ابراهيم البهرزي
الحوار المتمدن-العدد: 2832 - 2009 / 11 / 17 - 17:22
المحور:
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
لا ينكر أي قاريء منصف لتاريخ العراق القديم بان أقدم الديانات التي وجدت على ارض ميزوبوباتاميا ولا زالت حية حتى عهدنا الراهن هي الديانة المندائية ....
كما لا يمكن نكران أن (القومية ) السريانية الكلدواشورية والتي اعتنقت الديانة المسيجية منذ القرون الميلادية الأولى هي أقدم , بل هي القومية الوحيدة التي تبقت على قيد الوجود من سكان ارض الرافدين الأوائل ...وذلك قبل أن يكون (العراق ) عراقا بنسخته الحديثة القائمة ..
أما الآخرون –أي نحن أو سوانا- فهم أحفاد الذين إما :
1- (ارتدوا ) عن تلك الديانة أو هذه القومية ودانوا وتبلبلت ألسنهم بديانات والسن الأقوام (الفاتحة ) أو الغازية التي تتالت عبر ألوف السنوات المنصرمة , أو..
2- بقية الأقوام (الفاتحة ) والغازية نفسها والتي سادت وتلاقحت وتمازجت لتشكل هذا الشعب العجيب الذي يدعي بعضه عن مكابرة انه من أرومة واحدة (صافية ) النسب وهو ادعاء يسقط أمام حقائق التاريخ المتلاطمة , وربما يكون هذا هو السبب الذي يجعل من هذا الشعب عصيا على التفسير السايكولوجي والسوسيولوجي والذي تتقطع عند محاولة تفسير سلوكياته العدوانية حبال أية نظرية رصينة !!
لقد حافظ الباقون من الديانة المندائية والقومية السريانية الكلدواشورية ( واظنها قوميات ثلاث انسجمت تحت خيمة الديانة المسيحية في نسق قومي واحد بفعل قساوة الأمر الواقع ) .. حافظوا على تقاليدهم الدينية والشعائرية واللغوية تارة تحت فعل الانكماش لضرورات التحدي , ونادرا بفعل السماحة اليسيرة التي إتاحتها لهم بعض فصائل الغزاة الحاكمين ...
إن حفاظهم على هذا الوجود الديني ألاثني لآلاف السنين رغم قساوة الظروف التاريخية هو مدعاة فخر ليس لهم فحسب , بل ينبغي أن يكون مدعاة فخر للبلاد (وهي بلادهم أصلا) التي داوموا العيش في جنباتها مسالمين بناة ومواطنين منتجين تفوق مقدراتهم الفكرية والعملية (قياسا إلى نسبتهم العددية ) مقدرات الكثير ممن أصبحوا شركاءهم في البلاد , ورموزهم المتفوقة في مجالات الفكر والحياة الاقتصادية والسياسية لا تحتاج لتعداد على الرغم من قلة الفرص المتاحة لهم مقارنة بشركائهم...
ولكن لا مزية الحق الجينالوجي ولا كثافة رموزهم الجليلة شفعت لهم عند قرار تمثيلهم برلمانيا .....
لقد حسبوا (أعدادا ) لاغير لغرض (تمثيلهم ) في هذا المقام !... وتلك قسمة ضيزى ...ومسالة فيها نظر :
1- ففي حسابات (المواطنة ) لا تمثل الناس أعدادا كرؤوس الأنفار , ولنا في مثال (الهند ) حكمة كبيرة ففي الحين الذي يشكل الهندوس القومية الأكبر في امة الهند يليهم السيخ فالمسلمين ...تجد أن رئيس جمهورية الهند مسلما ورئيس وزرائها من السيخ !! ولو كان هذا الأمر عندنا لعد من الكبائر!!....ولا عجب في ذلك فالهنود أقوام متحضرون يؤمنون بالمواطنة معيارا وقيمة ....ونحن كبول البعير نرجع القهقرى ...فبعد أن تحاصصنا طائفيا ها نحن نواصل التراجع بعزيمة اشد ...لنتحاصص قوميا ودينيا وعرقيا ولسانيا ...وغدا ووفقا لهذه العزيمة الجبارة سنتحاصص عشائريا وجندريا ووزنيا (بدناءا ونحافا ) ومتريا (طوالا وقصارا ) والعبانيا (ثولانا وشياطينا )..........و
باي باي يا وطن
2- إن الأقليات الدينية والعرقية المذكورة وبحكم سجاياها التي تركن للسماحة لا تستطيع التعايش مع منطق العنتريات و (الشقاوات ) الذي استمرأته المكونات الأخرى الكبرى وزاولته طوال وجودها عبر الأحزاب البوليسية (أخت الكلاب البوليسية ) والميليشيات الغامضة وجيوش النجادة العشائرية وعصابات النهب والسلب الشرعية....ومع وجود كل هذه التشكيلات (الحضارية !!) التي تفاخر بها الاغلبيات المهيمنة , لم تجد هذه الأقليات الأصلية غير (الفرار ) إلى عالم (همجي !! ) يضمن لهم ولانسالهم حق الوجود...
فهل تجوز والحال هذا مكافئتهم من قبل برلمان يسمي نفسه (ديمقراطيا ) على مظالمهم التاريخية بان يمنحوا تمثيلا (رمزيا ) لأجل الترضية لاغير ؟
إن قيل إن هذه هي نسبة تمثيل (الموجود ) منهم فعذرنا أقبح من ذنبنا ..
نعم فحين تقوم بتهجير (قوم )ما لتدعي بعد تهجيرك لهم بأنه لم يعد لهم (وجود ) فانك قد تمارس غدا الابادة الجماعية بحق من تبقى منهم أو بحق أقليات أخرى وتقول للعالم باطمئنان أن لا وجود في بلدك للمكون الفلاني ...لذا فلا حق له بعد بالتمثيل النيابي !!
وما أسهل ذلك على طبقات الحكم لدينا ...
أو لم يكن لليهود العراقيين نسبة تواجد سكاني مقدارها 2.4% من سكان العراق حسب إحصاء عام 1947 ثم صار وجودهم الآن معدوما تماما بفعل تواطؤ طبقات سياسية مع مؤامرة دولية حينها ؟
فما الضير أن يحجب وجود المسيحيين العراقيين الذين كانوا يمثلون نسبة 3.1 %من سكان العراق وبحسب الإحصاء نفسه ؟
اوليس عرق الطبقات السياسية عندنا دساسا ؟
ولنضرب صفحا عن (قيمة ) الحق التاريخي للسكان الأصليين لهذه البلاد ومغزاها الرمزي بالغ الدلالة بحجة (نحن أولاد اليوم ) هذا المفهوم الأناني الهمجي المتخلف للطبقات السياسية المتوارثة ولنحتكم للنسب العددية للأرقام الإحصائية أعلاه(وهو إحصاء رسمي صادر عن وزارة الشؤون الاجتماعية العراقية منشور في بغداد بحسب ما أورده الدكتور حنا بطاطو في مؤلفه(العراق ) _ج1)
ولنعتمد هذا الإحصاء مستندين على نسبة النمو السكاني نفسها التي اعتمدتها المفوضية العامة للانتخابات لحساب نمو المكونات الأخرى والبالغة 3.2% مع تعميم نسب النمو للسنين السابقة على كل المكونات بمعيار واحد فكم ستكون حصة سكان العراق الأصليين من الديانة المندائية و(القومية ) السريانية الكلدواثورية باعتبار أن سكان العراق اليوم هم تقريبا 32.25مليون نسمة حسب إحصاءات وزارة التجارة ؟
سوف لن يقل حجم التمثيل السرياني الكلدواثوري عن 15 مقعدا (بحساب مقعد واحد لكل مئة ألف نسمة )
ولن يقل التمثيل المندائي عن ثلاثة مقاعد .....وهو أقصى ما طالبوا به
ولا اظنهم يطلبون أكثر من ذلك لأنهم ليسوا استحواذيين ولا أصحاب مطامع
وستكون المكونات الكبيرة قد أنصفت سكان البلاد الأصليين ...
رغم إن العرف الأخلاقي(الذي طالما تتشدق به رموز المكونات الكبيرة) يقتضي منحهم هذه الكوتا دون عناء المطالبة لأسباب اعتبارية طالما حاججنا بها الآخرين حينما يستلبون بعضا من حقوقنا –وأظن قصدي واضحا-
فهل ستنصف هذه البلاد أهلها في منحهم حقوقهم الاعتبارية كبادرة لإلغاء قرون من المظالم ارتكبتها مكونات بحق مكونات كما يقال؟
سيكون الحديث عن المظالم والمحاصصات ضربا من السفاهة لو استطعنا الالتهام يوما على هوية وطنية عراقية ...
ولكن هيهات ونحن نسبح في محيط إقليمي دنيء!!...
#ابراهيم_البهرزي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟