أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - شاكر النابلسي - لماذا الانسداد التاريخي وفشل التنوير في العالم العربي؟















المزيد.....

لماذا الانسداد التاريخي وفشل التنوير في العالم العربي؟


شاكر النابلسي

الحوار المتمدن-العدد: 2819 - 2009 / 11 / 4 - 10:11
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


-1-

هاشم صالح المفكر السوري المقيم في باريس جنباً إلى جنب مع المفكر الجزائري محمد أركون، له أهمية كبيرة وخاصة في مسيرة التنوير الفكري العربي المعاصر. فقد وقف هاشم صالح حياته وجهده على ترجمة كتب محمد أركون الذي يكتب بالفرنسية إلى العربية والعربية المُيسَّرة وهذا هو المهم بالموضوع. فهاشم صالح لا يعتبر مجرد مترجم لأعمال محمد أركون ولكنه شارح لها، وميسِّر لها بحيث يستطيع القارئ العادي أو قارئ الصحف أن يقرأها ويفهمها. وهذا ما نحتاجه لنشر أفكار التنوير والإصلاح والليبرالية. يجب أن لا نكتب لغة للخاصة فقط. فالخاصة تعلم جيداً ماذا سنقول، ولا حاجة لها بنا وبقولنا. ولكن المهم كل الأهمية أن نكتب للعامة وهي الطبقة التي يسيطر عليها رجال الدين الأصوليين، ويعتبرونها وقود نارهم. ويجب أن نخاطب العامة ببساطة اللغة نفسها التي يخاطب بها رجال الدين الأصوليين طبقة العامة. ولعل سرّ انتشار أفكار طه حسين التنويرية والأثر الكبير الذي تركه في العامة وسواد الناس، أنه كان مفهوماً جداً وبسيطاً جداً، في لغته الموسيقية الجميلة في القرن العشرين. واستطاع بهذه اللغة الجميلة أن ينقل للعامة فكره التنويري والحداثي الليبرالي. وكان الشيخ خالد محمد خالد من مدرسة طه حسين الأسلوبية كذلك، وهو سرُّ الانتشار الكبير لأفكاره كذلك. وهذه اللغة هي ما نفتقده اليوم في المفكرين التنويريين العرب وخاصة مفكري المغرب العربي، الذين يفكرون بالفرنسية، ويكتبون بالعربية، فتخرج أفكارهم "يونانية لا تُقرأ"، كما سبق وقال طه حسين نفسه شاكياً من عدم فهم بعض المفكرين، الذين كانوا يكتبون في عصره. ولعل عسر لغة معظم مفكري التنوير العربي في هذا العصر، واحد من أسباب الانسداد التاريخي وفشل مشروع التنوير في العالم العربي إلى الآن. لذلك كانت مهمة هاشم صالح في ترجمة وشرح أفكار محمد أركون التنويرية مهمة صعبة ومهمة جداً في الوقت نفسه. فمن الصعب أن تكتب بأسلوب بسيط ومفهوم. ولكن من السهولة بمكان أن تكتب بأسلوب صعب عسير القراءة. والصعوبة بالنسبة للكتَّاب كانت فطرية في البدء. أما السهولة فهي التربية والمعاناة الكبيرة.

-2-

وهاشم صالح بذلك يُعدُّ بمثابة ابن رشد (1126-1198م) في الأندلس، الذي قام بترجمة وشرح أعمال أرسطو المعلم الأول. ولم تقتصر مشاركة هاشم صالح في مسيرة التنوير العربي المعاصر على ترجمة وشرح أعمال أركون، ولكنه إلى جانب ذلك، وانطلاقاً من دراسته العميقة للفكر الغربي في ماضيه وحاضره، ودراسته العميقة للفكر العربي في ماضيه وحاضره أيضاً – وهذه هي الأدوات اللازمة لشرح أعمال أركون – كتب عدة كتب مهمة في مسيرة التنوير العربي المعاصر منها : "معضلة الأصولية الإسلامية"، و "مدخل إلى التنوير الأوروبي"، وكتابه الأخير "الانسداد التاريخي: لماذا فشل التنوير في العالم العربي؟".

-3-

ما هو الإنسداد التاريخي في العالم العربي؟

ولماذا فشل التنوير في العالم العربي، بينما نجح في أوروبا وأمريكا واليابان وكوريا الجنوبية وتركيا وبعض البلدان في آسيا كسنغافورة وغيرها، وفي بلدين عربيين: قديماً في مصر على يد محمد علي باشا(1769-1849)، وحديثاً في تونس على يد الحبيب بورقيبة (1903-2000)؟

دون الذهاب بعيداً في أعماق التاريخ العربي والأوروبي، ودون تفاصيل كثيرة عن أسباب الانسداد التاريخي العربي، والانفتاح التاريخي الأوروبي، يمكن لنا أن نُلخِّص أسباب هذا الانسداد وبالتالي عوامل الانفتاح بالحرية الفكرية التامة. متى حضرت هذه الحرية حضر الانفتاح، ومتى غابت وحلَّت محلها الحقيقة المطلقة الواحدة، والعقيدة الحقيقية الواحدة، والرأي الواحد، واللون الواحد، كان هناك الانسداد التاريخي، وهو ما نعاني منه في العالم العربي، بعد القرن الثاني عشر للميلاد، وهو القرن الذي عاش ومات فيه ابن رشد، آخر الفاتحين الفكريين العرب. وبعد هذا التاريخ سقطت الإمبراطورية العربية العباسية 1258م، وظهرت في العالم العربي أثناء العصر العباسي الثاني وبعده، عهود الطوائف والممالك الصغيرة كالأدارسة في المغرب (788-974م) ، والأغالبة في شمال إفريقيا (800-909) ، والطولونيون في مصر (868-905م) ، والأيوبيون في مصر والشام والعراق (1171- 1342م)، والمماليك في مصر وبلاد الشام والعراق والجزيرة العربية (1250- 1517م)، والمرابطون في المغرب (1060-1147م) والموحدون أيضاً (1147-1269م)، وغيرهم من الطوائف. ثم جاء الاستعمار العثماني للعالم العربي منذ 1517، عندما فتح السلطان سليم الأول الشام ومصر، وأسقط حكم المماليك في معركة "مرج دابق" في نواحي حلب. واستمر هذه الاستعمار أربعة قرون (1517-1918). وبعد الحرب العالمية الأولى، جرى تقسيم العالم العربي كمناطق نفوذ واستعمار بين بريطانيا وفرنسا وايطاليا كذلك. ولم يرحل الاستعمار نهائياً عن العالم العربي إلا عام 1971 من دولة الأمارات العربية المتحدة. فكان العالم العربي بذلك في سبات فكري وعلمي عميق، طيلة ثمانية قرون (1200- 2000)، خاصة وأن الخليفة العباسي المتوكل (847-861م) قفل باب الاجتهاد وقال: "ما قرره الخلف لا يرفضه السلف". وقد أُدين غلق باب الاجتهاد من قبل الكثيرين، وكان من بينهم رجال دين قالوا "أن قفل باب الاجتهاد، على الرغم من أنه اجتهاد غير ملزم، فإنه مناقض لخاتمية الشريعة، وخلودها ، وتجديد فهمها في ضوء معطيات العصر، وتخاذل عن حمل أمانة المسؤولية، والمساهمة السلبية بفصلها عن الحياة من حيث الواقع، مهما كانت دعاوانا عريضة، بأن الشريعة خالدة وصالحة لكل زمان ومكان، على مستوى الشعارات. وأعتقد أن مسوغات إغلاق باب الاجتهاد عند من اجتهد في ذلك، سدًا للذرائع بحجة فساد الزمان، وانعدام الأهلية، والخوف من دخول الساحة من يحسن ومن لا يحسن، ومن يملك المؤهل والشروط ومن لا يملكها، هو فوق كونه اجتهادًا يلغي اجتهادًا. (عمر عبيد حسنة، "إغلاق باب الاجتهاد تخاذل"، موقع إسلام أون لاين، 4/10/2009).

-4-

وكانت المنازعات الطائفية/السياسية، هي المظهر العام في العالم العربي من خلال عهود ملوك وسلاطين وأمراء الطوائف. كما كان العالم العربي في عزلة عما كان يدور في أوروبا، وخاصة تداعيات الثورة الفرنسية 1789 وأسبابها الفكرية والسياسية. وكان العرب طيلة الاستعمار العثماني معزولين عزلاً تاماً داخل ستار حديدي أشبه بالستار الحديدي السوفيتي. ولا يدرون ما يدور في أوروبا من تطورات سياسية وفكرية ودينية خطيرة في القرن الثامن والتاسع عشر، وهما عصرا التنوير الأوروبي. ولم يقرأ العرب فكر التنوير قراءة جادة وواعية ومتأملة، إلا مؤخراً، وخلال النصف الثاني من القرن العشرين.

وهذا الوضع التاريخي خلال القرون الثمانية الماضية، كان من أهم الأسباب للإنسداد التاريخي.

-5-

فإذا كان أسلوب الكتابات الفكرية، وقفل باب الاجتهاد، وسيطرة الاستعمار وخاصة العثماني على العالم العربي، من عوامل الانسداد التاريخي وفشل مشروع التنوير في العالم العربي، فإن هناك عوامل أخرى، يبسطها لنا هاشم صالح في كتابه المهم "الإنسداد التاريخي، وفشل مشروع التنوير في العالم العربي" على الوجه التالي:

1- أن ما يقود إلى التنوير والإصلاح، هو فهم الدين فهماً صحيحاً يتوافق مع العقل الحاضر، ولا يتناقض معه كما هو حاصل اليوم في العالم العربي، حيث تنتشر أفكار الشعوذة والسحر والعادات والتقاليد والخرافة والأساطير على أنها من صُلب "إسلام الرسالة" وهي في الواقع من إسلام بعض الفقهاء، ومن "الإسلام التاريخي" الذي دخلت عليه أفكار ليست من صُلبه ولا من أساسه. ولعل أفكار الشعوذة هذه، وغيرها مما ذكرناه هي التي تكوُّن اليوم "التدين الشعبي"، الذي يقوده بعض الفقهاء، ويسلِّطوه بواسطة العامة على أفكار التنوير، والإصلاح، والليبرالية.

2- إن دين العقل - وهو الإسلام في كثير من جوانبه الإنسانية، وحرصه على تقدم الإنسان وسعادته – دين كوني يشمل الجنس البشري كله. والعقل هو القاسم المشترك الأعظم بين البشر على اختلاف عقائدهم ومذاهبهم. وأن إبراز الجانب العقلي في الإسلام، هو العامل الأكبر والفعال لمزيد من الانتشار الإسلامي. فقد انقضى عصر الفتوحات. ونحن الآن نعيش في عصر العقل. وانجازات العقل، وتحقيقاته، تحيط بنا من كل جانب. ولا بُدَّ أن نُخضع النصوص الدينية إلى التأويل العقلي والمعاني المجازية، ونُبعد هذه النصوص عن التفسير الحرفي المباشر.

ولنا عودة إن شاء الله.









#شاكر_النابلسي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هل انكسرت جرَّة السمن والعسل التركية- الإسرائيلية؟
- ابتلاع ما تبقى من فُتات فلسطين ونحن غافلون
- رجم محمود عباس بالحجر الذهبي
- بعد اختيار بلادهم لاستضافة المونديال والألعاب الأولمبية: الب ...
- أوباما في الأمم المتحدة: 2009 تاريخ جديد للإنسانية
- بوش ما زال في البيت الأبيض!
- اجتهادات -العقلية العربية- في كارثة 11 سبتمبر
- هل تغيّرت العقلية العربية بعد 11 سبتمبر؟
- المصير العربي بين لغة الأرقام ولغو الكلام
- لماذا سيكون المستقبل العربي مظلماً وقاسياً؟
- معاني ودلالات عودة الإرهاب للعراق
- مَنْ الذي لا يريد السلام : سوريا أم إسرائيل؟
- العربي.. ذلك الإنسان المعذَّب أبداً!
- نواقيس.. نواقيس.. ولا من مجيب!
- دعوة القومية العربية بين الأصالة والتغريب
- هل أخطأنا في دعمنا للعراق الجديد؟!
- إيران من الثورة الخمينية إلى الثورة النجادية
- إيران.. الثورة تريد خبزاً
- الشعبان الفلسطيني والإسرائيلي أمام تحديات السلام
- لماذا رحَّبت وفرحت إسرائيل بنجاح نجاد ؟


المزيد.....




- المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه ...
- عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
- مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال ...
- الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي ...
- ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات ...
- الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
- نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله ...
- الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية
- إيهود باراك يفصح عما سيحدث لنتنياهو فور توقف الحرب على غزة
- “ألف مبروك للحجاج”.. نتائج أسماء الفائزين بقرعة الحج 2025 في ...


المزيد.....

- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - شاكر النابلسي - لماذا الانسداد التاريخي وفشل التنوير في العالم العربي؟