|
الإصلاح في سورية .. والخيارات المفتوحـة
بدر الدين شنن
الحوار المتمدن-العدد: 855 - 2004 / 6 / 5 - 04:29
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
الإصلاح في سورية ، أي الإنتقال إلى وضع جديد ، مبني على قطع مسارات النظام الموروث ـ القائم السياسية والإقتصادية والإجتماعية ، أصبح أمراً لا مفر منه ، داخلياً وخارجياً . وباتت كل الجهات المعنية بالإصلاح السوري ، على اختلاف خلفياتها ومقاصدها ، تتسارع في حالة من السباق والصراع ، كي يكون هذا الإصلاح في مصلحتها فمن جهة النظام ، لم تكن العبارات المتعلقة بالتغيير والإصلاح والإعتراف بالآخر ، التي أطلقها بشار الأسد في خطاب القسم قبل نحو أربع سنوات أمام مجلس الشعب ترفاً خطابياً ولاوعداً دعائياً لعهده ، بل كانت تعبيراً عن توجه مصلحي مدروس لولوج النظام مرحلة جديدة ، أملتها متغيرات داخلية بالدرجة الأولى ، تكونت واكتملت شروطها ومقوماتها خلال ثلاثين سنة من حكم الرئيس الراحل اللأب . وصار من الضروري استبدال أسلحة وآليات المرحلة الماضية التأسيسية ، إن جاز التعبير بأسلحة وآليات أكثر تطوراً ، واكتساب " شرعية " تؤمن للطبقة الحاكمة في المرحلة الجديدة ، المناخ الأمني والسياسي ،لقطف ثمار التراكمات التي حققتها تحت مظلة قانون الطوارئ والأحكام العرفية وحكم الحزب القائد، وجعلت منها طبقة رأسمالية جديدة ، وتحقق لها غسل الماضي الديكتاتوري ، الذي كلف الشعب عشرات آلاف المعتقلين وآلاف المشوهين جسدياً ونفسياً وآلاف الضحايا تحت التعذيب والموت البطئ خلف القضبان وعلى أعواد المشانق ، وتتيح لها غسل أموالها التي نهبتها باستثمارها الدولة والمجتمع وهربتها وكدستها في الخارج التي تقدر ما بين ( 80 ـ 100 ) مليار دولار أما كيف ومتى وإلى أية حدود يمكن أن يوارب النظام باب " الإصلاح " التي تتيح للآخر " المعارضة " بعض الحرية وبعض التفاؤل ، فهي مفردات تأتي تباعاً لاحقاً ، على ألا يمس ذلك جوهر النظام وأسسه واستمرار مصالحه ، وستقرر لاحقاً كل خطوة إصلاحية ، حسب قدرة المعارضة على تحريك الشارع ، وحسب مستوى الضغوط الدولية وما تقدم يفسر إلى حد كبير استمرار النظام بالحديث عن الإصلاح وقيامه في آن بالإعتقالات لرموز المعارضة وحركة حقوق الإنسان ، والتضييق عليها ، واستخدام المحاكم العسكرية والاستثنائية لقص أجنحتها . كما يفسر التعاطي الشديد القسوة مع أحداث القامشلي ، واستخدام اعتداء المزة بدمشق في 27 نيسان الماضي لانطلاقة حملة اعتقالات بدأت ولم تتوقف وفي إطار الداخل ، من جهة المعارضة ، تواصل القوى الوطنية الديمقراطية نهجها المعارض منذ أواخر السبعينات القائم على نبذ العنف واستخدام القمع في الصراع السياسي . وطرحت برنامجاً للتغيير الديمقراطي ، أثبتت الحياة صحته ، لمعالجة أزمة البلاد ، ودفعت الثمن قي تلك الظروف القاسية ، سنوات طويلة من السجون والعذابات والأرواح طا لت العديد من مناضليها وقياداتها . وتكاملت قوى المعارضة عامة في السنوات الأخيرة في طروحاتها الديمقراطية لإنهاء الأستبداد ، ولإعادة بناء سورية على أسس دستورية ديمقراطية بمشاركة الجميع .. لمصحة الجميع ، والوقوف بحزم ضد التدخل الخارجي ، والمحافظة على استقلال الوطن واستقلال القرار الوطني ومن جهة الخارج ، تتحرك القوى الدولية . أوربا من جهة وأمريكا من جهة ثانية لتحقيق التغيير في سورية . أوربا تريد سورية ضمن الشراكة الأوربية واستكمال دائرة حوض المتوسط ، كجزءمن كيان أوربي ينزع إلى أن يكون قطباً دولياً هاماً له إمتداد حيوي نحو أفريقيا جنوباً ونحو آسيا شرقاً ، ويكون له القدرة على المنافسة العالمية التي لاحظ فيها ولابقاء إلا للأقوى ، مشترطة على النظام أن يقوم بإجراءات هامة في بنيته السياسية ، بما يحقق التماثل النسبي ، بحده الأدنى على الأقل ، مع المجتمعات الأوربية . وأمريكا تريد سوريا لتستكمل سيطرتها علىخريطة جيو- سياسية شرق أوسطية ، تمكنها من استقرار احتلالها للعراق ، والتخلص من المقاومة اللبنانية والفلسطينية ، وتؤمن لها السيطرة على أهم مخزون احتياطي نفطي في العالم ، من منابعه في بحر قزوين والخليج إلى مصباته عبر سورية على البحر المتوسط وتضمن أمن وتوسع إسرائيل على حساب الشعب الفلسطيني وسوريةولبنان والأردن . مطالبة النظام بحزمة مطالب تفقد سورية سيادتها ، وتضع النظام برسم الترحيل ، مرفوقة بغطاء الإصلاح وحقوق الإنسان على الطريقة الأمريكية ومن قراءة المشهدالسوري ، يجد المرء دون عناء ، أن هناك تقاطعات متعددة بين الأطراف اللاعبة تحت عنوان الإصلاح . ولايحتاج إلى مستوى عال من الثقافة السياسية ليرى أين مصلحة سورية .. ولأية تقاطعات تحتاج لاغنى عن القول ، ان النظام السوري مازال ، حتى الآن ، يشكل محور هذه التقاطعات ، أي أنه يملك المبادرة في حسم الموقف في هذا الإتجاه أو ذاك . لكن تردده يضعف دوره المحوري . وربما بعد وقت غير بعيد سيفقد هذا الدور ، ويفوت على المعارضة دورها أيضاً ، وتتحول سورية إلى أرض مفتوحة مستباحة تتقاذفها أطراف اللعبة الدولية الفاعلة في الشرق الأوسط . والواضح أن العقدة المركبة التي يعاني منها النظام لدى اضطراره لتحديد خياراته هي أنه يجد نفسه لم يعد حراً أو قادراً ، بعد أحداث أيلول الأسود الأمريكي وانفجار " الحرب العالمية على الأرهاب " واحتلال العراق ، على تحقيق إصلاح ما على طريقته وحسب مصلحته .. ويكاد اعتقاده أن يكون جازماً أن التزامه بالإصلاح يهددوجوده بالزوال . فهو غير مطمئن تماماً إلى أن الشعب السوري مستعد حقاً للغفران عن الماضي ، ولابد أنه بعد تمكنه من إمساك المبادرة الفاعلة في التغيير سيطالب بمحاسبة المسؤولين عن هذا الماضي وسيطالب برد المظالم لأهلها، وبالتالي ستتقدم الأولويات استحقاقات مستوجبة الأداء وهوغير مطمئن أيضاً إلى الأمريكان إذا ما خضع لشروطهم وإملاءاتهم الإبتزازية التي في مقدمتها الإنسحاب من لبنان وطرد مراكز المقاومة الفلسطينية من سورية ، ونزع سلاح حزب الله في لبنان والتعاون لتأمين الحدود مع العراق ، والإشتراك في تصفية القضية الفلسطينية حسب الخطة الشارونية ، وتقليص الجيش السوري وإلغاء حزب البعث ، وإخضاع سورية لبرنامج التفتيش عن أسلحة الدمار الشامل ، أنهم بعد تجريده من كل أوراقه وعزله سيبقون عليه غير أنه من المؤكد ، أن تقاطع النظام مع الشعب .. مع المعارضة هو الضامن لاستقرار وسلامة الوطن ولتحقيق إصلاح وطني ديمقراطي ، يعالج أزمات البلاد بعد ل وكرامة ، ويعيدالإعتبار للإنسان وللقانون ، ويضع سورية على طريق النهوض ، ويمكنها من مجابهة الطامعين بها ، ومن لعب دور إيجابي في الحياة السياسية العربية والدولية والسؤال الآن ، ماذا سيختار النظام .. الخيار الوطني والإصلاح الديمقراطي الشامل ، أم الخيار الأمريكي ؟ هل سيختار بقاء الوطن وحماية مصالح الشعب .. أم سيختار بقاءه مهزوزاً ويختار مصالحه؟ ربما أن الأوان قد فات على هكذا سؤال . ورب قائل من لايرى بالغربال فهو أعمى ، هاهو النظام يلهث متوسلاً المفاوضات لنيل الرضى الأمريكي رغم كل الإهانات والتهديدات ، وخاصة قانون محاسبة سورية الذي سيتبعه قانون " تحرير " سورية ، وفرض العقوبات على سورية ، في وقت يمتنع فيه عن ملاقاة قوى المعارضة .. أناس من بني جلدته وشعبه ، بل ويمارس الضغط عليها ، ويظهر العين الحمراء بالتعاطي مع أي حراك سياسي أو حقوقي ، ويسلط المحاكم الإستثنائية والعسكرية على من يتجرأ على ممارسة قدر ما من حقوقه الإنسانية والسياسية لكنه والحال يراوح ، وذوبان الثلج لم يكتمل ، يبقى السؤال معلقاً
#بدر_الدين_شنن (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
نحو نهوض كفاحي ضد عالم الاستغلال والقهر
المزيد.....
-
خبراء عسكريون يدرسون حطام صاروخ -أوريشنيك- في أوكرانيا
-
النيجر تطالب الاتحاد الأوروبي بسحب سفيره الحالي وتغييره في أ
...
-
أكبر عدد في يوم واحد.. -حزب الله- ينشر -الحصاد اليومي- لعملي
...
-
-هروب مستوطنين وآثار دمار واندلاع حرائق-.. -حزب الله- يعرض م
...
-
عالم سياسة نرويجي: الدعاية الغربية المعادية لروسيا قد تقود ا
...
-
إعلام: الجنود الأوكرانيون مستعدون لتقديم تنازلات إقليمية لوق
...
-
مصر.. حبس الداعية محمد أبو بكر وغرامة للإعلامية ميار الببلاو
...
-
وسائل إعلام: هوكشتاين هدد إسرائيل بانهاء جهود الوساطة
-
شهيدان بجنين والاحتلال يقتحم عدة بلدات بالضفة
-
فيديو اشتعال النيران في طائرة ركاب روسية بمطار تركي
المزيد.....
-
المسألة الإسرائيلية كمسألة عربية
/ ياسين الحاج صالح
-
قيم الحرية والتعددية في الشرق العربي
/ رائد قاسم
-
اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية
/ ياسين الحاج صالح
-
جدل ألوطنية والشيوعية في العراق
/ لبيب سلطان
-
حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة
/ لبيب سلطان
-
موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي
/ لبيب سلطان
-
الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق
...
/ علي أسعد وطفة
-
في نقد العقلية العربية
/ علي أسعد وطفة
-
نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار
/ ياسين الحاج صالح
-
في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد
/ ياسين الحاج صالح
المزيد.....
|