أحمد الشملان.. مثال المثقف العضوي

نجيب الخنيزي

الحوار المتمدن-العدد: 2834 - 2009 / 11 / 19 - 13:11
المحور: سيرة ذاتية
    

أحمد الشملان.. مثال المثقف العضوي
نجيب الخنيزي

" وليكن أن يضل حبيبي
مثلما غيمة شاردة
أن يصير مساءً بعيداً على الشفتين
كعواء على شجرة..
وليكن أن يطلّ حبيبي
من فراشات زرقته الغاربة
كسراجٍ عتيق
كلما نبتت بيننا ضحكة
أو تدلّى على الباب صوتٌ صديق " الشاعر علي الدميني (1)
الاحتفاء بالشخصية الوطنية البحرينية البارزة، المناضل والشاعر والحقوقي أحمد الشملان، عبر عن لفتة وفاء وحب وتقدير من قبل النخب والجماهير البحرينية بمكوناتها الاجتماعية ومشاربها السياسية والفكرية والمذهبية المختلفة لأحد أبنائها البررة، الذي ارتبطت حياته وسيرته الشخصية ونتاجه الثقافي والإبداعي وقبل كل شيء مسيرته النضالية وتضحياته الضخمة بهموم وآمال وتطلعات شعبه في الاستقلال والحرية والعدالة والديمقراطية. كابد وعانى أحمد الشملان «ومعه المئات والآلاف من الوطنيين البحرينيين» مرارة الاعتقال والسجن المتكرر الذي بلغ في مجموعها 10 سنوات، إضافة إلى سحب جواز سفره واستدعائه إلى التحقيق مرات عدة في التسعينات من القرن الماضي، إلى أن أصيب بجلطة في القلب (1996) أعقبتها جلطة دماغية (1997)، ما سبب له إعاقة عن الكلام والكتابة وأفضت لاعتزاله القسري للعمل السياسي والنضالي. تقديراً لعطائه وتضحياته ومكانته الشخصية والتاريخية اختير بعد مرضه رئيساً فخرياً للمنبر الديمقراطي التقدمي ومازال.
ينطبق على أحمد الشملان مواصفات المثقف العضوي وفقاً لغرامشي الذي فرق بين المثقف التقليدي والمثقف العضوي «النقدي»، حيث كتب «كل الناس مثقفون، وهكذا فإن باستطاعة المرء أن يقول: «ولكن ليس لكل إنسان وظيفة المثقف في المجتمع.. المثقف هو أداة التراضي العفوي وضمانة الطاعة الشرعية للجماعة السائدة، والخارج عن هذه القاعدة هو المثقف العضوي، أي المثقف الملتزم المدرّب والمناضل»، وفي موضع آخر يقول «يبدو لنا أكثر الأخطاء شيوعاً، هو البحث عن معيار التمييز في الطبيعة الجوهرية لأنشطة المثقفين، بدلاً من البحث عنه في مجمل نسق العلاقات الذي تجري فيه هذه الأنشطة». إدوارد سعيد انطلق من هذه الفرضية الغرامشية ليوسعها بقوله «المثقف فرد منح قدرة على تمثيل رسالة، أو وجهة نظر أو موقف أو فلسفة أو رأى، وتجسيدها والنطق بها أمام جمهور معين ومن أجله.. مهمته أن يطرح على الناس الأسئلة المربكة المعقدة، وأن يواجه الأفكار التقليدية والعقائدية الجامدة «لا أن ينتج هذه الأفكار ويمارس تلك العقائد» والمثقف وفقاً لاقتراح إدوارد سعيد «أن يكون شخصاً لا تستطيع الحكومات أو الشركات اختياره والتعاون معه بسهولة، شخصاً تكون علة وجوده هي تمثيل الناس المنسيين والقضايا التي تم إهمالها بصورة متكررة أو أنها كنست وخبئت تحت البساط»، ويضيف «أن المثقف يقوم بهذا الدور استناداً إلى مبادئ كلية شاملة: إن من حق البشر أن يعاملوا فيما يتعلق بالحرية والعدل استنادا إلى معايير سلوكية لائقة من قبل القوى العالمية أو القومية، وأنه ينبغي إثبات الانتهاكات المتعمدة أو غير المتعمدة، لهذه المعايير ومحاربتها بشجاعة».
ضمن السياق ذاته، تصب المقترحات والفرضيات بشأن المثقف ودوره التي طرحها سارتر، ألتوسير، فوكو، تشومسكي وديريدا وغيرهم. من هذا المنطلق لا نستطيع هنا أن نفصل أحمد الشملان كمثقف «عضوي» له العديد من الدواوين الشعرية والكتابات النثرية والنقدية عن حياته وسيرته العامة كمناضل سياسي وحقوقي صلب وعنيد، وعن انحيازاته الاجتماعية «لصالح الفئات الكادحة والمهمشة» والفكرية «الحداثة والتنوير والعقلانية» والسياسية «العدالة والحرية والديمقراطية». لقد تسنى لي ومعي العديد من المثقفين السعوديين الالتقاء بأحمد الشملان في مناسبات مختلفة، وقد زرناه في منزله على إثر إصابته بالجلطة الدماغية التي مثلت صدمة مؤلمة لجميع من عرفوه عن كثب أو قرؤوا له وسمعوا عنه. نتمنى أن يكون تكريم أحمد الشملان مناسبة وفرصة سانحة للتيار التقدمي - الديمقراطي في البحرين الشقيقة، وعلى وجه الخصوص الفصيلين الرئيسين وعد والمنبر التقدمي، كي يوحدا جهودهما المشتركة باتجاه بلورة القطب الثالث أو البديل الديمقراطي في مواجهة مختلف أشكال التشطير والتشرذم الطائفي - المناطقي المقيت.
قبل أن أختم أرسل تحية ود وتقدير للأستاذة فوزية مطر على تفانيها وملازمتها ورعايتها الصادقة لزوجها في محنته، وعلى ما قامت به من جهد استثنائي لرصد وتسجيل سيرة حياة زوجها أحمد الشملان والتي لا تنفصل عن مسيرة البحرين المعاصرة منذ ما قبل الاستقلال وحتى الوقت الحاضر.
(1) من قصيدة " فوضى الكلام " المهداة إلى أحمد الشملان

#نجيب_الخنيزي (هاشتاغ)      

---

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات