أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - ياسين الحاج صالح - أوربا تخطئ بإضعاف سوريا















المزيد.....

أوربا تخطئ بإضعاف سوريا


ياسين الحاج صالح

الحوار المتمدن-العدد: 861 - 2004 / 6 / 11 - 05:18
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
    


أوربا تخطئ باشتراطها تضمين اتفاق الشراكة السورية الأوربية بندا يطالب دمشق بالتزام أقوى بالتخلي عن اسلحة الدمار الشامل. فالإمعان في إضعاف سورية التي تراجعت قوتها بعد احتلال العراق سيكون على حساب الاستقرار لا لحساب هذا الاستقرار في المنطقة التي يصفها الغربيون، بقدرية مصطنعة، بالتقلب الدائم. إذ أن لما يحتمل أن تحوزه سوريا من أسلحة دمار شامل (كيميائية حصرا) مفعول ردعي ضابط لسياحة اليد الضاربة الإسرائيلية صوب شمال الجولان. وإصرار الأوربيين، السلامي ظاهرا، على تجريد سوريا من تلك الأسلحة دون تسوية مع إسرائيل ودون اشتراط التسوية سيعطي ثمرات عكسية، اي سيجعل السلام المستحيل اشد استحالة.
والأوربيون (والأميركيون والإسرائيليون) يعلمون من المثال العراقي أن احتمال الاستخدام الدفاعي لهذه الأسلحة محدود جدا، وإذا صح تحليل أورده تقرير صدر منذ شهور عن المجموعة الدولية لمقاربة الأزمات فإن التصور الموجه لأسلحة الدمار الشاملة المفترضة في سوريا لا يتعدى الاستئناس بها لمنع اتساع الحرب إن وقعت لا لمنع إسرائيل من شن الحرب ذاتها أو من توجيه ضربات محدودة. وهم اعلم بأن احتمال الاستخدام الهجومي لها منعدم كل الانعدام.
إن سوريا منكشفة وضعيفة خطر على المنطقة ككل، كما سبق أن اثبتت الحرب اللبنانية، وكما اثبت درس تفكيك الدولة العراقية، وهو خطر سيطال أوربا ومصالح أوربا من دون شك. وهو قبل ذلك إهانة للشعب السوري قبل نظام حكمه، ورغم تسهيل نظام الحكم ذاته إضعاف البلاد بافتقاره إلى السند الشعبي النشط.
إنها إما سياسة قديمة وجامدة هذه التي تصر على إضعاف سوريا (والعرب)، أو هي انسياق في الخطط الأميركية التي تصدر بدورها عن منظور متعصب ومتأصل في بنى السلطة والشعور والمصالح الأميركية. وفي تقديرنا انه لمصلحة الولايات المتحدة بالذات، وبالتاكيد للمصلحة العالمية، ان تحافظ اوربا على درجة أوسع من الاستقلالية حيال القوة الامبراطورية من تلك التي تبديها دول مثل بريطانيا وهولندا والدانمرك و، للأسف، المانيا. فتعدد المقاربات وتنوع أقنية التفاعل السوري (والعربي ) الغربي هو شيء جيد من حيث أنه يضفي مرونة مرغوبة على العلاقات بين الطرفين ويؤمن خيارات بديلة حين يفسد خيار قائم. أما أن تنحاز السياسة الأميركية إلى مقاربة المحافظين الجدد المتطرفة، وتكتفي أوربا بتهنئة نفسها على عدم تبنيها هذه النظرة بحذافيرها دون بذل جهد جاد لتطوير مقاربة اكثر استقلالا، فأمر منذر بكل انواع المخاطر كما برهن هنا أيضا المثال العراقي. إن عجز الأوربيين عن ترجمة وجهات نظرهم السياسية إلى استراتيجيات ارتباط وتفاعل متماسكة هو الذي يحد من قدرتهم على إثبات صحة وجهات النظر تلك، حتى حين تثبت التطورات أنها بالفعل صحيحة. ومثل ذلك الشلل ظهر بالفعل حين تبين زيف المسوغات الأميركية لغزو العراق، ثم حين تكشف الاحتقار الأميركي النسقي للشعب الذي يفترض أن احتل من اجل نقل الديمقراطية له. لم يستطع الأوربيون (فرنسا وألمانيا بالخصوص) ان يقولوا لقد كنا على حق لأنهم غير قادرين على بلورة سياسة متماسكة حول هذا الحق.
إما أن يكون الأوربيون "محضر خير"، فيسهمون إسهاما نشطا رادعا للعربدة الإسرائيلية التي طالت التراب السوري نفسه قبل أشهر، أو على الأقل ليصمتوا ويمرروا اتفاق الشراكة وفقا للشروط ذاتها التي حكمت اتفاقات الشراكة مع الدول العربية الأخرى ومع إسرائيل بالذات. في ذلك مصلحة سورية بلا جدال، لكنه أيضا منسجم مع توجهات الرأي العام الأوربي الذي رأت نسبة 59% منه، قبل شهور قليلة، أن إسرائيل هي التهديد الأول للاستقرار والسلم في العالم. وهو إلى ذلك مصلحة أوربية كما أشرنا لأن إضعاف سوريا قد يفتح أبواب تكون "دولة فاشلة"، في منطقة لا تبعد كثيرا عن أوربا وعن شرايين النفط العالمية.
لا يستطيع الأوربيون أن يقولوا إن ضغطهم لم يصل إلى هذا الحد، لأن من الواضح أنهم لا يملكون تصورا عن الاتجاه المحتمل للديناميات السورية المحلية والإقليمية إذا نجحوا في فرض شروطهم دون تسوية للنزاع مع إسرائيل، ولا عن كيفية ضبط تلك الديناميات وحماية سوريا إن وقع الأسوأ. ولأسباب متعددة لا تستطيع السلطات السورية أن تقول للأوربيين: هل ستحموننا إن اعتدت علينا دولة تملك ترسانة نووية كفيلة بقتل السوريين جميعا، وجعل البلد غير قابل للحياة؟ من بين تلك الأسباب نقص الكفاءة.
قصر النظر الأوربي يتجلى أيضا في رغبة الأوربيين المشروعة في أن تكون سوريا قوية بما يكفي لقمع "الإرهاب"، لكن اقل مما يلزم للدفاع عن نفسها في وجه عدو بالغ القوة والاستهانة بالقانون الدولي. هذا غير مشوع وغير عادل. وهو يشبه تماما منهج التعامل الأميركي والإسرائيلي مع السلطة الفلسطينية: نريدها قوية لحمايتنا لكن أضعف من أن تحمي نفسها أو شعبها منا. الفرق الوحيد هو تفضيل أوربا "القوة الناعمة"، بتعبير جوزف ناي، فيما تؤثر إسرائيل وسندها الأميركي "القوة الخشنة". لكن ليس من المؤكد أن التفضيل الأوربي تفضيل اولا، ولا هو مفيد لنا، نحن المتضررين من الخشونة الأميركية، ثانيا. يكاد المرء يتمنى لو كانت أوربا قادرة على ممارسة القوة الخشنة، ولكن باستقلال، بدلا من قوة ناعمة تفترض وجود الخشونة الأميركية كرصيد لها، ولا قيام لها من دونها. بهذا المعنى يجد التشدد الأوربي في تضمين بند تنفيذي حول أسلحة الدمار الشامل رصيده وشرط إمكانه في "قانون محاسبة سورية واستعادة سيادة لبنان" وفي سياسات التهديد واالعقوبات التي تدأب واشنطن على فرضها على دمشق.
وقد يغرى المرء بتمني أن تشبع أوربا حاجتها إلى الضغط على سوريا بضغوط تتصل بملفات حقوق الإنسان والإصلاح والشفافية. وقد يفضل أن يكون الضغط الأوربي على شكل مطالب محددة بدلا من كلام معسول مرسل حول هذه الملفات: إفراج عن معتقلين سياسيين، الضغط من اجل فرص متساوية للسوريين في الوصول إلى مصادر المعلومات، الدفع من أجل نظام قضائي اكثر نزاهة واستقلالية...
إن ضغوطا من هذا النوع تلعب لمصلحة الشعب السوري دون ان تضعف سوريا كدولة، خلافا للضغوط المنحازة والكيدية الخاصة باسلحة الدمار الشامل التي تضعف سورية دولة وتغفل شعبها، بل تسقطه من الحساب.
دمشق 28/5/2004



#ياسين_الحاج_صالح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حزيران 1967 وما بعده تفاعلات الحرب والسلطة
- أخطاء تطبيق في الماضي وانتخابات حرة في ...المستقبل
- اضمن طريق للديمقراطية في العالم العربي -تغيير النظام- في ... ...
- عرض كتاب -صور محطمة: نهضة حركة تحطيم الأيقونات النضالية في س ...
- زمن المقالة وأزمة الثقافة
- ما بعد القامشلي الشأن الكردي والنظام السياسي في سوريا
- أسامة بن لادن، هيغل، وما بعد الحداثة
- اعتقال طلاب الجامعة سياسة العزل السياسي والجيلي
- بين عهدين: قضايا تحليل الانتقال السوري
- -العقد الاجتماعي- البعثي وتناقضاته
- نظام الاستثناء الشرق أوسطي
- ثلاثة برامج قتل وفكرة عزلاء
- اضطرابات الجزيرة ضرورة تجديد التفاهم الوطني السوري
- سوريا أمام المنعطف مــن هنا إلى أيــــن؟
- اعتصام دمشق فاعلون مترددون وإعلام يقيني
- طبائع العمران وصناعة الواقع في الدولة الحزبية
- في السنة الحادية والأربعين فصل حزب البعث عن الدولة ضمانة له ...
- صـــراخ فـي لـيــل عــراقــي
- سوريون ضد حالة الطوارئ!
- هل سيكون 2004 عام التحول في سورية؟ عرض تقرير -التحديات السيا ...


المزيد.....




- هل يعارض ماسك الدستور بسبب حملة ميزانية الحكومة التي يقودها ...
- -بينها قاعدة تبعد 150 كلم وأخرى تستهدف للمرة الأولى-..-حزب ...
- حافلة تسقط من ارتفاع 12 مترا في حادث مروع ومميت في فلاديفو ...
- بوتين يتوعد.. سنضرب داعمي أوكرانيا بالسلاح
- الكشف عن التاكسي الطائر الكهربائي في معرض أبوظبي للطيران
- مسيرات روسية اختبارية تدمر مركبات مدرعة أوكرانية في اتجاه كو ...
- مات غيتز يتخلى عن ترشحه لمنصب وزير العدل في إدارة ترامب المق ...
- أوكامبو: على العرب الضغط على واشنطن لعدم تعطيل عمل الجنائية ...
- حاكم تكساس يوجه وكالات الولاية لسحب الاستثمارات من الصين
- تونس.. عبير موسي تواجه تهما تصل عقوبتها للإعدام


المزيد.....

- المسألة الإسرائيلية كمسألة عربية / ياسين الحاج صالح
- قيم الحرية والتعددية في الشرق العربي / رائد قاسم
- اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية / ياسين الحاج صالح
- جدل ألوطنية والشيوعية في العراق / لبيب سلطان
- حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة / لبيب سلطان
- موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي / لبيب سلطان
- الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق ... / علي أسعد وطفة
- في نقد العقلية العربية / علي أسعد وطفة
- نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار / ياسين الحاج صالح
- في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد / ياسين الحاج صالح


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - ياسين الحاج صالح - أوربا تخطئ بإضعاف سوريا