الولايات المتحدة الأمريكية والنموذج الإسرائيلي المدني والعسكري.

سامي سعد عزيز

الحوار المتمدن-العدد: 2823 - 2009 / 11 / 8 - 22:48
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    

قررت الولايات المتحدة الأمريكية الاستعانة بالخبرات الإدارية المدنية الإسرائيلية في العراق وذلك بعد أن قرر الجانب الأمريكي تطبيق النموذج الإسرائيلي للإدارة المدنية في إقامة و إدارة مشاريع مدنية في العراق، تمهيداً لعمليات الانسحاب المتوقعة للقوات الأمريكية. يأتي التعاون استكمالا لخريطة التعاون الاستراتيجي بين كل من الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل في المجال العسكري.

فالتعاون العسكري فيما بين الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل تجسد في التبني الأمريكي للنموذج الإسرائيلي في الصراع مع حزب الله. ا كد دانيال بايمان في دراسة هامة له تحمل عنوان " إسرائيل وحزب الله اللبناني" درجة التعاون الأمني والعسكري الإسرائيلي - الأمريكي في الحرب على الإرهاب. القراءة المتأنية لهذه الدراسة تكشف عن التعاون الاستراتيجي العسكري من خلال الإتباع الأمريكي النموذج الإسرائيلي في مواجهة ما يعرف بمواجه حرب العصابات guerrilla war

تتلخص هذه الإستراتيجية في التواجد العسكري الضخم في مناطق تواجد العدو وزع إمكانات تكنولوجيه وتقنية عسكرية بغية مواجهة العدو الإرهابي والحد من قدراته. فخلال الحرب ضد حزب الله، اتبعت إسرائيل عمليات الاغتيال المنظمة لقيادات العدو ( حزب الله) وفرضت العقوبات الجماعية على القرى الداعمة لحزب الله في حرب نفسية ومخابراتيه هدفت إلى تقويض عناصر القوة لحزب الله المدعوم من جانب إيران وسوريا . وتتضمن هذه الإستراتيجية أيضا رؤية منظمة في حالة فشلها وهى أن يتم الانسحاب وتسليم زمام الأمور إلى عناصر موالية. قد تتعامل هذه العناصر الموالية بشكل مخالف مع القوات الإرهابية يقرب إلى التعاون أحيانا ولكنها تظل بشكل عام في صراع عسكري مع هذه القوات المعادية إلى حد كبير. في الحالة الإسرائيلية، استمر الاحتلال الإسرائيلي للمناطق اللبنانية لما يقرب من 20عام قبل أن تبدأ في الانسحاب عام 2000 برغم من تفوقها العسكر والتكنولوجي على حزب الله . جاء هذا الانسحاب بعد الاستنزاف الكبير للقدرات العسكرية والهزائم المتكررة التي منت بها القوات الإسرائيلية. حتى بعد الانسحاب، استمرت المناوشات بين إسرائيل وحزب الله. فلم تنجح النماذج الإدارية المدنية الإسرائيلية من تحقيق الانتصار على حزب الله أولا فترة الاحتلال. كما أنها فشلت لاحقا بعد الانسحاب في الحد من قدرات حزب الله المستقبلية على شن هاجمات ضد أهداف إسرائيلية. فالواقع يدل على نجاح حزب الله في استهداف جنود إسرائيليين وأسرهم وكذلك مهاجمة مستوطنات إسرائيلية. كما نجح حزب الله في تدريب بعض الجماعات الفلسطينية لإتباع نفس النهج العسكري في المقاومة داخل فلسطين. الامر الذي دفع الكثير من الباحثين العسكريين إلى القول بفشل الإستراتيجية العسكرية والمدنية الإسرائيلية في مواجه حزب الله.

في المجال العسكري كان من المتوقع أن تتفادى الولايات المتحدة بعض من عناصر الفشل التي حالت دون ناجح الإستراتيجية الإسرائيلية في مواجهة حزب الله. وهى كما أوردها دانيال بايمان تتعلق بسوء التقدير لما سوف تكون علية الأوضاع بعد الاحتلال. فقد أخطئت إسرائيل تقديراتها لقدرات حزب الله وتوهمت إنها تقود حرب مشابه لحربها ضد بعض العناصر الفلسطينية الأمر الذي ثبت خطئه. وهو نفس الأمر التي توهمته الولايات المتحدة في حربها في العراق خاصة بعد السقوط السلس لبغداد. فقد واجهت الولايات المتحدة الأمريكية قوات غير نظمية واسعة النطاق ترتبط بحركات سياسية و قبلية عراقية وإقليمية. هذا النوع من الحروب يصعب إيقاع فوز عسكري ضده نظرا لافتقاد الصراع إلي ميدان المواجهة المباشر للقوات النظمية. أيضا لم تستطع إسرائيل أن تعزل حزب الله عن المساعدات السورية والإيرانية وكذلك فشلت أيضا الولايات المتحدة في عزل عناصر المقاومة العراقية من الإمدادات الخارجية من دول الجوار خاصة سوريا وإيران.

إعلان الولايات المتحدة الاستعانة بالخبرات الإدارية الإسرائيلية رغم ثبات عدم فاعليتها يأتي في إطار رغبة واستعدادات الولايات المتحدة للانسحاب التدريجي من العراق والتركيز على مواجهة فلول القاعدة في أفغانستان ودول الجوار خاصة باكستان. ويظهر ذلك من تصريحات الأخيرة للمتحدث باسم البيت الأبيض روبرت جيبس أن «انسحاب القوات الأمريكية من أفغانستان ليس أحد الخيارات التي يدرسها أوباما»، وانه لا يوجد خيار المغادرة. في حين أكد جو بايدن، نائب الرئيس الأمريكي، أن الولايات المتحدة ستلتزم بجدولها الزمني لسحب قواتها من العراق.

هذه وتعتبر إسرائيل- الحليف الاستراتيجي للولايات المتحدة في الشرق الأوسط- من أكثر الدول المعارضة للانسحاب الأمريكي من العراق. وبالتالي كان علي الولايات المتحدة التحرك على أكثر من صعيد لتزيل قدر من المخاوف الإسرائيلية. وهو ما دلت عليه الدراسة المتأنية للأوضاع الإسرائيلية بعد الانسحاب الأمريكي من العراق لمعرفة أثار الانسحاب الأمريكي من العراق على المصالح الإستراتيجية لإسرائيل والتي قامت بها وزارة الدفاع الإسرائيلية. أشارت هذه الدراسة إلى أن إسرائيل تتوقع أن يكون الانسحاب بمثابة تسونامي يضرب المنطقة‏.‏ ومن هنا جاءت قرارات الإدارة الأمريكية الواعدة برفع المساعدات الأمريكية لإسرائيل بشكل كبير بهدف إرضاء إسرائيل عقب القرار المتوقع بالانسحاب‏،‏ ومنحهما الإحساس بأنهما ستكونان قادرة على مواجهة. وها هو قرار الاستعانة بالخبراء الإسرائيليين لتصميم عراق مدني على الطريقة الإسرائيلية بما يحول انسحاب الولايات المتحدة الأمريكية من العراق من ملاح مخاطر لإسرائيل إلى موطن كسب. ويأتي هذا القرار في وقت تتنازع في الزعامات العربية وتغيب الخطط والإستراتيجيات العربية من أجل سد الفراغ الإستراتيجي المحتمل من الانسحاب الأمريكي المتوقع.

*باحث في دراسات السلام العالمي وحل الصراعات

#سامي_سعد_عزيز (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات