|
وهم إلغاء الطائفية السياسية
عبد القادر الحوت
الحوار المتمدن-العدد: 2843 - 2009 / 11 / 29 - 05:11
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
في خمسينات و ستينات القرن الماضي، تكاثرت الخطابات و الدعوات من قبل السياسيين اللبنانيين، الكبار منهم و الصغار، من أجل إلغاء الطائفية السياسية. كان في رأس حربة المؤيدين، الساسة المنتمين للطائفة السنية، و في رأس حربة المعارضين، الساسة المنتمين للطائفة المارونية. تشكلت تحالفات سياسية، على وقع رصاصات الحرب الباردة و أحلاف بغداد و القاهرة، و معها بدأت الأزمات الدستورية و الأمنية. خلال كل أزمة، كان مطلب إلغاء الطائفية السياسية يرتفع ثم يندثر مع إنتهائها، حتى إندلعت الحرب الاهلية خلف هذا الشعار. إنتهت الحرب و لم تنتهي الطائفية. ما إنتهى هو نفوذ الموارنة في السلطة، الذي إنتقل إلى المنتصر السني.
اليوم، بعد أزمات عديدة منذ إتفاق الطائف، ترتفع من جديد مطالب إلغاء الطائفية السياسية، لا من قبل الساسة السنة بل من قبل الساسة المنتمين إلى الطائفة الأكثر إزديادًا، الطائفة الشيعية. فجر نبيه بري قنبلة إعلامية مع إعلانه الدعوة إلى إلغاء الطائفية السياسية (و هي دعوة مذكورة في إتفاق الطائف)، ما لبث أن ردّ عليها ما تبقى من فريق 14 آذار بالرفض المطلق أو بالمطالبة بتأجيل البحث بالموضوع أو ربطها بسلاح حزب الله. ما طرحه نبيه بري، و معه حلفاءه بمن فيهم حزب الله، ليس إلا مناورة سياسية طائفية، لا تختلف عن سابقاتها بشيء.
فأولا، ماذا يعني بري بإلغاء الطائفية السياسية؟ إلغاء الطائفية السياسية يعني إلغاء التقسيم الطائفي للسلطة التشريعية (لا يوجد تقسيم طائفي في الدستور للسلطة التنفيذية، إنما مجرد عُرف)، أي إلغاء التقسيم الطائفي لمجلس النواب. و لكن، و هنا خديعة إتفاق الطائف، إلغاء الطائفية السياسية يجب أن يتزامن مع إنشاء مجلس شيوخ طائفي. أي أن هذا الطرح لن يلغي الطائفية من السياسة بل سينقلها من مجلس نواب إلى مجلس "أعلى"، أي مجلس الشيوخ. فهذا المجلس سيملك حتمًا صلاحيات نقض لقرارات مجلس النواب و بشكل خاص بما يتعلق بالطوائف!
ماذا يستفيد لبنان إذن؟ لا شيء، بل على العكس، سيخسر الناخب ما تبقى من سلطة يمارسها صوريًا كل أربعة سنوات. فإنتخاب مجلس الشيوخ سيكون مختلفًا، و ربما لن يكون بشكل مباشر من قبل الشعب. أي أن السلطة الفعلية ستنتقل من الشعب إلى طبقة حاكمة طائفية، تنتخب نفسها في مجلس شيوخ ذو صلاحيات أعلى. فعبر مجلس نواب غير طائفي "قاصر"، و "ولي أمره" مجلس الشيوخ الطائفي، لن يكون لصوت الناخب أي قيمة فعلية في المشاركة في السلطة. (هذا ناهيك أن لا شيء يوحي بأن إنتخاب رئيس الجمهورية سيكون مباشرة من قبل الشعب).
لماذا هذا الطرح و لماذا الآن؟ لا يخفى على أحد أن الطائفة الشيعية هي الأكثر عددًا، و رغم ذلك فإن السلطة الفعلية متركزة في يد "السنية السياسية". و بما أن رغبة البشر الأولى هي القوة و المزيد من القوة و السلطة، فإن "الشيعية السياسية" تحاول اليوم تقليد ما قامت به السنية السياسية و المارونية السياسية سابقًا، أي الحصول على المزيد من الإمتيازات في النظام اللبناني. التهديد بإلغاء الطائفية السياسية مع الواقع الديمغرافي الجديد، هو إذن ليس إلا مناورة سياسية طائفية من قبل فريق سياسي للحصول على مزيد من السلطة. التاريخ سيتككر من جديد، كما حصل سابقًا مع الساسة السنة قبل الحرب الأهلية، يحصل اليوم مع الساسة الشيعة : وهم الأكثرية العددية، وهم بأن طائفة تستطيع أن تحكم وحدها بهناء لبنان، وهم بأن لبنان معزول عن محيطة الإقليمي أو العالمي.... وهم بأن القرار السياسي في لبنان، يصنعه اللبنانيين. و طبعًا، بالنسبة للمواطن، وهم بأن أحزاب طائفية ستلغي الطائفية!
الحل؟ الحل لا يكون سوى بإلغاء الطائفية، ليس فقط الشق السياسي، بل إلغاء كل أشكال الطائفية من الدولة. إلغاء القوانين الاقتصادية، الاجتماعية، السياسية، الجزائية ... الطائفية. إلغاء وظائف رجال الدين في لبنان، من منصب المفتى إلى كل المناصب الدينية الرسمية. شطب الطائفة من سجلات القيد العام. إقرار قانون مدني موحّد للاحول الشخصية. فصل كامل للدين عن الدولة، بما فيها منع إنشاء الاحزاب على أساس طائفي. أي بإختصار، إقرار نظام علماني حقيقي و كامل. و هذا ما كان يرفضه الساسة الموارنة و السنة سابقًا (و ما زالوا)، و هو ما يرفضه أحد أهم أركان النظام الطائفي الحالي، نبيه بري. (و هو حتمًا ما يرفضه حزب ديني كحزب الله).
و لكن من سيحقق هذا النظام العلماني؟ من سيقرر السير بعكس تيار الطائفية و مناوراتها القذرة، و يدعو و يناضل بشكل فعلي لإلغاء الطائفية، كل الطائفية، و إقرار العلمانية؟ الحزب الشيوعي ما زال يعيش توهمات أحلام اليقظة، على وقع أغاني مرسيل خليفة و أمام صور غيفارا.. أما باقي اليسار العلماني، فما زال مشرذمًا، متفرّقًا، ينطبق عليه المثل : إتفقوا على ان لا يتفقوا. الطائفية في لبنان لن تلغى من النفوس قبل إلغاءها من النصوص، و بشكل خاص قانون الاحوال الشخصية. العكس غير صحيح، و هو ما أثبتته مئتي عام من الطائفية في لبنان. فكيف يمكن للمواطن أن يفكر، أن يعمل، أن يعيش خارج القيد الطائفي إذا ما كانت الطائفية تلاحقة في كل ما يفعل : من السياسية إلى العمل إلى الزواج... الخطوة الأولى لإلغاء الطائفية تبدأ إذن، بقانون زواج مدني موحّد لكل اللبنانيين...
#عبد_القادر_الحوت (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الحركات الإسلامية، نقاط الخلاف الأساسية
-
إلى اليسار اللبناني... إقتراحات
المزيد.....
-
دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه
...
-
في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا
...
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
-
ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات
...
-
الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
-
نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله
...
-
الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|