عن الإصلاح الاقتصادي واتفاقية الشراكة السورية الأوروبية

رائد نقشبندي

الحوار المتمدن-العدد: 863 - 2004 / 6 / 13 - 08:22
المحور: الادارة و الاقتصاد
    

لا تنكر الحكومة السورية الحاجة إلى الإصلاح الاقتصادي والتحديث الإداري والمؤسساتي، كما أنها تعمل على إعداد استراتيجيات وخطط هذا الإصلاح وتوفير مستلزماته، وأكثر من ذلك فقد بدأت بعض المبادرات تدخل حيز التطبيق، ولا يسع أي مراقب منصف أن يتنكر لشيء من ذلك. كذلك يتفق الجميع على أن الإصلاح لا يسير بالسرعة المطلوبة اللازمة لمواجهة التحديات الماثلة أمام الاقتصاد السوري، فما سبب ذلك؟
لا شك بأن اتخاذ قرار بشأن المبادرة إلى إصلاح اقتصادي وتحديث إداري ومؤسساتي بالحجم المطلوب في سوريا سيفرض على المسؤولين، انطلاقاً من تحملهم للمسؤولية، نوعاً من التردد ومراجعة الحسابات بدقة خوفاً من الفشل، لأن الفشل سيزج البلاد في نفق قد لا تستطيع الخروج منه، ولأن القرار لا يتعلق بحاضر سوريا وحسب بل بمستقبلها كذلك. إلا أن عامل الوقت مهم جداً في صنع القرار، لأن المعطيات تتغير بسرعة، والأزمة عندما تتفاقم تتغير في أبعادها، وبالتالي إذا تم اتخاذ القرار بشكل متأخر قد يكون لا معنى له لأنه بات يعالج مسائل من الماضي وسيتطلب الأمر إعادة تحديث المعطيات والبدء في التفكير من جديد. فما الذي ساعد ويساعد بلداناً أخرى على اتخاذ قرارات بهذا الحجم والمضي فيها وتنفيذها؟
يتمثل جزء من ذلك في أن حكومات تلك البلدان تخلت عن طريقة التفكير الوصائية القديمة في التخطيط لمثل هذه البرامج (من الأعلى) وبادرت إلى إعلان برامجها ومواعيدها أمام ممثلي الشعب مما يجعلها مسؤولة عن تنفيذ خططها ضمن هذه المهل الزمنية، ومما يعطي شعبها فرصة للتفكير معها في هذه البرامج. فهل أعلنت الحكومة السورية عن مثل هذه البرامج والمواعيد والمهل الزمنية أمام مجلس الشعب بشكل يجعلها عرضة للمساءلة؟ إن عدم الإعلان يشكل بمعنى من المعاني تهرباً من المسؤولية، وهو في ذلك لا يقل خطورة عن اتخاذ قرارات خاطئة أو الفشل في تنفيذ قرارات اتخذت. تلك هي المعادلة الصعبة للمسؤولية.
لا شك في أن الانتقال من الاقتصاد المركزي التخطيط إلى اقتصاد السوق هو عملية معقدة وخطيرة الآثار إن لم تتم قيادتها بعلم ومسؤولية. وربما كانت سوريا تفتقر بعض الشيء إلى خبرات التخطيط لاقتصاد السوق إلا أن الخبرات العلمية يمكن الحصول عليها واستقدامها من الخارج عند الضرورة، لكن هذه الخبرات لن تستطيع أن تحل محل المسؤولين عن اتخاذ القرار.
من المعروف أن اتفاقية الشراكة السورية الأوروبية تنص على أن تقدم المجموعة الأوروبية الدعم للحكومة السورية في برنامجها للإصلاح الاقتصادي وخاصة في مجال الخبرات العلمية في الانتقال من التخطيط المركزي إلى آليات التخطيط الخاصة باقتصاد السوق، ولكن اتفاقية الشراكة تتعثر هي الأخرى نتيجة ضغوط سياسية واشتراطات لا تقبل بها سوريا. والسؤال الذي يطرح نفسه هل سينتظر الإصلاح الاقتصادي نجاح مفاوضات الشراكة؟ ينبغي العمل على فك مثل هذا الارتباط إن كان قائماً. لأنه طالما كان قرار الإصلاح قراراً وطنياً سورياً بدليل ما ذكرناه ابتداء عن تفكير الحكومة فيه فلا يجب أن يرتهن لاتفاقية الشراكة.
وهنا تظهر مجدداً أهمية إعلان الحكومة عن برنامجها ومواعيده الزمنية، لأن ذلك سيتيح المجال للتفكير في مصادر أخرى للدعم الخارجي المطلوب. إن وجود برنامج معلن سيسهل جهود تسويقه مع أطراف أخرى. ولكي لا نذهب بعيداً يمكن الاستعانة بدعم وخبرات بلدان عربية شقيقة منها من قام بانتقال مماثل كمصر مثلاً، ومنها من قامت جهوده التنموية أساساً على اقتصاد السوق كبلدان مجلس التعاون الخليجي، وكلتا الخبرتين يحتاجهما مشروع الحكومة السورية في الإصلاح الاقتصادي. أليس من الممكن لسوريا أن تستثمر رصيدها مع أشقائها العرب لإطلاق مبادرة عربية متكاملة لدعم برنامج الحكومة السورية في الإصلاح الاقتصادي؟ ألن يشكل ذلك سابقة تاريخية بكل معنى الكلمة؟
من جهة أخرى سيدعم إعلان الحكومة عن برنامجها ومواعيده موقفها التفاوضي مع المجموعة الأوروبية، لأنه سيثبت أن سوريا جادة في عزمها على إصلاح اقتصادها والانتقال به إلى مصاف الاقتصادات الحديثة وهو ما يجعل من الشراكة أمراً مرغوباً به، وينقلها إلى مفهوم أعلى. لأن أي طرف يفضل الشراكة مع اقتصاد معافى على اقتصاد يحتاج للإصلاح كشرط لقيام الشراكة. كما أن السعي للحصول على الدعم المطلوب من جهات أخرى سيحسن هو الآخر من موقف سوريا التفاوضي ومن الممكن تماماً أن نتصور نجاحاً لسوريا في استقطاب دعم عربي لمشروعها لا يسد الطريق على حصولها على الدعم الأوروبي بل يتكامل معه، مخففاً في نفس الوقت من حجم الضغوط للحصول على ثمن سياسي من سوريا مقابل الشراكة الاقتصادية.
ويبقى السؤال المهم قائماً: متى ستعلن الحكومة عن برنامجها الزمني للإصلاح الاقتصادي؟

#رائد_نقشبندي (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات