جهاد نصره
الحوار المتمدن-العدد: 856 - 2004 / 6 / 6 - 09:42
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
لا يزال الناس يرددون المثل الشعبي المعروف : اذهب وبلِّط البحر بالرغم من أنه فقد معناه المرتجى وأصبح عديم الفائدة وذلك لأنه صار بالإمكان تبليط البحر بسهولة ويسر ..ومعروف أيضاً أنه كان يستخدم في حالات الازدراء وعدم الاكتراث، كأن يقول المرتشي للراشي في حالة النصب والاحتيال: اذهب وبلِّط البحر ..! أو كما تقول أجهزة الرقابة والتفتيش للغلبان الذي يلتجئ إليها ظناً منه أنها معنية بضبط المرتشين أو غيرهم: اذهب وبلِّط البحر يا بني..! أو أن يقول الحارس على بوابة أحد الأجهزة الأمنية لأم المفقود غير المولود: لا نعرف شيئاً عن حكاية ولدك فإذا ما ولولت، وهللت، وهددت قال لها : اذهبي وبلِّطي البحر..!
ويقال هذا المثل الشعبي القديم أيضاً حين يكون هناك شكٌ بإمكانية ترجمة الأقوال إلى أفعال.. أو الشعارات إلى برامج.. أو الوعود إلى حقائق فواقع الحال أنَّ البحر وحتى زمنٍ قريب، كان عصياً على التبليط تماماً كما هو حال الإصلاح في البلدان العربية حيث أصبح واضحاً كل الوضوح أنها عصية على الإصلاح.
في الأمس رجع الجد أبو وحيد صاحب حزب الكلكة مهموماً والدمع يملأ عينيه المكورتين فاستدعتني الجدة على عجل لكوني نائب صاحب الحزب والوريث الوحيد لمنصب الأمانة العامة ولما وجدته على هذه الحال توقعت أنَّ جدول أعمال الاجتماع الأسبوعي للحزب يشغل باله لكثرة البنود التي يتوجب مناقشتها وعددها دائماً أزود من عدد بنود جداول أعمال القمم العربية.. ولكن حقيقة الأمر لم تكن كذلك حيث تبين أنَّ ( صلب ) الموضوع عاطفي على خلفية سياسية فقد أحبَّ الجد أن يتمشى على شاطئ البحر بعد غيابٍ طويل عنه وعن رائحته بسبب المشاغل الكثيرة التي تراكمت على نافوخه من يوم إغلاق خمارة الصمود والتصدي التي كان يعتاش من خيراتها وهناك على الشاطئ فوجئ كما يبدو بما حدث للمكان..!
قال الجد بصوتٍ خفيضٍ وحزين: لماذا اغتالوا كلَّ الأشياء الجميلة في حياتنا..؟ ماذا تنتظر من جدك الذي لم يجد غير رماد ذكرياته في هذا البلد..كيف مسحوا نغمات الأمواج الصاخبة وأزالوا غبار الذكريات..؟ هل تصدق..؟ لقد مشيت بقدمي المرتبكتين فوق البحر كما مشى عمك موسى دون أن تلاطمني أمواجه، أو أشم رائحة أسماكه، أو أرى زبد موجه المندفع كما كنا أيام الشباب..اليوم فقط عرفت لماذا تقول لنا الحكومة: اذهبوا وبلطوا البحر..!
5/6/2004
#جهاد_نصره (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟