أبيّ حسن
الحوار المتمدن-العدد: 2824 - 2009 / 11 / 9 - 08:38
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
ونحن أحفاد ابن تيمية.. ولا فخر
إلى "العارفين بالله" المفكر زهير سالم ومن حذا حذوه
من بعد عودتي من سفر خارج البلاد, قرأت مقالاً كان قد وصلني عبر البريد الالكتروني من الكاتب نضال نعيسة. والمقال المعنون بـ"أحفاد ابن تيمية.. ولا فخر- حين يعيرنا مقصوص الجناح بابن تيمية", بقلم المفكر الإسلامي زهير سالم نائب المراقب العام للإخوان المسلمين السوريين ومنظّر حركتهم راهناً, سبق أن نشره على موقع "مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والإستراتيجية" بتاريخ 9/10/2009.
بداية لا أعتقد أن إرث الشيخ ابن تيمية رحمه الله ملك خاص بالأستاذ زهير سالم ومن حذا حذوه, بل هو ملك الإنسانية جمعاء, ومن حق الجميع إبداء رأيهم فيه سلباً أو إيجاباً, كحقنا في إبداء رأينا في ما انطوى عليه مقال الأستاذ سالم. بهذا المعنى (التراثي- الإنساني) أجد نفسي حفيداً كذلك لابن تيمية ولا فخر.
"أي شرف وأي عظمة ننالها ونحن نلتصق بمنهج ابن تيمية رحمه الله تعالى في الفقه والفكر وفي الجهاد والتضحية وفي الصبر والثبات وفي الدعوة إلى النظر وحرب التقليد والمقلدين". هذا بعض ما جاء في مرافعة الأستاذ زهير سالم الذي نحتار حقاً من أين نبدأ التعليق عليها! أنبدأ بتساؤلنا عن التقليد المزعوم الذي حاربه ابن تيمية وهو الذي من خلال تشدده وتطرفه كفّر كل من كان يخالفه الرأي قبل المعتقد؟ أم نبدأ من حصيلة "فكره" المتمثل عملياً في مجموع فتاويه التي تقتدي بها معظم شعوب شبه الجزيرة العربية(راهناً) وسواها من بلدان هي الأكثر تخلفاً في عالم الأمس واليوم؛ وقد كانت "الثمرة" الأمثل والأنضج لتلك الفتاوى متمثلة بأسامة بن لادن وتنظيمه الإرهابي المُسمى بالقاعدة؟. عن أي فكر وجهاد يتحدث زهير سالم مع حفظ الألقاب, طبعاً؟ هل عن تلك الأرواح التي زُهقت –وما تزال- جرّاء تطرف شخص وتشدده باسم الدين؟ هل عن فكره القائم على الإلغاء والحكم بالإعدام على كل من لا يوافقه الرأي والمعتقد, بمن فيهم أهل السنّة؟, وما زلت أستغرب أي تقليد حاربه ابن تيمية وهو شيخ المقلدين, لا بل هو مؤسس التقليد, كي لا أقول التقليد الأعمى؟!.
نقدّر خير تقدير محنة ابن تيمية مع حكّام عصره, لكن لم يكن ذات يوم التشبث بالرأي دليلاً على صحته وصحة وجهة نظر حامله. وإذا ما كان مثل ذلك العناد والتشبث بالرأي هو المبدئية من وجهة نظر منظّر جماعة الإخوان المسلمين, فلا ندري حينها ما هو الفرق بين الاستبداد الذي يعيش في ظله أهل الضاد وبين استبداد شيخ الإسلام –ابن تيمية- بآرائه من خلال اعتقاده وتوهمه بصحتها وفرضها كحقائق مطلقة! وحبذا لو أفادنا الأستاذ سالم متى كان التشبث بالرأي, حتى لو مات صاحبه في سبيله, فضيلة؟.
وها نحن نجني الآن –سبحان من لا يحمد على مكروه سواه- الثمار المُرة لمثل ذلك التشبث بالرأي والعناد في الموقف والغلو في الفتاوى/البلاوى, فها هي منطقتنا ابتداء من السعودية مروراً بالصومال وصولاً إلى باكستان وليس انتهاء بأفغانستان(وهل ننسى مصر أم الدنيا؟) "تنعم" بحياة اجتماعية واقتصادية وسياسية "يحسدها" عليها الغرب "الكافر" الذي وفّر للأستاذ زهير سالم, وللكثيرين من أمثاله, ملاذاً آمناً وحياة كريمة لم توفرها لهم أي من تلك البلدان التي تنهج نهج ابن تيمية!, ومما تشكو السعودية –واحة الديمقراطية العربية- كي لا يعيش فيها الأستاذ سالم؟ أليس ذلك البلد الذي ما تزال فيه المرأة عورة ينهج (ويُصدرُ) نهج الشيخ ابن تيمية؟.. عجباً كيف لا يقبل الفاضل زهير سالم لنفسه العيش في أي من هاتيك البلدان التي نعني, في الوقت الذي يريد لسواه أن يعيش في ظل ذلك البؤس الفكري والإرهاب الاجتماعي والسياسي المقيت!.
من جملة ما يقول زهير سالم: "ولن يضيرنا من بعده –أي ابن تيمية-, أن يتردد في بعض فقهه الأجر والأجرين..." في إشارة إلى أنه إذا ما اخطأ –ابن تيمية- في فتواه فله أجر, أما إذا ما أصاب فله أجران؛ بهذا المعنى الفقهي التبريري لارتكاب الجرائم نستشف –واستناداً إلى مبدأ القياس- بأن ابن لادن يجتهد في حروبه الإرهابية, لكنه يخطئ فيها لذلك فله أجر واحد فقط! وكذلك الجرائم التي تمت عبر تاريخنا الإسلامي كانت تقوم على اجتهاد خاطئ, بما فيها قطع رأس الحسين بن علي وقتل الأخ لأخيه طمعاً في وراثة عرش الخلافة, لذا فليس لـ"مجتهدها" سوى أجر واحد!.
بالرغم مما سبق ذكره, نوافق الأستاذ سالم عندما اقتدى بابن تيمية في عدم وجود العصمة لأحد عدا السيد الرسول(شخصياً لانؤمن بعصمة أي بشري على الإطلاق), لكني أستغرب أن يمنعه "انفتاحه" وادعاءه التجديد في الإسلام وفهمه, أن يستثني جعفر الصادق من قائمة أئمة ومشايخ يفتخر بالانتماء إليهم, وكأن مجرد ذكره أمر يعيبه!, ومعروف أن الصادق أستاذ أبو حنيفة النعمان!, ولو كان ذكره من ضمن من ذكر من مشايخ وأئمة لكان على الأقل أقنعنا في مزاعم الانفتاح(الفكري, مثلاً) الذي يدّعيه!. وللأمانة ليس زهير سالم وحده, من بين حملة الفكر الديني, لديه مثل هذه الحساسية غير المبررة في الانفتاح الفكري على الآخر المغاير, فغالبية رجال الكهنوت الإسلامي(بمختلف مللهم ونحلهم ومذاهبهم) يعانون منها, ووجود منفتحين أمثال الإمام محمد عبده وعبد الله العلايلي سابقاً أو السيد هاني فحص راهناً يبقى استثناء لا قاعدة.
من جانب آخر, وانطلاقاً من تسليمنا بنسبية الحقيقة, وهذا ما نعتقد أن الأستاذ زهير -وغيره, ربما- يوافقنا الرأي فيه, نجد أن تشدد الشيخ ابن تيميه, ومنافحة سالم عنه باعتباره حارب أهل البدع والضلالات فيه الكثير من التجني على أفكار الآخرين وتصوراتهم إزاء الله والعالم. فمن ذا الذي قال لابن تيمية أنه على صواب وسواه على خطأ؟ وهل فهمه للنص القرآني(باعتباره مرجعاً أساساً لمختلف الملل الإسلامية) يعتبر هو الفهم الصحيح والنهائي والمطلق كي يبيح لنفسه تكفير الآخرين استناداً لفهمه ورؤاه هو؟ أليس النصّ حمّال أوجه؟ هل قلتُ حمّال أوجه؟ المعذرة, فالجملة آنفة الذكر لم يذكرها أي من الأئمة الأربعة وهذا قد لا يروق للسيد زهير سالم, فلننسها إذاً. في ضوء هذه الرؤية يمكننا أن نجد أن من كفّرهم ابن تيمية واعتبرهم من أصحاب البدع والضلالات أو من أصحاب الأهواء وعبّاد الأشخاص قد فهموا الإسلام وقرأوه على ضوء الإمكانيات المعرفية للعصر الذي وجدوا فيه(مثلاً, كانت الثقافة الهيلينية وتأثيراتها في المنطقة معروفة حينذاك, وربما أحسن البعض صنعاً بأن استفاد منها), وهذا حقهم, ولا يحق لنا مصادرة هذا الحق, وان كان لا يروق لنا فهمهم للنص وللإسلام على حد سواء, تماماً كما لا يروق لنا فهم الشيخ ابن تيمية للنص والإسلام, وان كنّا نحترم من نعني جميعاً باعتبارهم شخصيات إنسانية تراثية قد تكون أخطأت في أماكن وأصابت في أخرى. من ثمّ ماذا, لو قدّر الله(لا قدّر الله) وأثبتت البحوث العلمية بعد عقد من الزمن أو عقدين على سبيل المثال, أن أهل الزيغ والضلالات كانوا على صواب في كثير من معتقداتهم وتخلفهم وانحرافهم وضلالهم؟ ماذا سيكون موقفنا منهم آنذاك؟ هل سنقيسهم على مسطرة الأوزاعي والطبري ومالك.. الخ؟!. لعل وجاهة السؤال تنبع من كون الغرب "الكافر" الذي حظي بـ"شرف" تكفير ابن تيميه له منذ قرون عدة, هو من شاءت الأقدار فأنجز لنا مفردات الحضارة الكائنة التي ننعم فيها على مدار الساعة, وليس أحفاد الشيخ الجليل من صنعها مع الأسف الشديد.
خلاصة القول: إننا نحترم تراثنا بعجره وبجره, وننافح عنه عبر تسليطنا الضوء على مكامن النقص فيه كما نراها, وعلى قاعدة احترام هذا التراث من خلال نقده وليس تمجيده وتقديسه وتأليهه, وباعتباره تراثاً إنسانياً لا أكثر ولا أقل, له ما له وعليه ما عليه شأنه شأن أي تراث إنساني آخر في العالم, ومن جملة هذا التراث –إن لم يكن في طليعته- ما أورثنا إياه ابن تيمية من بلاوى وفتاوى. وعلى الرغم من بلاويه التي نراها متجسدة في الصومال وأفغانستان(هل يسمح لنا زهير سالم أن نذكّره كذلك ببعض المسلمين الذين آوتهم بريطانيا, فأرادوا تحويل قصر باكنغهام إلى مسجد كما تناقلت بعض وكالات الأنباء مؤخراً؟), نعتبر أنفسنا أحفاده.. ولا فخر. لكن, كما لم ولن نقبل العيش في جلابيب الآباء أياً كانوا, فليسمح لنا الأستاذ زهير بالقول له ولمن حذا حذوه: بأننا لم ولن نقبل العيش في جلابيب الأجداد كذلك أياً كانوا, وفي طليعتهم جدنا ابن تيمية.. ولا فخر.
#أبيّ_حسن (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟