|
كركوك وقشة البعير
غازي صابر
الحوار المتمدن-العدد: 2834 - 2009 / 11 / 19 - 09:23
المحور:
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
كركوك إحدى المحافظات المكونة لجسد الدولة العراقية ، وكثيرا ًما تغير إسمها حسب مشيئة الذين إحتلوا الأراضي العراقية منذ سقوط بابل الى أن أستقرّت على إسمها الحالي .بعد إكتشاف النفط فيها في ثلاثينيات القرن الماضي أصبحت محط جذب لكل الأعراق والطوائف العراقية وطوال تأريخها لم تثار فيها أي نزاعات طائفية أو عرقية . وبعد ثورة إكتوبرفي روسيا وتصاعد الحركات القومية في بلدان العالم والتي دعمت الثورة فيه حق تقرير المصير للشعوب والأقليات بدأت التوترات بين الحكومة العربية الملكية والمدعومة من بريطانيا وبين الحركة القومية الكردية والتي نشأت بزعامة البرزاني الأب ،وما زاد الطين بله دخول دول الجوار وحلفي وارشو والناتو هذا الصراع وتوجيه الأحداث كل حسب مصالحه . وإبان ثورة تموز 1958 عاد البرزاني الى العراق وإستقبلته حكومة الثورة ،وقد كتب في دستورها : العراق وطن للعرب والأكراد ، وهذه المادة الدستورية كانت واحدة من حقد القومجيه العرب على حكومة قاسم . إلا أن الحكومه لم تتقبل طرح موضوع الحكم الذاتي في ذلك الوقت مما أدي الى سوء العلاقة بينها وبين الأكراد ونشوب الاقتتال بينهما . في سبعينيات القرن الماضي إتفق الأكراد وحكومة البعث على قانون الحكم الذاتي والذي وافقوا فيه على القبول بثلاث محافظات هي أربيل وسليمانيه ودهوك ،وتنازلوا عن طلبهم في أن تكون كركوك إحدى المحافظات ، فالكثير من العرب لديهم شكوك في الحاح الأكراد في ضم كركوك الى الإقليم ويعتقدون أن وراءه مطامح إنفصاليه مستقبلا ً.وهذا ما شجع صدام على القيام بخطوات لتعزيز نسبة تواجد العرب في المحافظة أكثرمن بقية الأعراق . لم تمض سنوات كثيرة على إحتفال كل العراقيين في يوم 11 أذاركمنجز تأريخي لكل الشعب والذي شكل إنعطافة تأريخية لأنه أنهى الأقتتال الدموي بين الشعب العراقي الواحد والمتعدد الأعراق . لكن من سوء طالع هذا الشعب الذي لم يحالفه الحظ في إستمرار الهدوء السياسي فيه ولم يمنحه أعداءه الفرصة للتمتع بخيراته الكثيرة و المطمورة في أرضه ،هاج العقل الدكتاتوري في رأس صدام مشحونا ً بالعصبية القومية وبدأفي المحاولات لتصفية البرزاني الأب ، وأمام محاولات الأغتيال الفاشلة والتلكؤ في تنفيذ بنود اتفاق 11 أذار إنهارت عملية التصالح وعاد الأقتتال من جديد في شمال الوطن . قام نظام صدام بعدها بمجازر وحشية ضد شعبنا الكردي ومن ناصره من القوى السياسية العراقية . وفي تسعينات القرن الماضي وبعد مجئ الأمريكان الى العراق عاد الحزبان الكرديان الى حكم المحافظات الثلاث وبمساندة وحماية أمريكية ،وفي الوقت الذي كان الشعب العراقي يعاني الحصار كان الحزبان يستلمان حصة ثلاث محافظات من أموال النفط العراقي والذي تمنحه لهم الهيئة الدوليه، هذا بألاضافة الى سيطرتهم على واردات الضرائب الوارده والصادره للمحافظات العراقية عن طريق الشمال والتي هي ملك للدوله الإتحادية في بغداد . بعد سقوط النظام وتحلل بنيان الدولة وإنتشار الفوضى سيطر الحزبان على كركوك وبدأو بنفس الأساليب التي إتبعها البعث فقاموا بتشجيع الأكراد على السكن في كركوك لزيادة نسبتهم أكثر من العرب والتركمان وبدعوى إنهم كانوا من سكنة المحافظة سابقا ً،وأحدثوا تلاعب في السجلات المدنية وهذا ما يدعيه العرب والتركمان من سكنة المحافظة . ومع أن الدستور لم يكتب في ظروف صحية ولوجود الكثير من الإختلافات بين الكتل والأحزاب العراقية على بنوده إلا أن الأكراد متمسكون بالمادة 140 والتي فُرضت زمن بريمر والتي يصر عليها البرزاني الأبن وكثيرا ًما يردد أن كركوك خط أحمر ويردد البعض من الأكراد إنها قدس كردستان . بعد 2003أصبح في العراق دولة إتحادية مكونة من محافظات وإقليم ، والمفروض أن يكون هذا الإقليم جزء من الدولة الإتحادية ويستمد قوته من قوتها ، في حين الواقع يشير الى العكس ، هذا بالإضافة الى أن الإقليم يطالب بعائدية كركوك اليه ويطالب بأراضي إخرى وله قوات عسكرية تأتمر برئيس الإقليم وتنتشرهذه القوات في كركوك وفي نواحي من الموصل وكذلك في ديالى وهذا ما أثار حفيضة الكثير من العرب وأصبح مفهوم الفدرالية عبا ً على تشكيل الدولة الإتحادية والتي إريد لها أن تكون قوية لتواجهه الإنهيار الذي حصل لها بعد دخول الأمريكان . بعد مرور ست سنوات ولأسباب كثيرة أصبح الإقليم هو الأقوى من الحكومة المركزية وبكل القياسات ، ولو إستمرت العملية السياسية والتي أكدت إنّ العراق دولة إتحادية فإن الإقليم سيكون مثل مقاطعة بافاريا في جمهورية المانيا الإتحادية فالإقليم هو الأغنى وفيه تتركز الشركات الأجنبية الكبيرة كنتيجة لإستتباب الأمن فيه ولإرتباطات مصالح الحزبين الإقتصادية والسياسية مع الدول الكبرى والتى تلعب دورا ً كبيرا ً في التحكم بالوضع العراقي . وكلما تعاظمت قوة الإقليم إقتصاديا ً وإزدادت الأموال التي تحت تصرف الحزبين كلما إرتفع سقف مطالبهم وخلافاتهم مع الدولة الإتحادية الناشئة ، وكأن قوة الإقليم قائمة على تعثر المركز وليس العكس ، وهذا المسلك يُعقد الأمور بين القوى السياسية في بغداد والتي تتنازعها الصراعات الطائفية والفوز بالمناصب وكذلك يُفاقم من أوضاع العراقيين سوء ًفي النواحي الأمنية والخدمية في باقي المحافظات . والأجدر بالقوى الكردية إذا كانت تؤمن بالعراق الواحد هو العمل بروح عراقية وبنفس كردي للعمل على محاربة الأرهاب وتقوية الأمن والعمل بالقوانين والنظم الحضارية وحث الجميع على المساهمة بالثورة الأعمارية لصالح الأنسان العراقي من الجنوب والى الشمال . وأن تعمل على تنمية روح المواطنة العراقية لدى المواطن الكردي وخصوصا ً لدى الشباب والتي تشوهت نتبجة للأحداث الدامية التي تعرض لها العراق كوطن للعرب والأكراد وبقية الأعراق . وحتى التطورات الأخيرة التي حدثت في الساحةالسياسية الكردية لم تكن من أهدافها التقارب أكثر بين الأكراد وبقية المكونات العراقية ، بل إنها تدعوالى مزيدا ًمن التشدد في سقف المطالب بين الإقليم والمركز . كان من الممكن حسم قضية كركوك منذ البداية لأنها لغم كبير يهدد بناء الدولة الإتحادية ،لكن القوى التي تقود العملية السياسية تتهرب من مواجهتها لأنها ليست من الأولوية، فما يهمهم هو توطيد مراكزهم السياسية وحصولهم على العوائد المالية والسيادية ولأن هذه القوى والتي تشكيلتها طائفية أو قومية متشدده لا تهمها قضية وحدة الوطن بقدر ما تهمها مصلحة الطائفة او القومية على حساب وحدة العراق، أوربما تحلم هذه القوى بتجزأة الوطن حسب مصلحة الطائفة والقومية وهذا برنامج تعمل عليه قوى خارجية ( مشروع بايدن ) وإخرى داخليه ،وهذا ما نلحظه في الشارع فالبرزاني يعتبر نفسه وكأنه رئيسا ً لدولة مناوئة لبغداد وعلى هذا الأساس ينظر اليه الكثير من الأكراد والذين لايعتبرون أنفسهم مواطنين عراقيين ، ويؤكد الرئيس البرزاني أن من حق الأحزاب الكردية أن تختلف وحتى تتصارع ولكنها عندما تلتقي مع حكومة المركز عليها أن تكون موحدة وكأن حكومة المركز دولة إخرى .والقوى التي تسكن الجنوب تقوي من علاقتها مع إيران والتى في الغرب مع عرب الجوار . ومثل هذه التوجهات تبعث على الريبة والخوف على وحدة العراق . ومنذ أشهرو الذين يقودون الدولة والحكومة من العرب والأكراد خاضوا سجالات طاحنه للوصول الى التوافق حول قضية كركوك والتي حُشرت مع مشروع إصلاح قانون الإنتخابات حتى وصل التهديد بالخلاف حولها الى نسف العملية السياسية برمتها . فالبعض من النواب العرب يظن أن الأكراد يسعون لأن يكونوا الأكثرية في المحافظة حسب السجلات التي أنجزوها وهم المسيطرون على الحكم في المحافظة منذ السقوط ولحد الأن ، وإجراء الإنتخابات حسب هذه السجلات يعني فوزهم بالأغلبية ويعني أيضا ً بقاءهم في حكم المحافظة ،وبعدها يدعون لإجراء التصويت بالإنضمام الى الإقليم ثم تأتي مرحلة الإنفصال عن العراق . هذا السيناريو هو الذي يبعث على الشك والريبه لدى العديد من العرب العراقيين وكذلك التركمان ، والحاح الأكراد في قضية كردية كركوك والعديد من المناطق الأخرى يؤجج الصراعات العرقية والتي لاتخدم العراق ولا تخدم العملية السياسية والتي يراد منها ان يكون العراق دولة إتحادية ديمقراطية فدرالية قوية ومزدهرة ، وهذا العراق محاط بدول لاتريد له غير الفوضى والدمار والتشرذم . ويبقى الأمل أن تنتج الإنتخابات القادمة نخب تدركُ أهمية وحدة الوطن ويسيرون به الى مرفأ الأمان ـ ـ ـ! أما أذا ضاع المواطن وهو ينتخب هذه الكتل والأحزاب الحاكمه وتأتي نُخب مجندة لتفكيك وحدة الوطن على حساب واحدة لك وواحدة لي بعد أن يصنعوا واقع لاحل له غير ما يفكرون به وما يريده من يدعمهم في الخارج فستكون الكارثه . وهذا لايقبله عاقل ولايرضاه من يحب وحدة العراق، وإن وقع فإنه لن يستمر فوحدة الأوطان مثل الأم لايمكن تجزئتها وهذا ما قام به الألمان ولو بعد حين . ستبقى كركوك هي الرمز الذي يُبقّي العراق موحدا ً أو ستكون هي القشة التي تكسر ظهر العملية السياسيّة وتبعّثر وحدةالوطن ويضيع كل شئ بين حوافرالعملاء وحوافر دول الجوار المتعطشة لسلب خيراته في زمن ضاعت فيه قيم الجيره وحلت مفاهيم المصالح والأرباح حتى ولوكان ذلك على حساب دماء الأخرين .
اَه لجسد العراق ، تحتار فمن أي طرف تمسكه ينزفُ ويئن .
#غازي_صابر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
خال الحكومه
-
قصة قصيره الخشبه والمسمار
-
كوارث الفكر القومي والطائفي
-
قصة قصيرة المقابلة
المزيد.....
-
دام شهرًا.. قوات مصرية وسعودية تختتم التدريب العسكري المشترك
...
-
مستشار خامنئي: إيران تستعد للرد على ضربات إسرائيل
-
بينهم سلمان رشدي.. كُتاب عالميون يطالبون الجزائر بالإفراج عن
...
-
ما هي النرجسية؟ ولماذا تزداد انتشاراً؟ وهل أنت مصاب بها؟
-
بوشيلين: القوات الروسية تواصل تقدمها وسط مدينة توريتسك
-
لاريجاني: ايران تستعد للرد على الكيان الصهيوني
-
المحكمة العليا الإسرائيلية تماطل بالنظر في التماس حول كارثة
...
-
بحجم طابع بريدي.. رقعة مبتكرة لمراقبة ضغط الدم!
-
مدخل إلى فهم الذات أو كيف نكتشف الانحيازات المعرفية في أنفسن
...
-
إعلام عبري: عاموس هوكستين يهدد المسؤولين الإسرائيليين بترك ا
...
المزيد.....
-
الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات
/ صباح كنجي
-
التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل
...
/ الحزب الشيوعي العراقي
-
التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو
...
/ الحزب الشيوعي العراقي
-
المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت
...
/ ثامر عباس
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3
/ كاظم حبيب
المزيد.....
|