|
أهلة التطرف الإسلامي
ثائر الناشف
كاتب وروائي
(Thaer Alsalmou Alnashef)
الحوار المتمدن-العدد: 2839 - 2009 / 11 / 25 - 20:15
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
أول ما يتبادر إلى ذهن المرء ، عندما يدقق في ظاهر الدين ، سيجد نفسه أمام صور شتى ، أبهاها وأخلدها في الذاكرة ، صورة الصليب والنجمة والهلال ، ومن بعدها يبدأ في طرح التساؤلات ، حول الغاية من وجود هذه الصور في حاضر الإنسانية بقديمه وحديثه ، لتنتهي تصوراته وتخيلاته إلى التسليم برمزية وشعارية كل صورة وما ترمز إليه من علائم القوة لدى اليهود والألم عند المسيحيين والرفعة عند المسلمين . ننسى أحياناً في غمرة التقديس لهذه الرموز ، الانتباه أن خلفها جرت صراعات عقيمة وعميقة في آن ، ولازالت تلك الرموز تقسّم البشرية بسيف السياسة والمصالح إلى شرق وغرب ، تقدم وتخلف ، وبالمنحنى الديني إلى دار سلام وحرب ،متشدد ومعتدل ، فالكل في هذا الغمار ، يريد أن يجعل من ذاك الرمز كياناً سياسياً يعبر عن ذاته في بقعته الجغرافية المحددة تاريخاً سواء في أوروبا " الاتحاد الأوروبي " أو في الشرق الأوسط " الأمة الإسلامية " . ولأن التطرف والتشدد هما السمة الأبرز لمظاهر العصبية ، وأحد أركانها الرئيسية ، فإن كل الأديان ، فيها من التطرف ما يزيد عن تطرف اللادينيين ، ويصل الأمر بالمتدينين ، ونقصد بهم المتطرفين في فهم الدين والحياة بطريقة هرمية مقلوبة ، بالجزم نحو انعدام وجود من هو غير ديني ، مستندين في جزمهم هذا إلى الفطرة التي فُطِرَ عليها الإنسان لحظة خلقه واتصاله بالحياة . من الممكن القول ، إن تلك الفطرة وإن كانت موجودة في جينات البشر ، فإنها النواة التي سيقوم عليها بناء الشخصية ، وهي أيضاً التي ستحدد السلوك الفردي والجمعي في التماس طريق الخير والشر ، أو التطرف والاعتدال وما بينهما مع المحافظة على المسافة الفاصلة من الدين دون الخروج عنه . فلا يمكن القول ، إن المعتدلين ليسوا كلهم أو بعضهم لا دينيين ، وبالمقابل الجزم بأن كل متطرف هو ديني متعصب في إيمانيته ، فما يحدد التطرف والاعتدال في شخصية الإنسان الشرقي أو الغربي ، ليس المعيار الديني ، بقدر ما تحدده المسافة الاجتماعية الفاصلة بين التعصب لشهوات الدنيا وللذات الآخرة ، فليس هناك ما يبرر لأي إنسان كان ، أن يؤذي أخيه الإنسان في جسده وروحه لمجرد أن يحقق من خلاله شهواته ونزواته في الدنيا ، كما لا يبرر لمسلم أن يقتل يهودياً ، أو ليهودي أن يقتل مسلماً ، فقط لأن الأول يجد في الثاني مغنماً لدخول الجنة ، والثاني يرى الأول أدنى منه قدراً وأقل حقاً في الحياة . وما ينسحب على اليهودي والمسلم ، ينسحب كذلك على المسيحي وعلاقته المتعددة مع نظيره المسلم في الشرق واليهودي في الغرب ، والعلاقة نفسها بسلبها وإيجابيها ، هي ما يؤسس لنمو روح التطرف وتغذيه بوقود المصالح المتضاربة والمتباينة ، ولا يعني التطرف هنا ، المقاومة أو رد الفعل ، كونه غير مقنن بمنهجية سياسية وآلية عمل تنظم أهدافه ومراميه ، بل هو مجرد أفعال غير منضبطة بضوابط الأخلاق ، فهو أقرب ما يكون إلى الهمجية والعنجهية . إذن ليست النواة ولا الفطرة من المحددات الرئيسية للتطرف ، وإلا فإننا أمام مليارات المتطرفين ، لكن ما يحددها ، كما سبق وأشرنا ، تلك العلاقة السالبة أو الموجبة بين دين وآخر ، وبالتالي بين مجتمع وآخر ، وقد يكون أو لا يكون الحوار هو السبيل الوحيد لإنهائها ، لا سيما إذا ما جرى القبول بالحوار أو رفضه . وللتدليل على أن الفطرة ليست نواة التطرف، وكي لا يفهم من تدليلنا هذا، أننا تعمدنا تعميم التطرف على سائر الأديان، فإنه لا يسعنا في هذا المقام سوى إسقاط الضوء على واقع الصراع السياسي بين المسلمين أنفسهم كدول وجماعات سياسية ومذهبية. فما يغذي التطرف بين المسلمين أنفسهم ، ليست قضية التكفير أو غيرها من القضايا الفقهية مثار الجدل ، إنما الصراعات السياسية المستديمة عبر التاريخ ، وقد يجادل البعض هنا أن الأمر عائد في رمته إلى جوهر العقيدة التي جاء بها الإسلام أو إلى جملة التعاليم التي خرج بها القرآن ، أي الإصرار على أن الأساس يكمن في الفطرة ، ولكن من دون الاعتراف بها . والسؤال المطروح هذا اليوم، أليست الفطرة التي فُطِرَ عليها المسلم " السني" هي ذاتها التي فُطِرَ عليها المسلم " الشيعي"، إذن، ما الذي يعمل على تأجيجها ؟ وقد يقول قائل ، إن الفتاوى التي يتفوه بها المشايخ على الطرفين تحت مسميات درء الفتنة أو إشعالها ، هي ما يؤجج نار التطرف . ويفوتنا أحياناً أن تطرف القاعدة وحركة طالبان مركزٌ على المجتمعات " السنية " أكثر منها على " الشيعية " ، وأن صراع مجاهدي خلق مع النظام الخميني في إيران ، هو صراع شيعي - شيعي صرف ، وهنا لا تلغى الصراعات الجانبية بين مَن هو سني وشيعي ، وهي في مجملها صراعات سياسية أكثر منها مذهبية ، ونذكّر بالعلاقة البينية غير المؤكدة بين " تنظيم القاعدة" والنظام الخميني سواء في العراق أو أفغانستان ، وهي علاقة متضادة إيديولوجياً وعقدياً ، وبالعلاقة المؤكدة بين النظام الخميني وحركة "حماس" ذات التوجه الإخواني في فلسطين . فما نحن عليه اليوم من صراعات سياسية تجوب أرجاء الشرق الأوسط ، باتت تشكل في مجموعها محاور سياسية تتقاطع مع بعضها ، كما هو الحال بين المحور الإيراني " الديني " والمحور السوري " العلماني " ، أو تتصادم مع بعضها الآخر ، كعلاقة المحور الأخير مع مصر أو دول الخليج ، وحجة هذا المحور وغيره ، تعزيز (المقاومة) و(دعم جبهات الصمود) . إن المحاور السياسية ، باتت اليوم المصدر الرئيسي لأهلة التطرف الممتدة شرقاً وغرباً وفي كل الاتجاهات ، وهي أهلة ومحاور تعمل ضد بعضها البعض ، خلف غطاء الإسلام تارةً والسياسة تارة أخرى ، بدءاً من جنوب فلسطين وانتهاءً بشمال اليمن.
#ثائر_الناشف (هاشتاغ)
Thaer_Alsalmou_Alnashef#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الديكتاتور 16 ( الشاهد )
-
مأسسة الطائفية في سورية
-
شيوخ الإرهاب في دمشق
-
الديكتاتور 15 ( الحِداد )
-
الديكتاتور 14 ( الانقلاب )
-
الديكتاتور 13 (صحوة الزعيم)
-
نقد رعاعية النظام السوري
-
الديكتاتور 12 (معسكر الجيش)
-
هيثم المالح ... الحق لا يوهن الأمة
-
الديكتاتور 11 (المؤامرة)
-
الإسلام بين الاستبداد والديمقراطية
-
الديكتاتور 10 (مرض الزعيم)
-
الديكتاتور 9 ( المواجهة )
-
النظام السوري : القمع خبز الثورة
-
الديكتاتور 8 (الاستعداد للمواجهة)
-
إخوانية حماس : عبث الإسلام السياسي
-
الديكتاتور 7 ( المعارضة )
-
الديكتاتور6 ( القصر- مكتب الزعيم )
-
الديكتاتور 5 ( منتدى العدالة )
-
ماركس والاعتراف بمحمد
المزيد.....
-
خلال لقائه المشهداني.. بزشكيان يؤكد على ضرورة تعزيز الوحدة ب
...
-
قائد -قسد- مظلوم عبدي: رؤيتنا لسوريا دولة لامركزية وعلمانية
...
-
من مؤيد إلى ناقد قاس.. كاتب يهودي يكشف كيف غيرت معاناة الفلس
...
-
الرئيس الايراني يدعولتعزيز العلاقات بين الدول الاسلامية وقوة
...
-
اللجوء.. هل تراجع الحزب المسيحي الديمقراطي عن رفضه حزب البدي
...
-
بيان الهيئة العلمائية الإسلامية حول أحداث سوريا الأخيرة بأتب
...
-
مستوطنون متطرفون يقتحمون المسجد الأقصى المبارك
-
التردد الجديد لقناة طيور الجنة على النايل سات.. لا تفوتوا أج
...
-
“سلى طفلك طول اليوم”.. تردد قناة طيور الجنة على الأقمار الصن
...
-
الحزب المسيحي الديمقراطي -مطالب- بـ-جدار حماية لحقوق الإنسان
...
المزيد.....
-
السلطة والاستغلال السياسى للدين
/ سعيد العليمى
-
نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية
/ د. لبيب سلطان
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
المزيد.....
|