جابر الأسدي
الحوار المتمدن-العدد: 2840 - 2009 / 11 / 26 - 17:01
المحور:
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
صدر مؤخرا كتاب قيم للبروفسور في العلوم الإجتماعية البلجيكي جان بريغموت و قد ترجم إلى اللغة السويدية و طبع بإسم – الإمبريالية الإنسانية – و يعتبر هذه الكتاب قيما من ناحية أنه يكشف أهداف الحروب العدوانية التي تشنها الإمبريالية العالمية و يفضح اسبابها و ينبه إلى مخاطر الحجج التي تسوق لتبرير التدخل في شؤون الدول الأخرى و إسقاط الأنظمة خارج قرارات الشرعية الدولية.
يشنون الحروب هنا و هناك و يتدخلون في شؤون الآخرين و يحاولون إقناعنا بحجج قد تبدو مقنعة بأنهم إنما يقومون بذلك من أجل الدفاع عن حقوق الإنسان , لكن البروفيسور البلجيكي جان بريغموت صاحب كتاب , الإمبريالية الإنسانية , يقف بالضد من هذه الحروب القذرة التي تشنها الإمبريالية على صنائعها السابقين , و يفند بريغموت في كتابه كافة الحجج التي تسوق لتبرير ما يحدث من تدخل سافر في شؤون الدول الأخرى.
تحاول الإمبريالية العالمية إخفاء الطبيعة العدوانية للحروب الحالية , من خلال الحديث عن حقوق الإنسان أو الحرب على الإرهاب كتبريرات مقنعة تسوغ لها التدخل في شؤون الآخرين أو القيام بحروب إستباقية أو وقائية كما يسمونها لدفع الخطر بعيدا عن بلدانها.
لكن ما يكشفه بريغموت في كتابه يدحض كل هذه الحجج الواهية التي أُقنعنا بها , و يتحدث الكاتب عن الأجندة السياسية – الإقتصادية المخفية للإمبريالية العالمية.
فبعد إعصار تسونامي في جنوب شرق آسيا , تحركت الإمبريالية العالمية و بحجة مساعدة ضحايا هذا الإعصار مطالبة الدول الأخرى بتطبيق سياسة السوق الإستعمارية الجديدة أو ما يسمى بالليبرالية الجديدة مستخدمة صندوق النقد الدولي كوسيلة لفرض سياساتها على الدول الفقيرة و المحتاجة لمثل هذه المساعدات العاجلة.
أما في العراق فتتوضح سياسة الإمبريالية العالمية و تكشف عن نفسها بطريقة بشعة و لم تعد خافية حتى على أقرب حلفاء الإمبريالية و المروجين لسياساتها ,واحتلال هذا البلد لم يؤدي سوى إلا إلى إزاحة الدكتاتور صدام , لكن الدولة العراقية و مؤسساتها إختفت و إتخذت شكلا هلاميا تتصارع في داخله قوى عشائرية و دينية و سياسية مختلفة محاولة الإستفادة بشكل فئوي ضيق من تداعيات إنهيار الدولة العراقية. و من نتائج هذا الإنهيار الشامل هو تعميق الخصخصة و توقف أغلب المعامل و المصانع العراقية عن العمل و دخول رأس المال الطفيلي المدعوم من قبل الشركات و الإحتكارات المتعددة الجنسية و التي تمتلكها الإمبريالية العالمية , و أغرق السوق العراقي بالسلع و المنتجات المستوردة من كافة المناشئ على حساب المنتج الوطني , و اصبحت السوق العراقية من أكبر اسواق تصريف المنتجات التي كانت مكدسة في مخازن الشركات الإحتكارية و علاها الصدأ , أو منتجات قديمة بالية لم يعد العالم المتقدم يستخدمها.
لقد أدت هذه السياسات إلى حرمان العمال من وظائفهم و توقف عجلة الإنتاج أو تراجعها في الكثير من المصانع و بذرت موارد البلد نتيجة الفساد و السرقات الواسعة , و دخلت الإحتكارات الغربية بقوة كي تسيطر على موارد العراق , و حتى و إن بدت تلك الشركات غير أمريكية أو غير غربية , لكن رأسمالها أمريكي و غربي بنسب عالية , أو أن الإحتكارات الإمبريالية دخلت في صفقات مع الشركات الأخرى الغير مملوكة لها و قد بدا هذا جليا في عقود النفط التي أبرمت مؤخرا.
و إذا أردنا الحديث بشكل عام لوجدنا بأن القوى الإمبريالية و إحتكاراتها هي التي تدير الحروب و تفرض سياسات الأمر الواقع على البلدان الأخرى. و يعتبر التواجد العسكري رديفا للسيطرة الإقتصادية و حاميا لها و ما التواجد العسكري الأمريكي في العراق إلا دليلا على ذلك و الهدف منه هو الحفاظ على منابع النفط و السيطرة عليها من خلال عقود طويلة الأجل قد تبدو قانونية من الوهلة الأولى , لكنها ثمن يجب أن يدفع نتيجة ما تسميه الإمبريالية العالمية إسقاط الأنظمة القمعية , مع إشارة بسيطة وهي أن الأنظمة القمعية في العالم أجمع دعمت من قبل الإمبريالية العالمية و تم إمدادها بجميع أنواع الأسلحة عندما كانت تنفذ أجندة الإمبريالية العالمية في شن الحروب أو التصدي لحركات التحرر , أو محاربة الأنظمة الشيوعية أيام الحرب الباردة , و حركة طالبان و القاعدة أحد الأمثلة لهذا الدعم و التعاون بين الإمبريالية العالمية و التنظيمات و القوى الإرهابية المعادية لحقوق الإنسان. أما في حالة العراق فإن نظام صدام حسين لقي التشجيع و الدعم من لدن القوى الإمبريالية عندما كان يشن حروبه العدوانية و يبذر موارد العراق.
لقد جاءت الحروب الإمبريالية الجديدة متزامنة مع إقامة أمريكا لقواعد عسكرية في جميع أنحاء العالم , من أمريكا اللاتينية الى افريقيا و الهدف منها هو تطويق الصين القوة الإقتصادية و العسكرية الصاعدة و روسيا التي تعتبر و بالرغم من زوال الإتحاد السوفيتي العدو التقليدي للولايات المتحدة الأمريكية.
و تجري عملية إحياء لمعاهدة سايكس بيكو التي عقدها المنتصرون في الحرب العالمية و كان هدفها تقسيم العلم بين الدول المنتصرة في تلك حينما بدأت بإخضاع الكثير من البلدان للإحتلال المباشر , أما الآن فتطبق معاهدة سايكس بيكو جديدة هدفها تجزئة البلدان ( المعادية حسب عرفهم ) إلى دويلات عرقية و طائفية و مناطقية مما يشكل اساسا لحروب داخلية و نزاعات طائفية تجعل هذه البلدان مسيطر عليها على الدوام.
كل هذه التدخلات حدثت و تحدث لأسباب ليس لها علاقة بمصالح الكادحين و المعدمين و المسحوقين أو الفئات الإجتماعية المسحوقة , بل لها علاقة بمصالح الكبار و رأس المال الإحتكاري , و ما هذه التدخلات إلا وسيلة تحاول فيها القوى الإمبريالية و الغرب عموما إملاء قيمها و أعرافها على الآخرين من خلالها.
#جابر_الأسدي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟