محمد عبد الفتاح عليوة
الحوار المتمدن-العدد: 2841 - 2009 / 11 / 27 - 18:12
المحور:
حقوق الانسان
الأصل في العبادات التعبد المحض دون النظر إلى الحكم والمقاصد، لكن لا بأس من سبر أغوار الشعائر لفهم معانيها، واستخراج العبر والدروس المستفادة منها، كمنهج حياة وفكرة رائعة قيمة يمكن أن تقدم للإنسانية شيئا، وتدفعها إلى التطور والرقى، بعيدا عن أوحال المادية وسعارها المجنون.
والحج غنى بالفلسفة والأسرار والأفكار النافعة للبشرية، ومنها على سبيل المثال :
أعمال الحج ليست أعمال تجريدية، رغم أنها كلها تصب في هدف تجريدي واحد ألا وهو الوحدانية، والوحدانية تجريد الإله عن التجسيد والتمثيل أو التعدد والشريك، فهو واحد ولا يحده زمان أو مكان، كما ليس كمثله شيء، فالطواف والسعي والوقوف بعرفة واستلام الحجر الأسود ورمى الجمار وغيرها من مناسك الحج كلها أعمال ظاهرة تراها العيون وتدركها الحواس، فالطواف حول بيت الله الحرام "الكعبة".. بناء واضح المعالم محدد بحدود معينة لا يجوز تعديها، والسعي بين الصفا والمروة ..جبلين محددين واضحين في معالمهما وشكلهما، والوقوف بعرفة وقوف بمكان له حدود واضحة أيضا لا يجوز تعديها وإلا بطل الحج، ورمى الجمار، وما أدراك ما رمى الجمار؟ إنك ترجم إبليس، وهل تراه؟ إنه مجرد.. لكن له رمز واضح المعالم، وشكل يتجه الحجيج صوبه بالرمي.
وكل هذه المناسك تصب في هدف التوحيد الخالص أي التجريد الخالص، فهل يمكن الجمع في الإسلام بين التجريد والتمثيل، أو بين الظاهر والباطن، أو بين الغيب والشهادة ؟
إن هذه الفلسفة هي جوهر الإسلام، بل هي حقيقة الإنسان، فالإنسان يجمع في تناغم واضح بين المرئي وغير المرئي، بين الجسد والروح، بين ما هو من عالم الشهادة وما هو من عالم الغيب المجرد، وفلسفة الإسلام قائمة على إشباع الجانبين، دون أن يطغى أحدهما على الآخر كما فعلت الفلسفات المادية الأرضية.
ومن هنا كان الحج يتمثل فيه إشباع حاجة الروح إلى الاتصال بمنبعها وأصلها، وحاجة الجسد إلى قيام أعمال الحج حول رمزيات واضحة مجسدة مثل الكعبة والصفا والمروة والحجر الأسود وعرفة وإبليس اللعين.
فهل توجد في الدنيا فلسفة كهذه؟ تحدث التناغم بين المتناقضات في توازن عجيب ينفى عن النفس الاضطراب والقلق الذي يدفعها إلى التخلص من حياتها، ويلفها بالسعادة الغامرة التي تمنحها النعيم الأبدي في الدارين .
والأمثلة على هذه الحقيقة وتلك الفلسفة أكثر من أن تحصى، ليس في الحج فحسب، لكن الفن الإسلامي خير شاهد على إشباع الجانبين المادي والمعنوي في الإنسان، فالفن الإسلامي يحقق صفاء الروح ولذة النفس، كما يشبع حاجة الجسم إلى النظر إلى الجمال الذي يضفى على النفس سعادة غامرة لكنه، في نفس الوقت لا ينحط به إلى حضيض الشهوات.
ترى هل يمكن اعتبار الحج وثنية كما يدعى المهووسون بحضارة المتع والشهوات ؟ لابد من مراجعة الذات..
#محمد_عبد_الفتاح_عليوة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟