صائب خليل
الحوار المتمدن-العدد: 859 - 2004 / 6 / 9 - 04:32
المحور:
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
السيد غازي الياور, رئيس الجمهورية العراقية المحترم,
اهنئك باستلام منصبك الجديد وارجو لك وللعراق كل الموفقية.
لدي اقتراح, او ان شئت طلب, لربما ليس من المناسب ان يطرح في رسالة تهنئة, ولكن ارجو ان ان يتسع صدرك لذلك.
كما تعلم خيرا مني ان الجو العراقي مشحون بالقلق وعدم الثقة والترقب..قلق على الديمقراطية التي تشبه حلما بعيدا يخشى العراقي ان يصدق امكانية تحقيقه, خوفا على لومه نفسه مستقبلا واتهامها بالسذاجة, او يتهمه الاخرون بها.
لا اخفيك ايها الرئيس انك مشمول بهذه الهواجس وهذه الريبة فتأريخ الامريكان, وهم لاعبون رئيسيون ان لم يكونوا الرئيسيين في المعادلة, بل وحاضرهم ايضا, سواء بالنسبة للعراقيين او العرب او المسلمين او بقية البشر, يبرر كل القلق. والاجواء الغامضة التي قادت اخيرا وبشكل مفاجئ الى استلامك لمنصبك لاتوحي بالاطمئنان. رغم ذلك فان لك نقطة ايجابية كبرى وهي اختيارك باغلبية مطلقة من قبل مجلس الحكم السابق, الذي يضم العديد ممن يثق العراقيون به, وهو ما يعطينا بعض الامل.
والان...ارجو, بل اصلي, مثل ملايين العراقيين والملايين المتعاطفة معهم في العالم, ان تجري الامور على مايرام وتنجح في مهمتك الجليلة ويوضع دستور حديث وتجرى الانتخابات بسلام ونجاح وينتخب الشعب العراقي لاول مرة في التأريخ اول رئيس له واول حكومة, وتوضع بهذا نهاية لمأساتنا فكما تعلم, قتل منا في العقود القليلة الاخيرة حسب بعض التقديرات مليوني مواطن في حمامات دم وحروب لامعنى لها ودون ان يفهم احد لماذا بالضبط.
لقد قرأت اول مقابلة صحفية لك نشرتها المدى مؤخرا, وفيها قلت ما معناه انك قد ترشح نفسك لانتخابات الرئاسة الديمقراطية المنتظرة, وقد لا تفعل. وللصراحة فهو الجواب الدبلوماسي الوحيد الممكن حتى لمن يريد بشكل اكيد ترشيح نفسه, فمن حقك طبعا ان ترشح نفسك مثلما هو حقي انا مثلا, ولو كنت مكانك لقلت نفس الشئ فلايجب ان يبدو المرء طامعا في الرئاسة منذ الان, خاصة وان الطمع في المناصب هو ما تعوده العراقيون من ساستهم واشد ما يخشوه منهم.
ارجو ان لاتزعجك صراحتي, فبصراحة انا نفسي لست مطمئنا تماما من ان مثل هذه الصراحة ستبقى ممكنة بعد بضعة شهور.
لن اضيع المزيد من وقتك ولنتخيل ان كل الامور جرت على مايرام وان الانتخابات سارت بطريقها واستعد الشعب العراقي ليحتفل بأول تسليم واستلام ديمقراطي للسلطة في تأريخه. الاحتفال الاول العظيم بحق في تأريخ الشعب العراقي هذا سيشمل انجازين رائعين: الاول تمكن شعب العراق من وضع رئيس انتخبه بنفسه على رأس السلطة لاول مرة في تاريخه, والثاني تمكن هذا الشعب من ابعاد رئيس سابق عن السلطة بدون دماء وبشكل ديمقراطي. هذان الانجازان يمثلان النصفين المتكاملين لاكتمال سعادة العراقي وثبات ثقته بالمستقبل وبأن الحال قد تغير.
والان..لنتخيل انك قد رشحت نفسك, وانك فزت بالانتخابات ايضا! لا شك انها ستكون اكتمالا لسعادتك لانها تعني لك ليس الفوز بالرئاسة فقط بل وبثقة الجماهير بك ايضا.
لكن من ناحية اخرى فان سعادة العراقيين ستكون ناقصة وثقتهم ستكون ناقصة للاسف. سيشكك الكثيرون بل الكثيرون جدا بمصداقية الانتخابات...سيقولون هاهي "الديمقراطية" تكرر وجه الدكتاتورية, هل تصدقون ان رئيسا يمكن ان يترك كرسيه في العراق الا بالموت؟ انتخابات؟ زوروها يا اخي!
وحتى بالنسبة لمن يبعد نفسه عن نظرية المؤامرة ويعتقد ان الانتخابات جرت بشكل سليم فانه سيشك بانه لو ان نتيجة الانتخابات لم تقدم السلطة لاصحابها السابقين لالغيت تلك الانتخابات مثلما الغيت في العديد من البلدان او لانقلب اصحاب السلطة القديمة على الجدد المنتخبين.
ليست امنية العراقيين ان يروا اجراءات انتخابية بل ان قلقهم الاساسي المترسخ, وعن حق, في ان بامكان الشعب ان يغير حكامه. ان بأمكانك منذ اليوم ان تطمئن كل العراقيين انهم سيحققون هذا الحلم الذي كاد ان يصبح مستحيلا, بان تعلن بصراحة ووضوح انك لن ترشح نفسك للرئاسة الاولى ومهما كانت الظروف وحبذا لو فعل السيد اياد علاوي رئيس الوزراء مثل ذلك ايضا, او لو ثبت في الدستور ان لايسمح للرئيس ولرئيس الوزراء في الحكومة الانتقالية بالترشيح لاي من المنصبين في الحكومة المنتخبة الاولى, ولهما ذلك في الانتخابات التالية طبعا.
ربما خطر ببالك سؤال : وان لم يكن هناك من يستحق الرئاسة وقت اجراء الانتخابات؟ هل يجب ان اترك البلاد لمن لا يصلح لقيادتها لمجرد طمأنة الناس على سلامة الديمقراطية؟
ان تساءلت هكذا ايها الرئيس فقد خطوت الخطوة الاولى نحو الدكتاتورية! فكل دكتاتور يعتقد انه الاوحد القادر على قيادة البلاد, وان البلاد ستضيع بدونه. وهل نسينا تعابير "القائد الضرورة"؟ ان التصور المغرور للدكتاتور بأن البلاد ليست قادرة على انجاب مثله, تصور شديد الخطورة اتمنى ان يكون بعيدا عنك.
ربما تقول لي ايضا..لينتظر الشعب اذن حتى الانتخابات التالية او التي بعدها ليطمئن. هذا صحيح تماما ايها الرئيس, لكنك تستطيع توفير سنين القلق للعراقيين وتعجل لاطمئنان والثقة بالمستقبل فيهم. سنين حاسمة الاثر على مصير الشعب والديمقراطية الوليدة المهددة يحتاج فيها المواطن الى كل ثقة بالنفس ليتجاوز ما غرسته فيه سنين الرعب والاذلال من سلبية وضعف.
لو راجعت الامر قليلا ايها الرئيس لوجدت انك تستطيع هكذا وبقرار يعلن, تقديم اعظم هدية للشعب العراقي وتزيح بها الكثير من القلق والهم عنه وتضرب مثلا رائعا للقادمين. عندها لن تغضب من وقاحة صراحتي, بل ربما شكرتني!
فكر بالامر ايها الرئيس واعلن بشكل لايقبل الشك ولايسهل عليك التراجع عنه مستقبلا حتى ان اردت: انك لن ترشح نفسك للانتخابات الاولى القادمة...فالشعب العراقي باشد الحاجة الى هديتك تلك, ويستحقها ايضا!
#صائب_خليل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟