|
ليسَ دفاعاً عن الخمر !
امين يونس
الحوار المتمدن-العدد: 2828 - 2009 / 11 / 13 - 22:33
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
الحساسية المُفرطة التي حازها العراقيون خلال الخمسين عاماً الماضية تِجاه البوادر الاولية المؤدية الى الديكتاتورية ، تشبه أجهزة الإنذار المُبكر إجتماعياً وسياسياً . فعبد الكريم قاسم لم يكن ديكتاتوراً في أيامهِ الاولى ولكنه تعّود في سنتيهِ الاخيرتين الإنفراد بإتخاذ القرارات . ولقد تعّلمنا من التجارب السابقة ، ان القبول بالخطوات الاولى الرامية الى تكميم الافواه بأي حجةٍ كانت ، هو حجب السلطات لحرية الرأي والإعتقاد ، وان السكوت على التجاوزات البسيطة وخرق القانون هو رضا ضمني ورضوخٌ للإستبداد . فكثيراً ما تقوم " السلطة " اي سلطةٍ كانت ، بإجراءٍ ما ، كَجَسِ نبض وبالون إختبار لمعرفة ردود الافعال ، فإذا كانت معدومةً او ضعيفة ، فذلك يشجعها على التمادي أكثر ! على الرغم من الطبيعة المُحافظة للمجتمع العراقي عموماً ، وإنتشار الامية الابجدية والسياسية فيه ، وتحكم الاعراف العشائرية والقبلية المتخلفة وخصوصاً في الاماكن الطَرفية ، فلم تكن الدولة العراقية منذ تأسيسها ، دينية او منغلقة على نفسها ، بل كان الطابع المدني هو الغالب عليها . ولم تنجح أحزاب الاسلام السياسي ان تَحْكم إلا بعد الإحتلال الامريكي للعراق ! فهل هي مُفارَقة ؟ أعتقدُ ان الامر طبيعي ومَنطقي ، فالولايات المتحدة الامريكية ورغم الآلة الإعلامية الضخمة التي تمتلكها وتُرّوج لها منذ ستين سنة ، على إعتبار انها راعية الديمقراطية والمُدافعة عن حقوق الانسان وزعيمة العالَم الحُر ، فليس هنالك مثالٌ حقيقي واحد على صدق هذه الإدعاءات ، فحتى الديمقراطيات الغربية مثل ألمانيا وإيطاليا واليابان نَهضتْ بجهودٍ ذاتية على الاغلب . وما التأريخ الطويل من دعم الولايات المتحدة الامريكية لكافة الديكتاتوريات السابقة في انحاء العالم إلا دليلٌ ساطع على كذب الدعاية الامريكية حول تبنيها لحقوق الانسان والحريات . فمن الفليبين وكوريا الجنوبية وايطاليا واسبانيا واليونان وايران الى تشيلي ومعظم دول امريكا الجنوبية والوسطى ، وَقفتْ الى جانب السلطات الديكتاتورية ضد الشعوب ، ولا زالت تدعم وتدافع عن النظام السعودي الأكثر رجعيةً وتخلفاً في المنطقة ، وطالما آزرَتْ صدام وحكمه الدموي لسنين طويلة . منذ أيام مجلس الحكم البريمري ، حاولتْ احزاب الاسلام السياسي المتنفذة والمدعومة امريكياً ، ان تفرض حُكماً إسلامياً صريحاً على العراق الجديد ، من خلال مشاريع قوانين رجعية ، لكن الإعتراض الجدي والقوي لكافة القوى والشخصيات المدنية التي وقفتْ بوجهها ، عّطلت واوقفتْ هذه التوجهات المتخلفة ولو الى حين . - خلال ترؤس " عبد العزيز الحكيم " لمجلس الحكم ، بادر الى إصدار قانون جديد للأحوال الشخصية يلغي كل ما حصلت عليه المرأة العراقية خلال نضالها الطويل والذي تُوج بقانون يحمي جزءاً مهماً من حقوقها في عهد عبد الكريم قاسم . وأيّدَ الحكيم في ذلك " ابراهيم الجعفري " وجميع رموز الاسلام السياسي الآخرين . - خلال كتابة مسودة الدستور العراقي ، مورستْ ضغوط كثيرة في سبيل جعل العراق الجديد دولة إسلامية ودستورها مُستند الى الشريعة الاسلامية ، لكن مقاومة الكثيرين من المتنورين أدت الى تبني قوانين أكثر إنفتاحاً ، على الرغم من وجود فقرات في الدستور العراقي الدائم تحتمل تفسيرات مختلفة . - تمادي الميليشيات الشيعية المسلحة ولا سيما جيش المهدي وحزب الله وثأر الله ورساليون ، في التضييق على الحريات الشخصية للمواطنين ، اينما كان لهذه الميليشيات نفوذ وتواجد على الارض من مدينة الثورة في بغداد الى الجامعة المستنصرية والعمارة والبصرة والنجف وكربلاء ومعظم مدن الجنوب والوسط ، وكذلك الجماعات التكفيرية وما يًسمى بدولة العراق الاسلامية في الموصل وبغداد وديالى وصلاح الدين والانبار . ولم تستهدف فقط محلات بيع الخمور بالتفجير والحرق وإغتيال اصحابها ، بل كذلك محلات الحلاقة والمقاهي ومنعتْ السفور ولبس الجينز والسفرات المدرسية والاختلاط في الجامعات وفرضتْ الحجاب بالقوة . كل ذلك تحت أنظار سلطة احزاب الاسلام السياسي وراعيها الامريكي واستمر الامر لسنواتٍ اُقترفتْ فيها ابشع اشكال الجرائم بحق المجتمع عموماً والمرأة خصوصاً . أظهرَتْ حقيقة وجوهر احزاب الاسلام السياسي لا سيما فروعها المتطرفة المُسلحة التي إذا سنحتْ لها الفرصة فانها لن تتوانى عن نسف الديمقراطية الوليدة وتحويل العراق الى ولايةٍ طالبانية متخلفة ! ، وهو ما حصلَ فعلاً في سِني 2006 و 2007 حين سيطرتْ مفارز الأمر بالمعروف والنهي عن المُنكَر على أحياءٍ واسعة في البصرة والعمارة والموصل وديالى وغيرها وأذاقت المواطنين الأمّرَين . - إعتداء حمايات المسؤولين على الصحفيين في عدة مناسبات ومنعهم من أداء واجبهم الاعلامي ، ومقاضاة المسؤولين الكِبار بمستوى رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء للصحف لنشرها إنتقادات تمُسَهم . وملاحقة رسامي الكاريكاتير كما حدث في النجف وكربلاء ، وعدم متابعة الارهابيين المتورطين في إغتيال الرموز الثقافية في البلد ، والإستهانة والإستخفاف بوزارة الثقافة وإعتبارها تافهة . كل ذلك يؤكد على ذهنية تهميش الثقافة والمثقفين المُستحكمة في عقول معظم طبقة الاسلام السياسي المتنفذة الحاكمة . - أصدرَ مجلس محافظة كربلاء ومجلس محافظة النجف في وقتٍ متزامن ، قراراً بمنع تداول وتناول وبيع وشراء وحتى مرور المشروبات الكحولية في المحافظتين بإعتبارهما اراضي مُقدسة ! وحذا مجلس محافظة البصرة حذوهما على الرغم من ان البصرة غير مُقدسة ! . وقامتْ لجنة الاوقاف والشؤون الدينية في مجلس النواب العراقي ، بتبني مُقترَح قانون منع إستيراد وبيع وتناول المشروبات الكحولية ، ويشمل ايضاً إقفال الملاهي وصالات الرقص والنوادي الليلية لمُخالفتها الشريعة الاسلامية ! . ليسَ دفاعاً عن الخمر ولا حُباً للملاهي ودور التسلية ، ولكن المتزمتين ومتطرفي الاسلام السياسي يتعمدون إقحام الشريعة الاسلامية إقحاماً في كل مرافق الحياة اليومية ، وهو ما يُخالف الدستور صراحةً ، فإذا سكتنا ورضخنا وقبلنا بمُقترح القانون هذا ، نكون قد مهدنا الطريق لهم ، للإيغال في غّيهم والقضاء التدريجي على مُجمل الحريات الشخصية التي كفلها الدستور الدائم . على كل حال لِنُرّدد بصوتٍ عالي مع " حافظ الشيرازي " : [ وماذا يحدث وماذا يضيرك ؟ لو انني شربتُ معك بضع أقداحٍ من الشرابِ المُعَتقِ ؟ والخمرُ مِن دم العناقيدِ ، وليسَ مِنْ دَمِكَ المُهْرقِ ! ]
#امين_يونس (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
أيها العراقي ..هل تعرف هؤلاء ؟
-
أخيراً ...قائمة مفتوحة
-
إستجواب الشهرستاني في مكة !
-
معَ مَنْ سيتحالف الكُرد ؟
-
رسائل خاطئة
-
مَنْ سيكون رئيس الوزراء القادم ؟
-
الحركة الوطنية العراقية البعثية
-
حكومة - رشيقة - في اقليم كردستان
-
مِنْ أينَ تُموَل أربعين فضائية عراقية ؟
-
المُسلسل المرير
-
- إئتلاف وحدة العراق -
-
- جبهة التوافق العراقي -
-
ماذا جرى قبل اجتماع المالكي / بايدن ؟
-
إطلالة على المشهد السياسي العراقي
-
برلمانٌ عجيب !
-
مَنْ الأكثر نفوذاً في العراق ؟
-
حَجي مُتلاعب بملايين الدولارات !
-
الشعارات الإنتخابية ..هنا وهناك
-
جهاز كشف الكذب يفضح المسؤولين الكبار !
-
متى يتوقف القصف التركي الايراني لِِقُرانا ؟
المزيد.....
-
فوضى في كوريا الجنوبية بعد فرض الأحكام العرفية.. ومراسل CNN
...
-
فرض الأحكام العرفية في كوريا الجنوبية.. من هو يون سوك يول صا
...
-
لقطات مثيرة لاطلاق صاروخ -أونيكس- من ساحل البحر الأبيض المتو
...
-
المينا الهندي: الطائر الرومنسي الشرير، يهدد الجزائر ولبنان و
...
-
الشرطة تشتبك مع المحتجين عقب الإعلان عن فرض الأحكام العرفية
...
-
أمريكا تدعم بحثا يكشف عن ترحيل روسيا للأطفال الأوكرانيين قسر
...
-
-هي الدنيا سايبة-؟.. مسلسل تلفزيوني يتناول قصة نيرة أشرف الت
...
-
رئيس كوريا الجنوبية يفرض الأحكام العرفية: -سأقضي على القوى ا
...
-
يوتيوبر عربي ينهي حياته -شنقا- في الأردن
-
نائب أمين عام الجامعة العربية يلتقي بمسؤولين رفيعي المستوى ف
...
المزيد.....
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
المزيد.....
|