|
التدين واليسار
نضال الصالح
الحوار المتمدن-العدد: 2837 - 2009 / 11 / 22 - 14:27
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
هل من الممكن أن يكون المتدين يساريا، إشتراكيا أو حتى ماركسيا؟ من تجربتي الشخصية استطيع أن أجيب بنعم وأن التدين ليس عقبة في طريق التقدم كما أنه ليس من المحتم أن يكون التدين مانعا للحوار البناء بين المتدينين ومعسكر اليسار بمختلف إتجاهاته. والدي رحمه الله كان مسلما متدينا ملتزما بفرائض دينه، كان يصلي الصلاة في أوقاتها ويصوم ويزكي ولقد أدى فريضة الحج. لم يدخن سيجارا ولم يشرب الخمرة طيلة حياته وتزوج بإمرأة واحدة، هي أمي، ظل لها مخلصا حتى مماته. كل هذا لم يمنع والدي من دراسة الماركسية وكان يساريا في مواقفه إشتراكيا في معتقده السياسي. ولقد قام مع بعض الشخصيات الوطنية بما فيهم الشيوعيون بتأسيس جبهة وطنية رفعت شعار معاداة الإستعمار والصهيونية. تدينه لم يمنعه من دخول الإنتخابات النيابية في قائمة موحدة مع مرشحي الحزب الشيوعي الأردني. كان عضوا في مجلس السلم العالمي وزار عدد من الدول الإشتراكية بما فيها الإتحاد السوفيتي والصين الشعبية وكون صداقات مع بعض زعماء تلك البلدان. كان بعض أهل قرانا يدعونه بالشيخ الأحمر. ورغم نشوب الخلاف، في فترة متأخرة، بينه وبين قادة الحزب الشيوعي الأردني ،لأسباب خارجة عن نطاق هذا المقال، الذي نتج عنه نوع من القطيعة، إلا أنه بقي على علاقة طيبة مع كثير من رموز اليسار في الداخل والخارج. لم يكن والدي حالة فريدة في ذلك الزمن ولقد إلتقيت شخصيا بكثير من المتدينين الذين وقفوا في صف اليسار ورفعوا شعار الإشتراكية والعدالة الإجتماعية. وإنني لأذكر أحد أصدقاء والدي وكان قاضيا شرعيا وكانت مكتبته مليئة بالكتب الماركسية، ولقد تعرفت على كتب ماركس ولينين عن طريق الكتب التي كنت أستعيرها من مكتبته. وكان يحذرني أن لا أطلع أحدا عن مصدرها. لقد كان ماركسيا في جبة وعمامة شيخ .
صديق الغربة، الذي ينحدر من عائلة سورية شيوعية وكان عضوا في الحزب الشيوعي السوري، تدين مؤخرا ولكنه بقي ماركسي التوجه عدوا لدودا للأصولية الدينية وللإسلام السياسي. ما أريد أن اقوله أن التدين بحد ذاته، إن كان يعبر عن علاقة فردية بين الإنسان والمطلق أو ما يعتبره المتدين " الخالق"، ليس من الضرورة أن يكون صاحبه رجعي التفكير وليس من الضرورة أيضا أن يكون عقبة لإنتمائه إلى المعسكرالإشتراكي أو اليساري أو حتى الماركسي. وفي رأيي لقد جرى سوء قراءة لمقولة ماركس المشهورة،" الدين أفيون الشعوب". هذا إن لم يتحول التدين إلى دوغمة تحجر على العقل وتضعه تحت سلطة الخطاب الديني الأصولي أو المسيس. هنا يصبح التدين جزءا من هذا الخطاب ويتحول إلى عقبة صلبة في طريق التطور والتقدم ويصعب الدخول معه في أي جدال عقلاني من قبل معسكر اليسار أو غيره من قوى التحرر والديموقراطية. القوى الإسلامية المسيسة بمختلف إتجاهاتها تطرح ما تسميه ثوابت لا يمكن التنازل عنها وهي مهما حاولت من مجاراة العصر ومن طرح مبادرات الإصلاح تظل محكومة بهذه الثوابت. في مبادرة للإصلاح التي نشرها على الناس السلفيون في مصر، تضمنت المبادرة التي ألقيت في خطبة الجمعة بمسجد "الفتح" في الإسكندرية يوم (6/11/2009) كل القضايا والمباديء والأحكام الإسلامية الكبرى التي يرى السلفيون أنه لا يمكن بأي حال "المساومة عليها"، لأنها ثوابت عقائدية و"إننا لابد وأن نتابع ما جاء في شرع الله"، كما يقول الشيخ سعيد عبد العظيم الذي ألقى الخطبة، وتابع: "نحن عباد لله تبارك وتعالى، الأمر أمره، والعبد عبده، والحلال ما أحل، والحرام ما حرم، والدين ما شرع، وليس لنا أن نشرع مع الله".
شددت المبادرة كثيرًا على الأخذ بمنهج الله في الإصلاح، وذلك بالرجوع إلى الكتاب والسنة جملة وتفصيلا، بفهم السلف الصالح من الأئمة والفقهاء وأصحاب المذاهب الذين هم "أعلم الناس بالكتاب والسنة"، إذ أن الإصلاح والصلاح كامن في هذا المنهج، و"لن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها"، وما لم يكن يومئذ دينا فليس اليوم بدين، والأمة إن خالفت منهج الله فإن الدمار حتما سيكون حليفها، أما إن أخذت بالكتاب والسنة فلن تضل لا في سياسة ولا في اقتصاد، لا في حرب ولا في سلم. ولما كانت دعوة الرسل والأنبياء في نظرهم هي في أساسها دعوة إصلاحية، لأن الله ابتعثهم لصلاح وإصلاح البشر، شدد السلفيون في مبادرتهم على أنهم يسيرون على نفس النهج الذي سار عليه المصلحين من اتباع الرسل، "لا نغير ولا نبدل"، أي أنهم ليسوا "مبتدعين" ـ يختلقون طريقة جديدة للتغيير. وانتقد السلفيون الشعارات والدعوات السياسية المفرغة من الإسلام، التي "لا دين فيها"، وليس المهم عندهم إن كان سيحكم فلان أو علان، المهم أن يكون الحاكم مسلمًا يحكم بكتاب الله. أما أن تأتي صناديق الانتخاب بكافر أو امرأة، فـ "ما أفلح قوم ولوا أمرهم امرأة"، أو تأتي بمن يجهر بعداء الدين وأهله من الذين يبغضون كل من يقترب من الإسلام بصلة، فهو ما لا يمكن قبوله مطلقا، و"ما قيمة صندوق انتخابات، كما يتساءل سعيد عبد العظيم، و"ماذا نصنع إن أتى على رأس السلطة كافر، والإسلام يعلوا ولا يُعلى عليه"، مشيرا إلى أن رأي الأكثرية الانتخابية هنا لا قيمة له إن كان سيخالف ما نص عليه الإسلام، فـ "الأكثرية" ـ وهي محور النظام الديمقراطي ـ "لا يجوز أن تغير شرع الله. كما هاجمت المبادرة النعرات المستوردة من الخارج والمنادين بها، كـالشيوعية، والديمقراطية، والليبرالية، والعلمانية، والاشتراكية، فهي دعوات "رجعية ظلامية" تفسد أكثر مما تصلح "لمخالفتها لكتاب الله ولسنة رسول الله". أن الإصلاح الحقيقي في رأيهم، يكمن في حرص الأمة على تطبيق الأحكام الإسلامية، صغيرة كانت أو كبيرة. هذا الفكر يمثل كافة أطياف الأصولية الإسلامية والإسلام السياسي وبغض النظر عن بعض الفروقات والإختلاف في بعض الأمور الجانبية إلا أن هذه " الثوابت " تظل جزءا لا يتجزأ من الخطاب الإسلامي الأصولي ومن خطاب جميع فرق الإسلام السياسي. كيف يمكن محاورة هذا الفكر وهو متمترس خلف ثوابته؟ إنه سيكون حوار الطرشان الذي لن ينتج عنه أي نتيجة، هذا إن سمحت هذه القوى لنفسها بالدخول في أي حوار مع القوى العقلانية ومنها قوى اليسار. د. نضال الصالح/ فلسطين
#نضال_الصالح (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
صراع مع الموت
-
الحذاء
-
الشيوعي وسقوط الحلم
-
العلاج بواسطة الصلاة عن بعد
-
كيف جرى تزوير تاريخ فلسطين والشرق الأدنى القديم
-
الصديقة
-
الحائرة
-
عقال الباشا
-
الملاك
-
هل هناك حياة أخرى موازية لحياتنا على الأرض؟
-
تعالوا نحطم مرايانا
-
كيفية ظهور - الله- في الوعي العربي
-
بعض من الحكم التاوية
-
أمنية
-
المعتقدات الدينية الصينية وفلسفة الوجود
-
الآخر في الديانة اليهودية
-
التوراة في الفكر الديني الإسلامي : كتاب مقدس أم محرف ؟
-
عندما يصبح غصن الزيتون رمزا للمقاومة
-
القصص القرآنية بين التاريخ والخرافة
-
المتاهة
المزيد.....
-
دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه
...
-
في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا
...
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
-
ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات
...
-
الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
-
نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله
...
-
الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|