|
صامدون - ديوان الغضب و الثورة للشاعر المغربي محمد علي الهوار-
امال الحسين
كاتب وباحث.
(Lahoucine Amal)
الحوار المتمدن-العدد: 860 - 2004 / 6 / 10 - 06:45
المحور:
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
من الصعب جدا أن نعطي المناضلين حقهم و هم كثيرون في هذا الوطن الذي عاش مرارة سنوات الرصاص ، هم كثيرون حقا و كثيرة تجاربهم باختلاف معاناة القمع و القهر الممارس على أبناء هذا الوطن المعطاء . و تبقى أرواحهم خالدة تطارد الجلادين في كل مكان و زمان ، و تبقى صيحاتهم المنادية بالحرية و الديمقراطية و الاشتراكية تطارد الحكام المغتصبين للسلطة والعدل و الحرية، و تبقى دماؤهم شاهدة على الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان مطالبة بعدم الإفلات من العقاب. الشاعر محمد علي الهواري أحد هؤلاء الذين خبروا أقبية المعتقلات بكافة أنواع أساليب التعذيب الجسدي و النفسي ، ناضل من أجل التحرر الوطني و عاش معاناة الإعتقال و النفي و خلف وراءه رصيدا غنيا من الكتابات الشعرية ، التي لم يجد بدا من كتابتها تعبيرا عن معاناة هذا الوطن و طموحاته . و قد صدق أصدقاؤه حين قالوا في حقه : " تحية إكبار و لهذا الشاعر الرائد الذي وهبنا هذه التحفة النادرة و عمره لم يتجاوز الثانية و العشرين ، إنها هبة الشباب المتدفقة بكل عناصر العزيمة والإرادة و التحدي " . كما أنهم قدوا خدمة جليلة عندما أعادوا طبع ديوانه " صامدون " بعد زهاء أربعة عقود من صدور الطبعة الأولى ، قدموا خدمة للتاريخ النضالي بهذا الوطن المعطاء و كتبوا صفحة في سجل الخالدين ، الذين لطالما يضربهم النسيان في زمن الذل و الهوان فشكرا لأصدقاء الشاعر محمد علي الهواري و صامدون صامدون ..
من خلال الإهداء الذي كتبه الشاعر نلامس مدى روح التضحية و النضال التي يتسم بها و التي نلمسها من خلال محاولة إبراز الروح النضالية لجيله الصامد أمام طغيان الأنظمة ، و الذي بالفعل يمتلك هذه الروح النادرة في جيلنا اليوم حيث يقول : مع إطلالة كل يوم يقدم جيلنا العربي الصامد ، مزيدا من الضحايا ، قربانا لقضية البعث و المصير .. فإلى كل شهقة شهيد .. و إلى كل حرقة ألم يحسها سجين .. و إلى كل أمل يحضنه مضطهد طريد .. إلى جيلنا الصامد ، وقودنا الملتهب لفجرنا المرتقب .. أقدم بعض ما أعطاني ..
" صامدون " ديوان الغضب و الثورة الذي تتحدى كلماته التي تفوح منها نيران الرفض لتصرخ في وجه الجلادين ، و يستهل الشاعر ديوان بقصيدة " صامدون " التي تعبر عن مدى صمود المناضلين أمام آلة التعذيب الوحشي الذي يمارسه الجلاد على المناضل في معتقلات الذل و الهوان :
في سجن الحكم ، و هم ثلاثة في زنزانة، و انفتح الباب الحديدي .. و قامته تحجب النور الذي يكاد يغشى الزنزانة و أدار عينه بينهم .. من أنت ؟ صاح في وجه أحدهم : ابن الأرض .. أنا ابن الأرض يا سيدي ، ابن التراب أنا ثورة الأجيال عادت بعد طول غياب سقيت الثرى دمى المهان زرعته عبر الروابي أنا الفارس المدفون للساح عاد ، و للغلاب أنا صمت القرون و ذلها، عبد أحقاب أنا موجة مارت بلا جزر ، في عباب أنا سيدي من كان يمشي في الر طاب يزغرد لاهثا ، كالطفل فضفاض الثياب له العمر كل العمر ، في البسمة الصفراء في إشعاعة الثياب أنا من بنى يا سيدي قصر العميل على الروابي .
و يبرز الشاعر في قصيدته " صامدون " هويته النضالية المتعلقة بالأرض التي من أجل يناضل متحديا سؤال الجلاد ، مبرزا في آخر القصيدة آماله التي لم تتحقق بعد انتصاره على الإستعمار المباشر و فشل الثورة حيث يقول : أنا من رأى إشراقة الأحلام هلت فغنى و أنشد جيله الألحان عفوا .. و ظن بأن الظلم و السوط و الجور و السجن مضى عهده ، فاليوم يحيا مطمئنا و يحيا للثرى ، للماء ، للأرض .. يا كم تمنى أنا من رأى علما يرفرف في السما عاليا أحمر تذكر ابنه ، و الليلة السوداء و المنظر الأحقر و ذلته . و ثورته على العملاء .. يا كم تذكر أنا من عاش كل العمر في كلمه يقدمها جراحاته ، و دموعه ، و دمه و كانت له ربا ، و حروفها الملهمه
و تشكل قصيدته " ثورة الأجيال .." جوابا صريحا للجلاد يبرز فيه الشاعر مدى رفضه للقيود و العبودية و الذل و الهوان من داخل المعتقل ، مبرزا هويته كثائر المغرب العربي الذي يتحدى جبروت الإستبداد حيث يقول :
و ترتفع صرخة أقوى ..يرددها المعتقلون الثلاثة ، و السجــــن ، و الأطلس الجبار صرخــــة الأرض الثائرة: أنا مارد المغرب العربي تفجر في الدجى غضبي قضيت العمر أسكب ثورتي لهبي فعاد إلى شراييني إبان البطولات في العرب أنا مارد المغرب العربي جموعي تسير إلى المصير تسير ، تسير للقدر و ترفس بالنعال قيود مغتصبي أنا ثورة الأجيال أنا صانع الحقب أنا جيل من الأسياد عاشوا على جثتي و من صمتي ، و من كربي و جيل من الجوع و السغب يثور على الدمى يصنع التاريخ من لهب
و في قصيدة عن البطل محمد عبد الكريم الخطابي يرفض الرثاء و الدموع حزنا على فقده ، و هكذا يفعل كل المناضلين الثوريين الذين يتخذونه رمزا للثورة ، باعتباره بطلا لم يمت : سألوني لم لم أذرف دموعا ؟ لم لم أبك الجموعا ؟ يوم موتك .. سألوني لم لا يسمع في الكون رثاء ؟ و نحيب و بكاء يوم موتك .. أنت يا عبد الكريم لو تقوم لرأيت الحشد حولي خاشعين ليس في العين دموعا لرأيت الجمع و التاريخ حولك يقفون احتراما و خشوعا
أنت يا عبد الكريم لن ترى الدمع هنا لا و لا حشدا حزين كل من حولي هنا ينتظرون لو تقوم لترى الوجه الصمود لترى القبضة أدماها الحديد
و يرفض موت عبد الكريم و يعتبره خالدا لا يموت متواجدا في كل مكان من الأرض العربية باعتباره رمز النضال و الصمود الذي يقتدي به كل الثوار : أنت يا عبد الكريم أنت ما مت و لا يوما تموت أنت باق في العيون في الصدور في الجفون في حنايا كل قلب ، كل جرح في زوايا كل كوخ ، كل ساح أنت يا عبد الكريم أنت في بغداد في أرض اليمن أنت في أرضي هنا أنت في المرة في اللذة في أرض الجزائر أنت في كل مكان و على كل الشفاه أنت مذ كنت.. و مذ كان الزمان صرخة من أجل أن تحيا الحياة و يجيب عن يتساءل الآخرين عن مصير عبد الكريم في المنفى و هو يرفض زيف التاريخ الذي بناء بالدماء بأرض الريف و هو اليوم يعانق النيل : سألوني عنك يا عبد الكريم أترى ترض القدوم لترى زيف في أرجائه تاريخنا و أهينت عبره أجيالنا لهضاب الريف للأرض الحبيبة لربى لو لم يكن ابن لها غيرك أنت لكفى التاريخ أن تخلق أنت ؟ أنت إن كنت هنا وسقى النيل لمالك فسبو من قبله كان سقاك أنت إن غبت سنينا فلقد دمت حنينا
و هو يتطلع إلى المستقبل بكل تفاؤل مبشرا بغد تسود فيه الحرية و الوحدة في مجتمع اشتراكي ينتفي فيه استغلال الإنسان للإنسان : سألوني لم لم أذرف دموعا لم لم أبك الجموعا؟ لم لا يسمع في الكون رثاء و نحيب و بكاء ؟ يوم موتك .. لا تجبني .. لا تجبني أنت يا عبد الكريم لم لا ترض القدوم فغدا حين ثرانا يتحرر و قيودي تتكسر كنت في أرض اليمن أو هنا أو مصر أو سهل عدن كلنا شعب موحد عربي اشتراكي موحد .
و عن الدار البيضاء مدينة الصمود و النضال التي ارتوت بدماء الشهداء تحت نيران أجهزة القمع العسكرية و البوليسية ، التي ذهب ضحيتها آلاف الشهداء الأبرياء ، يقول مستهل قصيدته " المدينة الثائرة" بالقسم تعبيرا عن رفض الذل و الهوان حيث الشارع ينتفض: قسما بأبناء المعامل و المصانع و الحقول قسما بأرضك يا بلادي بالمداشر و القرى بالتربة السمراء .. بالفاس القديمة بالمعاول بالسهول بالقبضة العصماء بالقدم الكبيرة بالسواعد بالصدور بالجبهة الدكناء .. بالكهف الحقير قسما بشعبك يا بلادي بالملايين وقفت هنا بالأمس ترسم دربها ، و الصامدين ثارت هنا بالأمس تكتب ثورة الشعب المهين قسما بهذا الشعب.. بالزحف الكبير نحو الغد المنشود.. و الصبح النضير قسما بكم أنتم هنا، قسما بكم قسما بالحرف "لا" بالصرخة الحرى الغضوبة و بأمتي .. يا أمتي عادت بها أمجاد العروبة قسما بشارعنا الكبير تزاحمت فيه المناكب و تماوجت أمواج أعصار لتزار بالمواكب
و يقسم رافضا العبودية و الاستبداد و يصرخ في وجه الطغيان رافضا الحكم المطلق باعتبار الشعب مصدر كل السلط: قسما برفض . بالحرف بالإنسان ثار ، و بالقسم قسما بمن قاموا بوجه الذل ، في وجه الصنم : " نحن الرعايا " لم نعد للحجر ، للقيد المسمم لم لا تريد بأن نكون الحكم نحن الشعب نمنعه و نعطيه .. أ تخافنا ؟ كلا فأنا لم نعد كالأمس أسلاب لا .. لا غنم
وفي قصيدته " طريق الخلاص " يصف صمود المناضل أمام الجلاد الذي يقذفه بكلامه الوقح المعهود و هو صامد لا يبوح حتى باسمه: قضى عدة أيام في العذاب... و الكلمات المقيحة يرمونها حواليه... و هو صامت إلا من آهة تكتب ملحمة بطولتـه .. و حتى اسمه لم ينطق به لهم .. إلى أخ .. و أخ بطل .. من أبطـــــــــال أمتنا العربية .. لا زال في سجــــــــــــن الحكم الفردي بالقنيطرة .. تحكون لي ، و الشعر أصغر من بطولات الرفاق تحكون لي .. و الحرف يأبى الإنطلاق تحكون لي .. و قصيدة تحيا على شفتي يقيدها وثاق تحكون لي .. و بخاطري ديوان شعر من هدير تحكون لي .. و على شفا شفتي زئير تحكون لي .. و أريد أشدو ، غير أني كالأسير إني أحس حروف ملحمة بقلبي تهدر غضبي ، يعذبني ، و ترهقني ، و لكني لا أقدر إني أحس قصيدة في أضلعي سمراء تكبر ، تكبر و على دمائي ، في عروقي ، تعبر لكن يراعى ، أحرفي ، و فواصلي لا تقدر ...... من أنت ؟ يسأله و ينطلق بالسؤال و الذعر في خوف يطل من العيون على السجين من أنت ؟ يسأله .. و يعرفه من يكون من أنت ؟ يسأله و في عينيه جبن من سنين يا للبطولة حين تبعث بالأنين يا للبطولة لا تباع لكن يسار لها على ألم دفين يا للبطولة حين توهبها الملايين لا الماسحون شفاههم حول الموائد و الفتون يا للبطولة بالعذاب ، و لا نياشين يا للبطولة ، يا ضياء البعث ، يا درب الصامدين حين الجراح تكون دربا للإباء و الآهة الحرى طريقا للخلاص ، و للضياء يا للبطولة و العطاء نبوة للزاحفين
إنه فعلا شاعر كبير محمد علي الهواري ، كبير بشعره و صمته و صدقه و حبه لكل حرف به يحيي روح النضال و الصمود و الثورة . تارودانت في : 8/6/2004 امال الحسيــن
#امال_الحسين (هاشتاغ)
Lahoucine_Amal#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الحركة العمالية و النقابية بالمغرب و متطلبات المرحلة
-
حركة المجتمع المدني بالمغرب في مواجهة قوى الاستعلال الجديدة
-
أهمية التربية على حقوق الإنسان في الممارسة الديمقراطية
-
التحرر الوطني و النضال الديمقراطي الجذري
-
بيان المختطف عمر الوسولي
-
موقع العمل الحمعوي في استراتيجية العمل الشبيبي
-
المشروع التنموي للقوى البشرية و نضال الفلاحين الفقراء
-
فاتح ماي بالمغرب
-
مؤتمر النهج الديمقراطي والتنظيم السياسي المنشود
-
إجلاء الحقيقة في ملف الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان - الجز
...
-
الحركة العمالية و النقابية و دور اليسارفي المرحلة الراهنة
-
إجلاء الحقيقة في ملف الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان
-
مشروع ورقة حول الامازيغية و الصراع الطبقي
-
مكافحة الإرهاب وآثاره السلبية على حقوق الإنسان
-
واقـع المتضرريـن من سـد أولـوز و حماية الحق في التنمية
-
العمل التنموي بالبوادي والأحياء الشعبية وحماية الحق في التنم
...
-
آفاق الحماية والنهوض في المرحلة الراهنة
-
القوى المنتجة وعلاقات الإنتاج في التكوينات الاجتماعية التناح
...
-
الأمازيغية و النضال الديمقراطي الجذري
المزيد.....
-
الأنشطة الموازية للخطة التعليمية.. أي مهارات يكتسبها التلامي
...
-
-من سيناديني ماما الآن؟-.. أم فلسطينية تودّع أطفالها الثلاثة
...
-
اختبار سمع عن بُعد للمقيمين في الأراضي الفلسطينية
-
تجدد الغارات على الضاحية الجنوبية لبيروت، ومقتل إسرائيلي بعد
...
-
صواريخ بعيدة المدى.. تصعيد جديد في الحرب الروسية الأوكرانية
...
-
الدفاع المدني بغزة: 412 من عناصرنا بين قتيل ومصاب ومعتقل وتد
...
-
هجوم إسرائيلي على مصر بسبب الحوثيين
-
الدفاع الصينية: على واشنطن الإسراع في تصحيح أخطائها
-
إدارة بايدن -تشطب- ديونا مستحقة على كييف.. وترسل لها ألغاما
...
-
كيف تعرف ما إذا كنت مراقبًا من خلال كاميرا هاتفك؟
المزيد.....
-
-فجر الفلسفة اليونانية قبل سقراط- استعراض نقدي للمقدمة-2
/ نايف سلوم
-
فلسفة البراكسيس عند أنطونيو غرامشي في مواجهة الاختزالية والا
...
/ زهير الخويلدي
-
الكونية والعدالة وسياسة الهوية
/ زهير الخويلدي
-
فصل من كتاب حرية التعبير...
/ عبدالرزاق دحنون
-
الولايات المتحدة كدولة نامية: قراءة في كتاب -عصور الرأسمالية
...
/ محمود الصباغ
-
تقديم وتلخيص كتاب: العالم المعرفي المتوقد
/ غازي الصوراني
-
قراءات في كتب حديثة مثيرة للجدل
/ كاظم حبيب
-
قراءة في كتاب أزمة المناخ لنعوم چومسكي وروبرت پَولِن
/ محمد الأزرقي
-
آليات توجيه الرأي العام
/ زهير الخويلدي
-
قراءة في كتاب إعادة التكوين لجورج چرچ بالإشتراك مع إدوار ريج
...
/ محمد الأزرقي
المزيد.....
|