|
الطريق الملتوية إلى -الدولة ذات الحدود المؤقَّتة-!
جواد البشيتي
الحوار المتمدن-العدد: 2838 - 2009 / 11 / 23 - 11:45
المحور:
القضية الفلسطينية
وجود "سلطة" للفلسطينيين، في الأراضي (الفلسطينية) التي احتلتها إسرائيل، في حرب 1967، انبثقت من اتفاقية بين منظمة التحرير الفلسطينية (بصفة كونها الممثِّل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني) والدولة العبرية، وتتمتَّع بـ "الشرعية"، ومُعْتَرَف بها دولياً، أساء كثيراً، وكثيراً جدَّاً، للقضية القومية للشعب الفلسطيني، وعاد بالنفع والفائدة على إسرائيل في سعيها إلى جَعْل نزاعها التاريخي مع الفلسطينيين عديم الأهمية الإستراتيجية، وإلى إفراغه مِمَّا انطوى عليه من مخاطر عليها، وإلى تمكين "الحقائق الإسرائيلية" من القضاء على البقية الباقية من "الأوهام الفلسطينية"، التي استنفدت مهمَّتها الكبرى مع إقامة الفلسطينيين لتلك "السلطة".
وإذا أردتم دليلاً قوياً على ذلك، فسوف تحصلون عليه من خلال إجابة السؤال الآتي: "هل كان ممكناً أن تنهي إسرائيل، من طرف واحد، وجودها العسكري والاستيطاني في داخل قطاع غزة، وأن يترتَّب على هذا الإنهاء ما ترتَّب عليه من نتائج وعواقب، لو لم يكن من وجود للسلطة الفلسطينية في القطاع؟
والآن، أصبحت حركة "حماس"، وعبر حكومة هنية، هي وحدها السلطة الفلسطينية في قطاع غزة المحاصَر إسرائيلياً من البرِّ والبحر والجو.. حصاراً مباشِراً أو غير مباشِر.
وحقائق الواقع في القطاع، والتي لا يخالطها وهم، تؤكِّد لنا وتُثْبِت أنَّ "السلطة" هناك لا تملك، عملياً وواقعياً، شيئاً من مقوِّمات "الخيارين معاً": "خيار الحل التفاوضي"، و"خيار الحل عبر المقاومة العسكرية". إنَّها لا تستطيع حتى إنهاء الحصار المضروب على القطاع لا من طريق التفاوض ولا من طريق القوَّة العسكرية.
إنَّ كل ما تستطيعه الآن هو تثبيت "الهدنة طويلة الأجل وغير الرسمية" مع إسرائيل، درءاً لمخاطر آلة الحرب الإسرائيلية عن هذا الشريط الساحلي الفلسطيني، والتكيُّف مع حالة الحصار (الأساسي) طويلة الأجل، والإبقاء على حالة الانفصال طويلة الأجل مع الضفة الغربية.
أمَّا في الضفة الغربية فلا شيء يمنع حكومة نتنياهو من أن تؤسِّس من طرف واحد لواقع جديد هناك لا يختلف من حيث الجوهر والأساس عن الواقع الذي أسَّسته إسرائيل في عهد حكومة شارون في قطاع غزة؛ ولكنَّها ليست في عجلة من أمرها، فالوضع القائم الآن في الضفة الغربية، وبكل أوجهه، ليس بالوضع الذي يشدِّد لديها الميل إلى تغييره بما يجعله مشابهاً للوضع القائم الآن في قطاع غزة.
إنَّها، أي حكومة نتنياهو، تريد لأوهام الحل عبر التفاوض أن تظل هي المسيطرة على خيارات السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية إلى أن يتأكَّد لديها أنَّ تلك الأوهام قد استنفدت مهمتها.
هنا (أي في الضفة الغربية) أيضاً تتحدَّث حقائق الواقع التي لا يخالطها وهم عن إفلاس "الخيارين معاً": "خيار الحل عبر التفاوض" و"خيار الحل عبر المقاومة العسكرية".
ولكنَّ هذا الإفلاس المزدوَج أنتج وهماً ثالثاً، أو خياراً ثالثاً من خيارات الوهم، هو خيار الحل من طريق ثالث، أي من غير طريقي "الحل عبر التفاوض" و"الحل عبر المقاومة العسكرية".
وهذا الطريق الثالث هو طريق زجِّ المجتمع الدولي في معركة الفلسطينيين لانتزاع دولة لهم، من الاحتلال الإسرائيلي، مستقلة وذات سيادة، يشمل إقليمها كل الأراضي الفلسطينية التي احتلتها إسرائيل في حرب 1967، وتكون القدس الشرقية عاصمة لها.
ولن ينتظر الفلسطينيون طويلاً حتى يقتنعوا بأنَّ هذا الخيار هو الوهم بعينه، فالمجتمع الدولي، ممثَّلاً في مجلس الأمن، وفي "الرباعية الدولية"، لن يعطيهم هذا الذي يتوهمون أنَّه شيء قابل للتحقيق.
إنَّ التغيير الوحيد، في الحال الفلسطينية، والذي أراه ممكناً الآن، من وجهة نظر الواقع الموضوعي السيئ بالنسبة إلى الفلسطينيين وقضيتهم القومية، هو أن تنهي إسرائيل من طرف واحد وجودها العسكري والاستيطاني في جزء كبير من الضفة الغربية، لا يشمل القدس الشرقية، وتقطنه الغالبية العظمى من الفلسطينيين، فتتولَّى السلطة الفلسطينية هناك، "عن اضطِّرار"، الإدارة والحكم، فتُعْلِن، أو لا تُعْلِن، قيام دولة فلسطينية.
وليس من سبيل إلى درء هذا الخطر الإسرائيلي، كما نرى، سوى أنْ تكون السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية قد حُلَّت من قبل، فهذا "الانسحاب" الإسرائيلي الأحادي الجانب، والمحتمل، يجب، إذا ما تحقَّق، أن يقترن بوجود حالة فراغ في السلطة والإدارة الفلسطينيتين، حتى يصبح ممكناً فتح أبواب القضية الفلسطينية ثانيةً أمام "التعريب" و"التدويل".
إنَّ أسوأ سيناريو بالنسبة إلى الفلسطينيين هو الآتي: أنْ تُعْلِن حكومة نتنياهو إنهاء الحكم العسكري الإسرائيلي للفلسطينيين في الضفة الغربية من طرف واحد، فتُخْرِج جنودها ومستوطنيها من الجزء الأكبر من أراضي الضفة الغربية الواقعة شرق "الجدار الأمني"، والذي لا يشتمل على القدس الشرقية، فتتولى السلطة الفلسطينية هناك ملء الفراغ، أي الإدارة والحكم، وأنْ يُعْلَن من ثمَّ قيام الدولة الفلسطينية، وأنْ تحظى هذه الدولة باعتراف دولي، وأنْ تشرع هذه الدولة تَحِلُّ ما أمكنها حلُّه من مشكلة اللاجئين الفلسطينيين ضمن إقليمها الصغير هذا، وأن تبدأ (عبر وسطاء في مقدَّمهم الولايات المتحدة) مفاوضات طويلة الأجل بين "الدولتين" للتوصُّل إلى اتفاقيات في أمورٍ من قبيل السيطرة على الجسور والمنافذ البرية مع الأردن، وتوسيع إقليم هذه الدولة تدريجاً في اتِّجاه "الجدار الأمني"، وتسهيل عبور الأفراد والبضائع بين الضفة والقطاع، وإدارة الأماكن الدينية والأحياء الفلسطينية في القدس الشرقية.
إنَّه الحل الانتقالي طويل الأجل، الذي قوامه، من الوجهة العملية الواقعية، الدولة ذات الحدود المؤقَّتة، والسلام الاقتصادي، والمفاوضات طويلة الأجل بين "الدولتين". وهذا الحل يمكن أن يبدأ بشيء من "الشرعية الدولية" له، فيستجيب لها الفلسطينيون بإعلان قيام دولتهم، فترد إسرائيل على هذين التطوُّرين بذلك "الانسحاب الأحادي الجانب".
#جواد_البشيتي (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
رياضة بروح سياسية.. وسياسة بروح رياضية!
-
طاب الموت يا طابة!
-
-نعم- للقرار الدولي.. و-لا- لإعلان الدولة!
-
مسار -الدولة من طرف واحد-.. ماذا يعني؟
-
عندما يجوع البشر لوفرةٍ في الغذاء!
-
بعض من ملامح -البديل- الفلسطيني
-
ما هي -المادة-.. وكيف يُمْسَخ مفهومها ويُشوَّه؟
-
كيف تُدَجِّن شعباً؟
-
خرافة -الدولة- في عالمنا العربي!
-
-قرار عباس-.. كيف يمكن أن يوظَّف في خدمة الفلسطينيين؟
-
السَّفَر في الفضاء.. كيف يكون سَفَراً في الزمان؟
-
بلفور.. -الأسلمة- بعد -التعريب-؟!
-
الحُبُّ
-
90 في المئة!
-
خيار -السلام- أم خيار -اللا خيار-؟!
-
-بالون أوباما- إذ -نفَّسه- نتنياهو!
-
فساد شيراك..!
-
في التفسير الميثولوجي للتاريخ.. والسياسة!
-
في مديح وهجاء -وادي عربة-!
-
قيادات فضائية!
المزيد.....
-
-لماذا لا تقوم بعملك يا سيناتور؟-.. حشد أمريكي غاضب بعد ترحي
...
-
مسؤولون لـCNN: خفض عدد القوات الأمريكية في سوريا إلى النصف خ
...
-
موسكو: كييف تستخدم التعبئة لصالحها
-
الذكرى الـ 80 لبدء معركة برلين
-
الإمارات: القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع لا تمث
...
-
وزير الداخلية التركي يكشف عدد السوريين الذي عادوا إلى بلادهم
...
-
-بوليتيكو-: تسريح موظفين في وزارة الدفاع الأمريكية بسبب إدار
...
-
وزير خارجية مصر: جهودنا لم تتوقف لإنهاء الحرب -الظالمة- على
...
-
قازان.. طائرة Tu-144 السوفيتية الشهيرة تتحول إلى متحف
-
نجيب بوكيلة لن يستطيع -تهريب- من تم ترحيله خطاً للولايات الم
...
المزيد.....
-
تلخيص كتاب : دولة لليهود - تأليف : تيودور هرتزل
/ غازي الصوراني
-
حرب إسرائيل على وكالة الغوث.. حرب على الحقوق الوطنية
/ فتحي كليب و محمود خلف
-
اعمار قطاع غزة بعد 465 يوم من التدمير الصهيوني
/ غازي الصوراني
-
دراسة تاريخية لكافة التطورات الفكرية والسياسية للجبهة منذ تأ
...
/ غازي الصوراني
-
الحوار الوطني الفلسطيني 2020-2024
/ فهد سليمانفهد سليمان
-
تلخيص مكثف لمخطط -“إسرائيل” في عام 2020-
/ غازي الصوراني
-
(إعادة) تسمية المشهد المكاني: تشكيل الخارطة العبرية لإسرائيل
...
/ محمود الصباغ
-
عن الحرب في الشرق الأوسط
/ الحزب الشيوعي اليوناني
-
حول استراتيجية وتكتيكات النضال التحريري الفلسطيني
/ أحزاب اليسار و الشيوعية في اوروبا
-
الشرق الأوسط الإسرائيلي: وجهة نظر صهيونية
/ محمود الصباغ
المزيد.....
|