|
معوقات الإصلاح والتغيير في العالم العربي
نجيب الخنيزي
الحوار المتمدن-العدد: 2838 - 2009 / 11 / 24 - 12:22
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
جميع المجتمعات (المتقدمة والمتخلفة على حد سواء) تتميز بظاهرتي الثبات والتغيير، ومما يساعد على الاستمرار والثبات أو الركود ما يسمى بوسائل «الضبط الاجتماعي» ومنها، العرف، التقاليد، الموروث التاريخي والثقافي، الرأي العام، القانون، التشريعات، الأخلاق والتعليم، ناهيك عن تأثير قوى الممانعة والتخلف والجمود، وأصحاب الامتيازات والمصالح، الذين يستخدمون كل ما في جعبتهم من إمكانات ووسائل التضليل والإكراه والقمع المباشر (السلطوي) أو الرمزي (الاجتماعي) والذي نجد تعبيراته الفاقعة على المستويات كافة، وخصوصا ما مارسته وتمارسه السلطات الحاكمة من جهة وجماعات التطرف، التكفير، والإرهاب من جهة ثانية في جل المجتمعات العربية/ الإسلامية على امتداد العقود الماضية. وهناك من ناحية أخرى العوامل التي تساعد وتدفع باتجاه الحراك والتغيير الاجتماعي، يأتي في مقدمتها نمو التعليم، الثقافة، المعرفة، والوعي العام. التي يرافقها تبلور القوى والطبقات والفئات الاجتماعية (المجتمع المدني) الحديثة ووضوح مصالحها وأهدافها، واستعدادها للدفاع عنهما، كنتاج ومحصلة لتطور القوى المنتجة، ونشــوء الصناعــة، والقطاعات الاقتصاديـة الحديثـة التي تقف على طرف نقيض مع العلاقات الإنتاجية/ الاجتماعية وقيمها المعيقة السائدة ضمن هذا السياق التاريخي/ الموضوعي لا يمكن إغفال العامل أو الدور الذي يلعبه الأفراد والجماعات (النخب) ومدى عمق وعيهم، تفاعلهم، وإرادتهم وطموحهم، كما تلعب الدولة (الحديثة) الوطنية غالبا دورا محوريا دافعا أو كابحا للتغيير، وفي كثير من البلدان والمجتمعات ومن بينها المجتمعات العربية والإسلامية، التي تتسم بعدم تبلور أو نضج المقدمات (المعرفية والفكرية والعلمية والاقتصادية والاجتماعية) الموضوعية، فإن الأفكار المدنية المستوحاة من الحضارة الغربية وتفاعلها وتداخلها مع السمات الثقافية والبواعث الروحية (الإصلاح الديني) الخاصة، مارست دورا مركزيا كقوة دفع للتغييرات المنشودة في البنى الاجتماعية والسياسية والاجتماعية والثقافية المتسمة بالركود والتخلف على مدى قرون عدة. كما هو الحال في إصلاحات محمد علي (مصر) والأمبراطور الياباني «الميجي» والإمبراطور الروسي بطرس الأكبر في النصف الثاني من القرن الثامن عشر، وكمال أتاتورك (تركيا) في العشرينات من القرن العشرين المنصرم وغيرهم. ناهيك عن مشروع النهضة العربية (المجهض (منذ أواسط القرن التاسع عشر. كما نشير هنا إلى الدور التاريخي التقدمي الذي تمثل في رؤية ومنهج وسيرة الملك الراحل عبد العزيز آل سعود الذي تصدى لواقع التشرذم، العزلة، الانقسام، الاحتراب، الأمية، الجهل، والتخلف البائس الذي كان سائدا في الجزيرة العربية لمئات السنين. وعمل على بناء وإرساء دعائم دولة مركزية موحدة ومستقلة، شملت الشطر الأكبرمنها لأول مرة في تاريخها منذ صدر الإسلام الأول. وفي هذا الإطار نشير إلى أن الإسلام في جوهره الحقيقي، كان عاملا أساسيا في بناء الإنسان والمجتمع (دين وعبادات) روحيا وأخلاقيا من جهة، ومراعاة مقتضيات تقدم العمران والمصالح العامة (دنيا ومعاملات) المرسلة العامة. ينبغي التفريق هنا ما بين مفهومي التحول والتقدم. فليس كل تحول يحمل دلالة التقدم. ولكن التقدم بالضرورة هو تحول. فقد يحدث التحول، ولكن باتجاه الردة والنكوص والتراجع، حتى إزاء المقارنة بالواقع القائم القديم المستهدف تغييرهه. ففي بلدان كثيرة من العالم ومن بينها بلداننا العربية حدثت فيها ثورات وانقلابات استهدفت تغيير النظم السياسية والأوضاع الداخلية في بلدانها، ومع أنه تحققت في البداية بعض المنجزات المحدودة، غير أن النتيجة والمحصلة النهائية لتلك التغييرات، كانت ضد فكرة التقدم، بل كانت كوارث وتخلفاً وردة بكل المقاييس، وعلى جميع المستويات والأصعدة. وإزاء إجهاض المشروع العربي النهضوي بروافده وتياراته الأساسية (القومية والليبرالية والماركسية والإسلامية) وفشل الدولة العربية (الوطنية) وتآكل مشروعيتها، على اختلاف مسمياتها ومرجعياتها (الانقلابية، الثورية، المحافظة)، نلحظ في العقود الأخيرة تصدر الجماعات الأصولية المتشددة في جل البلدان والمجتمعات العربية، ورفعها شعار التغيير الراديكالي «الإسلام هو الحل» من خلال تكفير الدولة والمجتمع في الآن معا، والعمل على فرض أجندتها السياسية عن طريق التآمر والانقلاب والعنف والإرهاب في بلدان معينة، أو من خلال العمل السياسي (التكتيكي) المرحلي، بغية استقطاب الجماهير الناقمة والمحبطة من حكوماتها في بلدان أخرى، على غرار ما كانت تمارسه النازية والفاشية، والأنظمة الشمولية الأخرى التي استطاعت في ظروف مشابهة أن تستحوذ عبر خطابها «الشعبوي» و«الديماغوجي» على مشاعر قطاع واسع من الشعب، لكن سرعان ما أوردت بلدانها ومجتمعاتها موارد الهلاك والدمار والتقهقر والضياع. والنماذج والتجارب العالمية والإسلامية والعربية هنا كثيرة. وفي تلك الحالات (على اختلاف مرجعياتها) جميعا نلحظ أن التغيير لم يكن تقدما اجتماعيا وحضاريا، يستهدف النهوض بالإنسان والمجتمع، ليتملك مصيره، ويصنع مستقبله بحرية، بل كان في الواقع ردة ورجوعاً إلى الأسوأ. ويكفي أن نشير هنا إلى نتائج تجربة حكم طالبان (القرسطوية) المأساوية في أفغانستان، وغيرها من التجارب الآفلة والحاضرة. هناك بعض الاستثناءات القليلة (جلها خارج المنطقة العربية) لحركات وتيارات إسلامية، تسعى لإبراز طابعها المعتدل، واحترامها لمبدأ التداول السلمي للسلطة، وللقوانين والدساتير المدنية المنظمة للحياة السياسية والاجتماعية، بما في ذلك القبول بالعلمانية التي تمنع التداخل بين الدين المقدس (كخاصية فردية واجتماعية)، وبين فضاء السياسة (كميدان ومجال متحرك للصراع والتنافس والهيمنة) المدنس ونذكر هنا التجربة المميزة والأطروحات الواقعية التي يمارسها حزب العدالة والتنمية التركي بزعامة طيب رجب أردوغان الذي فاز بالأغلبية وبجدارة في الانتخابات التي جرت في تركيا «العلمانية»، ويندرج معها تجارب بعض الحركات الإسلامية في ماليزيا وإندونيسيا والهند وبدرجة أقل في باكستان، وأيضا وجود بذرات وجزر صغيرة حتى الآن لتكوينات إسلامية مماثلة في بعض البلدان العربية، والسؤال هنا: هل بمقدور تلك التشكيلات والتكوينات الدينية المتمسكة بهويتها الأيديولوجية والاجتماعية، والوفية لخياراتها الدينية، على بلورة تيار ونهج إسلامي بديل ملتزم بالقيم الديمقراطية والمدنية، ويكون قادرا على تغيير الصورة النمطية الشائعة لإسلام يتسم بالركود الاجتماعي، وبالأحادية والإقصاء والجمود الثقافي، والاستبداد والتسلط السياسي، ومحاربة الحياة، وفكرة التقدم ومنجزات الحضارة المعاصرة. وبالتالي القبول بالعمل المشترك، والتنافس السلمي مع المكونات والتيارات السياسية والفكرية الأخرى، التي عليها بالمقابل أن تتجاوز النزعة الاستئصالية المقابلة المتأصلة لدى البعض منها، من خلال احترام الخيارت المختلفة لجميع المكونات، في ظل دولة القانون والمؤسسات، وفضاء المجتمع المدني المفتوح الذي يسع الجميع؟
#نجيب_الخنيزي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الخطاب الطائفي عامل تفتيت للمجتمعات العربية
-
الانتخابات المقبلة ومتطلبات إعادة بناء الدولة العراقية
-
أحمد الشملان.. مثال المثقف العضوي
-
الهوية والتنوع والمواطنة
-
تقرير التنمية الإنسانية العربية.. واقع مر وأفق مسدود
-
اليمن إلى أين؟
-
اليوم العالمي للديمقراطية
المزيد.....
-
مستوطنون يقتحمون المسجد الأقصى بحماية شرطة الاحتلال الإسرائي
...
-
أجراس كاتدرائية نوتردام بباريس ستقرع من جديد بحضور نحو 60 زع
...
-
الأوقاف الفلسطينية: الاحتلال الإسرائيلي اقتحم المسجد الأقصى
...
-
الاحتلال اقتحم الأقصى 20 مرة ومنع رفع الأذان في -الإبراهيمي-
...
-
استطلاع رأي إسرائيلي: 32% من الشباب اليهود في الخارج متعاطفو
...
-
في أولى رحلاته الدولية.. ترامب في باريس السبت للمشاركة في حف
...
-
ترامب يعلن حضوره حفل افتتاح كاتدرائية نوتردام -الرائعة والتا
...
-
فرح اولادك مع طيور الجنة.. استقبل تردد قناة طيور الجنة بيبي
...
-
استطلاع: ثلث شباب اليهود بالخارج يتعاطفون مع حماس
-
ضبط تردد قناة طيور الجنة بيبي على النايل سات لمتابعة الأغاني
...
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|