|
تحولات «العمل» ومفارقات المعادلة
محمد أبوشريفة
الحوار المتمدن-العدد: 2816 - 2009 / 10 / 31 - 13:30
المحور:
اراء في عمل وتوجهات مؤسسة الحوار المتمدن
أخذت أصداء النقاشات الداخلية في الأحزاب المؤتلفة بالحكومة الإسرائيلية تصدح في فضاء المرجل الحزبي الذي بدأ بالغليان مع افتتاح دورة الكنيست الشتوية، منبئة بانفراط حبات العقد غير المتجانس في حكومة بنيامين نتنياهو. وأكثر ما سلطت الأضواء عليه هو ما يجري من مخاض داخل حزب العمل ،والذي ليس بالأمر الهين التنبؤ بتداعياته المستقبلية على مصير الحزب ومصير اليسار الصهيوني الذي حكم العشريات الثلاثة الأولى من عمر الدولة العبرية. تصدعات وانشقاقات من الواضح أن حالة الضعف التي تعتري حزب العمل حاليا أيقظت شهوة التمرد داخل صفوفه ووجهت صفعات مباغتة لقائده إيهود باراك الذي نجح في أن يجد موطئ قدم في حظيرة بيبي، ولكنه غفِل في أن يضمن وحدة الحزب خلال الدورة البرلمانية، وهذا ما تجلى مؤخرا في عملية الرفض للانضمام لحكومة نتنياهو، والتي أعلنها أربعة أعضاء كنيست من حزب العمل حيث يسعون لتشكيل إطار سياسي خارج البرلمان ليكون غطاء لتحركاتهم إلى حين انضمام نائب خامس يسمح لهم بالانشقاق كليا عن الكتلة حسب الأنظمة البرلمانية، أو أن ينجحوا في الحصول على قرار داعم من المحكمة العليا يسمح لهم بالانشقاق حتى وإن تجاوزوا نسبة ثلث الكتلة البرلمانية. وُجملة الأسئلة التي تواجه توليفة بيبي الحاكمة والتي يصعب الإجابة عليها في الوقت الراهن بحسب المتابعين،وذلك - بسبب تعدد العوامل والاعتبارات السياسية والشخصية التي تتمحور حول الانشقاق وطبيعته، - هي هل سيقتصر الانشقاق على الكتلة البرلمانية لتعمل المجموعة المعارضة كمجموعة متمردة؟ أم أنها ستنشق كليا؟، وهل سيؤدي الانشقاق في حال حصوله إلى انشقاق تام في الحزب؟. فبعد أن كانت غالبية أعضاء الكتلة البرلمانية، 7 نواب من أصل 13 نائبا ضد قرار أغلبية مؤتمر الحزب بالانضمام إلى حكومة نتنياهو، استطاعت «جزرة» باراك أن تجذب البروفيسور أفيشاي برافرمان إلى جانبه، ليحظى بحقيبة وزارية لشؤون الأقليات. وتبعه بعد ذلك دانييل بن سيمون الصحافي في جريدة «هآرتس»، الذي حظي بمنصب رئيس الكتلة، ولكنه أعلن استقالته من منصبه (19/10) كرئيس للكتلة بزعم احتجاجه على توسع الاستيطان والامتناع عن إخلاء البؤر الاستيطانية العشوائية. كل ذلك يعني أن المتمردين باتوا بانتظار اللحظة المناسبة، والتي بإمكانهم وفق قوانين الكنيست الانشقاق عن كتلة حزب «العمل»، وتشكيل كتلة برلمانية مستقلة وربما يحدث هذا، كونهم رفضوا المشاركة في التصويت على منح الثقة لحكومة بيبي ومن بينهم من يرى نفسه أنه يتعامل من موقع المعارضة، وينسق مع كتل المعارضة، وخاصة حزب «كاديما». ومن الأرجح أن هذا الفريق المتمرد لا يريد استعجال الأمور حتى تتضح الصورة كاملة، وهناك احتمال أنهم ينتظرون بأن يستوعب الآخرون العبر والانسحاب من حكومة نتنياهو اليمينية، أو أنهم ليسوا مستعدين بعد لانشقاق بهذا الحجم خوفا من تحمل أعباء وديون الحزب المالية والتي وصلت إلى حد الإفلاس المالي إجمالية تصل إلى نحو 38 مليون دولار. ومن الملفت أن هذه التداعيات التصادمية مع إيهود باراك قد بدأت منذ انطلاق حكومة بنيامين نتنياهو في الأول من نيسان (أبريل) الماضي. أسباب التراجع عوامل جوهرية عديدة تراكمت خلال تجربة حزب العمل التاريخية منها خصوصيته وطبيعته السياسية والاجتماعية. وما ترتب عليها من برامج منهجية منذ بدايات نشوء الدولة وما تلاها من مراحل زمنية متغيرة كان لها دور بارز في تراجع مكانته وتغيير تركيبته البنيوية وانعكاسها على مجمل القرار والنهج في الحزب. وإذا صح القول فإن «العمل» تلقى ضربات موجعة في قواه المركزية طالت قطاع الهستدروت، وقطاع القرى التعاونية «الكيبوتسات والموشافيم»، الذي كان يشكل قسم من موظفيه ثقلا هاما في داخل مؤسسات الحزب، ثم «الأقليات»، أي العرب، مما أضعف حجم وقوة شخصيات سياسية قيادية في داخل الحزب كانت تعتمد في ثقلها على أحد مراكز هذه القوى. ولذلك فإن ومؤسسات حزب العمل ترى أنها فقدت نجوميتها في هذه المرحلة الزمنية، ولم تعد مثل الزمن الأول الذي كان يبلغ قوام المجلس المركزي فيه أكثر من 1500 عضو، وكان مجرد انعقاده بمثابة كرنفال سياسي تضج به إسرائيل، والآن وفي أقصى الحالات، فإن نسبة الحضور فيه لا تتجاوز الـ 60%. ففي العقدين الأخيرين، وتحديدا بعد كل انتخابات أعقبت العام 1992، تلقى حزب العمل صفعة مؤلمة في وزنه الانتخابي ومن ثم السياسي، بما في ذلك انتخابات العام 1999 التي وصل فيها إلى الحكم، ولكن مع كتلة برلمانية هشة مؤلفة من 26 نائبا. وهي نتيجة أثّرت في خسارته السريعة لرئاسة الحكومة بعد أقل من عامين من الانتخابات، لصالح حزب الليكود ورئيسه آنذاك آريئيل شارون. وتقر العديد من الأوساط السياسية الإسرائيلية بوجود أزمة قيادة يعاني منها «العمل» منذ مقتل إسحق رابين، وذلك بسبب المنافسة على زعامة الحزب والتي تركزت طوال 18 عاما، أي منذ العام 1977 و حتى العام 1995، بين الثنائي رابين وبيريس، حيث منعت من ظهور شخصيات مؤهلة للقيادة. ويرجع المتابعون السبب الرئيسي لتقهقر الحزب وتراجعه إلى رئيسه الأسبق شمعون بيريس، الذي وقف حجر عثرة في وجه قادة الحزب الجدد الذين أتوا بعده ومنعهم من ممارسة مهامهم سواء لأسباب سياسية أو شخصية. وترى الغالبية في ممارسات إيهود باراك في رئاسته للحكومة منذ العام 1999، وحتى مطلع العام 2010، وتغييب الفوارق المحدودة بين سياسة ونهج حزبه وبين أحزاب اليمين، وانضمام «العمل»، بزعامة بيرس ثم بنيامين بن أليعزر، إلى حكومة أريئيل شارون الأولى وممارسة القمع ضد الفلسطينيين، ما أدى بشكل مباشر إلى تلقي لطمة قاسية لـ «العمل» في العام 2003 بهبوطه إلى 19 مقعدا من أصل 120 مقعد. ومن الملفت أن حزب العمل لم يغير نهجه الذي ورثه عن باراك في فترة غياب باراك عن الميدان السياسي، وكان في الدورة التالية لعام 2005، حزب معارضة هش ولنصف المدة ليكمل الدورة البرلمانية كحزب «ظل» في حكومة أريئيل شارون الثانية، وليحافظ على مكانة متردية في الانتخابات التي جرت في نهاية آذار (مارس) 2006، بزعامة عمير بيرتس، الذي تميزت فترته باستمرار أزمة القيادة في الحزب، حين خنع لإملاءات إيهود أولمرت، وقبل بمنصب وزير الدفاع، الذي كان أبعد ما يكون عن شخص رئيس اتحاد النقابات السابق. وبعد معمعان الحروب العدوانية التي خاضتها حكومة أولمرت وجد إيهود باراك ضالته في ضعف عمير بيرتس وانقض على رئاسة الحزب وأخذ بالقضاء على ما تبقى من مراكز قوى بقيت في وجهه وتمنعه من إحكام قبضته على الحزب، بهدف تقويض أي معارضة قد تقف في وجهه. ولكن بالمحصلة فإن الحزب بات من دون برنامج سياسي واضح المعالم، قادر على طرح البديل، خاصة فيما يتعلق بالصراع الإقليمي، وأيضاً فيما يتعلق بالمشاكل التي تعصف بالداخل الإسرائيلي، وهو حزب أضحى من دون وضوح رؤية تؤهله لاستعادة الحكم. ومن شدة الحنق على إيهود باراك من قبل الإسرائيليين، فإن المحلل السياسي جدعون ليفي يجزم بأن «باراك هو الذي أعدم اليسار في العام 2000، وهو الذي دفنه في العام 2009، عندما أقنع الرأي العام الإسرائيلي أنه لا يوجد شريك فلسطيني في عملية التسوية»، واعتبر ليفي أن اليسار يحمل اسم معسكر السلام «زورا وبهتانا»، مشيراً إلى أن ما يصطلح على تسميته بهذا الاسم وهما حزبي العمل وكاديما كانا قادا حربين في عامين، وأكد ليفي أن قيم اليسار تتنافى مع الصهيونية. ويرى شلومو بن عامي الذي شغل منصب وزير الخارجية والأمن الداخلي سابقا أن أهم الأسباب التي قادت إلى تعاظم اليمين الإسرائيلي وتراجع اليسار هو التغيرات الديموغرافية والإثنية التي طرأت داخل إسرائيل، وليس بتأثير الصراع العربي ـ الإسرائيلي. ويشير بن عامي إلى أنه خلال العقود الثلاثة الماضية أسفرت التغيرات الديموغرافية عن تبلور ثلاث قطاعات سكانية رئيسية داخل إسرائيل. وهي المهاجرون الروس الجدد والشرقيون، والمتدينون، منوها إلى أن هذه التجمعات أصبحت تضم حوالي 80 % من المستوطنين اليهود في إسرائيل، ويضيف بن عامي أن قوى اليسار لم تنجح في اختراق هذه التجمعات، التي خضعت من البداية إلى تأثير نخب مثقفة ذات توجهات يمينية صرفة. ويعتقد الباحث ميرون بنفنستي أن أحد أهم العوامل التي دفعت نحو انهيار اليسار هو حقيقة أن الجمهور الإسرائيلي لم يعد يلمس وجود فوارق أيديولوجية ذات مغزى بين أحزاب اليسار واليمين فكلاهما يجمعان على قداسة أسطورة الإستيطان.
#محمد_أبوشريفة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
اكتشاف جمجمة فيل ضخمة مدفونة بحديقة منزل.. إلى أي عصر تعود؟
...
-
ماذا نعرف عن التعيينات الجديدة في الحكومة السورية الانتقالية
...
-
البشر وحيوانات الكسلان العملاقة عاشوا معا لآلاف السنين.. اكت
...
-
تركيا تخطط لاستئناف عمل قنصليتها في حلب السورية قريبا
-
السعودية.. تنفيذ حكم القتل في مواطنين أدينا بالخيانة والإرها
...
-
قائد الإدارة السورية أحمد الشرع يستقبل وزير الخارجية التركي
...
-
خبير: الشعور بالوحدة الشكوى الأكثر شيوعا في ألمانيا
-
بوتين: لو لم نطلق العملية العسكرية في أوكرانيا لأجرمنا بحق ر
...
-
مشاهد تكدس الجرحى بممرات مستشفى كمال عدوان جراء قصف الاحتلال
...
-
قاضية أميركية: مجموعة -إن إس أو- الإسرائيلية مسؤولة عن اخترا
...
المزيد.....
-
مَوْقِع الحِوَار المُتَمَدِّن مُهَدَّد 2/3
/ عبد الرحمان النوضة
-
الفساد السياسي والأداء الإداري : دراسة في جدلية العلاقة
/ سالم سليمان
-
تحليل عددى عن الحوار المتمدن في عامه الثاني
/ عصام البغدادي
المزيد.....
|