|
إلى جهاد نصرة : بلغ تحياتي إلى تركي حامد علم الدين !!
نزار نيوف
الحوار المتمدن-العدد: 860 - 2004 / 6 / 10 - 08:18
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
عزيزي جهاد ، أعرفك فقط منذ عدة أشهر وحسب ، للأسف . وكي لا تكون شهادتي هذه وثيقة إدانة إضافية لك ، من حيث لا أريد ، عندما تمثل بين أيدي ورثة عبد الوهاب الخطيب ووجيه إنطكلي ، أسارع إلى القول بأني لا أعرفك ولا تعرفني ... إلا عبر هذا الموقع الإلكتروني ، طالما أن معرفة أي شخص بنا ، نحن جماعة " المجلس " ، وبشكل خاص أنا ، تؤدي بصاحبها إلى التهلكة ، وأنا أريد لك " الكلكة " لا التهلكة ، على الأقل لكي تواجه القائمين على هذه العصفورية وأنت سكران . فمن الجنون أن ا تحاورهم وأنت في كامل قواك العقلية !
علمت اليوم أنك في الطريق إلى الفرع 251 المعروف باسم " الفرع الداخلي " في المخابرات العامة / أمن الدولة . وعملا بوصية مظفر النواب " .. وتزود قبل الربع الخالي بقطرة ماء " ، أحب أن أضع بين يديك خارطة مبسطة لهذا الوكر ونبذة تاريخية عن الضباع التي استوطنته والفرائس التي اقتيدت إليه والدور الثقافي الذي يقوم به في عهد الانفتاح . وهذا من أبسط مستلزمات السائح وضروريات تمتعه برحلة آمنة في عهدالإصلاح !
من المؤكد أنك ستترجل من باص السرفيس ، أو النقل الداخلي العام ، عند موقف السادات المحاذي لمشفى الهلال الأحمر ، لأنني أعرف أنك لا تتوفر على أجرة تكسي من كراجات الانطلاق في القابون أو حرستا إلى هذا المكان . فلو كان لديك أجرة تكسي ، لكنت أصبحت عضوا في لجان إحياء المجتمع المدني ، ولكنت تكتب في " قضايا النهار " ، وليس في " الحوار المتمدن " ، داعيا إلى التعايش السلمي والمصالحة الوطنية بين الدجاج والثعالب .. مثل بقية خلق الله من المثقفين الطليعيين رواد صالون الدكتور بهجت سليمان ، الذين يمارسون عربدة التحديث والإصلاح هناك حتى الصباح ، ليلقوا نفاياتهم على رؤوسنا مع بزوغ خيوط الفجر الأولى !
بعد أن تمشي حوالي خمسين مترا في الشارع الصغير المؤدي إلى الحي الغربي من منطقة التجارة ، عليك أن تنعطف قليلا نحو اليمين ، حيث تكون في الحال وجها لوجه أمام حاجز حديدي كبير متحرك على عجلات معدنية يقف بقربه شخص يرتدي زيا مدنيا ، مع أنه مدجج بالسلاح كما لو كان يحرس جسر بنات يعقوب من الأعداء الصهاينة ! لكن قبل أن تصل إليه سترى طابورا من البشر الذين افترشوا الأرصفة أو استندوا إلى سور الحديقة المعدني وقد هدهم التعب . وستعرف في الحال أنهم ليسوا أعضاء في لجان إحياء المجتمع المدني ، ولم يأتوا ليستمعوا إلى محاضرة في الإصلاح بدأت منذ أربع سنوات ولم تنته فصولها بعد لأنها لم تتوصل إلى إجابة مقنعة حول : أيهما أولا ، بيضة المجتمع المدني أم دجاجة الدولة ؟! ولا يزالون ينتظرون نتائج أبحاث عماد فوزي الشعبي في علم الأبستيمولوجيا البعثي ! هؤلاء يا عزيزي جاؤوا ليوقعوا وكالات عامة قادمة من أقربائهم في الخارج أو مرسلة إليهم من أحبتهم في الدياسبورا السورية . وغني عن البيان أنك لن تسألني عن علاقة الفرع الداخلي بوكالات الزواج والطلاق والإرث وبيع الدكاكين وتأجيرها ، فهذا كله مرتبط بالأمن القومي كما تعلم . والشباب معهم كل الحق ، فربما يكون آرييل شارون أو جورج بوش نظم وكالة لأحد المواطنين تخوله شراء دكان أو بسطة لصالح البنتاغون أو الموساد ، كجزء مع عملية الشرق الأوسط الكبير ومخطط الاجتياح الإمبريالي للمنطقة . أو أن شركة هاتف نقال أجنبية نظمت وكالة لأحد الموطنين تفوضه بشراء أسهم في شركة Syriatel . وأنت تعرف أن هذا ممنوع منذ أن عقد لواء احتكار شركة الهاتف النقال لرامي مخلوف وشريكه الدكتور.. ورموا رياض سيف في الجب !
بعد أن يسألك هذا المدجج بجعبة الصدر والكلاشينكوف ، ومقالات ميشيل كيلو وأشعار ممدوح عدوان ( عافاه الله ) وصقر عليشي . ..، عن مرامك وسبب تشريفك إياهم في هذا الوقت المبكر ، رغم أن السهرة الثقافية لا تبدأ إلا بعد منتصف الليل ، وما إذا كان أحد برفقتك مثل ابراهيم حميدي أو زياد حيدر أو رزوق الغاوي ، سيقودك إلى حيث " الكولبا " أو المحرس الذي يرتبون فيه دخول المراجعين . وهنا أمامك احتمالان : إذا كان الشخص المستدعي بهجت سليمان ، ستدخل إلى البناء الأول ، حيث ستستمع منه إلى محاضرة عن أطروحته التي تقدم بها لنيل الدكتوراه من جامعة بودابست في الإقتصاد السياسي ، والتي كرسها لما يسمى برواد اليسار الجديد في هذا العلم الماركسي ، لا سيما بول باران وبول سويزي ورواد ما يعرف باسم " مدرسة التبعية " كسمير أمين وأندريه غوندر فرانك . وربما يلقي على مسمعك محاضرة قيمة عن وسائل التعذيب التي كان يستخدمها ، مع زملائه السابقين ، في معسكرات سرايا الدفاع في " المزة جبل " و مطار المزة العسكري عند سليمان جديد ، قبل أن ينشق عن رفعت ويلتحق بأخيه حافظ ( هل رأيت بلدا في العالم ينشق فيه المرء عن أخ لصالح أخيه الآخر .. إلا بلدنا ؟! ) . أما إذا كان المستدعي العميد تركي حامد علم الدين ( وأظن أنه لم يزل هناك ) ، سيقودك عنصر إلى داخل البوابة الحديدية ، لتمشي بعدها بضعة أمتار ثم تنعطف قليلا إلى اليسار حيث مدخل البناء الثاني . وما إن تلجه حتى يكون أمامك خياران آخران أيضا ( وأنا لا أذكرك هنا بأغنية فواد غازي : قلبي مغارة بعشر بواب ، كل باب مسكر عا باب ) ، أحدهما يقود إلى الطابق الأول ، والآخر يقود إلى درج وبوابة حديدية ثم القبو ( والعياذ بالله ) . في هذا الطابق ( بافتراض أنهم لم يأخذوك إلى القبو فورا ) ستمشي قليلا في الصالون لترى عمك المساعد " أبو ميشيل " المكلف بمراجعة جميع الصحف الداخلة إلى البلاد ( وتلك الممنوعة ، لكن التي تجلب لهم فقط ) ، لا ليطلع على آخر الأخبار في مجال العلم والتكنولوجيا ، وكيفية إجراء الانتخابات الديمقراطية ، ولكن ليؤرشف مقالات الكتاب السوريين الذين ينشرون في صحف تافهة مثل الشرق الأوسط والحياة وملحق النهار ، ولا تعجبهم البعث أو تشرين أو الثورة ! وبعد غرفة " أبو ميشيل " تنعطف إلى اليمين حيث ممر صغير على يساره غرفتان ، أولاهما غرفة نوم تركي باشا حيث كانت " أم محمد " تأتي خلال مناوباته الأسبوعية لتفرفش عن نفسها قليلا ، والثانية مكتبه . وفي هذا المكتب سيكشف لك عن واحدة من أغرب عمليات المافيا والتزوير التي كان يقوم بها صيف العام 1988 ، يوم كان برتبة عقيد ، وقبل أن يرقوه إلى رتبة عميد مكافأة له . سيقول لك : كنت أستدعي مواطنين وأوجه لهم اتهامات تقصم الظهر ، ثم أرسلهم إلى عند المساعد سمير جروة ( سأعرفك عليه بعد قليل ) في القبو ، حيث دواليب أفاميا الحموية ، وحيث يمكنك ـ بعد أن تسترخي في الدولاب طبعا ـ أن ترى بأم العين كيف يمكن للعنزة أن تطير ، وكيف يمكن للأرنب أن يصبح حمارا . وبعدها يرجعون وهم يرقصون الديسكو ليبدؤوا توقيع الأوراق وهم معصوبو الأعين بطماشات كاوتشوك شبيهة بتلك التي يضعونها على عيني البغل . وسيتابع تركي باشا القصة لك ، قائلا : " كنت أكلف أحد المساعدين بأن يمسك أصابع المواطن والقلم بينها ، ثم يثبتها له على أوراق في مكان محدد ويأمره بالتوقيع . وأنت تعلم ـ عزيزي جهاد ـ أن الإنسان يمكن أن يوقع على أوراق بشكل غريزي حتى ولو كان أعمى . وسيفترض المواطن المعتر أنه كان يوقع أوراق إفادته المزورة ، لكنه سيكتشف لاحقا ( مثلما اكتشف هادي الأحمد = نزار نيوف صيف العام 1988 ) أنه وقع إيصالات مالية فارغة تفيد بأنه مخبر ويتقاضى أجرا شهريا . وبعدها أملؤها بالمبلغ الذي أريده وأقدمها إلى القسم المالي في إدارة المخابرات العامة بكفر سوسة " !! وسيكتشف مكتب تفتيش الجيش الذي كان يشغله الجنرال أبو وفيق ـ وهو أحد أكبر اللصوص في العالم الثالث ( يعني حاميها حراميها ) ـ أن هناك أكثر من عشرة آلاف مخبر في سورية لا وجود لهم ولم تلدهم أمهاتهم بعد ، وجميعهم يتقاضون ـ على الورق ـ رواتب مخبرين " ! بعد أن ينهي تركي باشا الحكاية ، سينزلك إلى القبو . وهناك سيقص عليك سمير جروة ( الأسير السابق في إسرائيل ، وشقيق الملازم الشهيد في سلاح الدفاع الجوي ممدوح جروة ) ، أو خليفته ، قصة أحد الأفلام التي أخرجها جمال عبد الناصر هيتشكوك ، ومساعده عبد الحميد السراج ومخرجه المنفذ عبد الوهاب الخطيب :
" هنا ـ يا عزيزي جهاد ـ وفي بانيو هذا الحمام ، وضع زبانية عبد الناصر وعبد الحميد السراج والنقيب عبد الوهاب الخطيب ( ابن دورة مصطفى طلاس ) جثة فرج الله الحلو، بعد أن نهنهوه في التعذيب وافترضوا أنه مات ، كي يذوبوه بالأسيد ويخفوا الجثة . وبينما كان يهم المجرم وجيه إنطكلي بصب الأسيد ، استفاق فرج من غيبوبته . وبسبب هول الصدمة والرعب ، تناول وجيه إنطكلي منشار حديد وبدأ يخبط في على رأس فرج حتى شقّفها . وبعد ذلك راح يقص ساقيه بالمنشار لكي يستطيع تمديده جيدا في البانيو ، كي يغمره الأسيد جيدا " !
بعد ذلك سيأخذك في جولة سياحية داخل المنفردات التي لم تر النور منذ العام 1958 ، حيث القملة والفسفسة أصبحت بحجم الكر . وسيقول لك : من هنا يا جهاد نصرة مر نزار نيوف ( هادي الأحمد ) صيف العام 1988 في حبسته الثالثة ، وقبله بعدة سنوات أصلان عبد الكريم وأبو رباب وأبو فيونس وأسعد ياغي ( أبو سامر ) والكثيرون من أبناء حزب العمل الشيوعي والإخوان المسلمين وغيرهم . لكن قبل أن يضعوك في الدولاب ( وربما الآن ـ بسبب الانفتاح والإصلاح ـ أصبحوا يستخدمون دواليب بريدجيسترون بدلا من آفاميا ) أرجو أن تبلغ تركي حامد علم الدين تحياتي وتسأله : كيف استطعت إقناع اللواء علي الحوري أن نزار نيوف ( أوهادي الأحمد .. على الإيصالات ) يتقاضى منك مرتب مخبر قيمته ستمئة ليرة سورية في الوقت الذي كان يتقاضى فيه من إعلام الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين ومجلتها " الأردن الجديد " حوالي أربعة آلاف ليرة ، أي مرتب وزير سوري غير حرامي في ذلك الوقت ؟! كما وأرجو أن تسأل اللواء الدكتور بهجت سليمان السؤال التالي : كيف يمكن لإنسان أعد أطروحة عن مفكري مدرسة التبعية ، ووضع عليها، بعد طباعتها ، إهداء لحسين مروة ومهدي عامل ، أن يستدعي جهاد نصرة أو غيره ليحقق معه عن مقالة تتعلق بـ " حزب الكلكلة " كان نشرها في موقع " الحوار المتمدن " .. أو حتى " الحوار المتوحش " ؟! والأهم من هذا وذاك أن تسأله : كيف يمكن لقادة لجان المجتمع المدني أن يصدقوا أن جلادا قادما من عالم رفعت الأسد السفلي في " المزة جبل " والقابون وزواريب سليمان جديد ، يمكن أن يكون رمزا من رموز الإصلاح .. المخابراتي ؟! إذا لم يستطع الإجابة ، وهو لن يستطيع ، تأكد يا جهاد نصرة أنك إنسان عاقل في عصفورية كبرى اسمها سورية ، وهي واحدة من عجائب الدنيا التي تستحق التأمل ! بانتظار عودتك سالما غانما ، لك تحياتي نزار نيوف ( جار الأستاذ الحاج أبو فواز، جميل الأسد ) باريس 9 حزيران / يونيو 2004
#نزار_نيوف (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
لم أعد وحدي مصابا بفصام الشخصية :أكثم نعيسة يشرب حليب السباع
...
-
من أجل إحياء وتطوير مفهوم -الكولونيالية الداخلية-: أفكار للن
...
المزيد.....
-
الأنشطة الموازية للخطة التعليمية.. أي مهارات يكتسبها التلامي
...
-
-من سيناديني ماما الآن؟-.. أم فلسطينية تودّع أطفالها الثلاثة
...
-
اختبار سمع عن بُعد للمقيمين في الأراضي الفلسطينية
-
تجدد الغارات على الضاحية الجنوبية لبيروت، ومقتل إسرائيلي بعد
...
-
صواريخ بعيدة المدى.. تصعيد جديد في الحرب الروسية الأوكرانية
...
-
الدفاع المدني بغزة: 412 من عناصرنا بين قتيل ومصاب ومعتقل وتد
...
-
هجوم إسرائيلي على مصر بسبب الحوثيين
-
الدفاع الصينية: على واشنطن الإسراع في تصحيح أخطائها
-
إدارة بايدن -تشطب- ديونا مستحقة على كييف.. وترسل لها ألغاما
...
-
كيف تعرف ما إذا كنت مراقبًا من خلال كاميرا هاتفك؟
المزيد.....
-
المسألة الإسرائيلية كمسألة عربية
/ ياسين الحاج صالح
-
قيم الحرية والتعددية في الشرق العربي
/ رائد قاسم
-
اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية
/ ياسين الحاج صالح
-
جدل ألوطنية والشيوعية في العراق
/ لبيب سلطان
-
حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة
/ لبيب سلطان
-
موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي
/ لبيب سلطان
-
الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق
...
/ علي أسعد وطفة
-
في نقد العقلية العربية
/ علي أسعد وطفة
-
نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار
/ ياسين الحاج صالح
-
في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد
/ ياسين الحاج صالح
المزيد.....
|