عبدالله تركماني
الحوار المتمدن-العدد: 2820 - 2009 / 11 / 5 - 10:46
المحور:
سيرة ذاتية
لا أدري من أين أبدأ شهادتي هذه، إذ لا يستحق أبو نزار كلمة وفاء فحسب، بل يستحق وقفة تأمل أيضاً. ففي سيرته يمكن العثور على قيم كثيرة، يحتاجها الفلسطينيون في هذه الأيام أكثر من أي وقت مضى. وقد تمكّن، بفضل الابتعاد عن الصراعات الداخلية وعن لعبة المحاور العربية، من اكتساب صفة الوطني الفلسطيني المخلص لقضية شعبه، والذي يحظى باحترام الغالبية العظمى من الفلسطينيين، على اختلاف ميولهم وتياراتهم.
لقد انتقد أبو نزار اتفاقية أوسلو المجحفة، كما انتقد السلطة الفلسطينية، وكان مصيباً في نقده، لكنه لم يلجأ إلى التآمر عليها، ولم يتحالف مع أحد من خصومها في الداخل والخارج، ولم يفكر بركوب الموقف المعارض لتحقيق مكاسب شخصية، بل اكتفى برسم خط على الرمال، أي بوضع اليد على مكامن الخلل، وتوجيه النصح.
كثيرون مثلي احترموا أبا نزار وصادقوه، وقد أدمن بعضنا، من العرب الذين عملوا في المؤسسات الإعلامية والثقافية لمنظمة التحرير الفلسطينية، على صداقته.
لقد كانت افتتاحيات صخر المضيئة، لنشرة " فتح " على مدى سنوات، شمعتنا وسط ظلمة الأحداث المنهالة على منطقتنا العربية، حيث شاطرته الحرص على أن يبقى الكاتب مستقلاً برأيه وتفكيره من دون أن يكون حيادياً. كما شاطرته في أنّ المقاربة النقدية والتحليلية تنمو دائماً مثل الشعب في وسط تاريخي واجتماعي وثقافي يتعهدها وتتعهده، أي لا تضحي به باسم عقيدة ناجزة أو مشروع جاهز يحتاج فحسب إلى السيطرة وإحكام القبضة.
كما شاطرته الرأي في أنّ العروبة لا تتناقض مع الديموقراطية والعقل، ولا حتى مع الوطنيات الكيانية. وكذلك الحرص على البقاء على تماس دائم مع المزاج الشعبي من دون السقوط في الشعبوية.
والأهم أني شاطرته الرأي في أنّ الموقع المركزي للقضية الفلسطينية لا يستدعي التخلي عن سلاح النقد حيال مساراتها وتعرجاتها وصولاً إلى حل عادل قابل للحياة، بالاستناد إلى قراءة نقدية لتجارب العروبة السياسية ولتجارب المقاومة الفلسطينية، بما يقتضي أن لا ندعو إلى قطع الغصن الذي نجلس عليه.
إنّ أبا نزار عبارة عن سلوك في الحياة وفي السياسة، سلوك يجمع بين ذكاء التحليل والتشوق إلى بعض العدل، إضافة إلى كرمه وشهامته وتواضعه النبيل. لقد مثّل التيار الأخلاقي في حركة " فتح "، حيث جسّد في سلوكه أنموذجاً للمناضل النزيه.. والمثقف العضوي.. والمفكر الثوري.
لقد ربطت صخر حبش علاقات مميزة مع القوى والأحزاب السياسية على امتداد الوطن العربي، ومثّل حركة " فتح " في مؤتمرات الأحزاب العربية والدولية. وظل مدافعاً شجاعاً عن المشروع الوطني الفلسطيني، وعن الوحدة الوطنية والديمقراطية والحرية حتى الرمق الأخير من حياته.
لا شك أنّ أبا نزار غادرنا كسير القلب، ورحل في لحظة أدرك أكثر من غيره خطورتها على الشعب والقضية، خاصة وقد ترافق رحيله مع تعثر المصالحة الفلسطينية.
#عبدالله_تركماني (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟