|
مجتمع ما بعد ال - أنا -
جمعية الاشتراكيين الروحانيين في الشرق
الحوار المتمدن-العدد: 2828 - 2009 / 11 / 13 - 15:11
المحور:
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
الرأسمالية نظام اقتصاد جاء كنتيجة تراكمية للقيم " الفردية " والخصوصية و الإعتزاز بالذات ، ( كما نفسره بمعطيات تغير الوعي البشري عبر الزمن ) ورأس المال تقابله الــ" أنــا " عبر التاريخ ، ولذا فقد استخدم عزازيل المال كقوة محركة في بناء نموذجه الحضاري الرأسمالي الهرمي وقطبه حالياً الولايات المتحدة ، أما الفكر الاشتراكي فهو القوة الكونية الدافعة التي يستعملها جبريل لبناء نموذجه المسطح ، فبدلاً من المال كحافز يستخدم جبريل القيم الأخلاقية الكلية وحب الجماعة والعدالة والمساواة .. في سبيل تذويب الأنا الفردية في " نحن " كلية جامعة ( وهي أهم شرط من شروط الباراسايكولوجي ، حيث إن مفتاح الدخول للعقل الكوني هي " نحن " كما سندرسها في مواضيع قادمــــة ) . وبعد كل هذه الحقب من التاريخ ، من المؤكد أن يكون عزازيل ( إبليس – اهريمان ) قد وصل إلى نهاية طريقه ببناء النموذج العولمي الرأسمالي ، فعزازيل يمثل وعياً كلياً يشترك في تكوينه كل من يؤمن بنفسه ككائن متفوق له موقع رفيع في الهرم الاجتماعي .. رأسماليي عالم اليوم يمسكون بكل شبر ٍ فيه تقريباً ، وعدد من يقبع منهم على قمته يقترب من الرقم ( 300 ) شخص ٍ فقط يمثلون ذروة ما قد تصله الــ"أنا " لدى أحد . كل من أحب مكانتهم أو تمنى أن يصبح مثلهم كان منهم ، كونه سينقاد في كل سلوكه للتشارك معهم في تشكيل النسق الكلي للوعي الجمعي " التفكيكي " محركاً الاقتصاد الكوني بواسطة النظام الرأسمالي ، فالشيطان ( عزازيل ) بمفهوم قواعد المعرفة و العلم الشرقي ليس كائناً مستقلاً ، وهو موجود في نفس الوقت ككيان جمعي للمتكبرين ذوي الأنانية العالية في العالم تجمعهم ميول واحدة جمعية سميت عبر التاريخ بهذه الاسم - الرمز . ولذا ، يتخذون لهم مراتباً على هذا الهرم بمقدار سعــة " الأنــا " التي يمتلكونها .. كلما كان الإنسان يميل إلى أناه الخاصة أكثر من نحن الجمعية كان له موقع اقرب للقمة في هرم العالم الرأسمالي . فإذا كنت تريد " النجاح " في عالم ٍ تقوده الحضارة الغربية الرأسمالية ، ما عليك سوى أن تكون أكثر أنانية لتحقق هذا النجاح بما يتناسب طردياً مع أنانيتك .. التي ترتفع صعوداً إلى قمة الهرم!
وبرؤية عابرة في مشاهد حياتنا اليومية ، نلاحظ إن أكثر الأثرياء والناجحين في جمع المال وتحقيق المكانة الاجتماعية العليا هم أكثر الناس " حدة " و أنانية من ذوي الروح التنافسية العالية الذين يعتبرون من الحياة مضماراً للسباق وتحقيق المكاسب ، لذلك نجدهم صعبي المراس ، وكلما ازدادوا في هذا الصعوبة يكونون قد اقتربوا من ذروة ودستور الأخلاق الرأسمالية العصرية ، لكن ، هل سيبقى عزازيل و الــ" أنا " في القمـــة ليختتم التاريخ بهزيمة جبريل ..؟
القرن العشرين .. وهزيمة جبرائيل
أما جبريل فقد هزم في القرن العشرين هزيمة منكرة بانهيار معسكره الاشتراكي وزوال الإتحاد السوفييتي ، وبذلك فقد الوعي الكلاني " التجميعي " نواة صناعة أفكاره التي تسعى إلى تحويل الفرد من مستويات الأنا ( الذاتية ) والانا العليا ( القومية أو المذهبية أو ما أسميناه قيم و أعراف المجتمع المحيط ) إلى مستويات " نحن " الكلية ( الإنسانية الجامعة الأممية ) .. هذه النحن لدى جبريل كانت " كونية كلية " ، أي ما بعد إنسانية و التي كانت ضمير جبريل الواضح في اغلب آيات القرآن ، فمن اغرب ما هو موجود في ذلك الكتاب هو استخدام " الروح الأمين – جبرائيل " جملاً أوردها بلسان " محمد " من قبيل : نحن نزلنا الذكر ... أأنتم تخلقونه أم نحن الخالقون .. أأنتم أنبتم شجرتها .. إنا أنزلناه .. ولقد كتبنا .. إنا خلقناكم من ذكر و أنثى ...نحن خلقناكم فلولا تصدقون .. الخ من آيات كثيرة تثبت إن جبرائيل عبارة عن وعي " كلي " مسلوب الأنا .. وعندما يريد تسمية نفسه ( إنا لنحن الصافون والمسبحون ) أو الحديث عن الخالق العظيم فيقول بضمير " نحن " ! وبالرغم من التفسير " الكلاسيكي " الديني للقرآن الذي يعزي هذه " نحن " إلى التعظيم لكون القرآن يستعمل قواعد البلاغة العربية الموجودة آنذاك ، لكن من يعود إلى الشعر العربي الذي عاصر القرآن يجد إن " الأنا " كانت سائدة أيضاً و " نحن " كانت لسان حال القبيلة العربية .. ولهذا السبب نزل القرآن .. كرسالة كلية من الوعي الجمعي " التجميعي " بلغة العرب ، لأنها الأقدر على بناء رسالة بلغة قابلة للتحويل من " الأنا " إلى " نحن " كون العربية نشأت في أكناف كلانية القبلية ، سندرسها في موضوع خاص . مما تقدم تتضح لنا صورة شبه متكاملة عن " مسار " التحول في الوعي الجمعي بطريقين أيضاً • مسار التفكيك إلى ( أنا أنا أنا أنا أنا أنا أنا أنا أنا ... حتى سبعة مليارات أنا عدد البشر الموجودين في كوكب الأرض حالياً ) ، وهذه هي الحضارة الرأسمالية الهرمية المطلقة التي يسعى إلى بناءها عزازيل . وتتمثل في الفردية ، والليبرالية المطلقة ، والسوق الحرة ، والمثلية ، والتجارة بالمخدرات ، الاتجار بأعضاء البشر ، سيطرة الأمم القوية على الضعيفة انطلاقاً من قانون الغابة البشرية : البقاء للأدهى و الأمكر ( الأذكى ) وهؤلاء الأقوياء الباقين ، يتنافسون بينهم لتكون قمة الهرم للأقوى – العبقري – المتفوق . • مسار " دمج " وصهر سبعة مليارات " أنا " في " نحــــــــــــــــن " كلية واحدة ، وهذه هي الحضارة الاشتراكية التي يسعى إليها جبرائيل . وهي حضارة الملكوت الإلهي التي دعى إليها المسيح قبل ألفي عام : أبونا الذي في السماوات ، ليتقدس اسمك ، ليأت ملكوتك لتكن مشيتك على الأرض كما هي في السماء ، أمنحنا كفاية خبزنا اليوم و اغفر لنا كما نغفر لمن أساء إلينا ، ولا تمتحنا وخلصنا من الشرير ( عزازيل ! ) . فالدافع الاجتماعي للعمل في حضارة الملكوت هذه هو " الكل " أو نحن باعتبار البشرية كياناً كلانياً يبني الحضارة الكونية على الأرض كنسخة عن الوجود الملكوتي الكلي في الكون ، وهذا الإيمان لا يأت من نموذج الوعي " الفردي " الحالي الذي يؤمن بدونية البشر وحقارتهم ..! فالمسيح عيسى ، كنموذج عقلي متوحد مع العقل الكوني التجميعي ( جبريل ) نظر إلى الله الخالق بأنه : أبونـــــــــــا ، وهي " كلانية " تجسد توحد العقل الكلي .. لكن " أبي " الذي في السماء ، تمثل " انحدارا فردانياً في رؤيته لو صحت نسبة المقولة إليه ..! وهنا نفهم أسباب فشل " الكلانية " المسيحية لانزلاقها في متاهات الفردية الأنانية العزازيلية ، كون المجتمعات الأسلاف في أوربا القديمة تتميز بالذاتية الفردانية أصلاً ، فمن الصعب عليها تقبل الكلانية التي تميز مجتمعات الشرقيين . لهذا ، مسار تصحيح بناء الوعي الاجتماعي يتحقق في : " إلوهية البشر " و " أبوة الرب " و " نحن " الكلانية التي هي هوية كل فرد على سطح الكوكب الأرضي ..! لذلك ، فإخفاقها في المسيحية الإسرائيلية - الأوربية ، دفع بجبريل لمعاودة الكرة في جزيرة العرب ، فكان محمد .. وكان الإسلام وليداً من رحم " كلانية " القبلية ، " نحن " كانت القبيلة ، لكن محمد افلح في صهرها في " نحن " المسلمين .. كان من الصواب أن يستمر تنامي هذا " التحول " من الأنا إلى النحن في كل وحدات البناء التكويني للمجتمع الإسلامي كي يبلغ الذروة في صهر العالم كله في نحن كلية بعد ألف سنة من الإسلام ( مثلاً )، وهو " مسار " مخطط لدى العقل الكلي التجميعي يمكن إيجاز مساره بالآتي : من المفترض أن تحدث تحولات لغوية في البلاغة العربية منذ ألف عام تؤدي إلى بناء مجتمع " كلاني " حجه للبيت جماعة وصلاته في خمسة أوقات جماعة ، حيث يبلغ المسلمون القرن الحادي والعشرين كأمة موحدة قوية ، لكن " عزازيل " أوقع البلاغة العربية في نرجسية " أنا " الشعراء ، و أوقع عقول قادة المسلمين في نرجسية السلطة والصراع على حكم البلاد ..و انتهى بهم الحال إلى ما هم عليه الآن . وجبريل بطبيعته ، يتوقع أحداث المستقبل ، لكونه وعياً كلياً خارج إطار الزمان – مكان ، فكان يرى مسارات الأحداث ويدرك إن محاولته هذه قد تفشل في إكمال المخطط للنهاية .. ، لهذا السبب أستشرف الأحداث بلسان محمد : من يرتد منكم عن " دينه " فسوف يأت الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيله ولا يخافون لومة لائم .. إن يشأ يذهبكم أيها الناس و يأت بآخرين ، وما ذلك على الله بعزيز .. لذا كان الإتحاد السوفييتي ، و الاشتراكية كمنهج " علمي " عصري للأمم الشرقية الساعية للكلانية بما في ذلك دول أميركا اللاتينية التي انتفضت بعد تضعضع العقيدة الشيوعية السوفييتية ، فكان هذا هو المسار التحديثي الجديد لبناء الكلانية التي يسعى لها جبريل ( أناس آخرين ) . ونفس المشكلة واجهها الإتحاد السوفييتي ، فبالرغم من إنه تمكن من إحداث تحول في الوعي الجمعي للأمم السوفييتية منذ مطلع الثلاثينيات وحتى نهاية الحرب العالمية الثانية ، لكن الاستبداد بالسلطة من قبل النظام الحاكم أدى إلى تراجع هذا التحول ، والذي لا يمكن أن يحدث مع الخوف من حكام البلاد ، كونها تعيد تقسيم الشعب إلى الهرم العزازيلي ، المؤسس على الخوف والطمع، يمكن أن يحدث عند الخوف من سلطة احتلال خارجية ، أجنبية دخيلة كونها توحد الشعب وتستنفر طاقته وتذيب فوارقه فتعيده إلى التسطح الجبرائيلي . ولو دققنا في مشهد التحولات الفكرية للبشرية منذ فجر الماركسية والثورة البلشفية ، نجد إن الاشتراكية لا تزال لها بقية في الأرض ، لكن انتشار الرأسمالية بهذا الشكل الكبير في عالم اليوم كما " تنبأ " ماركس و زردشت تماماً ، فماركس يرى إن بلوغ الرأسمالية للقمة يعني نهايتها وبداية التحول الاشتراكي .. و زردشت كان أكثر دقة حين يقول بلوغ الشر للقمة و انتصاره على الخير يعني الاقتراب من لحظة هزيمته المفاجئة غير المتوقعة . فزردشت تنبأ بوجود " صراع " دامي يسبق الانتصار بين الخير والشر ، اهورمزدا و اهريمان ، المعسكر الاشتراكي و الرأسمالية العالمية ، بين الــ"أنــا " الظالمة و " نحن " العادلة الكلية . وهي بالضبط ملامح النصف قرن من الصراع في الحرب الباردة بين الشرق والغرب . وهكذا فالتيجة ، جبريل ( أهورمزدا – نحن – الإشتراكية ) مهزوم اليوم ... ولكن ، إلى متى يبقى هذا " النظام " الكلي جاثياً على ركبتيه ؟؟
#جمعية_الاشتراكيين_الروحانيين_في_الشرق (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
النظرية الاشتراكية الشرقية
-
لاهوت الاشتراكية
المزيد.....
-
علماء: الذكاء الاصطناعي يوسع الفجوة بين الفقراء والأغنياء
-
الشيوعي السوداني يعبر عن تضامنه الكامل مع الشعب السوري وقواه
...
-
النسخة الإليكترونية من جريدة النهج الديمقراطي العدد 595
-
اشتباكات عنيفة في بوينس آيرس بين قوات الأمن والمتظاهرين احتج
...
-
رائد فهمي: المنظومة الحاكمة تقف على أرض مهزوزة والتغيير الشا
...
-
نداء أوجلان.. توقعات مرتفعة ومسار سياسي ينقصه الوضوح
-
تزايد أعداد التكايا في الضفة الغربية.. ملاذ الفقراء والنازحي
...
-
م.م.ن.ص// مرة أخرى منطقة صفرو تبرز في واجهة محاربة الغلاء
-
بدء مفاوضات تشكيل حكومة المحافظين والاشتراكيين في ألمانيا
-
عن جدوى المقاومة والبكاء على أطلال أوسلو
المزيد.....
-
البدايات الأولى للتيارات الاشتراكية اليابانية
/ حازم كويي
-
لينين والبلاشفة ومجالس الشغيلة (السوفييتات)
/ مارسيل ليبمان
-
قراءة ماركسية عن (أصول اليمين المتطرف في بلجيكا) مجلة نضال ا
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
رسائل بوب أفاكيان على وسائل التواصل الإجتماعي 2024
/ شادي الشماوي
-
نظرية ماركس حول -الصدع الأيضي-: الأسس الكلاسيكية لعلم الاجتم
...
/ بندر نوري
-
الذكاء الاصطناعي، رؤية اشتراكية
/ رزكار عقراوي
-
نظرية التبادل البيئي غير المتكافئ: ديالكتيك ماركس-أودوم..بقل
...
/ بندر نوري
-
الذكرى 106 لاغتيال روزا لوكسمبورغ روزا لوكسمبورغ: مناضلة ثور
...
/ فرانسوا فيركامن
-
التحولات التكتونية في العلاقات العالمية تثير انفجارات بركاني
...
/ خورخي مارتن
-
آلان وودز: الفن والمجتمع والثورة
/ آلان وودز
المزيد.....
|