ماجد لفته العبيدي
الحوار المتمدن-العدد: 858 - 2004 / 6 / 8 - 07:04
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
يشغل التيار الاسلامي السياسي وطبيعة خطابه السياسي عدد غير قليل من الكتاب والباحثين المهتمين به بسبب تعاظم نفوذ الحركات السياسية الاسلامية منذ مطلع الثمانينات في العديد من البلدان العربية
والاسلامية, ولدراسة طبيعة هذا التيار الفكرية والسياسيةوتاثيرات خطابه السياسي في المجتمع العراقي
يتطلب منا دراسة الظاهرة الدينية اولا ومعرفة مديات تاثيرها في الوعي الاجتماعي الذي تشكل حيزكبير
منه, فهذه الظاهرة الاجتماعية تلازم جميع مراحل التطور الاجتماعي عبرالتشكيلات الاجتماعية الاقتصاديةالمختلفة وتكيفة وتاقلمت معها لتداخلها مع السلوك والعادات والتقاليد والموروث الاخلاقي
للمجتمع ورغم الصعوبة والتعقيد الذي لازم التطور الانساني الاجتماعي والطبيعي ( الكوني) , ظلت هذه
الظاهرة حية وتملك الديمومة والاستمرارية في ظل تطور القوى المنتجة وتنوع علاقات الانتاج
واختلاف اساليب الانتاج وما ينتج عن ذلك في تطورمستوى الوعي الاجتماعي وتركيبتة البنيوية العامة.
وتعتمد استمرارية هذه الظاهرة على عاملين اساسين :
اولا: التطور الموضوعي الذي يعكس الصراع المتواصل بين الانسان والطبيعة منذ الازل, ورغم
المنجزات الهائلة التي انتجها تطور العلوم الطبيعة لازالت هناك العديدمن الاشكالات التي
تقلق البشريةوتدك مضجعها عبر الاهوال والكوارث الطبيعة والاجتماعية والانسانية العصية
الحل والتي يعاني منها العالم برمته .
ثانيا: الذات البشرية (الانسان) فهي جزء من تركيبته النفسية والاجتماعيةوتحاكي الشعور ولا
شعورفيه عبر الموروث التاريخي المتمظهر في اساليب واشكال وطرائق السلوك الاجتماعي
الذي ينعكس على تنظيم العلاقات الاجتماعية في المجتمع.
ومن هنا نستنتج ان تتداخل هذه الظاهرة مع التطور الاجتماعي لايمكن ان يضعها خارج المعترك السياسي العام الذي يؤطر الحياة الاجتماعيةويرجع تاريخ ظهور الاسلام السياسي كظاهرة حديثة على
صعيد الخطاب الديني الاسلامي الى زمن الخليفة (عثمان بن عفان) (ر.ض) , وتمحور الخلاف الديني
السياسي المركب حول اربعة قضايا اساسية على صعيد الخطاب الديني وهي:
1- الامامة 2_ العبادة 3_ المعاملة(طبيعة الحكم) 4_ التفسير الفقهي للقران الكريم .
والتي ادة فيمابعد مجتمعة الى نشوب الخلافات والاختلافات وظهور الفرق والشعب والمذاهب الدينية في
الاسلام وتعاظم نشاطات الحركات الاجتماعية السياسية الدينية مثل( الخوارج , وثورةالحسين , والقرامطة, والبرامكة....ألخ) , والتي كانت تعبر عن حراك اجتماعي سياسي ديني مناهض للخطاب الديني السياسي الحاكم.
لقد حاولت عبر هذا التقديم اعطاء فكرة موجزة حول طبيعة الموروث الديني السياسي للنطلق منها لدراسة الخطاب السياسي الاسلامي الراهن الذي يرى في هذا الموروث منطلقه السياسي والفكري بمختلف تنوعاته السياسية والحزبية وتشكل السلطة السياسية الهدف الاساس تحت عناوين ومسميات
مختلفة ( ولاية الفقه , امارة المسلمين , خلافة المسلمين) ويمثل شكل الحكم لهذه السلطة السياسية
الشورىوهي قضية خلافية ايضا في داخل الاحزاب السياسية الاسلامية حيث ذكر هذا النظام في القران
الكريم ولم تذكر الية تطبيقه , واعتماد على ماذكر ترى قوى الاسلام السياسي ان الحكم واجب وتكليف
يستمد قوته من الكتاب والسنة وللوصول اليه يمكن استخدام كل الوسائل المشروعة وغير المشروعة
السلمية والعنفية على حد سواء , وعبر ذلك يجري الخلط بين ماهو (ديني تعبدي) (وديني سياسي)
لان الخطاب السياسي الاسلامي هو خطاب سياسي لايختلف في مكوناته عن الخطاب السياسي الاخر
للقوى والاحزاب السياسية ولكن هذه القوى تحاول تغليف خطابه بالقدسية عبر الاستدلال بالموروث
الديني المقدس. (1)
ان الاستخدام البراغماتي للخطاب الديني من قبل السياسي الاسلامي يعبر في مضمونه عن مصالح طبقية للطبقات وفئات اجتماعية تجد نفسها خارج اطار المشاركة في السلطة السياسية في الدولة
القومية الحديثة ومن هنا يشكل الهجوم على الدولة الحديثة والدعوة للتفكيكها واعادة تشكيلها واحدمن
القضايا الرئيسية التي يتناولها الخطاب السياسي الاسلامي وعبر هذه البوابة الواسعة تطرح اشكالات
الخطاب القومي السياسي واخفاقاته وازمته في التطور المشوه للراسمالية الطفيلية التي يتعمق تشوهها
اكثر فاكثر في ظل العولمة الامبريالية الوحشية...!
اماالقضية الاخرى فهي التعرض للخطاب اليساري وازمته واشكالية العلاقة بين النظرية والتطبيق ومدلولاتها في انتكاسة الاشتراكية الواقعية, واغتراب الخطاب اليساري وعلاقة الماركسية بالدين.
يضاف الى ذلك مايلقيه الصراع العربي_الاسرائيلي منظل قاتم على الصعيد السياسي , حيث سياسية
الارهاب والعدوان الصهيوني المتواصل على الشعب العربي الفلسطيني, في ظل سياسية القطب الواحد
المعولم الامبريالي المتوحش الذي يكيل بمكيالين للصالح الاسرائيل وسياسيتها الصهيونية.
ويحاول الخطاب الاسلامي السياسي عبركل هذا اعتماد خطاب يتراوح بين الاستعارة والاسلمة للمفاهيم
السياسية الحديثة مثل( الديمقراطية, حقوق الانسان , سيادة القانون ,الفيدرالية....الخ)ورغم ان هذا
يمثل جانب ايجابي وشكل متقدم للخطاب السياسي الاسلامي الا انه يصتطدم في الموروث الفقهي لهذه
العناوين ليكون خلفية فكرية ورافعة للخطاب السياسي الاسلامي حول تلكم المسائل والقضايا , فكما اشرنا ان( حكم الشورى) لاتوجد له الية للحكم ويعهد الى اهل الخبرة للتحديد ماهيته وفي هذه الحالة
الخضوع للتجربية والاجتهاد الذي يفتح الباب على مصراعيه في التحكم بهذه العملية في ظل عدم وجود
برامج للاغلبية الاحزاب والحركات الاسلامية السياسية . (2)
وحتى ان وجدت لقسم جداضئيل منها فانها تعاني من المحدودية والقصور في تناول تلك القضايا التي
اشرنا لها ولهذا لتعرف على الموقف من هذه القضايا علينا متابعة الحركية السياسية اليومية لهذه القوىوالموقف منها في ظل الظروف المكانية والزمانية ووفق طبيعة الصراع السياسي القائم.
ماهية الاحزاب الحركات التي يتالف منها التيار الاسلامي السياسي العراقي ...
لقد تنامى دور التيار الاسلامي منذ مطلع الثمانينات بفعل الحرب العراقية- الايرانية التي استفزت مشاعر المسلمين العراقين وخصوص الطائفة الشيعية وتعاضم السخط الشعبي ضدها في ظل غياب
القوى الوطنية والديمقراطية بفعل سياسة الدكتاتورية الارهابية المعادية للديمقراطية والتقدم الاجتماعي
والعدالة الاجتماعية مماخلق مناخ مناسب للانتشار الفكر الديني السياسي الذي يحتك به المواطن العادي
عبرالمؤسسات الدينيةالتي شكلت المتنفس الوحيدمثل( الجامع , والمكتبه الدنية , الموسسات الخيرية,
الشعائر الدينية المختلفة...الخ (3)
وهذا لايعني ان هذه القوى لم يلحق بها الحيف والضرر بل وجدت في ذلك سياج تحتمي به وتنطلق منه
للممارسة انشطتها ومن خلاله تسهل حركتهاوتعتبر هذه الوسائل سبل اتصال واحتكاك يوم مع الجماهير
الغير مسيسة .
وينقسم هذا التيار ثلاثة اتجاهات متباينة ومتداخلة في جوانب عديدة وهي كالاتي:
1_ الاتجاه التقليدي(المحافظ) على صعيد الخطاب السياسي الديني, المجلس الاسلامي الاعلى وحزب
الدعوة الاسلامية , والحزب الاسلامي العراقي , والاتحاد الاسلامي الكوردستاني.
2_ الاتجاه التجديدي للخطاب السياسي االاسلامي ويتمثل في منظمة العمل الاسلامي , حزب الدعوة
تنظيم العراق, والوفاق الاسلامي الديمقراطي .
3_القوى الاسلامية السلفية والاصولية( الراديكالية ) وتشمل على الحركة الوهابية , انصار الاسلام
الحركة الاسلامية, جماعة الصدرين , جيش المهدي, المقاومة الاسلامية.(4)
تاثيرات قوى الاسلام السياسي على التوجه الديمقراطي المستقبلي...!
ان الكثير من الاحزاب السياسية الاسلامية ترى في الديمقراطية لعبة سياسية تصل عبرها الىسدة
الحكم السياسي ومن ثم يجري تطبيق الشريعة الاسلامية عبرحكم الشورى وترى في ذلك الحل الواقعي
وتحاكي في غالبيتها ثلاثة تجارب لازالت قيد الدراسة والبحث( تجربةايران , وتجرب السودان , وتجربة
جبهة الانقاذالجزائريةالانتخابية) (5)
ويتعامل الخطاب السياسي الاسلامي مع العملية الديمقراطية باعتبارها الية عمل سياسي وليس منظمومةسياسية اجتماعية اقتصادية , وترىفيها من منظورها الفقهي السياسي الاسلامي ( اخف الضررين, والمصلحة الراجحة)وهناك تطور جديد على هذا الصعيد يحدد شكل الحكم الديمقراطي دستوري برلماني انتخابي تعددي تداولي حر لامركزي وغير مؤدلج , يعتمد تحكيم ارادة غالبية الشعب.(6)
ولكن المخاوف في هذا الجانب تنجم عن تحديد هذه العملية السياسية فقط في اطار الدائرة السياسية
الاسلاميةوترىفي التعديدية على انهاالاجتهاد الفقهي في الدائرة الاسلامية السياسية الواحدة ,و جعل
السلطة السياسية منظم للصراعات السياسية الاسلامية ورقيب عليها , تبادل الادوار بين المعارضة
السياسية الاسلامية والسلطة السياسية الاسلامية عبر تغير السلطة التنفذية والتشريعة في حدود
الدائرة الاسلامية السياسية الضيقة واعتبارذلك الديمقراطية ( الحقيقية) وفق الشريعة والفقه السياسي
الاسلامي في الوقت الذي يجري فيه الاستبعاد الكامل للقوى السياسية الاخرى.
وترى بعض منها في الديمقراطية مصدر من مصادر التهديد في حالة استلام السلطة السياسية من قبل
احزاب( علمانية) اي احزاب وطنية وديمقراطية.
يقول العلامة محمد مهدي الاصفي في جريدة الجهاد( قدنتعامل مع الحالة الديمقراطية بمرونة , اما ان تقبل الحالة الديمقراطية كأصل ومفهومومذهب سياسي في الاسلام فان ذلك غير جائز ) ويذهب الاستاذ
ابراهيم الجعفري ابعد من ذلك حول الديمقراطية ( ان يتوفر على رؤيةسياسية لطبيعة الحكم في العراق
تقوم على اساس العمل من اجل اقامة حكم دستوري تعددي يراعي خصوصيات الشعب العراقي بكل
تنوعاته القومية والمذهبية والسياسية على ان يتم تداول السلطة بشكل انتخابي حر ونزيه يكبح جماح
الدكتاتوريةولايسمح بتكرارها بأي اسم كان).(7)
ان غالبية قوى الاسلام السياسي تعاني من التباسات في مفهوم الفيدرالية , كمنطلق من منطلقات الديمقراطية السياسية الاجتماعية , فالبعض يحاول تغليفها باأسلمة وتصبح القضية اصلا غير ضرورية
في ظل الوحدة الاسلامية( الحديث الشريف للرسول(ًص) لافرق بين عربي واعجمي الابالتقوى)ويذهب
البعض الاخر الى الحديث عن الفيدرالية الجغرافية محاولة لاضفاء الطابع الديمغرافي للحل متناسيا البعض منها ان تعطيل الحياة السياسية وعرقلة التطور السلمي للبلادنا جزء غير قليل منه يتعلق بعدم
حل القضايا القومية حلا ديمقراطي سلمي.
ان الدراسة برمتها تضعنا امام استنتاجات هامة في طليعتها القضايا التالية:
اولا: ان تعقد اللوحة السياسيةفي ظل الاحتلال والاختلال الامني الذي تلعب فيه قوى النظام البائد دورا
لايستهان به المتحالفة مع بعض قوى الاسلام السياسي الاصولي والسلفي , تتطلب منا الحذر واليقضة
على الصعيد الامني ورسم سياسيةقادرة الى خلق اصطفافات جدية تساهم في تحريك الاغلبية الصامتة
من الجماهير الشعبية, من خلال التفاف القوى الديمقراطية والوطنية حول برنامج ديمقراطي وطني
يتطلب من اليسار والشيوعين خصوصا السعي الجاد لتحقيقه عبر فتح باب الحوار من خلال الموسسات
الاعلامية للحزب الشيوعي وكافة القوى الديمقراطية والوطنية.
ثانيا: ان الخطاب السياسي الاسلامي الراهن يملك كل معاير الخطاب السياسي العام المتمثلة في الدعاية
والتحريض الحزبي الصارخ للبرامج والافكار والمفاهيم عبر مختلف الوسائل والطرق للاستلام السلطة
السياسية والقفز عليها بشتى الوسائل العنفية والسلمية,لذا يتطلب منا الملاحقة السياسية اليومية للاحداث على صعيد الساحة السياسية وطبيعة معالجة الخطاب السياسي الاسلامي لها, وطبيعة التحالفات
المتوقعة مستقبل في داخل هذا التيار وما تأثيرها على موازين القوى الطبيقية المركب الدائر في الساحة
السياسية الداخلية والصراع مع قوى الاحتلال الغاشم .
ثالثا: ان خطاب قسم ليس بقليل من التيار الاسلامي السياسي يتركز على الهدم السياسي دون وجود برنامج للبناء لذا يتطلب من القوى الديمقراطية توضيح هذه الحقيقة للجماهير للمعرفة الارضية التي
تقف عليها, لان استلام السلطة دون برنامج واضح من قبل هذه القوى يدخلنا ثانية في نفق الدكتاتوري
حتى وان توشحت بالوشاح الاخضر المقدس.
كريم كرمياني
السويد اواسط ايار 2004
الهوامش:
(1) – ( والذين استجابوا لربهم واقامواالصلاة وامرهم شورىبينهم مما رزقناهم ينفقون) (38) سورة
الشورى.
(2) _ توجد وثيقة برنامجية للحزب الدعوة الاسلاميةصدرت عام 1992ويوجد ايضا للاتحاد الاسلامي
الكوردستاني .
(3)_قامت الدكتاتورية في حملة ايماينة مزعومة ساهمت في انشار الوهابية في وسط الشباب الجامعي
في حينها.
(4)_ وتشمل هذه الاتجاهات على مجموعة اخرى من الاحزاب والحركات السياسية الاسلامية مثل( ثارالله , الطليعة, حماس , حزب الله, جيش محمد, حزب الفضيلة , الوفاق الاسلامي , الوفاق الاسلامي
التركماني , الفضلاء) تتراوح مواقف هذه الاحزاب صعودا ونزولا وفق تأثيرات مواقف القوى الرئسية
في الاتجاهات الثلاث.
(5)_ ان التجربة الايرانية تعني تطبيق بعض عناصر اليمقراطية في الدائرة الاسلامية, والتجربة السودانية هي حكم العسكر الفردي باسناد( الجبهة الاسلاميةبزعامة الترابي) التي انقسمت في ظل خضم
الصراع بين الترابي والعكسر الى حزبين سياسين اسلامين, جبهة الانقاذ الجزائرية فلم تكتمل المرحلة
الثانية الانتخابات حتى توعد علي بلحاج القيادي في جبهة الانقاذ في خطبة في جامع باديس في حي القبة الجزائري (الحداثين العلمانين ) في الويل والثبور وفظائع الامور ( ضد الكفر والالحاد) كما ادعى
مما اثار حفيظة حكومة جبهة التحرير وجيشها الذي اجهض العملية برمتها ودخلت الجزائر في نفق
الحربالاهلية وعدم الاستقرار ففقد الاسلامين السياسين حريتهم وحرية الشعب وتطوره السلمي .
(6)_ من تصورات منتدى هامبورغ في المانيا تحت عنوان( المتندى الاسلامي الديمقراطي ) تشرين الثاني 2002 .
(7)_ د. ابراهيم الجعفري جريدة صوت العراق العدد 266سنة 2002 ص 9¬الى 10
#ماجد_لفته_العبيدي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟