أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادارة و الاقتصاد - جواد البشيتي - عندما يجوع البشر لوفرةٍ في الغذاء!















المزيد.....

عندما يجوع البشر لوفرةٍ في الغذاء!


جواد البشيتي

الحوار المتمدن-العدد: 2830 - 2009 / 11 / 15 - 14:39
المحور: الادارة و الاقتصاد
    


مارس الأمين العام للأمم المتحدة ما يشبه "أضعف الإيمان" إذ قرَّر الصوم عن الطعام يوماً كاملاً، تضامناً مع 1000 مليون جائع (سُدْس البشرية).
الخبر السيئ، أو السيئ في الخبر نفسه، هو أنَّ جياع الأرض فهموا، أو يمكن أن يفهموا، هذا التضامن (معهم) بالصوم على أنَّه دعوة لهم من الأمم المتحدة إلى مزيدٍ من اليأس.. والكفر.

هذا الصائم الدولي الكبير جاء إلى قمَّة دولية في روما، تبحث في أزمة الغذاء العالمية، أي في ارتفاع أسعار سلع الغذاء عالمياً، وفي تسارُع وتعاظُم نموِّ الجوع والجياع عالمياً؛ وقد جاء معه البابا بنديكتوس السادس عشر للصلاة والدعاء، ولِمَدِّ جياع الأرض بمزيدٍ من الغذاء الروحي، فليس بالخبز وحده يحيا الإنسان.

لماذا يجوع سُدْس البشرية؟

العالم يجيب عن هذا السؤال بما يؤكِّد أنَّ السؤال نفسه يتضوَّر جوعاً إلى إجابته، فالجوع يضرب ما يزيد عن 1000 مليون إنسان في العالم؛ لأنَّ الحكومات لا تفعل ما يكفي لزيادة الإنتاج الزراعي؛ ولأنَّ مياه الأمطار والرَّي لا تكفي لإطفاء ظمأ الزراعة؛ ولأنَّ المناخ العالمي يتغيَّر بما يعود بالضرر على إنتاج الغذاء العالمي، فالتصحُّر والجفاف، مثلاً، ينموان في استمرار؛ ولأنَّ بعضاً من الغذاء يُحَوَّل إلى وقود؛ ولأنَّ دولاً غنية بالغذاء شرعت تقيِّد صادراتها الغذائية؛ ولأنَّ البشر يتكاثرون وكأنَّهم لم يسمعوا بمالتوس ونظرياته.

هذا بعضٌ من جوابهم عن سؤالٍ ما زال يتضوَّر جوعاً إلى إجابته.

وأحسب أنَّ ما يحتاج إلى تفسير وتعليل مُقْنِعين ومنطقيين هو "التناقض" الذي كشف عنه الأمين العام للأمم المتحدة إذ قال (وهو صائم صافي الذهن) إنَّ لدينا نحو بليون جائع؛ مع أنَّ العالم يملك (الآن) من الغذاء أكثر ممَّا يحتاج إليه.

وهذا الذي اكتشفه الأمين العام للأمم المتحدة، والذي ليس باكتشاف جديد، إنَّما يعني أنَّ في العالم (الآن) من الغذاء ما يكفي، أيضاً، لإطعام كل جياعه، وللقضاء على الجوع العالمي نهائياً.

ليس في العالم نقصٌ في الغذاء (أكان من صنع الطبيعة أم من صنع أيادي البشر) حتى نفسِّر وجود بليون جائعٍ على أنَّه عاقبة حتمية لهذا النقص.

ونحن يكفي أن نقرَّ ونعترِف بأنَّ العالم يُنْتِج من الغذاء ما يكفي لإطعام كل البشر، وللقضاء بالتالي على الجوع العالمي، حتى تنتفي الحاجة لدينا إلى ذِكْر وتعداد وشرح كل تلك الأسباب والحيثيات (على أهميتها في سياق آخر) التي تضمَّنتها الإجابة عن ذلك السؤال (سؤال "لماذا يجوع سُدْس البشرية؟").

إنَّه "تناقُض" يمكن أن نصوغه على هيئة "قانون"، فنقول: كلَّما أنتج العالم مزيداً من الغذاء، ومن "الفائض الغذائي"، زاد الجوع العالمي، وانضم مزيد من البشر إلى "جيش الجياع العالمي البليوني".

وتبسيطاً للفكرة، ولتسهيل هضم وتمثُّل العقول لها، نقول: تصوَّروا قرية صغيرة، يسكنها بضع مئات من الناس، تُنْتِج من الغذاء ما يكفي بضع آلاف من الناس؛ ولكنَّ سُدْس أهلها يفتك به الجوع.

هل يمكنكم، عندئذٍ، أن تكونوا مُقْنِعين لأنفسكم ولغيركم إذا ما زعمتم، في معرِض تفسيركم وتعليلكم، أنَّ جوع هؤلاء يعود إلى كونهم "فائضاً سكَّانياً"، أي إلى تكاثر أهل القرية بما يتنافى مع وصايا مالتوس، أو يعود إلى أسباب مناخية وطبيعية تشبه نظام القضاء والقدر لجهة عجز البشر عن رَدِّها عن حياتهم، أو إلى نقصٍ في الإنتاج الزراعي تسبَّبت به "حكومة القرية"؟!

جياع القرية هؤلاء هم كذلك، أو أصبحوا كذلك؛ لأنَّ "شيخ القرية"، وهو كناية عن "الدولة"، طبع "أوراقاً"، هي كناية عن النقود، تسمح لحاملها أو لحائزها بالحصول على ما يتناسب مع حجمها من الغذاء، فَمَن مُنِعَت عنه تلك الأوراق فقر وجاع.

وهذه "القرية" هي التي شبَّهها برناردشو برأسه لجهة الغزارة في الإنتاج والسوء في التوزيع.

ولكنَّ ما رآه برناردشو "سوءاً في التوزيع" هو في الحقيقة "أسلوب في التوزيع"؛ وهذا الأسلوب في التوزيع هو جزء لا يتجزأ من جوهر النظام الرأسمالي، في وجهيه القومي والعالمي.

"شيخ القرية" هذا يمكن أن يكون على "المثال الأخلاقي" لدولنا، فيَحْمِله حُبه للبرِّ والإحسان على توزيع نزر من مخزونه من تلك "الأوراق" على جياع قريته، فيحصلون على طعامٍ يكفي لبقائهم في جوع دائمٍ. أمَّا إذا كان غربياً فإنَّ جياع قريته لن يحصلوا على "أوراق"، تتضمَّن حقهم في الحصول على شيء من الغذاء، إلاَّ إذا عملوا.

في العالم فائض من الغذاء؛ ولكنَّ الجياع يظلُّون جياعاً؛ لأنَّهم لا يملكون "الحقَّ" في الحصول على نصيبهم من الغذاء الفائض، والمضمَّن (أي هذا الحق) في "الورق النقدي"، الذي لن يملكوا شيئاً منه إلاَّ على هيئة أجر أو راتب، لن يملكوه إذا لم يعملوا؛ فكيف لهم أن يعملوا إذا ما كان "جيش العاطلين عن العمل" هو الذي يبقي على النظام الرأسمالي في الحفظ والصون؟!

لا رأسمالية بلا بطالة؛ ولا بطالة بلا عواقبها الحتمية، كالفقر والجوع، مع ما يولِّدانه حتماً من سوء تغذية وأمراض وتقصيرٍ للأعمار.. ومن أمراض نفسية واجتماعية وأخلاقية وسلوكية..

والغذاء العالمي، وعلى وفرته النسبية، يمكننا زيادة إنتاجه أكثر، وتنويعه أكثر، وتحسين نوعيته أكثر، إذا ما أدَرْنا الاقتصاد بما يسمح بتحويل جزء كبير من قوى الإنتاج من مواضِع ليست بذي أهمية للغالبية العظمى من الناس إلى الاقتصاد الزراعي والغذائي.

ومع تحقيق ثورة غذائية عظمى كهذه، تشتدُّ الحاجة إلى أن تتولَّى الدولة نفسها تشغيل كل من يعجز "القطاع الخاص" عن تشغيله لأسباب تضرب جذورها عميقاً في مصالح طبقية رأسمالية، فيتحوَّل جزء كبير من المال العام، عَبْر "الدولة"، إلى اقتصاد ووظائف وأعمال، فتتلاشى البطالة، فيصبح في مقدور الناس جميعاً الوصول إلى المُنْتَج من الغذاء، والذي ينمو في استمرار، ويتنوَّع، وتتحسَّن نوعيته.

إنَّ "الدولة"، ومن غير أن "تتطاول" على "الحقوق الطبقية" لأرباب العمل في القطاع الخاص، يمكنها، إذا ما استقلَّت قليلاً عن احتلال هؤلاء الطبقي لها، أن تؤسِّس لاقتصادٍ موازٍ، تتوفَّر من خلاله على تشغيل كل من يضيق القطاع الخاص بتشغيلهم، منهيةً ظاهرة "مواطِن بلا دخل"، ومنهيةً معها ظاهرة "وفرة في الغذاء ـ وفرة في الجوع"!

النظام الاقتصادي العالمي، والذي "يزدان" الآن بـ "تحرير التجارة العالمية (من البقية الباقية من الوازع الإنساني والأخلاقي)"، إنَّما يقوم على ضخِّ مزيدٍ من الوحشية في الرأسمالية، وعلى ضخِّ مزيدٍ من "العولمة" في هذه الرأسمالية المفْرطة في وحشيتها؛ فهل له أن يبقى ويستمر وينمو من غير أن يُنْتِج في استمرار مزيداً من الغذاء مع مزيدٍ من الانكماش في الحقِّ الإنساني في الحصول على هذا الغذاء، الذي تراه الأبصار، وتَعْجَز الأيدي عن تناوله؟!





#جواد_البشيتي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بعض من ملامح -البديل- الفلسطيني
- ما هي -المادة-.. وكيف يُمْسَخ مفهومها ويُشوَّه؟
- كيف تُدَجِّن شعباً؟
- خرافة -الدولة- في عالمنا العربي!
- -قرار عباس-.. كيف يمكن أن يوظَّف في خدمة الفلسطينيين؟
- السَّفَر في الفضاء.. كيف يكون سَفَراً في الزمان؟
- بلفور.. -الأسلمة- بعد -التعريب-؟!
- الحُبُّ
- 90 في المئة!
- خيار -السلام- أم خيار -اللا خيار-؟!
- -بالون أوباما- إذ -نفَّسه- نتنياهو!
- فساد شيراك..!
- في التفسير الميثولوجي للتاريخ.. والسياسة!
- في مديح وهجاء -وادي عربة-!
- قيادات فضائية!
- ما هي -الدولة-.. عربياً؟
- بوستروم.. لقد أسمعتَ لو ناديتَ حيَّاً!
- في الجدل الانتخابي العراقي!
- نحو حل -الدولتين الفلسطينيتين- للنزاع بين الفلسطينيين!
- الفأس والرأس.. اللقمة والرأي!


المزيد.....




- طريقة عمل فطائر السكر واللبن الاقتصادية في 10 دقائق في الطاس ...
- الرئيس الكيني: احتجاجات الضرائب هيمن عليها أشخاص خطرون
- طوكيو: الصاروخ الذي أطلقته كوريا الشمالية سقط خارج المنطقة ا ...
- إبسوس: ترامب يتفوق على بايدن في الاقتصاد والأخير يتقدم في ال ...
- مكاتب اقتصادية لـ-حماس- قريباً في العراق وتشكيل قاعدة سُنية ...
- تسلا تستدعي الآلاف من شاحنات سايبرتراك.. لهذا السبب
- بنك المغرب المركزي يخفض سعر الفائدة إلى 2.75 بالمئة
- بنك إسرائيل المركزي يستعد لاتساع رقعة الحرب على غزة
- بلومبيرغ: السعودية ستصبح أكبر سوق للبناء في العالم
- مميزات تنزيل الوتساب الذهبي 2024 لجميع المستخدمين


المزيد.....

- الإشكالات التكوينية في برامج صندوق النقد المصرية.. قراءة اقت ... / مجدى عبد الهادى
- ثمن الاستبداد.. في الاقتصاد السياسي لانهيار الجنيه المصري / مجدى عبد الهادى
- تنمية الوعى الاقتصادى لطلاب مدارس التعليم الثانوى الفنى بمصر ... / محمد امين حسن عثمان
- إشكالات الضريبة العقارية في مصر.. بين حاجات التمويل والتنمية ... / مجدى عبد الهادى
- التنمية العربية الممنوعة_علي القادري، ترجمة مجدي عبد الهادي / مجدى عبد الهادى
- نظرية القيمة في عصر الرأسمالية الاحتكارية_سمير أمين، ترجمة م ... / مجدى عبد الهادى
- دور ادارة الموارد البشرية في تعزيز اسس المواطنة التنظيمية في ... / سمية سعيد صديق جبارة
- الطبقات الهيكلية للتضخم في اقتصاد ريعي تابع.. إيران أنموذجًا / مجدى عبد الهادى
- جذور التبعية الاقتصادية وعلاقتها بشروط صندوق النقد والبنك ال ... / الهادي هبَّاني
- الاقتصاد السياسي للجيوش الإقليمية والصناعات العسكرية / دلير زنكنة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادارة و الاقتصاد - جواد البشيتي - عندما يجوع البشر لوفرةٍ في الغذاء!