|
اهدار حق العمل
غادة البياع
الحوار المتمدن-العدد: 862 - 2004 / 6 / 12 - 07:06
المحور:
الحركة العمالية والنقابية
برغم أن الحق فى العمل من أكثر حقوق الإنسان الاقتصادية والاجتماعية التى حظيت بالاهتمام فى المواثيق والاتفاقيات الدولية وكذا نصوص الدساتير المصرية منذ 1956 وحتى الأن، فانه كان الأكثر عرضه للإهدار فى مصر خاصة خلال العقود الثلاثة الماضية.. وبعد فشل تجارب ومحاولات التنمية والتحديث بلغ حجم العاطلين عن العمل فى مصر وفقاً للبيانات الرسمية لعام 2004 حوالى 1.98 مليون عاطل أى ما يعادل 9.3% من قوة العمل على أن هناك تقديرات تفوق ذلك بكثير وأهمها تقديرات البنك الدولى حيث وصلت هذه التقديرات فى عام 2002 إلى 29% من قوة العمل. وهذه النسبة تعد مؤشراً خطراً لتفاقم مشكلة البطالة فى المجتمع المصرى ...ولعل إدعاء الحكومة المستمر باتهام النمو السكانى كسبب رئيسي فى تدهور الأوضاع الاقتصادية فى مصر ومن أهمها مشكلة البطالة هو إدعاء فيه كثير من الشك. ففى الواقع تكمن المشكلة فى عدم قدرة الدولة على الاستغلال الأمثل لقوة العمل والتى تعتبر عنصراً مهماً فى زيادة الإنتاج وتحقيق التنمية وهذا الخلل فى خطط التوظيف إنما هو إهدار لعنصر هام من عناصر الإنتاج كما أنه يعد العنصر الذى تمتلك مصر ميزة نسبيه فيه نظراً لانخفاض مستويات الأجور. كما أن معدل النمو السكانى يتراجع بشكل تلقائي مع ارتفاع مستويات الدخل الناتج عن العمل والتقدم ومع إرتفاع مستوى التعليم وترتيباً على ذلك فان تطوير الأداء الاقتصادى ورفع مستوى التشغيل لاستيعاب قوة العمل ورفع مستوى المعيشة هى أداة لتحقيق تراجع فى معدل النمو السكانى وبالتالى يمكن إعتبار قدره الدولة على خلق فرص عمل منتجة قوة دفع هائلة للتنمية الشاملة. والجانب الأخر الذى يجب الإشارة إليه هنا هو أن دخول مصر فى عصر الخصخصة واتباع نهج صندوق النقد الدولى والبنك الدولى بشأن إعادة تكييف الهيكل الاقتصادى والمالى بما يتناسب مع آليات السوق ونبذ قيم وأسلوب التخطيط والعمل على دمج الاقتصاد فى آلية السوق الرأسمالية الدولية، كل هذا أدى إلى معدلات غير مسبوقة للبطالة فى مصر. حيث تؤدى هذه السياسات التى ترتكز على شعارات تشجيع الاستثمار الخاص وتقليص دور الدولة فى النشاط الاقتصادى واتباع برنامج صارم لبيع الأصول والشركات العامة إلى تنامى ظاهرة البطالة بصورة مثيرة للقلق. وحسب البيانات الرسمية فقد التزمت الدولة بتوفير فرص عمل لنحو 150الف شخص فقط من أصل 600 الف شخص يدخلون سوق العمل سنوياً أى نحو 25% من إجمالى فرص العمل المطلوبة فى حين ترك ما يعادل 75% من فرص العمل المطلوبة للقطاع الخاص والعائلى لتوفيرهم ... ومع ملاحظة أن عدد العاملين الذين تم تشغليهم فى القطاع الخاص والعائلى خلال العام المالى 2002 -2003 لم يتجاوز 150 ألف شخص ومثلهم فى العام السابق 2001-2002 هذا ما يعنى أن طاقة التشغيل لدى القطاع الخاص لن تتجاوز الـ150الف فرصة لهذا العام أيضاً وبالتالى فهناك ما يعادل 300 الف شخص سوف يظلون بلا عمل ... على أساس 150 الف فرصة عمل سيتم توفيرها من قبل الدولة و150الف أخرى من قبل القطاع الخاص([1]).... ويتحدث البيان المالى وخطة الدولة لعام 2004- 2005 عن ما يعادل 200 مليون جنية مصرى مخصصة للتدريب وإعادة التأهيل نعتبرهم ملايين مهدرة بالمقارنة بما أنفقته الدولة من قبل على تعليم هؤلاء الخريجين حيث سيتم تدريبهم على حرف ومهن قد لا تحتاج إلى تعليم بل مجرد تدريب مهنى على الحرف المنتجة بالإضافة إلى أن هذه الملايين (200 مليون حسب الخطة ) لن تكفل أو تضمن تشغيل هؤلاء المتدربين كذلك يشير البيان المالى أن مشروع الموازنة العامة للدولة للسنة المالية 2004 -2005 قد خصص ما يعادل 400 مليون جنيه بصندوق الإقراض لتمويل المشروعات الصغيرة للشباب كواحد من وسائل حل مشكلة البطالة فى مصر.. إلا أنه يجب الإشارة هنا إلى أن عدد فرص العمل الدائمة التى وفرها هذا الصندوق وفقاً للبيانات الرسمية للصندوق حتى عام 1998 نحو 358400 فرصة عمل بخلاف 189358 فرصة عمل مؤقتة([2]) ورغم ما تتسم به هذه البيانات من مبالغة ومغالاه بعد تنامى الأصوات فى المجتمع وما أثير حول تعثر كثير من أصحاب هذه المشروعات الصغيرة وعجزهم عن سداد مديونياتهم للصندوق والبنوك وإحالة الكثير منهم لجهات التحقيق والمحاكمة وما تناثر حول مظاهر الفساد فى إدارة أموال هذا الصندوق وإهدار جانب من موارده المقترضة من مؤسسات تمويل دولية فى غير المخصص لها (مثل عمليات تجميل مبنى مجلس الوزراء والشوارع المحيطة به) وعمليات التجميل المماثلة فى المحافظات إلا أن ما وفره الصندوق الاجتماعي طوال السبع سنوات تلك لم يمثل سوى 10% فقط من نسبة البطالة الموجودة فى المجتمع([3])). وبناء عليه فان خطة الدولة المعلنة لمعالجة مشكلة البطالة ما هى إلا استمرار فى الأزمة والتى تشكل تحدياً اجتماعياً أخر نظراًُ لعدم وجود آلية لإعانة العاملين فى مصر بما يؤدي إلى اضطرابات اجتماعية وتزايد فى مستوى العنف والجريمة فضلاً عن ذلك فان بطالة الشباب المتعلمين تعنى أن هناك أهداراً للأموال التى أنفقت على تعليمهم. على أن أهم ما يجب الإشارة إليه هنا أولاً أهمية تدقيق البيانات للوقوف على الوضع الحقيقى لحجم البطالة كأساس لأى خطة حقيقية لمواجهتها. والتركيز على خلق فرص ووظائف حقيقية فى القطاع العام والعائلى مع الأخذ فى الاعتبار أن مشروعات الاستثمار الخاص والأجنبي قد أثبتت عجزها عن توفير فرص إستثمارية وبالتالى فرص عمل بالحجم الذى تعول عليه الحكومة. مشكلة البطالة هى نتاج طبيعى لتخبط الحكومة وعدم قدرتها على خلق فرص إستثمارية لتستوعب الأعداد المتزايدة من العمالة.
#غادة_البياع (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
حصيلة بقتلى العاملين في المجال الإنساني خلال 2024
-
4th World Working Youth Congress
-
وزارة المالية العراقية تُعلن.. تأخير صرف رواتب الموظفين شهر
...
-
بيسكوف: روسيا بحاجة للعمالة الأجنبية وترحب بالمهاجرين
-
النسخة الألكترونية من العدد 1824 من جريدة الشعب ليوم الخميس
...
-
تاريخ صرف رواتب المتقاعدين في العراق لشهر ديسمبر 2024 .. ما
...
-
وزارة المالية العراقية.. تأخير صرف رواتب الموظفين شهر نوفمبر
...
-
يوم دراسي لفريق الاتحاد المغربي للشغل حول: تجارة القرب الإكر
...
-
وزارة المالية العراقية.. تأخير صرف رواتب الموظفين شهر نوفمبر
...
-
الهيئة العليا للتعداد العام للسكان تقرر تمديد ساعات العمل لل
...
المزيد.....
-
الفصل السادس: من عالم لآخر - من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة
...
/ ماري سيغارا
-
الفصل الرابع: الفانوس السحري - من كتاب “الذاكرة المصادرة، مح
...
/ ماري سيغارا
-
التجربة السياسية للجان العمالية في المناطق الصناعية ببيروت (
...
/ روسانا توفارو
-
تاريخ الحركة النّقابيّة التّونسيّة تاريخ أزمات
/ جيلاني الهمامي
-
دليل العمل النقابي
/ مارية شرف
-
الحركة النقابيّة التونسيّة وثورة 14 جانفي 2011 تجربة «اللّقا
...
/ خميس بن محمد عرفاوي
-
مجلة التحالف - العدد الثالث- عدد تذكاري بمناسبة عيد العمال
/ حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
-
نقابات تحمي عمالها ونقابات تحتمي بحكوماتها
/ جهاد عقل
-
نظرية الطبقة في عصرنا
/ دلير زنكنة
-
ماذا يختار العمال وباقي الأجراء وسائر الكادحين؟
/ محمد الحنفي
المزيد.....
|