|
ماهي علاقة الدستور بحرية التعبير عن الرأي ؟
مالك منسي الحسيني
الحوار المتمدن-العدد: 2840 - 2009 / 11 / 26 - 23:52
المحور:
دراسات وابحاث قانونية
تعد حرية التعبير عن الرأي من القيم الجوهرية التي تميز بها الكائن البشري عن سواه من المخلوقات ، وقد أولت الرسالات السماوية و القوانين الوضعية أهمية كبرى لحرية الإنسان على إعتبار إن هذا المخلوق يجب ان يكون حراً ، فالإنسان حر في داخله و يجب ان يكون حُراً في خارجه ، فهذه هي المساحة الحقيقية للحرية ، و ما لم يحس الانسان أحساساً كاملاً بأنه قادر على التعبير عن رأيه و الافصاح عما في داخله فإنه سيتحول الى كائن متمرد و يدفعه الكبت الى البحث عن خيارات أخرى حتى لو كانت ممنوعة أو مرفوضة اجتماعيا أو ذات اتجاهات متطرفة و مغالية ويروي لنا التاريخ كيف ولدت التيارات المتطرفة في أجواء الحصار و مصادرة حرية التعبير بينما كانت في اصولها وبداياتها معتدلة ، فالعصر الذي اتيح فيه للفرد ان يعبر عن ذاته وان يعارض و ان ينتقد هو الوقت الذي تقدمت فيه الانسانية ، و حينما انتصر الاستبداد والقهر وما تبعه من انتزاع لهذا الحق من الانسانية لم يكن هناك حضارة ولم يكن هناك تقدم . عليه فهي تعد بحق من أهم الحريات و الحقوق المدنية و السياسية للإنسان وهى ضرورية لإحساس الإنسان بمعنى وجوده ، و لهذهِ الحرية معنى واسع يندرج تحته العديد من الحقوق منها الحق في تكوين الأحزاب و الجمعيات الأهلية والنقابات المهنية و العمالية و الإضراب والفكر والوجدان والدين و التظاهر و الاجتماع السلميين وإصدار الصحف و التمثيل السينمائي و المسرحي و البث الهوائي . و يعرف ذلك الحق بتعريفات عدة منها (( بأن يتمكن كل انسان من التعبير عن آرائه وافكاره بأية وسيلة من الوسائل كأن يكون ذلك بالقول أو بالرسائل أو بوسائل النشر المختلفة كالبريد أو البرق أو الاذاعة أو المسرح أو السنما أو التلفزيون أو الصحف )) . كما و يقصد بها أيضاً (( حق الفرد في التعبير عن أفكاره ووجهات نظره الخاصة سواء عن طريق ممارسة الشعائر الدينية ، أم عن طريق التعليم والتعلم ، أم عن طريق الصحافة أو الاذاعة أو التلفاز أو البرق أو البريد )) . كما و عرفت بأنها (( التعبير عن الأفكار و الآراء عن طريق الكلام أو الكتابة أو عمل فني بدون رقابة أو قيود حكومية بشرط أن لا يمثل طريقة و مضمون الأفكار أو الآراء ما يمكن اعتبارهُ خرقاً لقوانين و أعراف الدولة أو المجموعة التي سمحت بحرية التعبير )) . وحرية التعبير تعني التعبير الخارجي والإفصاح العلني عن الأفكار الباطنية وإخراجها إلى الواقع العلمي والفكري . وبصفة عامة يمكن القول ان حرية التعبير ليست الا سقوط العوائق التي تحول دون ان يعبر المرء بفطرته الطبيعية عن ذاته وعن مجتمعه تحقيقاً لخيره و سعادته . و بالعودة للدستور و علاقته بهذا الحق المهم يمكن القول إن الدستور هو القانون الاساسي للدولة ، وتحتل قواعده قمة التسلسل الهرمي للقواعد القانونية ، وهي ملزمة لجميع السلطات من تشريعية وتنفيذية وقضائية ، مما يعني ان تنظيم الحريات العامة بشكل عام و حرية الراي و التعبير بشكل خاص في الاطار الدستوري يعطيها القدر الاكبر من الضمانة والاحترام ، اذ تتجلى اهمية الدستور فضلاً من كونه يبين أسس الحكم و العلاقة بين الحكام و المحكومين و حقوق و حريات الافراد ، فهو مجموعة من القواعد الضامنة لحرية الافراد في الدولة . ان ممارسة الفرد و الجماعات لحرية الرأي و التعبير يقتضي وجود ضمانات دستورية تكفل تلك الممارسة بصورة فعلية ، ولعل أهم الصعوبات القانونية الملحة في الوقت الحاضر ، تلك التي تتجسد في ايجاد ضمانات لحقوق الفرد وحرياته الذي أصبح ضعيفا في مواجهة الدولة القوية بسلطاتها ووسائل القهر التي تملكها . وفي الواقع العملي هناك عدة ضمانات دستورية لحرية الرأي و التعبير تعزز بمجموعها الحماية الدستورية لتلك الحرية وهذه الضمانات نوجزها بالآتي:- أولاً:- تدوين حرية الرأي و التعبير في نص مدون . ثانياً:- مبدأ سيادة القانون . ثالثاً:- مبدأ الفصل بين السلطات . أولاً:- تدوين حرية الرأي و التعبير في نص مدون تتمثل أوجه الحماية الدستورية لتلك الحرية و ذلك بتدوينهِا بنص في الدستور ، و ذلك عن طريق تضمينهِ نصوص محددة و واضحة لتلك الحرية ويأتي الغرض من تدوين الحريات العامة بشكل عام في الدساتير هو لاثبات وجود الحريات أصلاً من حيث تحديد مضمونها و تمكين المواطن من المطالبة بها على نحو محدد ، هذا من جانب ، ومن جانب آخر فأن تدوين الحريات في الدستور نفسه يرجع الى ما يتمتع به الدستور من أعلوية بين مختلف القواعد القانونية ، ومن ثم فأن تدوين الحريات فيه ، يعني إعطاءها مكانة رفيعة ، فضلا عن ان النص على الحريات في القوانين العادية من دون ذكرها في الدستور نفسه يجعل تلك الحقوق في حالة من عدم الثبات نتيجة للتغيرات التي يمكن أن تطرأ على القوانين العادية بخلاف ما تتطلبه الدساتير من شروط خاصة لتعديلها ، كما ان تدوينها في أهم و أسمى وثيقة قانونية في الدولة يكسبها مزيداً من الاحترام و الثبات ، ذلك لان النص عليها في الدستور يعني ان هذه الحرية هي من المبادئ الدستورية الوطنية التي يجب اتباعها و أحترامها من قبل السلطات المختصة بالتشريع و التنفيذ و القضاء . ولموضوع تضمين تلك الحرية في الدستور له علاقة طردية بمدى تطبيقها عملياً ، الا ان ضمان تلك الحرية دستورياً لا تتحدد بذات الوقت بمجرد تدوينها في الدستور فحسب ، بل يجب مع ذلك ضمان تطبيق النص الدستوري المنظم لتلك الحرية تطبيقاً دقيقاً و جدياً ، فالعبرة اذاً بما يجري في الحياة العملية ، فكم من دساتير صيغت بصورة جيدة وضمنت كافة الحريات على أحسن وجه ، الا ان التطبيق العملي يؤشر خلاف ذلك ، اذ لطالما أًسيء أستعمال هذه الحرية في بعض الدول لاسيما دول العالم الثالث ، أو عدم تطبيقها على الاطلاق ، و بالتالي عدم أحترامها لكون أغلب نظم هذه الدول هي أنظمة أستبدادية غير دستورية ، فمن الصعوية بمكان تكون رأي عام فعال دون الاعتراف صراحة بحرية الراي و التعبير وضمان ممارستها الفعلية ، وقد قيل ان تأثير الاشاعة ينعدم كلياً في بلد يضمن لافرادهِ مناقشة آرائهم بحرية تامة دون خوف أو قمع وهو ما لا يتأتى في ظل نظام أستبدادي ، فالنظام غير الديمقراطي لا يملك دستوراً حقيقياً . ثانياً:- مبدأ سيادة القانون يعد مبدأ سيادة القانون عنصراً من عناصر الدولة القانونية الحديثة و يتجسد في خضوع سلطات الدولة ( التشريعية ، التنفيذية ، القضائية ) لحكم القانون خضوع المحكومين له ، و يضمن هذا المبدأ أحترام حقوق المواطنين وحرياتهم عن طريق التزامهم بالقوانين التي تسري عليهم و التزام سلطات الدولة باحترامها وتطبيقها ، الا ان سيادة القانون لا تعني وجود القانون فقط ، أي مجرد وجوده بوصفه قانوناً بغض النظر عن مضمونه و محتواه ، فللأنظمة الدكتاتورية قوانينها أيضاً ، اذ لا يمكن التحدث عن سيادة القانون بلا مضمون قانوني يضمن أحترام حقوق الانسان و حرياتهِ بشكل عام ، فضلا عن ذلك ينبغي أن تتحق سيادة القانون واقعاً وفعلاً ، اذ لا يكفي النص في الدساتير والتشريعات على هذا المبدأ . و أنطلاقا من هذا المفهوم يجب مراعاة الأمور الآتية :- 1. ان سيادة القانون تستوجب عدم المساس بالدستور وقفاً أو تعديلاً أو الغاءاً من جانب أي من السلطات في الدولة خلافاً لنصوص الدستور و في الحدود التي يقررها ، و من ثم فأن أي خرق لتلك النصوص - ولو في الظروف الاستثنائية - يمثل إهداراً لأُسس الدولة القانونية وبالتالي لابد ان يواجه ذلك بالجزاء الصارم والحاسم . 2. كما أن سيادة القانون لا تتحقق الا بأحترام مبدأ الشرعية الجنائية ومقتضياته ، وهذا المبدأ يستند الى مرتكزين أساسيين هما :- • لا جريمة ولا عقوبة الا بنص ، فالتشريع هو المصدر الوحيد للتجريم و العقاب . • لا عقوبة دون حكم قضائي صادر من محكمة مختصة وفقاً للقانون . 3. على السلطة التشريعية أن تلتزم تماماً بنصوص الدستور والمبادئ القانونية العامة ، أذ يتعين على تلك السلطة أن تعي انها ليست مطلقة اليدين في وضع القوانين ، و انما مقيدة بحدود معينة ، ومن دون ذلك ، فأن سيادة القانون تكاد تفرغ من أي مضمون ، وتصبح السلطة التشريعية سلطة غير قانونية أو بالاحرى سلطة مستبدة . 4. يتوجب على السلطة التنفيذية أن تحترم سيادة القانون من خلال ألتزامها بحدود وظيفتها التي تقتصر في الاصل على وضع القوانين موضع التنفيذ ، فلا تتعدى دائرة عملها الا في الحدود التي بينها الدستور . 5. أخيراً ينبغي على السلطة القضائية أيضاً أن تلتزم في عملها بسيادة القانون و أحترامهِ عند الفصل بالمنازعات المعروضة أمامها ، فلا يجوز للقضاء أن يعطل حكم القانون لأي سبب كان ، و عدم منح حصانة لأعمال السلطة التنفيذية ضد رقابة القضاء بجميع صورها أو مظاهرها، وهذا يشكل بدوره مخالفة صريحة لما نصت عليه الاتفاقيات الدولية والنصوص الدستورية التي تجعل حق التقاضي مكفولاً للجميع . ثالثاً:- مبدأ الفصل بين السلطات يتمثل هذا المبدأ الهام بتوزيع سلطات الدولة الثلاث ( التشريعية ، التنفيذية ، القضائية ) بين هيئات منفصلة و مستقلة أستقلالاً عضوياً و وظيفياً عن بعضها الأخرى ، فلكي تقوم سلطات الدولة باداء المهام الملقاة على عاتقها على أكمل وجه ، ولضمان حريات المواطنين ، وللحيلولة دون استبداد الحكام ، فأنه يجب ان لا تتركز السلطة في شخص واحد او هيئة واحدة ولو كان الشعب نفسه ، فالسلطتان التشريعية والتنفيذية اذا أجتمعتا في هيئة واحدة ، فأن من شان ذلك أن يمكن السلطة التنفيذية من أصدار تشريعات تمنحها سلطات واسعة او أن تصدر قوانين هي في حقيقتها قوانين فردية تفتقر أهم خصائص القانون وهي العمومية و التجريد وتنتفي عن الدولة تبعاً لذلك صفة حكم القانون ، كذلك أجتماع التشريع و القضاء في هيئة واحدة ، قد يدفع بالمشرع الى سن قوانين مغرضة تتفق مع الحل الذي يريد تطبيقهُ علـى الحالات الفرديـة التي تعرض أمامه للقضاء فيها ، فيحابي من يشاء و يعصف بحقوق من يريد ، وينطبق هذا القول عند الجمع بين سلطتي التنفيذ و القضاء أيضاً اذ تنتفي بذلك رقابة القاضي على عدالة التنفيذ وشرعيته ، لذلك عمدت الدول في دساتيرها الى عدم الجمع بين السلطات بل أوجبت توزيعها بين هيئات مختلفة ، تمارس كل هيئة احدى السلطات ، وتكون كل سلطة مستقله عن الاخرى ، فتكون هناك سلطة تشريعية تختص بالتشريع ، وسلطة تنفيذية تتولى مهمة تنفيذ القوانين ، وسلطة قضائية تقوم بتطبيق التشريعات التي تصدرها السلطة التشريعية . هذا ويلاحظ ان المقصود بهذا المبدأ ليس الفصل التام او المطلق بين السلطات و انما الفصل المرن او النسبي من حيث ضرورة تعاون السلطات ورقابة احداها على الاخرى ولا سيما بين السلطتين التشريعية و التنفيذية لمنع أي منهما من الاستبداد او الانحراف وبالتالي توفير أكبر ضمانة للفرد لتمتعه بحقوقه وحرياته التي كفلها له الدستور . * ماجستير قانون دولي / المركز العلمي العراقي للدراسات [email protected]
#مالك_منسي_الحسيني (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
غرق خيام النازحين على شاطئ دير البلح وخان يونس (فيديو)
-
الأمطار تُغرق خيام آلاف النازحين في قطاع غزة
-
11800 حالة اعتقال في الضفة والقدس منذ 7 أكتوبر الماضي
-
كاميرا العالم توثّق معاناة النازحين بالبقاع مع قدوم فصل الشت
...
-
خبير قانوني إسرائيلي: مذكرات اعتقال نتنياهو وغالانت ستوسع ال
...
-
صحيفة عبرية اعتبرته -فصلاً عنصرياً-.. ماذا يعني إلغاء الاعتق
...
-
أهل غزة في قلب المجاعة بسبب نقص حاد في الدقيق
-
كالكاليست: أوامر اعتقال نتنياهو وغالانت خطر على اقتصاد إسرائ
...
-
مقتل واعتقال عناصر بداعش في عمليات مطاردة بكردستان العراق
-
ميلانو.. متظاهرون مؤيدون لفلسطين يطالبون بتنفيذ مذكرة المحكم
...
المزيد.....
-
التنمر: من المهم التوقف عن التنمر مبكرًا حتى لا يعاني كل من
...
/ هيثم الفقى
-
محاضرات في الترجمة القانونية
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
قراءة في آليات إعادة الإدماج الاجتماعي للمحبوسين وفق الأنظمة
...
/ سعيد زيوش
-
قراءة في كتاب -الروبوتات: نظرة صارمة في ضوء العلوم القانونية
...
/ محمد أوبالاك
-
الغول الاقتصادي المسمى -GAFA- أو الشركات العاملة على دعامات
...
/ محمد أوبالاك
-
أثر الإتجاهات الفكرية في الحقوق السياسية و أصول نظام الحكم ف
...
/ نجم الدين فارس
-
قرار محكمة الانفال - وثيقة قانونيه و تاريخيه و سياسيه
/ القاضي محمد عريبي والمحامي بهزاد علي ادم
-
المعين القضائي في قضاء الأحداث العراقي
/ اكرم زاده الكوردي
-
المعين القضائي في قضاء الأحداث العراقي
/ أكرم زاده الكوردي
-
حكام الكفالة الجزائية دراسة مقارنة بين قانون الأصول المحاكما
...
/ اكرم زاده الكوردي
المزيد.....
|