رغبة في الحصول على أية مطالب معيشية طالما أنهم يائسون تماماً من هذه الحياة الفانية كما أقنعهم بذلك مفتي السلطان منذ ولادتهم.
يوجد تعارض وصدام حقيقي إذن حول مفهوم المجتمع المدني الذي لن يولد في ظل معتقدات الآخرة، ذلك بأن المجتمع المدني هو التجمع والتمركز من أجل مطالب حياتية محضة، مطالب بالحرية والرفاه الاجتماعي والخدمات الصحية. أعتقد أن تفكيك المعتقدات الوثنية الموروثة منذ آلاف السنين هو الحل، وإلا فإن هذه المعتقدات سوف تستمر في استبدادها وسيطرتها على كامل النشاط العقلي للإنسان المسلم بصورة تحول بينه وبين ما يؤدي إلى تبلور قوى اجتماعية منظمة تعمل بأهداف معروفة ومعلنة للارتقاء بمستوى سعادة الأفراد والمجتمع ككل.
أخيراً أحبائي وأصدقائي وقرائي الأعزاء، ليس لي إلا أن أردد الأدعية التالية لكي أخلص ضميري كما يفعل كل مسلم.
اللهم اصلح أحوال المسلمين .. كيف ؟؟؟؟
اللهم سدد خطانا ... بلا عقل بشري قادر على التنظيم ؟؟
اللهم اغفر لنا خطايانا ... خطاياهم مثل ماذا ؟؟؟
اللهم انصر الإسلام والمسلمين .. حالة حرب دائمة .. لماذا ؟؟!
اللهم سدد رمي المجاهدين في أفغانستان وباكستان ... هذه آخر الصيحات !!
اللهم دمر اليهود وأعوان اليهود ... أحفاد القدرة والخنازير !
اللهم دمّر سويسرا أعداء الإسلام ... بسبب المآذن طبعاً !
اللهم اقبل توبتنا .. التوبة عن ماذا ؟؟
واجعل القرآن ربيع صدورنا .. قابلوني لو رأيتم خير وهذا الهراء يدرس لكم
اللهم اسقنا الغيث يا أرحم الراحمين .. لماذا لا يتم إنشاء مشاريع ري وتحويل قنوات من الأنهار وحفر آبار ارتوازية ونخلص من جمائله سبحانه ؟؟؟
اللهم
اللهم
اللهم
آمين
إلى متى هذا الوهم وهذا الهراء ؟؟؟!
السؤال الأخير: هل يمكن تشكيل مجتمع مدني مثل الناس اللي عايشة والأمم التي تحترم نفسها وقدرات أفرادها في ظل هكذا معتقدات ؟؟؟
أرجو موافاتي بالتعليق عبر البريد شاكراً للجميع جهودهم سلفاً
شكراً للمتابعة
#صلاح_يوسف (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟