|
عقلنة العقل
مازن مرسول محمد
الحوار المتمدن-العدد: 2832 - 2009 / 11 / 17 - 23:44
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
مما لا شك فيه إن الإنسان بتوصيفٍ بايولوجي يمتلك عقلاً ، فلا يولد فرد إلا ووضع (الله) تعالى فيه دماغاً حاوياً لذلك العقل . لكن التساؤل هنا هو هل فعلاً ميز الإنسان بعقلهِ هذا فرديتهِ وجنسهِ كثيراً كما ميزه ( الله) تعالى عن سائر المخلوقات وكرّمه ، هل تعامل الإنسان مع ذلك العقل لنصرة البشرية ورفعتها ، أم ساهم بانحطاطها ، أم إن الأمر رهن تعامل البشر مع بعضهم البعض ؟ تكاد لا تخلوا حياتنا الاجتماعية اليوم من ضغوطٍ كبيرة أحالت السلوكيات الإنسانية إلى سلوكيات يشوبها نوعاً من الغموض في ارتكاب الأخطاء الإنسانية في كثيرٍ منها . ونقول غموضاً لانه من المفترض أن امتلاك العقل يجب أن يكون للتصرف بعقلانية دون الرجوع القهقري . فلماذا لم تتقدم وتزدهر الحيوانات مثلاً ، أليست هي كائنات حية ، ولماذا لم تسمو بقية المخلوقات الأخرى ، لماذا الأمر مُناط بالإنسان نفسهِ ؟ أليس جواب ذلك هو لانهُ فُضّل بالعقل الذي ينبغي أن يُستغل أفضل استغلال . من المعروف أن الفرد يولد صفحة بيضاء خالية من تراكمات وخبرات الحياة ، وتبدأ المواقف الاجتماعية والتفاعلات بملء هذهِ الصفحة سواء أكانت جيدة أم سيئة ، إذ تلعب في ذلك بيئة الإنسان لانهُ أبن محيطهِ وشخصيتهِ دور ٌ كبير . لذا يجب أن نقول الآن أن امتلاك الإنسان للعقل كافٍ لان يوصلهُ إلى قمم السمو الإنساني . لكن ما صدى ذلك وما نتيجتهُ ، هل فعلاً جاز هذا الفرض ، هل استُغل لنهضة الإنسان أم اختلطت الأوراق فيه ؟ يمكن أن تكون المجتمعات المتقدمة قد ازدهرت واتسعت الفجوة بينها وبين المجتمعات اللاهثة في الركض ورائها أو الواقفة دون حراك ، بسبب عقول أفرادها التي وضعت أسس صحيحة لطريق أسمى منشود . فلم تتحقق المكاسب الإنسانية إلا بفضل منطقية عقل الإنسان التي لولاها لسقطت الحياة واندثرت نهائيا عن وجه البسيطة . على أن لا يعتقد الغير إن الأمر بهذه السهولة بمجرد امتلاك العقل ، فالأمر كفيل بوجود ديناميكية واعية للعقل ، فما يحرك العقل ممكن أن يساهم في إيقافه ، وما يدفعه للتقدم قد يدفعه للتأخر والانحطاط . الم تستخدم كثيرا من الشعوب عقول أفراداً للمكر بالأفراد الآخرين ، الم يوظف دهاء الكثير العقلي لخراب البشرية ، ومثال الحروب العبثية ومحاولة الاستحواذ على العالم ما هو إلا دهاء عقلي موظف لفرض سطوة ونفوذ أناس على آخرين ؟ وبالمقابل نجد إن العقل الإنساني بمبادئهِ المنطقية أجاد كثيرا وأوصل الحياة إلى كثيرٍ من ضفاف الأمان ، وشاهِدُ ذلك الازدهار الفكري والثقافي والتقني السلمي . فأين موقع العقل السامي اليوم من النقد والجلد ، ألا تحتاج عقولنا للعقلنة ، ألا يتطلب لسان حال مجتمعاتنا إرهاق العقل بعملٍ جدي لبناء مجتمعاتٍ قوية رصينة تنصرف إلى النظر لبناءٍ متكامل نوعا ما للجنس الإنساني ؟ من المؤكد إن ذلك هو ديدن العقلنة دون التراجع إلى الانكسار ، لكن كيفية التطبيق تحتاج إلى بذل جهدٍ مخطط له مسبقاً بوعيٍ شامل لما يدور ويجري . فهل يمكن بالعقلانية أن نلغي أو نحد مثلاً من كثير من الأمراض الاجتماعية التي ما برحت أن تقوض من أساسات مجتمعاتنا ، فهل يمكن أن نلغي الفوارق الطبقية بحلول عقلية جذرية ، أو تضييق الخناق على آفة الفقر ، ألا يمكن أن نجعل العالم ارض سلام دون حروب ونزاعات بعقلٍ ومنطق ، هل من الممكن أن يُهذب السلوك الإنساني لرفعتهِ ليس إلا ؟ كل ذلك رهن تصرف ومنطقية شيء اسمه العقل الإنساني ، فالتضاد الآن هو بين تسفيه العقل وبين من يحاول وضع الأسس الراسخة له . ولعل كثير من بنو البشر اليوم متأرجحون بين الثبوت العقلي تارة والانحراف عنه تارة أخرى ، فما يلبث الأفراد أن يتصرفوا بمنطقية حتى يعاودوا نسف هذه المنطقية بلا أبالية وتعصبية مُحطة للنوع الإنساني بميزاتهِ الكثيرة . ألا نعتقد إن الكثير أيضاً عل علم ودراية بأصول العقل وكيف هو الموجه الرئيس ، ألا يعلموا إن بإمكانهم نزع لباس الأنا المتعاظمة لصالح النحن التضامنية ليعم نوعاً من السلام والأمن الإنساني المفقود ، ألا يتطلب الأمر البحث عن أسس قوية نركز عليها عقولنا لنجعلها مظلات أمان حامية لمجتمعاتنا لا ناسفة لها ، ومقوية لا مضعفة لها ، ومساندة لا مضادة لها ؟ لذا فهي دعوة لنقد العقل من جديد بالوقوف على هناتهِ التي من الممكن وممكن كثيراً أن نصححها لنعلي من شأن أنفسنا أولاً ومن ثم مجتمعنا الأكبر والحفاظ على سمو ورقي الإنسان بمعرفة آلية سير العقل وفي أية اتجاه يخط طريقه .
#مازن_مرسول_محمد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
هل من عودةٍ للعقل ؟
المزيد.....
-
تفاعل على ترحيب أصالة بأحلام في جلسات موسم الرياض ورحيل صادم
...
-
النرويج تقفل تحقيقها بشأن أجهزة -بيجر حزب الله- التي انفجرت
...
-
-سي إن إن-: الحكومة الإسرائيلية ستصوت على اتفاق وقف إطلاق ال
...
-
برلماني روسي: -أوريشنيك- أظهر حتمية اقتصاص روسيا ممن يعتدي ع
...
-
وزير الخارجية الإيطالي: إيطاليا لن ترسل عسكريا واحدا إلى أوك
...
-
المتحدث باسم ترامب: إسقاط القضايا الفيدرالية ضد الرئيس بمثاب
...
-
شولتس بعد ترشيحه رسميا: هدفنا تصدر المشهد وأن نصبح الحزب الأ
...
-
حرب غزة.. أول إبادة جماعية بالبث المباشر
-
أفرزتها حرب مدمرة.. غزة تحت وطأة مجاعة وأمراض وحصار لا هوادة
...
-
خبراء أمميون: إسرائيل مسؤولة عن سلامة مصور الجزيرة فادي الوح
...
المزيد.....
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
-
سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري -
/ الحسن علاج
المزيد.....
|