|
أكثرُ مِن مجرّد هِلال شيعي
نضال نعيسة
كاتب وإعلامي سوري ومقدم برامج سابق خارج سوريا(سوريا ممنوع من العمل)..
(Nedal Naisseh)
الحوار المتمدن-العدد: 2825 - 2009 / 11 / 10 - 23:49
المحور:
اخر الاخبار, المقالات والبيانات
لا شك، بأن العاهل الأردني عبد الله الثاني، كان متحفظاً جداً، أو بالأحرى، دبلوماسياً جداً، حين تكلم عما أطلق عليه، في حينه، اكتمال هلال شيعي في سماء المنطقة، إذ يبدو أن هذا الهلال الشيعي بدأ يسطع ويظهر في أقصى جنوب الإقليم، وفي منطقة مغايرة تماماُ لتلك التي أشار لها ، فهو يلوح، هذه المرة، في سماء الجزيرة العربية التي بدت، تاريخياً، وعلى الدوام، فضاءً سياسياً غير شيعي، على الأقل.
فواقع الحال، اليوم، وتطوراته الدراماتيكية المثيرة اللاحقة، التي ألهبتها، أيضاً، تصريحات "متكي"، الأحدث في هذه الظهيرة، تنبئ بأن ثمة نفوذاً إيرانياً متصاعداً في سماء المنطقة، لم يعد هلالاً، أبداً، وهو أبعد من ذلك، حتماً، مقابل انكفاء وتراجع لأي نفوذ أو تأثير عربي، ومرد ذلك، ليس لقوة إيرانية خارقة أو هائلة، كما يحاول البعض التصوير أو الإيحاء، بل إلى ضعف وعجز عربيين واضحين، وعدم تمكن من امتلاك أي من أسباب القوة، جنباً إلى جنب، مع افتقار ملموس في تبني خيارات إقليمية جماعية واعية تمنع العبث بأمن الإقليم، إذ ظلت سياسة المحاور، والتجاذبات، والتشرذمات، والتحالفات، والاستقطابات، والاصطفافات الدولية، هي أهم ما ميز ويطبع السياسات العربية الرئيسية الفاعلة لعقود خلت. وبالتوازي، ظلت سياسة ترك الفجوات التنموية، والنهضوية، والإصلاحية التحديثية، والأزمات المجتمعية والبنيوية الأخرى، التي تشكل، هي الأخرى، عوامل انفجارات، متروكة من دون معالجة، ومفتوحة، أيضاً على مصراعيها، ومن غير مبالاة، وعرضة للعبث بها، واستغلالها، واللعب على أوتارها، من قبل غير لاعب إقليمي ودولي .
وقد تبدو نظرية ملء الفراغ، وسد الفجوة الإستراتيجية المزمنة الكبرى في سماء الإقليم، والضياع والتشتت الطويل الذي تعيشه المنطقة، واحدة من الفرضيات التي تفسر هذا "السطوع" (الذي لم يعد مجرد هلال كما قلنا)، والاندفاع الإيراني الكبير، والذي هو، بإحدى منظوراته، وقراءاته المختلفة، تعبير عن حيوية حضارية إيرانية، مقابل كسل أو تكاسل وتبالد وحالة عطالة تاريخية ودائمة باتت هي السمة الأبرز بالنسبة لمعظم الشعوب والحكومات الناطقة بالعربية في هذه المنطقة. ومن هنا لا يمكن فهم سبب لوم إيران، وحسب، وتقريعها، وتحميلها مسؤولية وعواقب هذا الانهيار البنيوي العربي الشامل، واللا فاعلية الظاهرة، وعلى مختلف الأصعدة.
في بداية تسعينات القرن الماضي، وفي أجواء فورة احتلال الكويت والعدوان الغادر عليها من قبل صدام حسين، وتحديداً في العام 1991، تمت الدعوة لولادة منظومة أمنية إقليمية تجلت بإعلان دمشق، كتكتل سياسي في المنطقة في محاولة لسد بعض من ذاك الفراغ الاستراتيجي المفقود، تعيد التوازن، كما الثقة، للوضع العربي الذي هزه بعنف الغزو القومي "الصدّامي" ضد الكويت، وترمم ما يمكن ترميمه مما أصاب الجسد العربي جراء ذلك. وقد ضم الإعلان في حينه كلاً من منظومة الخليج الفارسي، المعروفة بمجلس التعاون الخليجي، إلى جانب سوريا ومصر باعتبارهما العمود الفقري للمنطقة، والقوى الإقليمية الوحيدة، المؤهلة عسكرياً، وسياسياً، واستراتيجياً للحلول محل أية قوى إقليمية، أو دولية أخرى، ويمكنها أن تشكل بدائل إقليمية مقبولة وشرعية، في نفس الوقت، عن أية قوى أخرى. لكن ما إن زالت غمامة العدوان، وبدأت المنطقة تتعافى بعض الشيء، عسكرياً، على الأقل، من تبعات الزلزال القومي المخيف، وتستفيق من هول تلك المغامرة المجنونة، حتى بدأت، وبصمت وبمشاعر ملؤها الفرح والسرور، مراسم دفن الإعلان، رسمياً، بنفس تلك الأيدي التي دعت لاستيلاده، وتم التنكر والتنصل من كافة بنوده، والتهرب من التزاماته، ومسؤولياته، ومن يومه، وهو في ذمة الله والتاريخ، ولم يعد له أي وجود يذكر. والسؤال هنا، ما العمل في ظل الغياب، أو لنقل "التغييب"، والشلل المتعمد، والتوجس واللا فاعلية لتلك المنظومات الأمنية والإستراتيجية والعسكرية والتي من الممكن أن تشكل الحد الأدنى المقبول لإقامة تكتل وأمن إقليمي عربي منشود، تحجب شبهة وجود هلال هنا أو هناك، لا بل في ظل عدم توفر نوايا طيبة وجادة، لدى أكثر من طرف عربي فاعل لتفعيل ذاك الأمر، وهذا ليس بحال تبرير لسطوع أية "أقمار"، ومهما كانت هويتها في سماء المنطقة، بقدر ما هو مشروع محاولة لإلقاء ضوء على زاوية من واقع عربي مرير، لم يعد يسر لا عدو ولا صديق، وبات عبئاً استراتيجياً على الجميع نستشعره في هذه النيران التي تشتعل بين الفينة والأخرى هنا، وهناك.
وما دام الشيء بالشيء يذكر، وما دام أنها "سيرة و انفتحت"، ففي الحقيقة هناك، ليس أهـِلة، وحسب، بل ربما أقمار أخرى كثيرة تحوم في سماء المنطقة، قد لا يظهر "الهلال" الشيعي، المزعوم، أمامها، ومقارنة، إلا كـ"عرجون قديم"، (والعرجون القديم هو جذع الشجرة اليابس، الخالي من الماء والحياة)، وقد لا تتيسر رؤيته، طبعاً، إلا لمن كان على رأسه "بطحة"، وحساسية إيرانية زائدة عن الحد المسموح به أمريكياً وليس طبياً، وهي لا تكاد تذكر وسط أقمار أخرى ساطعة في سماء المنطقة ليس أولها القمر الإسرائيلي، أو حتى ربيبه "القمر" الأمريكي المقيم، (والساطع أبداً في سماء الإقليم والذي، في الحقيقة، لا يفطر سياسياً ولا يقوم بعض العرب بأية طقوس وشعائر سياسية إلا بعد التأكد من رؤيتهم له، "ورؤيته لهم"، وتبركهم به)، كما بالنسبة لتوابعه من الأجرام الصغرى الأخرى الدائرة والسائرة والساطعة في سماء المنطقة، كالفرنسي، والبريطاني، والروسي، والصيني الداخل مؤخراً، وبقوة، على "المجرة السياسية الكونية" برمتها، وليست المحلية، وحسب.
التطورات الأخيرة في صعدة، وما قيل عن"توغل" حوثي داخل أراضي المملكة السعودية ، والرد العسكري السعودي الشامل عليه، يحمل برأينا، بعداً خطيراً جداً، عن إمكانية انفلات تلك النيران المستعرة ها هنا، واندلاعها لتشمل مناطق أخرى، ناهيك عن "تلك التي تعتمل تحت الرماد"، ولشتى الأسباب، وبما يشير، بشكل مطلق، بأن القضية، بالتأكيد، هي سطوع مبهر لحقائق سياسية ومنطقيات تاريخية تبهر الأنظار أكثر من وجود أي هلال، وتتحدث حراكات حتمية، وبروز وسقوط وترهل وتآكل قوى وأفول وغياب وظهور أقمار...إلخ ، حقائق ما فتئت تعلن عن نفسها وتترسخ من جديد، وهي، بالمطلق، أبعد من مجرد كونها، محض تدخل إيراني، أو أن تختزل إلى مجرد "رؤية" لهلال شيعي، في ليل عربي دامس حالك طويل.
#نضال_نعيسة (هاشتاغ)
Nedal_Naisseh#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
خفايا نضال مالك حسن الأصولية
-
معارِكُهم الحضارية
-
تهديد جديد بالقتل والمطالبة بإعدام نضال نعيسة من قبل جماعة ا
...
-
السعودية بين فكي الحوثيين والقاعدة
-
نضال مالك حسن بطل أم قاتل؟
-
الشيعة قادمون
-
العنصرية في خطاب المعارضة السورية
-
هلِ الوحدةُ العربيّةُ ضرورية؟؟
-
سوريا: انفتاح بلا حدود
-
سايكس- بيكو أمانة في أعناقكم!!!
-
العثور على أكبر مقبرة عقلية جماعية في العالم: دعوى عاجلة على
...
-
لا للشراكة الأوروبية
-
لا تعتذر يا تركي السديري
-
Never Trust Them لا تثقوا بهم أبداً
-
سوريا وتركيا وبدو العرب
-
نعم ليهودية إسرائيل
-
ثقافة الأولمبياد
-
هل المساجد لله؟
-
أوباما وفضيحة نوبل
-
مأساة معسكر أشرف: ومسؤولية حكومة المالكي
المزيد.....
-
السودان يكشف عن شرطين أساسيين لبدء عملية التصالح مع الإمارات
...
-
علماء: الكوكب TRAPPIST-1b يشبه تيتان أكثر من عطارد
-
ماذا سيحصل للأرض إذا تغير شكل نواتها؟
-
مصادر مثالية للبروتين النباتي
-
هل تحميك مهنتك من ألزهايمر؟.. دراسة تفند دور بعض المهن في ذل
...
-
الولايات المتحدة لا تفهم كيف سرقت كييف صواريخ جافلين
-
سوريا وغاز قطر
-
الولايات المتحدة.. المجمع الانتخابي يمنح ترامب 312 صوتا والع
...
-
مسؤول أمريكي: مئات القتلى والجرحى من الجنود الكوريين شمال رو
...
-
مجلس الأمن يصدر بيانا بالإجماع بشأن سوريا
المزيد.....
-
فيما السلطة مستمرة بإصدار مراسيم عفو وهمية للتخلص من قضية ال
...
/ المجلس الوطني للحقيقة والعدالة والمصالحة في سورية
-
الخيار الوطني الديمقراطي .... طبيعته التاريخية وحدوده النظري
...
/ صالح ياسر
-
نشرة اخبارية العدد 27
/ الحزب الشيوعي العراقي
-
مبروك عاشور نصر الورفلي : آملين من السلطات الليبية أن تكون ح
...
/ أحمد سليمان
-
السلطات الليبيه تمارس ارهاب الدوله على مواطنيها / بصدد قضية
...
/ أحمد سليمان
-
صرحت مسؤولة القسم الأوربي في ائتلاف السلم والحرية فيوليتا زل
...
/ أحمد سليمان
-
الدولة العربية لا تتغير..ضحايا العنف ..مناشدة اقليم كوردستان
...
/ مركز الآن للثقافة والإعلام
-
المصير المشترك .. لبنان... معارضاً.. عودة التحالف الفرنسي ال
...
/ مركز الآن للثقافة والإعلام
-
نحو الوضوح....انسحاب الجيش السوري.. زائر غير منتظر ..دعاة ال
...
/ مركز الآن للثقافة والإعلام
-
جمعية تارودانت الإجتماعية و الثقافية: محنة تماسينت الصامدة م
...
/ امال الحسين
المزيد.....
|