|
حوار مع المترجم احمد خالص الشعلان
عصام عبد العزيز المعموري
الحوار المتمدن-العدد: 2832 - 2009 / 11 / 17 - 22:37
المحور:
الادب والفن
المترجم ( أحمد خالص الشعلان ) : ليس الشاعر وحده من يرتقي في إيجاد لغة في اللغة
حاوره : د. عصام عبد العزيز المعموري – بعقوبة
الاسم في عالم النشر : أحمد خالص الشعلان
ألاسم الحقيقي : أحمد خالص شعلان الجربة - دخل ألابتدائية في مدينة المقدادية عام 1951 في مدرسة المقدادية ألأولى للبنين و تخرج عام 1957 في مدرسة بعقوبة ألابتدائية ألأولى - أكمل دراسته المتوسطة عام 1960 في متوسطة بعقوبة للبنين - تخرج في إعدادية بعقوبة للبنين عام 1962 ودخل معهد المعلمين في بعقوبة في أول دورة له ليتخرج فيه عام 1964 - تخرج في دورة معهد تطوير تدريس الإنكليزية عام 1979 بدرجة امتياز وكان أولا على زملائه - حاز على درجة البكالوريوس في الانكليزية عام 1999 من كلية التربية (ابن رشد ) بدرجة جيد جدا عال و كان تسلسله الثالث في دفعته و هو في سن الخامسة و الخمسين - حصل على درجة دبلوم عال معادل للماجستير في الترجمة من كلية اللغات جامعة بغداد عام 2001 - حصل على درجة الماجستير في التربية / طرائق تدريس الإنكليزية من كلية التربية / جامعة ديالى عام 2008 - بدأ الكتابة و الترجمة و النشر منذ أواخر ستينيات القرن العشرين و ساهم بدور فاعل في إصدار مجلة القصة في مدينة بعقوبة في تلك ألآونة مع عدد من الكتاب الشباب منهم الناقد سليمان البكري و آخرون. - أوقف و منع من النشر أواسط سبعينيات القرن العشرين بسبب مقالة نشرت له تتحدث عن ثقافة الشباب آنذاك و لم يعاود النشر إلا عام 2001 باسم محرف هو ( أحمد القصقاص " و ثم عاد عام 2003 إلى النشر باسمه المعروف به ألآن . - عدا الكتابة في البحث الأكاديمي و النقد الأدبي و الفلسفة و علم الجمال و التربية و السياسة و ألأمور العامة ، له مساهمات في الترجمة منها كتابان منشوران و كتابان معدان للنشر بالإضافة إلى العديد من البحوث الترجمية و النقد الترجمي - إلى جانب تدريسه للترجمة في الجامعات العراقية ما يزال يمارس نشاطه المعرفي بالنشر في المجلات ألأدبية العراقية و على صفحات ثقافيات الصحف العراقية المعروفة وعن الترجمة وعالمها وهل ترتقي الى أن تكون فنا" من الفنون الأدبية كان لنا معه هذا الحوار :
1 - يميز ألأديب " أحمد عبد المجيد " بين الشاعر و سواه " بقوله " إن الشاعر هو الذي يتألق في إيجاد لغة في اللغة " بمعنى انه قادر على ألارتقاء بالكلمات القاموسية في لغة ما ليصنع منها عملا إبداعيا متميزا يتمثل بقصيدة لها فعل السحر على المتلقي ... فما الذي يميز بين الشاعر و المترجم في هذا الِشأن ؟
• ليس الشاعر وحده من يسعى إلى إيجاد لغة في اللغة . فالمفردة القاموسية عند أغلب علماء اللغة ليست أكثر من جثة corpus يعيدها إلى الحياة مستخدم هذه المفردة ، سواء أكان شاعرا أو كاتب قصة ، أو مسرحيا ، أو كاتب مقالة ، أو خاطرة ، أو أي متحدث بتلك المفردات في الحياة اليومية . أنت مثلا ، ألا يحصل أحيانا أن تلتقي شخصا بمجرد أن يتحدث إليك تجد نفسك و قد وقعت تحت تأثير خطابه فورا ، و كأنه فن من الفنون ؟! فالكلمة القاموسية ليست هي ، إذا جاز لنا القول ، الدلالة بعينها ، و إنما هي الدليل إلى الدلالة . و ينطبق هذا أيضا حتى على لغة العلم ، إذ نجد بعض المصطلحات المتداولة في أكثر من حقل واحد ، حين يقوم مستخدم المصطلح في حقل معين بشحنه بمعنى يختلف أحيانا كليا عن المعنى الموظف للمصطلح في الحقول الأخرى ، و ألأمثلة لا تعز علينا هنا . و أظن أن هذا هو واحد من حقول دراسة اللغة ، و هو ما يدعى بـ " التداول ؛pragmatics " ، الذي يبحث في وجوه استعمال المفردة القاموسية و نوع الشحنة التي يشحنها بها مستخدمها و في أي سياق يريده ، سواء أكان كاتبا من أي نوع أو درجة ، أو كان متحدثا من أي نوع أو درجة ، مع ألاعتراف طبعا بالقدرة الفذة المميزة التي يستعمل بها الشاعر ، و لكن ليس أي شاعر دون ريب ، المفردات المتاحة و توظيفها على الوجه الذي يخلق بها ذاك السحر الذي تحدثت أنت عنه . و المترجم لا يشذ عن هذا إطلاقا . مع فارق نوعي بين الشاعر و المترجم ، إذ أحببت أن نقارن بين ألاثنين . و هو أن الشاعر ينقل رسالته هو ، في حين يقوم المترجم بنقل رسالة لا تعود له بالأساس ، بل إلى غيره . و هذه المهمة وجدتها ، بوصفي مترجما ، أكثر تعقيدا مما يظنه كثيرون . فإذا كان ما يترجمه المترجم شعرا ، عليه إذن أن يستحضر حالة ألإلهام ، أو حالة الخلق ، التي مر بها شاعر القصيدة ، و هيهات أن يتحقق هذا إلا نادرا ! و إذا كانت المادة المترجمة قصة أو رواية ، فلك أن تتخيل مقدار الوجع الذي يتعرض له المترجم في مسعاه لتصور المناخ الذي يدور به الحدث و ألإحاطة به ، أو محاولة مقاربة الخطاب الذي يستعمله الشخوص في حواراتهم . و أذكر في هذا الشأن موقفين تعرضت لهما . ألأول في الشعر ، إذ حصل لي مرة و كنت أقرأ قصيدة للشاعرة ألإنكليزية " سلفيا بلاث " ، و هي شاعرة من ثلاثة شعراء كانوا يسمون في ستينيات القرن العشرين بـ " عصبة الشعراء المجانين " . و كانت قصيدتها تلك في منتهى التركيز و الكثافة إلى درجة أن اللحظة الشعرية فيها لم تستغرق أكثر من أربعة أو خمسة أبيات قصيرة هي الأخرى . و كانت تتحدث عن شئ لامرئي سقط من الشاعرة في العشب و غاب هناك . و قد لا تتخيل ما حصل لي بعد أن تشربت التجربة التي في القصيدة أثنا القراءة ، و هو أني صادف حين قرأتها كنت جالسا على مصطبة في الكلية على العشب ، فراحت عيناي لا شعوريا تبحثان مع الشاعرة عن ذاك الخيال اللامرئي الذي ضاع ، ما يعني إني أمسكت إلى حد ما بلحظة الخلق التي اعترت الشاعرة ، و لكني حين أتيت إلى ترجمتها فورا إلى العربية وجدت نفسي عاجزا ، و لم أجد في كل مفردات القاموس العربية ما يسعفني في نقل رسالة الشاعرة . فقررت ألإحجام عن ترجمتها كي لا أسئ إلى كل ذاك الجمال الذي غمرني و أنا أتقمص لحظة الخلق عند الشاعرة . و تجربتي ، مع هذه القصيدة ، بوصفي قارئا أولا قبل أن أكون مترجما ، هي من الحالات النادرة جدا . و صرت بعدها كلما تكررت هذه الحالة أحجم عن الترجمة ، لسبب هو أنها تتركني ، مثلما حين يكون المرء قد مارس الحب للتو ، خليا و سعيدا و راضيا ، و هو ما يكفيك من طلب المزيد ، أليست هذه هي الغاية الجوهرية للفن ؟! و الموقف الثاني لي كان عام 2001 في القصة و الرواية ، إذ جرت بيني و بين الروائي العراقي الكبير " فؤاد التكرلي " مراسلات حول ترجمة روايته " الرجع البعيد " إلى ألإنكليزية . و بعد أشهر من المكاتبات بيننا ، فاجأني في إحدى رسائله أنه تسلم مفاتحة لترجمة الرواية من أستاذة الأدب العربي في جامعة " سنت أندروز " الاسكتلندية بروفيسور " كاثرين كوبهام " . فكان ردي عليه هو " إذا حضر الماء بطل التيمم " ، لأن واحدة من التقاليد الشائعة في الترجمة هي تفضيل أن يقوم المترجم بالترجمة الى لغته ألأم و ليس العكس ، إلا في حالات نادرة . و بعث الي بعنوانها لكي أعلن لها التنازل لها شخصيا عن المهمة . و لكني نبهتها الى أنها قد تكون أعرف مني الى حد كبير بالخطاب الروائي الذي تحتاجه في لغتها ، إلا أنه سيكون عليها من الصعوبة أن تستحضر المناخات التي تدور فيها أحداث الرواية في ستينيات القرن العشرين في أزقة حي الأكراد الواقع بين شارع الكفاح و شارع الشيخ عمر . و طلبت منها أن تبعث لي بنسخة من إنجازها لأستبين ما تحقق من خلال الترجمة . و لكنها لم تفعل للأسف ، و لا أنا سألت " التكرلي " أن يفعل ذلك فيما بعد . و خلاصة القول هو أن المترجم حاله حال أي مبدع حين يستعمل اللغة الخام يضفي عليها معان من خلال إمساكه بلحظة يتناغم بها مع الكون و لكن ليس بالمعنى الميتافيزيقي دون شك ، و لكن بالمعنى الذي قيل فيه أن أية زهرة تهزها الريح على كوكب ألأرض ترتعش لها نجمة لا ندري أين و في أية من المجرات .
2 - هل تتفق أم تعارض فكرة أن المترجم هو الكاتب الثاني للنص ؟ و ما هي مبررات ألاتفاق أو المعارضة ؟
• أجل أنا أتفق الى حد كبير مع فكرة الخلق الثاني للنص أثناء الترجمة ، و لكن بمستويات متفاوتة ، و تبعا لنوع النص و جنسه ، مع أن الفكرة هي في الواقع مصدر لكثير من ألالتباس . ففي ترجمة النصوص العلمية مثلا ، ليس ثمة كتابة ثانية للنص إلا في الحدود الدنيا ، و إنما تستطيع أن تتحدث هنا عن دقة و وضوح في نقل الرسالة المبنية على الحقائق العلمية الموجودة ، أما في حالة النصوص ألأخرى التي لا تندرج تحت هذا الباب ، فيبدأ دور المترجم كخالق ثان للنص في التعاظم ابتداء من القصة حتى يبلغ في ترجمة الشعر أعلى درجاته ، لأسباب لسنا في وارد ذكرها هنا . و أذكر إني حين كنت أعمل في ترجمة كتاب " تفسير جديد لمفهوم المحاكاة A New Mimesis " للناقد ألإنكليزي " ناتول " مرت علي قصيدتان بمنتهى الجمال لشاعرين إنكليزيين هما د . جونسون و ي. ي. كامنغز . كان للقصيدتين نصيب استثنائي في لعبة تناغم الشكل و الموسيقى ، اللذين هما جوهر الشعر ، ما يجعلهما عصيتين على الترجمة من ناحية ، ولكنهما من ناحية ثانية تشكلان إغراء طاغيا لأي مترجم مولع بفك رموز لغة غير لغته برموز لغة مقابلة ، و هو التحدي الأكبر . فقررت المغامرة ، مع علمي مقدما باستحالة تحقيق نجاح في ألإمساك بلحة الخلق الشعري ، مثل ذاك الذي حققته في حالة قصيدة " سلفيا بلاث " المذكورة آنفا . و لكني قررت ، بدافع الفضول ، أن القبول بالمغامرة لأرى النتيجة . ترجمت القصيدتين ، و حين قرأت ما تحقق لم أجد له سوى علاقة واهية بالأصل ، على الرغم مما بذلته من جهد لخلق موسيقى داخلية للقصيدة بالمفردات العربية بحيث يصير للقصيدة إيقاع يجذب القارئ للاستمتاع بالقراءة. ثم عاودت ترجمتهما مرة ثانية بعد يومين بعد أن تحررت نسبيا من تأثيرات الترجمة ألأولى ، فخرجت بالنتيجة نفسها ، و لكن هذه المرة بنصين عربيين يختلفان عن ألأولين و عن النصين ألإنكليزيين على حد سواء . فما الذي يمكن أن تسمي ما خرج من يدي ؟ أهو خلق ثان للنص ، أم ماذا ؟! فإذا أردت أن أزعم أنهما قصيدتان كتبتهما أنا ، سيكون في هذا الكثير من الزيف و التعسف و السرقة ، على الرغم من وجود نهج معترف به عالم الشعر ، و هو كتابة قصيدة انطلاقا من قراءة قصيدة لشاعر آخر . و إذا قلت إنهما ترجمتان لقصيدتين قرأتهما بالإنكليزية ، سيكون في هذا تجن على إبداع الشاعريين ألإنكليزيين و على المتعة التي توفرها القصيدتان لقرائهما بالإنكليزية . و مع ذلك قررت آخر ألأمر نشر ما كان برأيي أفضل الترجمتين اللتين تحققتا ، و لكن مسبوقتين بشرح مفصل لتجربة الترجمة بأمانة ، لكي لا ينخدع القارئ فيما يقرأ من ترجمات للشعر . و نشرت الترجمتين في مجلة " دجلة " في أحد أعدادها لسنة 2005 . و قد علمت فيما بعد أنه كان هنالك من استمتع بقراءتهما . فهل هذا هو ما تقصده أنت بـ " الكتابة الثانية للنص " ؟ فأنا في الواقع لست مغرما بالتسميات ! و بالنتيجة توصلت الى ما فحواه أنه قد تشكل القصيدة للمترجم إغراءا ، و لكن إذا ما نجح عند قراءتها في الإمساك بلحظة الخلق أو قاربها عليه أن يكتفي باستمتاعه الشخصي بقراءتها و ألا يجازف فيترجمها و يعبث بالجمال و السحر الذي فيها !
3 - يصنف البعض الترجمة الى ثلاثة أصناف ، ألأولى ترجمة تحصيلية والثانية توصيلية و الثالثة تأصيلية .. فهل سمعت بهذا التصنيف ؟ و ما هي برأيك أسس هذا التصنيف ؟ و ما هي مهمة كل صنف ؟ أم هناك تصنيف آخر ؟
لم أسمع ، للأسف ، بل و لم أقرأ عن تصنيف من هذا النوع للترجمة . فالعاملون في هذا الحقل ، و حتى في خارجه يحاولون دائما مط المفاهيم لكي يدخلونها في خانات جديدة . و قد تجد أنه ، نتيجة للولع و الشغف بالجديد ، قد يسعى البعض الى إيجاد تسميات جديدة لمسميات قديمة أو دارجة . و العقل البشري يجهد دائما ، مثلما تقول الفلسفة ، و يسعى إلى إيجاد تبريرات معقولة و منطقية لحاجاته . و إذا أردت أن تجد أساسا للتصنيف الذي تطرقت إليه في سؤالك ، فالترجمة باختصار شديد ، بوصفها عملية process ، تتشكل من خطوات من ألأنشطة العقلية و ألإدراكية و المعرفية ، فهي " تحصيل " من قراءة نص مكتوب بلغة ما يقوم به المترجم ، حيث يسعى الى " توصيل " ـه الى ضفاف لغة أخرى ، إذ يجري " تأصيل " ـه هناك لكي يكون جزء من ثقافة اللغة الهدف . و إذا جئنا الى تصنيفات الترجمة المعروفة عند دارسيها ، سنجد أنها ، من ناحية الواسطة ، تصنف الى ترجمة " مكتوبة written " و أخرى " حية live " و هذه تقسم بدورها الى فورية وأخرى تبادلية ، و كل منها معروف بغايته . و ثمة مستوى آخر لتصنيف الترجمة بحسب طبيعة المادة المترجمة ، إذ تقسم الى ترجمة " علمية factual " و ترجمة أدبية literary " . و هذان أيضا يفسران نفسيهما دون عناء.
4 – هل يمكن اعتبار الترجمة ميدانا من ميادين ألأدب ؟ أم أن ميدانها مستقل عن ذلك ؟
• إن الترجمة هي ، دون ريب ، ميدان من ميادين ألأدب . و الجدال كان قائما منذ عهد بعيد ، و ما يزال مستمرا ، حول ما إذا كانت الترجمة ، من ناحية أخرى ، علما أو فنا . و هي في الحقيقة ألإثنان معا . فطالما كان المترجم بحاجة الى معرفة واسعة بقواعد اللغتين ، و هذا ألاحتكام للغة يضع العملية في مجال العلم . و بما انه ، من ناحية ثانية ، عليه أن يتخير ألأسلوب الذي يمكنه من حمل رسالة النص على أجمل ما يكون عليه الحمل ، عدا عن تمتعه بحس و فطرة سليمة لاختيار المفردات ألأكثر صلاحية وهي ناحية لها علاقة بالذائقة ، فهذا يضع مهمة الترجمة في رحاب الفن . و مثلما نرى إذ أنه في الحالتين عند احتكامه للغة و عند استعانته بالفن يدخل رحاب ألأدب . و إذا أخذنا جملة عوامل مجتمعة ، فإن أي خطاب مكتوب أو غير مكتوب له علاقة ، الى هذا الحد أو ذاك ، بالأدب ما دام ألأدب يؤدي دور " التغذية الراجعة " للغة على الدوام . و خذ مثلا على ذلك ما هو شائع في إطلاق مفردة " أدبيات " في العربية ، أو مفردة "literature " المرادفة لها في الإنكليزية ، على مجموع المعارف المتحققة في أي حقل من حقول المعرفة سواء أكانت علوم إنسانية أو علوم بحتة ، إذ نجد في ثنايا كتابتها ما يشير إلى علاقة افتراضية ، منظورة أو غير منظورة ، بالأدب . و بما أن الترجمة هي الوسيلة لنقل الخطاب من لغة الى لغة أخرى ، لا بد أن تكون لها علاقة بميدان ألأدب ، شئنا أم أبينا . 5 – نلاحظ أن غالبية المترجمين المبدعين هم من خارج ألاختصاص ... فنرى أن منير بعلبكي صاحب القاموس الشهير كان اختصاصه التاريخ ، و يوسف عبد المسيح ثروة كان خريج الدراسة ألإعدادية و محمد حسنين هيكل قد تعلم اللغة ألإنكليزية تعلما ذاتيا و تألق في الترجمة ، و العقاد لم يكمل ألابتدائية ... كيف تفسر هذه الظاهرة ؟
• هذا الموضوع فيه مفارقة كبيرة دون ريب ، و لكنه يسترعي الانتباه . و مع ذلك فهو ليس غريبا و لا نادرا. و أقصد أن يبرز شخص و يصير معروفا في غير ألاختصاص الذي درسه أ الذي تدرب عليه . و لا يقتصر هذا على حقل الترجمة . فبالإضافة إلى ألأسماء التي ذكرتها كان مصطفى جواد الذي اعتدنا على توصيفه علامة بالعربية لم يكن اختصاصه العربية. و علاء بشير التشكيلي المعروف هو في ألأساس طبيب . و إذا ذهبنا بعيدا قد تفاجأ إذا ما علمت بأن أغلب علماء اللغة في الغرب هم من خارج اختصاص اللغة ، بخاصة ألأسماء المعروفة التي أحدث أصحابها انعطافا مهما و مثيرا في دراسة اللغة ، بخاصة في حقبة ما بعد البنيوية . و أقرب مثال لدينا هنا هو نعوم جومسكي ، الذي أحدث فكره أغلب ما شاع من مفاهيم في دراسة اللغة مثل " المدرسة التوليدية " و " المدرسة التحويلية " و اختصاصه ألأصلي في الرياضيات . و الشئ بالشئ يذكر ، فإن طيب الذكر عبد المسيح ثروة كان معلما للإنكليزية ، و كان معلمي أنا شخصيا ، و ابن محلة " القيصرية " المقابلة لمحلتنا " الكنث " قي بعقوبة ، و صار فيما بعد رفيق سجني في معتقل بعقوبة ، و قد تعلمت منه الكثير . و كان مثلي ألأعلى ، فأنا أيضا مثله تعلمت ألإنكليزية بمواهبي الذاتية ، حتى أني حين التحقت بكلية التربية (أبن رشد ) و قد تجاوزت الخمسين تفاجأ أساتذتي بحصيلتي ، التي قالوا عنها آنذاك إنها أكثر بكثير مما يتلقاه خريج البكالوريوس . و أنا ، في الواقع ، أرى أن علاقة جرثومة المعرفة و ألإبداع يغذيها مصدر لا نعرف عن سره إلا القليل . إنه سر الطبيعة السرمدي . و أنا ألوم أنظمتنا التربوية التي أخفقت حتى ألآن في إيجاد آلية يستطيع بها المجتمع اكتشاف ما أسميه مجازا " الميول المعرفية " في عمر مبكر للفرد ، لكي يتسنى له أن يحظى بالرعاية المطلوبة اسريا و اجتماعيا . و إذا عدنا إلى الترجمة ، لن يكون ثمة ما هو غريب إذا ما علمنا ، مثلما قلت ، بوجود تقليد غير مدون في حقل الترجمة و هو تفضيل لا أن يقوم المترجم بالترجمة إلى لغته ألأم فحسب ، و إنما أيضا يفضل أن يقوم المترجم بنقل المعارف من الحقل المعرفي الذي أختص به . كأن يترجم المختص بالتربية كتبا في التربية لا في غيرها ، و ما شابه . و لكن بشرط ، و هو أن يحصل على تأهيل كاف باللغتين ، باللغة المصدر و باللغة الهدف ، لأنه بذا يكون ألأقرب إلى ، و ألأكثر تماسا مع ، ما يسمى في حقل الترجمة اصطلاحا بـ " المعجم register " الاختصاص . و أشكرك على طول صبرك معي .
#عصام_عبد_العزيز_المعموري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
القاهرة السينمائي يختتم دورته الـ45.. إليكم الأفلام المتوجة
...
-
صحفي إيرلندي: الصواريخ تحدثت بالفعل ولكن باللغة الروسية
-
إرجاء محاكمة ترامب في تهم صمت الممثلة الإباحية إلى أجل غير م
...
-
مصر.. حبس فنانة سابقة شهرين وتغريمها ألف جنيه
-
خريطة التمثيل السياسي تترقب نتائج التعداد السكاني.. هل ترتفع
...
-
كيف ثارت مصر على الإستعمار في فيلم وائل شوقي؟
-
Rotana cinema بجودة عالية وبدون تشويش نزل الآن التحديث الأخي
...
-
واتساب تضيف ميزة تحويل الصوت إلى نص واللغة العربية مدعومة با
...
-
“بجودة hd” استقبل حالا تردد قناة ميكي كيدز الجديد 2024 على ا
...
-
المعايدات تنهال على -جارة القمر- في عيدها الـ90
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|