غسان المفلح
الحوار المتمدن-العدد: 2833 - 2009 / 11 / 18 - 12:34
المحور:
السياسة والعلاقات الدولية
كنت قد كتبت الجزء الأول من هذه المقالة، كمقالة مستقلة، ولكن جاءتني عدة تعليقات على هذه المقالة، واستوقفني تعليق لقارئ نشيط ومعلق ممتاز، ومؤدب، وهذه ميزة نحتاجها في النقد، لكي نتوصل إلى تقاطعات سياسية وثقافية وقيمية.
وهذا القارئ هو السيد عبد الباسط البيك، وهذا تعليقه أورده كما هو:
العنوان: الشنآن و العدل
الإسم: عبد البا سط البيك
لا أدري هل نحتاج الى تذكير السيد غسان المفلح بالآية الكريمة ; و لا يجرمنك شنآن قوم على أن لا تعدلوا، إعدلوا هو أقرب للتقوى ;. معارضتك للنظام بدمشق بصرف النظر عن أسبابها و مصداقيتها، تجعل تحليلاتك تخرج عن الحيادية...في معظم مقالاتك التي أتباعها بإستمرار. و هي تعكس رأي شخص معارض لنظام حكم بحيث تجعله يرفض كل ما ينتجه النظام من سياسيات و لو كانت طيبة المردود و يعمل على تصيد الأخطاء لتضخيمها، كما يلجأ الى إسلوب التلاعب بالحقائق. النظام بدمشق يوسع علاقاته و تحالفاته لأسباب لا تخفى على أحد بعد كثرة التهديدات الأمريكية التي طالته في مناسبات كثيرة. هناك قوى دولية و إقليمية تريد من دمشق تقديم تنازلات في عدة ملفات من أهمها التحالف مع إيران و حزب الله و حماس. سورية لم ترضخ لهذه الساعة لتلك التهديدات و تعمل على إفشالها بعدة طرق تكتيكية و إستراتيجيةمن خلال البحث عن بدائل تدعم صمودها.العلاقات الطيبة مع أتقرة جاءت لخدمة الطرفين، و تركيا تريد سوقا أكبر و أوسع كما أنها تريد إيجاد حل لمشكل الأكراد. و هذا الحل يهم كل الدول التي يوجد على أراضيها أكراد. و لنقل أن تحالفا تركيا إيرانيا سوريا جمع هذه الدول لتعالج هذا الملف بطريقة و منهج واحد، فهل هذا الأمر يضرك يا سيد غسان؟ لا يختلف أحد معك على أن هناك أزمة داخلية ذات طبيعة سياسية و إقتصادية في تركيبة النظام الحالي بدمشق، و لكن ليست هذه الأزمة بوجوهها المتعددة بقادرة على زعزعة النظام رغم أنها تسبب له أوجاعا في الرأس أثبت أنه قادر على تحملها من دون تقديم تنازلات للمعارضة. لو ألقينا نظرة على محاولات الغرب بشقيه الأوربي و الأمريكي لوجدنا أن جهودا حثيثة تبذل لإغراء دمشق بفك إرتباطها بطهران، الرئيس الأسد فعل خيرا عندما قال أن العلاقات السوريةالإيرانية خط أحمر و كان عليه أن يقول خطا أحمرا قانيا. ولو فعل لسد باب التلاعب و الغنج الغربي الذي يقدم في عملية إستعراضية بارعة ثم ما يلبث أن يصبح سرابا عند الحقيقة. لا أدري لماذا لم يعجبك موقف سورية من الحرب الدائرة بين السعودية و الحوثيين. موقف دمشق كان واضحا بأن سورية لا تؤيد إعتداء اي قوة على الأراضي السعودية، و في المقابل نحن نعلم جميعا بأن الصراع الدائر في اليمن سببه النظام القائم هناك من خلال سوء إدارته لمرافق الدولة و مؤسساتها. و في موقف سورية لا يوجد أي تناقض لأنها أبعدت نفسها عن صراع داخلي و لو أن بعض المظاهر التدخل الخارجي بدأت تطفو مؤخرا على الساحة. إن فكرة التوازن الإستراتيجي مع العدو التي طرحها الرئيس حافظ الأسد تجد صداها في التحالف السوري التركي الإيراني، و لو اكتملت أضلاع هذا المثلث لنتج عن ذلك متغيرات في ميزان القوى الإقليمي يتولد عنه تأثير كبير من نوعيات لا تسر أعداء أمتنا. لا نجد غضاضة في تعميق التحالفات الإيجابية إقليميا على حساب الرضوخ لما تريده واشنطن خدمة لمصالح العدو الإسرائيلي. و نرجو أن لا يتحفنا السيد المفلح بأن سورية تريد الدخول بمفاوضات مع تل أبيب عبر الوسيط التركي...حينها سنقول للسيد المفلح سلام قولا من رب رحيم يا رجل...هلا نظرت إلى الشروط التي يتمسك بها أهل دمشق في المفاوضات..؟ إذا وجدت أحدا في الجانب الآخر يقبل بها...حينها اتصل بالرئيس الأسد و أخبره..
التعليق بحد ذاته مقالة، ونأسف لطوله ولكن لكي لا نجتزئ منه شيئ، لا يسر السيد البيك.
وسأبدأ من النقطة التي اتهمت فيها بأنني معارض سلبي، ولا أرى أية إيجابيات يقوم بها النظام أو قام بها، لا اعتقد أن هنالك معارضا سوريا واحدا يمتاز بالسلبية، بل العكس هو الصحيح فميزة المعارضة السورية عموما أنها إيجابية، في نظرتها للواقع السوري، لدرجة أنها ترى الإيجابيات أكثر مما هي موجودة، ولكن الأمور لا تقاس هكذا، بل أنها تقاس بالشرط الداخلي أولا وأخيرا، بمعنى حاجات المجتمع ومتطلباته على كافة الصعد، وهذه تتطلب لوحدها نقاشا، لا أظن أن السيد البيك، تهمه هذه المسألة بقدر ما يهمه، الوضع الإقليمي، ومتطلبات حالة الصراع العربي الإسرائيلي كما يراها هو من موقعه، الأيديولوجي والسياسي، والذي نختلف معه فيه. القضية ليست في ممانعة النظام في دمشق، وكنت قد كتبت عن هذا الموضوع مقالا، ونشر في إيلاف أيضا، عن أن ممانعة النظام في سورية هي بنيوية بالنسبة له، وليست طارئة أو مناورة سياسية أو خداع، ولكن في المقابل، الممانعة السورية مطلبا إسرائيليا بالدرجة الأولى، وإن كان ليس مطلبا غربيا بشكل عام، وهنا تناقض يسهل دوما على الجانب الإسرائيلي حله والتعاطي معه وفق ميزان القوى القائم. لأن الممانعة هي في النهاية لعبة وقت، وإسرائيل تحتاج إلى بقاء ميزان القوى كما هو، ولكن مترافقا مع حالة اللاحرب واللاسلم، لأنها وحدها تتيح لها هضم الأرض بالتقادم المزمن، والمتراكم بفعل تراكم ميزان القوى الكاسح لصالحها. لا إيران ولا سورية، تمتلك القدرة على السلام، تماما كحالة النخب الإسرائيلية، وهذا ما يجعل ممانعة النظام السوري، ومن لف لفه من قطريين وحمساويين، مسألة ضارة على المستوى الاستراتيجي، والنابعة أصلا من حاجة النظام لتجديد الأزمة. تماما كالقطريين، ما الذي يخسرونه في حال بقيت سورية مأزومة؟ هم يربحون لأنهم بحاجة إلى دور إقليمي، ومعهم إيران كذلك. من الخاسر هنا" الشعب السوري أزمته الحياتية وجوديا وتاريخيا تزداد، والأرض السورية والفلسطينية تهضم إسرائيليا بحكم الأمر الواقع.
ونسأل السيد المعلق، هل أمريكا هي التي تستنزف موارد الشعب السوري، وتنهبه؟ ونرجو أن يكون موضوعيا في إجابته. التقرير الأخير لمنظمة الشفافية الدولية، وضع النظام السوري بقائمة الأكثر فسادا- التقرير موجود الآن على صفحة قناة الجزيرة.
بالنسبة لطهران، تعرف أن الغرب لن يقدم للنظام السوري، بدائل تجعله يفك ارتباطه معها، ولهذا هي مطمأنة على هذا الجانب، وتعرف طبيعة النظام الجوانية أكثر من غيرها.
سورية بلدي، الذي بات الآن، ورقة تارة تلعب فيها إيران وتارة تلعب فيها تركيا، وهذا اللعب يزيد من نهب الشعب السوري ومن معاناته، ولا أنكر أن النظام وحده المستفيد من ذلك، أما مستقبل سورية كوطن وكدولة فلا يعلم به إلا الله.
إما بالنسبة لحماس، وإمارتها في غزة، فإسرائيل وحدها من تحمي هذه الإمارة، كما قلت لعبة الوقت وتغيير الوقائع على الأرض، وهذا ما توفره حماس لإسرائيل. وهذا لا يمنع رؤيتنا لترهل السلطة الوطنية الفلسطينية والفساد المستشري داخلها.
هل تصدق أن تركيا وإيران معنيتان بتحالف مع النظام في دمشق بمواجهة إسرائيل، لا أعتقد أن أحدا في هذا العالم يصدق هذا الكلام. تركيا دولة في النهاية، وليست حسابات أشخاص يتربعون على عرش سلطة إلى الأبد.
وبالنسبة للحوثيين فالموقف يتلخص ببساطة بأنهم استخدموا السلاح والعنف وسيلة لتحقيق مطالبهم وهذا مرفوض جملة وتفصيلا، أما غير ذلك، فلست متابعا كثيرا لهذه القضية. أما تحرشهم في الجانب السعودي فهذا أمر معقد لا يمكننا فقط إرجاعه لسبب وحيد وهو أنهم يخدمون أجندة إيران- وإن كان هو الأهم- هنالك أسباب أخرى، لسنا بوارد ذكرها هنا.
حزب الله، ليس ورقة سورية، وإن كانت سورية قادرة على ممارسة ضغوط عليه، ولكنه في النهاية، حزب الله ليس وئام وهاب أو أسعد حردان. حزب الله مؤسسات صنعتها بالتوافق إرادات إيرانية ولبنانية لها وزنها الشعبي وسورية.
وفي الختام أسأل ما هي الشروط التي يتمسك بها النظام في دمشق بمفاوضاته مع إسرائيل؟
وفي النهاية لم ينتهي الحوار، ولكنني أشكر السيد عبد الباسط البيك.
#غسان_المفلح (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟