|
قشرة البرتقال/ 15 1, رسائل
حامد مرساوي
الحوار المتمدن-العدد: 2828 - 2009 / 11 / 13 - 12:59
المحور:
سيرة ذاتية
سعاد، سبق أن اقترحتِ أنت أن أبعث إليكِ الرسائل. والرسائل فعلا ستكون مفيدة. نحن الآن نتواصل عن طريق الرسائل الالكترونية (ايمايل) التي تتطلب التفكير، لكن بما يشبه الدردشة المستعجلة (الشاط). والدردشة تقاذف للكلام السريع المخل بالتمهل المصاحب للتفكير. فهذه الرسائل مساحة مناسبة لممارسة التفكير على مهل. كدنا نستعجل مراحل الحالة النفسية فيما بيننا لربما. أم أننا ما صدقنا استرجعنا بعضنا، فسقط كل واحد منا في حضن حبيبه ليرتاح من رحلة فقدان الحب. أو كأننا كنا في "بئر الحرمان" (رواية لإحسان عبد القدوس) من الحب الحقيقي. فصدق كل واحد منا حبيبه أنه أخيرا وجد الصدق وخرج من عالم العلاقات البشرية المليئة بالتناقضات. ومن جانبي الشخصي، لأول مرة أجدني صادقا في مشاعري تجاه إنسان ثان. لأنني أحسست بك تكاشفينني بأسرار شخصية وعائلية. فارتميت في أحضانك كلية، لسببين: السبب الأول أنني ما كنت أحلم أن سعاد/ الحب، ستلتقي بي يوما من جديد، خصوصا وهي التي بحثت عني تستفسر عن هويتي. في هذا المستوى، أصبحت في حالة نفسية فريدة وغريبة وعجيبة. لم أستطع الخروج منها إلى الآن. لقد امتصني حبك إلى درجة لم أستطع أن أتبين الرشد من الغي فيها. أنا من هذه الناحية أعيش حلما وأخاف أن أستيقظ من الحلم. والسبب الثاني، وجدت لديك التجاوب بنفس القدر من الانشغال بي والتعاطي معي بنفس الزخم. فكلما صرحتِ لي بحجم الحب والتعلق، كنت لا أجد طريقة لتأكيد نفس الحالة لدي سوى بالدموع التي تسبق لساني للقول نعم أعيش نفس الإحساس، وإلى هذا الحد الذي تعبرين عنه، وتماما! هذا التطابق أرجعني لحقيقة السن (49/55) الذي نعيش. وهي حالة التحقق من فوات أوان أية فرصة للدخول في حياة متجددة من العاطفة/الحب وكأننا كنا نودع عمرنا العاطفي ونمتلئ بمخزوننا العقلي لننشغل به وحده فيما تبقى من عمرنا الحيواني/الحياتي الاجتماعي. فإذا بالزخم العاطفي يتفجر داخل كل واحد منا بفضل الشخص الثاني بالضبط ودون سواه. أنا من هذه الناحية أفسر ميلان كل واحد منا للتعبير عن انشغاله بالثاني حد العبادة. خصوصا ومجتمعنا الشرقي مولع بعبادة الله حتى ولو كان بلا روح عقدية لاهوتية في منطقه الوجودي. أعبدك. قلتها أنا وقلتها أنت. وأنا مصدق لما بين يدي من كلامك. ولا أعتقد أنك تكذبينني فيما أذهب مذهبه في هذا الشأن. لا أخفيك، أنني قبل العثور عليك، كنت أملأ نفسي بمبادرات عاطفية، تمتلئ بصدق المشاعر الأخوية وتمتد عبر تماه في الشفافية وتستنكف عن الغواية الجنسية ولو أن الجسد كحضور للجنس الآخر يكمل ما يبتدئ من عواطف فوقية لا علاقة لها بمثلث فينوس. كانت تلك المبادرات العاطفية مثل الفراشة. تنتقل بين كل علامات الأخوة والصدق والرفعة في المعاملة. فلا تكاد تتأكد من موقع استراحتها حتى تنتقل إلى ما يوحي بنفس الاطمئنان في مكان ثان. كان الأصل في هذا الترحال الجميل المتألم هو الغياب المزمن للصدق في العواطف، في النواة الاجتماعية العائلية. كان الانشغال بالايديولوجيا تبريرا مستمرا للتواري عن لحظة الحب. وكان اللجوء للحظة الحيوانية وهما مستديما لتغطية البرود العاطفي بالحضور الجنسوي. كان الحضور بالندية المزمنة تباهي في السطح بالنموذجاوية السوسيولوجية، بالماركة الحداثية. لكن أصدق الأصدقاء للطرفين كانوا يلمسون مواقع الثقوب السيكولوجية العميقة في تجربتنا الزوجية. كانت العقلانية أداة لوزن مقادير توابل التعويض السطحي عن الفراغ الفعلي الباطني. ساعدنا الابتعاد عن بؤر العائلتين الكبيرتين، على تلافي المزيد من التناقضات. وكانت ومضات الحضور تتحول إلى حالات من البرق والرعد، سرعان ما تختفي لتتوارى العائلة الكبرى نحو النقطة الأبعد. كما زاد تعليم البنات في المؤسسة الأوربية من ملاءمة المعاملة اليومية بما يفضي إلى النموذجاوية الشكلانية. كان ذلك يساهم في النزوع نحو الفردانية باستمرار. في المقابل، ولتعويض حالة الخلع الممارس باستمرار ضد محتوانا الإنساني من طرف أنفسنا، ظل نبذ النزوع نحو التملك والتشيؤ معلمة سلوكية لدي. "ديالي ماشي ديالي". لإقرار حالة العيش بالآخر ومن خلاله. "كل قلوب الناس جنسيتي" قالها محمود درويش وكانها قالب لغوي لحالة نفسية مطابقة لهذا النزوع النفسي المعوض للتشرذم الزوجي المستديم بدوره. وفعلا. أصبح هذا النزوع الآخروي طريقة لتجديد المناعة في النفس قصد الحفاظ على قدر معقول من التوازن السيكولوجي/السوسيولوجي، تحت سقف الخلع والتشرذم المتفاقمين باستمرار. واستمرت تلك المناعة المعنونة في القدرة على التخلص من كل زوائد التملك التي تساهم في استعباد الذات والإذلال، طاقة متجددة للمقاومة. ولعل هذا الاستعداد الدائم للمقاومة ضد كل أشكال المهانة هو ما يسبق سلوكنا الطيب مع بعضنا، ليتحول ويتمظهر في ما يشبه الحساسية المفرطة لدينا حتى في مواجهة بعضنا، بكيفية تشبه التورط المنزلق في استعداء بعضنا نحن الاثنين. حالة نفسية عبر الكتابة تتحول إلى قطعة مصغرة من هيستيريا ينتفي معها الحب كمظهر وهو الأصل والفصل في كل ارتباطاتنا نحن الاثنين. غرابة هذا التناقض هي التي تفسر حاجتنا الملحة لهذا الدواء/الكتابة. والحال أنه دواء فرعي. بينما الدواء الأصل هو وجود كل واحد منا في حياة الثاني. لعل الدواء في الماء. ولعل هذه الكتابة هي ما يفسر جدوى البحث في تلابيب أنفسنا وكأننا ننشر نفسينا تحت أشعة الشمس لنسترجع حالتنا السيكولوجية الصحية. فكلما شربنا كأس ماء ارتوينا من عطش المودة. فهذه الرسائل مني إليك عربون آخر لحبي لك الذي أحلم ألا ينطفئ.
#حامد_مرساوي (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
قشرة البرتقال/ 14 شعاع الجسد
-
قشرة البرتقال/ 13 صور باللون الرمادي
-
قشرة البرتقال/ 12- كما في الحلم، في الحياة
-
قشرة البرتقال/ 10 شرنقة وعذابات
-
قشرة البرتقال/ 11 حالة حب في المشرحة
-
قشرة البرتقال/ 9 الإقبال على الحياة
-
قشرة البرتقال/ 5 تسميم الحلم
-
قشرة البرتقال/-4 -موت- كالذبح الخاطف
-
قشرة البرتقال/ 3 - -الخلوة- بسعاد
-
قشرة البرتقال/2-الخرجة- مع سعاد
-
قشرة البرتقال/ 1- السفر الحزين
المزيد.....
-
حرب ترامب التجارية: لاغارد تحذر من الانزلاق إلى صراع تجاري ش
...
-
-ارتكبوا جرائم من شأنها المساس بأمن الدولة-.. قرار قضائي جدي
...
-
مدفيديف يرفض دعوة وزير الخارجية البريطاني لـ-هدنة غير مشروطة
...
-
ترامب: تلقينا ردودا جيدة جدا من روسيا وأوكرانيا بشأن وقف إطل
...
-
ظاهرة نقص العمالة الماهرة في أوروبا.. كيف يمكن الاستجابة لهذ
...
-
الشيباني في العراق.. دعوة لفتح الحدود وتشكيل مجلس مشترك
-
-الحياة لا الحرب-.. رسالة نشطاء المناخ من على مدخنة لشركة تص
...
-
الإعلان الدستوري.. دستور مصغر للمراحل الانتقالية
-
مرشح للرئاسة في الغابون يطالب بمحاكمة -عادلة- لعائلة بونغو
-
مصطفى طلاس.. قصة وزير دفاع الأسد الذي أرعب السوريين
المزيد.....
-
سيرة القيد والقلم
/ نبهان خريشة
-
سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن
/ خطاب عمران الضامن
-
على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم
/ سعيد العليمى
-
الجاسوسية بنكهة مغربية
/ جدو جبريل
-
رواية سيدي قنصل بابل
/ نبيل نوري لگزار موحان
-
الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة
/ أيمن زهري
-
يوميات الحرب والحب والخوف
/ حسين علي الحمداني
-
ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية
/ جورج كتن
-
بصراحة.. لا غير..
/ وديع العبيدي
-
تروبادورالثورة الدائمة بشير السباعى - تشماويون وتروتسكيون
/ سعيد العليمى
المزيد.....
|