|
نحو حزب يواكب العصر و يخدم تتطلعات السوريين الى المستقبل
فارس أيغو
الحوار المتمدن-العدد: 860 - 2004 / 6 / 10 - 06:39
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
يقول هشام شرابي في كتابه مقدمات لدراسة المجتمع العربي ، إن ما يميز المثقف في أي مجتمع صفتان أساسيتان : الوعي الاجتماعي : الذي يمكن الفرد من رؤية المجتمع وقضاياه من زاوية شاملة ، ومن تحليل هذه القضايا على مستوى نظري متماسك . والدور الاجتماعي : الذي يمكن وعيه الاجتماعي من أن يلعبه ، بالإضافة إلى القدرات الخاصة التي يضفيها عليه اختصاصه المهني أو كفاءاته الفكرية . والوعي الاجتماعي يقوم على المعرفة النظرية ، وهذه المعرفة النظرية يجب أن تكون معرفة نقدية لتستطيع أن تخترق الفكر السائد وتفككه . يقول الكاتب السوري أنطوان مقدسي : من الخصائص الأساسية للحكم الشمولي انه يوقف تلقائيا وغريزيا التاريخ ليجعل من ذاته بداية مطلقة لتاريخ آخر . فمنذ الانقلاب على التجربة البرلمانية – الليبرالية ، دخلت عدد من البلدان العربية – ومن بينها سورية – في مرحلة جديدة من تاريخها السياسي المعاصر ، حيث تم توقيف التاريخ وتقطيع اوصاله ، وتدجين المجتمعات العربية لصالح نموذج بدائي للبطل القومي العربي ، المتسامي الملحمي . بالطبع ، في مثل هكذا صيغة سياسية للحكم ، لا مكان للمعرفة النقدية والخطاب السياسي النقدي ؛ حيث اختلت العلاقة بين الخطاب السياسي العملي المباشر والخطاب السياسي النقدي الذي الحق بالأول وأصبح تابعا له . إن عودة الخطاب السياسي النقدي ، ليلعب دوره على الساحة السياسية ، هو أ حد شروط الإصلاح الشامل ، فالعلاقة بين الخطابين يجب أن تكون جدلية ، وليست علاقة مفاضلة وتبعية . فهناك أمثلة كثيرة في التاريخ السياسي والفكري ، حيث يصحح الفكر الممارسة السياسية أو تصحح الممارسة تصورات الفكر ومعاييره التحليلية . هذه العودة هي مؤشر لعودة العلاقة بين الدولة والمجتمع المدني ( المُغيب طوال الفترات سابقة ) . ويأتي مشروع الموضوعات ، كمؤشر قوي لعودة هذا الخطاب النقدي السياسي الى الساحة السورية ، عودة تتسم بكثير من الايجابيات التي تظهر من خلال القراء ة المعمقة للمشروع . من الممكن إبداء بعض الآراء والملاحظات والإضافات التالية حول المشروع : أولا : حول الاسم الجديد المقترح وهو " الديمقراطي – الاجتماعي " : من المدخل ، يبدو أن الأشخاص الذين صاغوا موضوعات المشروع عازمين على القيام بعملية تجديد عميقة لفكر الحزب ، وهم لم ينسوا حتى الشكل أو العنوان . إن العلاقة بين الشكل والموضوع معروفة ، فلا مضمون جديد ومتغير بدون شكل جديد و إلا أصبح غير معاصر ومقدم بطريقة سيئة وغير متطورة . كذلك فان التغير بالشكل فقط دون المس بالعمق وبالموضوع هو تغير شكلي وسطحي . فالعلاقة بين الشكل والموضوع علاقة جدلية عميقة . واقتراح تسمية الحزب الجديد " بالديمقراطي – الاجتماعي " موفق بدرجة كبيرة . فكلمة " الديمقراطي " يمكن أن تتضمن المعاني التالية : 1- الديمقراطي بمعنى ألتشاوري والتداولي والتواصلي . 2- الديمقراطي بمعنى الليبرالي ، أي المؤمن بتعدد الحقيقة ، وغيرالمصادرلحقيقة الأخر . 3- الديمقراطي بمعنى التعددي ، أي المؤمن بالتعددية والاختلاف (1) إن مصطلح (الديموقراطي) يفيد في إعطاء المعاني التالية : ألتشاوري ،التواصلي، الليبرالي، العلماني ، ألتعددي أما الاجتماعي فمعناه معروف للجميع ، وهو أن الحزب الجديد مؤمن بمبدأ العدالة الاجتماعية ومتجذر فيه . والكلمتين (الديموقراطي والاجتماعي ) تعملان بجدلية وتجاور وتساكن ، فالديموقراطي ينادي الاجتماعي ، والاجتماعي يطرح الديموقراطي ، بمعنى أن أي ديموقراطية تقتصر على حرية الأسواق ستؤدي في النهاية إلى الإضرار بالتوازن الاجتماعي وبالتالي ستحرم شريحة كبيرة من حقها المشاركة الديموقراطية وستؤول التجربة إلى استبداد باسم الحفاظ على السلم واستقرار النظام . في المقابل ، إن أي إصلاحات اجتماعية أو أي مطالبة بالمساواة الاجتماعية غير تدريجية ولا ترتكز على وجود نقابات اجتماعية حرة ، وغير مسيسة ووجود مجتمع مدني فاعل ستؤدي إلى الديكتاتورية كما حدث في الأنظمة الشيوعية السابقة. إن الديموقراطي يلامس الاجتماعي ، والاجتماعي يلامس الديمقراطي ، وهذا سر نجاح التسمية الجديدة في حال إقرارها. أما بالنسبة للتسمية الأخرى المقترحة وهي اليسار الديموقراطي ، فإنها سوف تكون في حال إقرارها خطأ تكتيكي فادح بالنسبة للحزب للأسباب التالية: 1- إن وجود كلمة اليسار في التسمية ، سوف ينفر عدد غير قليل من الناس عن قبول الحزب وبالتالي لا يتيح لهم فرصة للإطلاع على مضمون الأفكار 2- إن كلمة اليسار مرتبطة بتاريخنا العربي المعاصر ، بممارسات الأحزاب القومية اليسارية والسلبية في مجملها ، والمدمرة في محصلتها على الوطن والمواطن 3- إن مصطلح اليسار في التسمية الجديدة ، سوف يكون معيقاُ للحركة السياسية للحزب بين الشرائح الاجتماعية المختلفة ولا تعطيه المرونة اللازمة (التي يحتاج إليها بشكل كبير ) في المراحل القادمة ، وتمنعه من التواصل مع قطاعات مختلفة من المجتمع السوري . إن التسمية الجديدة المقترحة وهي الديموقراطي الاجتماعي تعطي إشارات قوية عن المباد ئ التي سوف يدافع عنها الحزب الجديد وهي الديموقراطية والعدالة الاجتماعية . ثانياُ- حزب يساري أم حزب تقدمي يعرف الكاتب ناصيف نصار الاستقلال الفلسفي بأنه موقف وحركة : موقف تجاه الأخر وحركة بين ألذات والأخر، فتنشأ علاقة بين الطرفين تشكل مقوماُ كيانياُ من مقومات الاستقلال الأساسية . بمعنى أن هذه العلاقة إذا سقطت أوبطلت سقطت ألذات في الانعزال والموات . فالاستقلال الحقيقي يستلزم التفاعل ، والتفاعل يعني احتفاظ الأطراف المعنية بكيانها الخاص ، ولكن على أساس مبدأ التغير الذي يعني تحول الشيئ إلى غير ما هو عليه بسبب علاقته مع ماهو غيره . ويحدد ناصيف نصار خمسة شروط للإستقلال الفلسفي وأهمها تعيين المشكلة الرئيسية وتحديد طريقة معالجتها في علاقتها مع مشكلات رئيسية أخرى ، أو المشكلات الفرعية التي تقع تحتها . فهناك مشكلات فلسفية رئيسية تختص بوضعية حضارية معينة ، وفي حالتنا العربية المتخلفة ، فإن المشكلة الفلسفية الأساسية تكمن في تبني العقلانية النقدية المنفتحة (2). ومن المعروف أن الأنظمة الشمولية تتصف بالقبض الكامل على جميع مفاصل الدولة والمجتمع ، وبفرض عقيدتها عليهما . فالدولة الشمولية تفرض تفسيراُ معيناُ للأحداث أونظرة محددة من جانب واحد على جميع المؤسسات العلمية للمجتمع والجمهور ، وبالتالي تصبح قدرة الباحث (وخاصة في العلوم الإنسانية ) وإمكانية التعبير بمسؤولية علمية ، منقوصة إلى حد كبير . بالنتيجة ، لا نستطيع أن نتكلم عن إستقلال للفلسفة أو للعلوم الإنسانية الأخرى . في مثل هذه الحالة يصبح السؤال السياسي الأساسي لحل إشكالية البحث الفلسفي والإنساني المستقل ، هو في عملية فك وحلحلة نظام الاستبداد السياسي ، ودمقرطة النظام السياسي . عندها تصبح الديموقراطية المدخل الرئيسي للعملية بكاملها ، لحل الإشكال السياسي الذي دام قروناُ عديدة . إن فتح العملية السياسية أمام النقاش والتداول الحر وعدم احتكار أي جهة كانت لتلك العملية ، تحت أي ذريعة أو حجة ، يعتبر شرط رئيسي للدخول في مناقشة باقي الموضوعات ت والمساهمة في حلها . إن السؤال الرئيسي الذي يطرح بعد هذه المقدمة : هل المجتمع السوري (بجميع أطيافه )أصبح مستعداُ للدخول في عملية الدمقرطة الشاملة ؟ وهل المعارضة في سورية ، أصبحت ناضجة نضوجاُ حقيقياُ يسمح لها للتخلي عن أوهامها السابقة ، هذه الأوهام التي جعلتها تملك جميع الأمراض التي تتصف بها السلطة لكن بعقيدة مختلفة . وهل ما تطرحه المعارضة حالياُ ، خاصة المعارضة الديموقراطية –العلمانية- أصبح قادراُ على فرض عقد اجتماعي جديد على السلطة تحترم فيه حرية المواطن وحقوقه ؟ يبدو لي أن الجواب على هذه الأسئلة هو بالإيجاب . لنرجع إلى مشروع الموضوعات. من خلال قراءة معمقة للمشروع يمكن أن نستخلص خمسة مبادىء رئيسية مبثوثة خلال التقرير : 1- الديموقراطية 2- العلمانية 3- احترام النمط الرأسمالي للإنتاج أومايسميه المشروع المرحلة الرأسمالية الضرورية في التطور الاجتماعي. 4- العدالة الاجتماعية 5- رفض المركزية الديموقراطية والتوجه نحو احترام استقلال الفرد أو العضو الحزبي في داخل المنظومة الحزبية . فالمشروع يعتبر الديموقراطية (( أسمى منجزات العصر الحديث)) وهي (( شرطاُ سابقاُ ومولداُ لمفاهيم التقدم الأخرى)) و((مفهوم كوني بالأصل ، ينبغي العمل على استعادته واستيعابه في الظروف الجديدة)) . فالديمقراطية هي المدخل الرئيسي، لمناقشة الموضوعات الأخرى ،وهي ((حقل ينبغي ألا يخرج منه الاشتراكيون بعد الآن )) . أما بالنسبة للعلمانية ، فالمشروع يبدأ بالتأكيد على المدخل الديمقراطي الضروري للعلمانية ، فبدون الديمقراطية تتحول العلمانية إلى استبداد . و يقدم المشروع نقد للممارسات السابقة للأحزاب اليسارية فيما يخص موضوعة العلمانية،ويشدد على أن العلمانية ليست معادية للدين ،ولا تهدف إلى فصل الدين عن المجتمع ،بل فصل الدين عن الدولة ، وتنظيم علاقات المؤسسة الدينية بمؤسسة الدولة .فالعلمانية حيادية تجاه الأديان،ولا عقيدة لها... لكن أسوأ ما في المشروع هو الفقرة الثانية من مناقشة العلمانية ،(( لا يصعب على من يملك تراثنا تفهم العلمانية ،حيث لا يوجد كنيسة حاكمة في التاريخ ولا ثقافة تفرض أن يكون رجل الدين حاكما، ولا أن يكون الحاكم رجل دين)). هنا يسقط المشروع في تبريرات التيار الديني ، ويقتفي أثره ، فالعلمانية عند أصحاب هذا التيار هي مفهوم غربي ،وقد جاء لفصل الدولة الأوربية عن الكنيسة المسيحية،وطالما أنه لا يوجد في تاريخنا الإسلامي لا كنيسة ولا كهنوت،فلا مجال لعمل هذا المفهوم عندنا:نقترح حذف هذه الفقرة لأنها مسيئة جدا لمفهوم العلمانية الذي نؤمن به ولا تتناسب مع بقية الأفكار الواردة في التقرير وأشعر بأنها وضعت لهدف معين،كإرضاء لبعض الأشخاص. كذلك نجد ،في فقرة تالية أنه((سواء تم اشتقاق العلمانية عن(( العالم والدنيا الزمن أو من ألعلم )))). هنا لا يوجد تماسك علمي في هذه الجملة، والمعروف لدى أغلب الضالعين في مفهوم العلمانية أنها مشتقة من العالم وليست من العلم .هنا أيضا تلحق بلهاث وراء إرضاء التيار الديني . ان تصويب مفهوم العلمانية لا يجب ان يؤدي الى تشويهها . أما بالنسبة للجانب الاقتصادي، فالمشروع ،يريد أن يدخل من موضوعة ضرورة المرحلة الأرسمالية للتطور الاجتماعي ،ليشرع إيمانه بالحرية الاقتصادية ومجتمع السوق. وهذا في رأيي من السياسة والفلسفة التبريرية لا داع لها أبدا. فالنمط الرأسمالي للإنتاج.أصبح نمطا عالميا،والحرية الاقتصادية هي جزء من تجليات الحرية في المجال الاجتماعي،علينا احترامها.والسوريين ،يملكون مواهب وقدرات كبيرة في الابتكار والإبداع،وقادرون على إقامة مشاريعهم الاقتصادية الخاصة (صغيرة ،متوسطة، كبيرة ) ، بشرط احترام القوانين الاقتصادية النافذة، والتي تمنع الاحتكار،والهيمنة المالية والتهرب الضريبي . أما بالنسبة للاشترا كية _والتي يحاول التقرير و بخجل شديد لا داع له _ أن يماثلها بمبدأ أهم و أشمل _في رأيي _وهو العدالة الاجتماعية ،فهي ليست نمطا للإنتاج ،بل عملية قوننة وتنظيم اجتماعي لهذا الإنتاج ،أو عملية وضع الضوابط العامة،لمنع انحراف هذه العملية من أهدافها. والفهم الصحيح للعدالة الاجتماعية لا يجب أن يكون فهما استاتيكيا جامدا ،بل دينامكيا متحركا، بتقدم العملية الاقتصادية وتراكم الثروات والاستثمار في البلد. لقد عانت الأحزاب السورية طويلا،من الممارسات المركزية والغير ديمقراطية(بعكس التسمية) ،وقد اشتركت في هذه المثلبة. معظم الأحزاب ،وهذا أدى إلى افتقارها إلى المثقفين النقديين داخل هذه الأحزاب :فالمثقف النقدي لا يستطيع التعايش في جو من التعبئة التراتيبية،ومن عدم احترام للفردية و للتفرد في الرأي .لاشك، ان غياب الخطاب النقدي السياسي في داخل الأحزاب السورية ،أدى الىاستفحال الخطاب السياسي العملي ، وانحرافه نحو الشعاراتية والخطابية الفارغة ، والانفعالية العا طفية . والآن نصل الى السؤال الأساسي : ما الحاجة الى حزب جديد على الساحة السورية ؟ . هذا السؤال ينقلنا الى سؤال آخر وهو :هل هناك حاجة لحزب جديد ( أو متجدد )بالمبادىء الخمسة التي طرحت بالمشروع على الساحة السياسية السورية ؟ للرد على السؤال الأول ، نقول ان أي حزب جديد (أو متجدد )،لكي لا يكون مجرد إضافة( +1 ( plus one عليه أن يحقق شرطيين وهما: أـ أن يدافع عن مبادىء جديدة يعتبرها ضرورية لإخراج البلد من الأزمة التي هي فيه . 2ـ أن يسعى الى تمثيل شريحة أو شرائح اجتماعية ،لم تستطع التيارات والأحزاب الموجودة على الساحة، أن تمثلها . وأظن أننا جاوبنا عن السؤال الأول ،وقلنا أن هذه المبادىء الخمسة التي اعتبرناها ، ،واردة في المشروع ،هي مبادىء ضرورية وأساسية للخروج من الأزمة . أما بالنسبة للسؤال الثاني ،فنعتقد أن هناك شريحة من السوريين ، وهذه الشريحة تخترق الطبقات ،أو هي عابرة للطبقات ،وهي موجودة حتى في الطبقة العليا ،ولاتمثل طبقة واحدة، هذه الشريحة من السوريين ،لايوجد لها حتى الآن أي تشكيل سياسي يعبر عنها بشكل جيد ،وهي شريحة ـ أيضا ـ تأتي من جميع التيارات ، ويجمعها هدف مركزي أساسي وهو العلمانية والديمقراطية ، وأعتقدأن هذه الشريحة ستجد في الحزب الجديد ( والمتجدد )،التعبير الملائم ، زيادة أو نقصانا، لما تفكر وتؤمن به . ويبقى السؤال الأخير الذي يتبادر كثيرا الى ذهن البعض ،هل هذا الحزب الجديد هو حزب يساري ؟ برأيي أن الأفكار المطروحة في المشروع ،تؤسس لحزب يطرح مفهوم الوسط الجذري le centre radical(أنظر الطريق الثالث لأنطوني جيدنز). وهو طرح يسمح لفتح أبواب الحزب لشرائح عريضة من السوريين المؤمنين بالديمقراطية والعلمانية ، وربما يجد الاشتراكي نفسه الى اليسار قليلا من خط الحزب، والليبرالي الى اليمين قليلا من خط الحزب . اما الذين ما زالوا متعلقين بالكلمات والمصطلحات وبالماضي ، فنقول لهم ان هذا الحزب يساري ، ومن لايهمه الا الافعال والنتائج فالحزب هو حزب تقدمي ، ولكافة التقدميين السورين . فالانشطار السابق بين اليمين واليسار ، الذي وسم الفترات الماضية أصبح من الماضي ولا يعبر عن أي واقع راهني على الساحة السياسية السورية ، و قدحل محله الانقسام " تقدمي – محافظ " (3). فالأول يدافع عن التغيير والحريات وحقوق الإنسان ونبذ العنف اما الثاني فهو يدافع عن الوضع الحالي ( مع تغيرات تجميلية هنا وهناك ) . ان الحزب الجديد بمبادئه الخمسة التي ذكرناها أعلاه ، يقف بقوة مع قوى التقدم والحرية والانفتاح والتسامح من اجل مستقبل منفتح على احتمالات التقدم والازدهار للشعب السوري . ثالثا : حقوق العمال وحقوق أرباب العمل . نقطة هامة ، أحب ان أشير اليها ، لا سيما ان واضعو المشروع قد تغاضوا عنها ، او تناسوها . ان الفقرة في المشروع و التي تشير الى حقوق العمال والدفاع عنها ، لم تكن متوازنة ، فلم يتم الإشارة الى حقوق أرباب العمل أيضا . ان الموازنة الدقيقة بين حقوق العمال الاجتماعية ، والمشروعة ، وحقوق أرباب العمل في الربح المعقول مهما جدا لحفظ الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي في سورية . يجب ان لا تؤدي حرية العمل والاستثمار الى الانقضاض على الحقوق الاجتماعية للعمال ، وبالمقابل ، يجب ان لا يؤدي فهم معين للحقوق الاجتماعية – كما تتصورها النزعة المساواتية Egalitarisme - الى الاضرار بسوق العمل ومجتمع السوق ، وبالتالي الى الإساءة الى حق الاستثمار في الوطن وعرقلة العملية الاقتصادية . ان الشطط في تطبيق المساواة سينقلنا مرة أخرى الى الوقوع في الاستبداد ، كذلك الشطط في تطبيق الحرية الاقتصادية بدون رقابة اجتماعية ، سيؤدي الى الانفلات الاقتصادي والليبرالية المتوحشة المرفوضة . يجب مناقشة قضايا الأجور وساعات العمل ، ضمن خطط مرحلية متدرجة تتناسب مع مراحل تطور الاقتصاد والاستثمار والإنتاج الداخلي في سورية . وان لا نكرر الأخطاء السابقة ، فالتجارب الاشتراكوية (4) التي خاضتها بعض البلدان العربية – ومن بينها سورية – أدت الى الخرائب الاقتصادية في مجتمعاتنا . من الممكن ان يتم النقاش في عملية الأجور وساعات العمل بين ثلاث شركاء : 1- نقابات عمالية مستقلة وغير مسيسة . 2- نقابات أرباب العمل المستقلة والغير مسيسة أيضا . 3- الدولة ( الدستورية ) كشريك ثالث عند تعرقل عملية التفاوض بين الشريكين الرئيسين السابقين . حيث تسعى الى التوفيق بين الطرفين عبر طرح الحلول الوسطية والتي تتناسب مع عدم الاضرار بظروف العمال المعاشية ولا بسوق العمل والإنتاج والاستثمار . من جهة أخرى لم يتطرق المشروع الى عمليات التأميم Nationalisation والاستيلاء (5) على المنشآت الاقتصادية . لذلك نقترح ان تضاف فقرة صغيرة تتضمن إدانة أي عمليات استيلاء غير قانونية على المنشآت الاقتصادية والتربوية واي منشآت أخرى ( أراضي ، عقارات ) ، لمنع تكرار مثل تلك الممارسات المدمرة للاقتصاد وللشرعية القانونية للبلد .و في حال ، تم اللجوء الى التأميم لحاجات حيوية للدولة ، يجب ان يتم بالطرق القانونية وهذا يحدث في جميع الدول – حتى الدول الغربية الليبرالية – ان تحتاج الدولة الى تأميم منشآة اقتصادية أو الحصول على ارض أو عقار ما تابع لأشخاص . في تلك الحالة ، يجب ان تتم العملية بالطرق القانونية ، وذلك بتعيين لجنة قضائية مالية تقوم بالتقدير للمنشآة او العقار او الأرض المطلوب الحصول عليها ، وتعويض صاحب الملك ، التعويض المالي الذي يساوي القيمة الحقيقية لمنشآته أو عقاره ، أو أرضه ، وليس بالقيمة الوهمية التي تقدرها الدولة اعتباطيا . رابعا : قضية المرأة . ليس ثمة جدال ، في ان المشاكل التي تعاني منها المرأة في سورية تدخل في الإطار العام لنضال الأفراد كافة ( مواطنات ومواطنين ) من اجل توسيع الحريات والديمقراطية . فالديمقراطية تعتبر المدخل الجيد لفتح النقاش في مثل هذه القضايا . بالرغم من ذلك ، ان هناك ظلما تاريخيا كبيرا لحق بالمرأة العربية ، لا يمكن ان يُزال بدون اللجوء الى مبادرات سياسية تتجلى فيها الإرادة السياسية بقوة . وفي هذا المجال ، فان قائمة الحقوق طويلة ومنها حق المرأة في التعليم ( الفعلي لا النظري ) ، ومحاربة الأمية عند النساء ، والحق في العمل والمساواة في الأجور مع الرجل ، الحق في الطلاق ، المساواة في الإرث ، حق المرأة في الاحترام في العمل وعدم التعرض لها في أماكن العمل والشارع ، تمثيل المرأة الصحيح في جميع مؤسسات المجتمع . ان العلاقة جدلية بين تحرر المرأة وتحرر المجتمع العربي ، فلا يمكن للمجتمع العربي ان يتغير بدون تغير في وضعية المرأة والعكس بالعكس . ان فقدان الحرية السياسية في مجتمعاتنا ، يشكل عائقا أساسيا في حل قضايا المرأة ، لكن يجب ان لا نخدع انفسنا كثيرا ، فقضايا المرأة ، ربما ، لن تجد طريقها الى الحل عن طريق احلال الديمقراطية فقط . ربما يتطلب الأمر توسيع آفاق الديمقراطية ، عن طريق نشر الثقافة الديمقراطية في كل مكان ، لتدخل ، أولا ، الى داخل العائلة ، حيث العلاقة بين الزوجين ، لتسود مفاهيم المشاركة بين الزوجين مكان المفاهيم التي تُعلي من سلطة الرجل داخل الحقل الزوجي . هذا يتطلب من المرأة نفسها ، الإرادة اللازمة للانعتاق من اسر المفاهيم التقليدية التي حُبست فيها ، والتي حَبست نفسها فيها ، أي على المرأة ان تمتلك روحية وجرأة نوال السعداوي ، أي تمتلك الإرادة الذاتية للتحرر ، بدون هذه الإرادة فان الأمر يتطلب سنوات طويلة جدا من النضال بدون فائدة (6) ان العقل الذكوري ( الزلموي ، الماتشوي ) متجذر في مجتمعاتنا التقليدية ، وحتى داخل الأحزاب التي تدعي التقدمية ، والتحرر من هذا العقل الذكوري يلزمه الكثير من النقد الذاتي والجريء . ولا جدل ، في ان أهم مشكلة على الأحزاب ان تعالجها هي في تعزيز وتمكين المرأة من الحضور والمشاركة في المشهد السياسي ، وهذا لا يمكن ان يتم – كمرحلة أولى – الا بنظام المحاصصة ( الكوتا Quota ) . فمن الممكن البدء بنسبة معينة بين 25 – 30 % من المجالس السياسية . هذه النسبة يجب ان تحترم في كافة التمثيلات السياسية وأولها التمثيلات الحزبية ، بشرط ان لا تتم ( هذه المحاصصة ) على حساب الكفاءة والمقدرة . في حال عدم توفر هذه الكوادر النسائية الكفء ، يتم اللجوء الى اختيار الرجال ولكن بصورة مؤقتة لحين توفر كوادر نسائية مناسبة . ان النصف المكبوت والمكبل في حياتنا ، يجب ان يسمح له في التعبير والمشاركة في اتخاذ القرارات ، في كافة المجالات الحياتية . هذه المشاركة يجب ان تكون نوعية ، وليست من نوع المحاصصة الشكلية ، لمجرد وجود ديكور نسائي في التمثيلات السياسية ، كما تفعل بعض السلطات الجمهورية العربية . لا ريب ، في ان هناك ظروف موضوعية كثيرة تمنع المرأة من التقدم ، خاصة في مجالات العمل (7) – عموما - ، ومجال السياسة – خصوصا – (8) . فكل الظروف المحيطة لسير العملية السياسية ، لا تتلائم مع وضعية المراة في مجتمعنا . من واجبنا ان نحاول العمل على تغيير هذه الظروف لكي تلائم مع حياة المرأة ، بالتالي نساهم في زيادة المشاركة النسائية في جميع الحقول الاجتماعية . خامسا : المشكلة التعليمية . لا بد من الإشارة ، ولو بإيجاز ، الى المشكلة التعليمية في سورية ، خاصة ان المشروع لم يسعه التطرق الى هذا الموضوع . ان السياسات التعليمية الخاطئة التي اتُبعت منذ عقود أدت الى إفقار المجتمع السوري من الكوادر العلمية والفكرية الكفء والقادرة على قيادة هذا المجتمع نحو التحديث . ان تسييس عملية التعليم في سورية ، وسيطرة القرار السياسي على القرار التربوي و التعليمي ، أدى الى انخفاض كبير في المستويات العلمية في جميع المجالات وخاصة في مجال العلوم الإنسانية حيث كان التوجيه كاملا . لقد أصبح الدخول الى الجامعات السورية يَتبع عدة معايير وعدة أنظمة ، ولا تخضع للأولية الأساسية الا وهي درجة التحصيل العلمي للطالب . بالإضافة الى عملية تسييس التعليم ، فان مفهوم ديمقراطية التعليم فُهم ، لا على أساس الحق في الدراسة والتعليم لكل فرد ولكن الحق في النجاح والحصول على الشهادة . لذلك تم تطويع المعايير التقييمية لخدمة هذا الهدف . بالإضافة إلى النمو الديمغرافي الذي أدى الى استقبال أعداد هائلة من الطلاب ، لا تستطيع الهياكل والبُنى التعليمية الحالية استيعابها . لقد أصبحت الجامعة السورية مؤسسة تمنح شهادات من اجل عمل ووظيفة ، حيث لا بحث ولا اجتهاد ولا تحري ولا تساؤل عند الطالب . فالجامعة بدلا من ان تكون مكانا للمعرفة والبحث ، أصبحت " مركز تكوين مهني سيء " . كيف تستطيع الجامعة والحالة هذه ان تنتج أفكارا او تصنع الحدث العلمي والفكري . ولا ننسى المدارس ، وقد أصبحت عبارة " عن كتاتيب حديثة " حيث يسود أسلوب الحفظ والتلقين ، والذي لا يؤدي إلا إلى محو شخصية الطالب وإحباط روح التساؤل والبحث . الخاتمة هذه هي البعض من الملاحظات ، والتي استطعنا ان نسجلها، حيث لم نرغب الإطالة كثيرا ، فقد آثرنا عدم تناول الموضوع القومي والصراع العربي - الاسرائيلي وكذلك جدل الداخل والخارج ، وموضوعة البيئة المهمة جدا . لعلنا نقوم بذلك في مقالة اخرى نعالج فيها بالتحليل المعمق كل هذه الموضوعات . ان أي مشروع كتابة هو مشروع ناقص بالضرورة ، وهنا يأتي دور النقد ليشير إلى مناطق الضعف والنقص والمناطق المسكون عنها . فالنص لا يكتمل إلا بالنقد .و الذين كتبوا مشروع الموضوعات ، يبدون منفتحين بشكل كبير على التساؤلات والنقد ، وهذا مؤشر كبير على فهم معمق لمفهوم الديمقراطية في الرأي والرأي الاخر
(1) : إن فلسفة التنوع والاختلاف هي معطى من معطيات العقل البشري في كونيته . هي انتصار .للخصوصية الفردية . (2 ) ان تبني العقلانية النقدية المنفتحة ،يعني تبني فلسفة الأنوار معدلة بالنقد ما بعد الحداثي (أي نقد النقد ) ( 3) : أن التيار المحافظ ممكن أن يضم يساريين ماركسيين غير اصطلاحيين ، قوميين عر وبيين وسوريين وإسلاميين . ( 4) : يقول مفكر تونسي معروف ،(( الطاهر لبيب )) أن الاشتراكية التي طبقت في عالمنا العربي كانت على النحو التالي : من كان عنده بقرة أخذناها منه فأصبح متساويا مع الذي لم يكن يملكها . ما نرغب فيه ، من ناحيتنا هو أن نجعل الذي يملك بقرة يملك بقرتان وثلاث . بالتالي تستطيع الدولة أن تحصل منه ضرائب على الأرباح ، لكي تساعد الذي لا يملك شيئا ، الحصول على بقرته . ( 5) : من الممكن استعمال مصطلح " الاستيلاء " لتحويل ملكية منشأة اقتصادية من الملكية الخاصة الى الملكية العامة بالطرق الثورية غير المشروعة . والاحتفاظ بمصطلح " التأميم " للتحويل في الملكية ، الذي يتم بالطرق القانونية المشروعة . ( 6) : اذكر هنا للمناسبة ، انه في احد اجتماعات الهيئة الناخبة لنقابة الأطباء فرع حلب ، انني وجهت ملاحظة ناقدة حول تمثيل المرآة المعدوم في المجلس . وكان التفاعل من جانب الحضور النسائي سلبيا ، مما يعكس عدم جدية من جانب المرآة في سورية في المطالبة بحقوقها . ( 7) : لنتصور ان احدى النساء ، تعين مدرسة في إحدى المدارس في ضواحي حلب . عليها ان تستقل ، على الأقل ، ميكرو باصين للوصول الى هذه المدرسة ، وتعرفون جيدا كيف يساق الناس في الميكرو باصات " كال ......." . أما إذا أرادت أن تستقل احد التكاسي ، فان هذا سوف يكلفها ضعفي الراتب الشهري بالإضافة إلى ذلك ، فهي لن تسلم من غمازات وتحرشات بعض السائقين . ( 8) : احد الاجتماعات الذي عقدته هذه المنظمة الحزبية ، ابتدأ في الساعة التاسعة واستمر حتى الساعة الثانية بعد منتصف الليل . فهل من الممكن تصور حضور امرأة في مثل هذا التوقيت . د . فارس ايغو حلب 7/5/2004
#فارس_أيغو (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
صدق أو لا تصدق.. العثور على زعيم -كارتيل- مكسيكي وكيف يعيش ب
...
-
لفهم خطورة الأمر.. إليكم عدد الرؤوس النووية الروسية الممكن ح
...
-
الشرطة تنفذ تفجيراً متحكما به خارج السفارة الأمريكية في لندن
...
-
المليارديريان إيلون ماسك وجيف بيزوس يتنازعان علنًا بشأن ترام
...
-
كرملين روستوف.. تحفة معمارية روسية من قصص الخيال! (صور)
-
إيران تنوي تشغيل أجهزة طرد مركزي جديدة رداً على انتقادات لوك
...
-
العراق.. توجيه عاجل بإخلاء بناية حكومية في البصرة بعد العثور
...
-
الجيش الإسرائيلي يصدر تحذيرا استعدادا لضرب منطقة جديدة في ضا
...
-
-أحسن رد من بوتين على تعنّت الغرب-.. صدى صاروخ -أوريشنيك- يص
...
-
درونات -تشيرنيكا-2- الروسية تثبت جدارتها في المعارك
المزيد.....
-
المسألة الإسرائيلية كمسألة عربية
/ ياسين الحاج صالح
-
قيم الحرية والتعددية في الشرق العربي
/ رائد قاسم
-
اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية
/ ياسين الحاج صالح
-
جدل ألوطنية والشيوعية في العراق
/ لبيب سلطان
-
حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة
/ لبيب سلطان
-
موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي
/ لبيب سلطان
-
الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق
...
/ علي أسعد وطفة
-
في نقد العقلية العربية
/ علي أسعد وطفة
-
نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار
/ ياسين الحاج صالح
-
في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد
/ ياسين الحاج صالح
المزيد.....
|